المد والجزر ظاهرة تؤثر على الأرض بأكملها، ولكن لا يظهر هذا التأثير بشكل واضع على اليابسة الصلبة، في المقابل يكون كبيرة جدًا بالنسبة للغلاف الجوي ويصل إلى عدة كيلو مترات، أما تأثير المد والجزر على المسطحات المائية فيكون واضح جدًا.
ما سبب المد والجزر؟
المد والجزر في الغلاف المائي هو ظاهرة تنتج عن الحركة الدورية للمسطحات الكبيرة بسبب قوة الجاذبية التي تمارسها كتل القمر والشمس على سطح الأرض. هذه القوة الجاذبة، تعمل جنبًا إلى جنب مع قوة الجمود التي تولد نتيجة دوران الأرض حول نفسها والتي نعرفها كـ قوة طرد مركزي. نتيجة هاتين القوتين يحدث ما نعرفه بالمد والجزر.
على الرغم من أن الشمس أكبر بكثير من القمر إلا أن القوة الجاذبة للقمر المحيط بالأرض هي القوة الرئيسية أو السبب الرئيسي لحدوث ظاهرة المد والجزر، فهو أقرب إلى الأرض من الشمس، وبالتالي فتأثيره أكبر بـ 2.3 مرات من تأثير قوة جذب الشمس.
دورة المد والجزر
من السهل أن نفهم أن قوة الجاذبية التي يمارسها القمر على الأرض تؤدي إلى ارتفاع مستوى مياه البحر في جزء الأرض الذي يبدو متجهًا نحو القمر، مما يرفع ما نسميه المد.
إذًا، تستغرق الأرض 24 ساعة لإكمال دورة كاملة، أي، من وجهة نظر مراقب، مرة واحدة فقط كل 24 ساعة تتماشى الأرض مع القمر، وبالتالي، سيكون منطقيا أن تحدث موجة واحدة من المد في اليوم. لكن كما نعلم، لا يحدث هذا، فعلى مدار اليوم (24 ساعة) يحدث مدان وجزران مرتفعان في دورة من 12 ساعة تقريبًا، مع وجود مدّين منخفضين بينهما. لماذا يحدث هذا؟
المد العالي والمد المنخفض
تشكل الأرض والقمر نظامًا يدور حول مركز دوران، عندما يكون القمر على الجانب الرأسي من المحيط فإنه يجذب المياه ويؤدي إلى ارتفاعه. على الجانب الآخر من الأرض، تؤدي حركة دوران نظام القمر-الأرض إلى قوة طرد مركزية تؤدي أيضًا إلى ارتفاع الماء، مما يتسبب أيضًا في ارتفاع المد (الذي تكون شدته أقل). على النقيض من ذلك، في محيطات الوجوه غير المحاذية للقمر، فإن قوى الجاذبية والقوة الطاردة المركزية تصطدم مما يؤدي إلى انخفاض المد أو وحدوث الجزر.
لفهم دورة المد الصحيح، يجب أن نفكر أنه بينما تدور الأرض حول محورها الخاص، يدور القمر حول الأرض، وهو يستغرق 29 يومًا و12 ساعة و44 دقيقة و3 ثوان لإكمال دورته حول الأرض. هذه الحركة التي يتبعها القمر، تجعل أي نقطة على الأرض تستغرق أكثر من 24 ساعة لتتم محاذاتها أمام القمر، وتستغرق 24 ساعة و50 دقيقة و28 ثانية. هذا هو ما نسميه اليوم القمري، وهو الوقت الذي يحكم دورة المد والجزر.
لذلك، ومن الناحية النظرية، فإن دورة المد والجزر تحدث كل 12 ساعة و25 دقيقة و14 ثانية بين المد العالي والمد المنخفض، و6 ساعات و12 دقيقة و37 ثانية بين المد العالي والمد والجزر المنخفض. لكن الموضوع ليس رياضيًا بحتًا، فلا تتكون الأرض فقط من الماء، إنها سطح غير منتظم مع قارات في الوسط مما يجعل تأثير متأثرًا بها، كما تؤثر هندسة السواحل، ومظهر عمق كل ساحل والعواصف والتيارات المحيطية والرياح وخط العرض الذي توجد فيه نقطة معينة وحتى الضغط الجوي.
متى يحدث أعلى مد؟
كما رأينا، يختلف ارتفاع المد أو بالأحرى اتساعه، تبعاً لموقع القمر والشمس بالنسبة للأرض. عندما تتم محاذاة القمر والشمس مع الأرض، عندها يحدث أكبر قدر من قوة الجذب وبالتالي المد والجزر يكون بأعلى قيمة “المد الربيعي”. على العكس، عندما يشكل القمر والأرض والشمس زاوية قائمة، تكون القوة الجاذبة منخفضة، ويحدث المد والجزر الضعيف.
لتوضيح الأمر:
- المد العالي: عندما تصل مياه البحر إلى المستوى الأقصى في دورة المد والجزر.
- المد المنخفض: عندما يصل مستوى المياه إلى أدنى مستوى له في دورة المد والجزر.
- التفريغ: هي الفترة بين المد العالي والمد والجزر المنخفض.
الفرق بين المد العالي والمد المنخفض
نظرًا إلى أن قوى مركبة هي من يحكم المد والجزر، فاتفاق هذه القوة واختلافها يؤثر على طبيعة المد والجزر، وهنا يظهر الفرق بين المد العالي والمنخفض. والذي يتمثل فيما يلي:
في المد العالي يكون كل من القمر والشمس على استقامة واحدة، وبالتالي فقوة الجاذبية الخاصة بالشمس تتفق مع القوة الجاذبة للقمر، وبالتالي تكون المحصلة قوة أكبر. يحدث هذا الاتفاق في القوى خلال أطوار القمر محاق وبدر.
في المقابل يحدث المد المنخفض عندما يكون تأثير قوة جذب القمر متعامدة مع قوة جذب الشمس، أي أنهما لا تتوافقان وليستا على استقامة واحدة. ويحدث ذلك عندما يكون القمر في مرحلتي الربع الأول والربع الأخير.
لماذا لا يوجد المد والجزر في البحر الأبيض المتوسط ؟
في البحر الأبيض المتوسط، يكون المد والجزر غير موجود عمليًا، وهذا يرجع إلى حقيقة أنه بحر مغلق مع مدخل واحد عبر مضيق جبل طارق. هذه الفتحة الصغيرة، غير قادرة على استيعاب كمية كبيرة من لترات الماء من المحيط الأطلسي، التي يبلغ متوسط عمقه 4000 متر، وبالتالي، على الرغم من التدفق القوي لملايين الأمتار المكعبة من المياه إلا أنها غير قادرة على ملء البحر المتوسط لأنه لا توجد سرعة كافية طوال مدة دورة المد والجزر. أثناء حدوث الإفراغ، يحدث العكس وفي المضيق يتم توليد تيار قوي لخروج المياه باتجاه المحيط الأطلسي.
ما هي التأثيرات التي تنتج عن المد والجزر؟
أشار العلماء البيولوجيون إلى حقيقة أن المد والجزر ساهم بشكلٍ كبير وواضح في انتشار الكائنات الحية في كوكبنا، فكما نعلم أن الحياة على كوكبنا نشأت في البحار حيث تكورت الكائنات الحية هناك لملايين السنين، لكن هل سئلت نفسك هذا السؤال “ما هو السبب الذي دفع بعض الكائنات الحية الأولية إلى الخروج من المياه إلى اليابسة؟
الإجابة بكل بساطة، إن هذه الكائنات لم تخرج إلى اليابسة طواعيةً، بل أنها أرغمت على ذلك بسبب ظاهرة المد والجزر. حيث كان المد يخرج بعض الكائنات الحية، وعندما يحدث الجزر كانت هذه الكائنات في بعض الأحيان تبقى عالقةً ولا تستطيع العودة إلى الماء، ومع مرور ملايين السنين تطورت هذه الكائنات إلى أن تمكنت من العيش بشكلٍ مستقلٍ عن الماء وغزت اليابسة وشكلت الأنواع النباتية والحيوانية التي تزدهر على اليابسة.
المراجع
- KING TIDES: A COSMIC PHENOMENON | ca sea grant
- Astronomy 101 Specials: Tides | Bucknell
- Introduction to Tides | manoa hawaii
- Lunar Tides | pas Rochester