دليلك الشامل حول حياة وأهم روايات الأديب محمد شكري

ما بين قساوة الحياة وعتمتها، وحربها النفسي معنا، وما بين الولادة الجديدة للإنسان، لإنسانيته، ولكيانه، يعيش أديبنا بمفارقة. فعلى الرغم من أميّته وبؤسه وآلامه استطاع محمد شكري أن يخترق قلوبنا، فقد حول أهاته إلى حروف وآلامه إلى سطور، ودموعه إلى كلمات مست قلوبنا.

لذا ولكي نحتفي بهذا الأديب، دعونا نتعرف أكثر على حياته وطفولته وأهم أعماله، ورواياته.

محمد شكري

حياة محمد شكري وطفولته

ولد محمد شكري في عام 1935م، في بني شيكار وهي بلدة تقع على بعد حوالي 4 كيلومترات غرب مدينة مليلية في إسبانيا، بمنطقة الريف وتنتمي إلى محمية إسبانيا، ترعرع ضمن عائلة فقيرة وكبيرة تتحدث اللغة الأمازيغية. وفي عام 1945م، انشق والده عن الجيش الإسباني وانتقل مع عائلته إلى طنجة، حيث تعلم محمد شكري اللغة الإسبانية وبدأ في كسب عيشه كدليل للبحارة الذين يصلون إلى المدينة.

وفي الحادية عشرة من عمره فر من المنزل للعيش في شوارع طنجة، في بيئة يهيمن عليها البؤس والعنف والمخدرات. وذلك بسبب سوء معاملة والده المستمرة الذي أساء إليه هو وأمه.

دخول محمد شكري السجن وتعلمه القراءة والكتابة

في عام 1955م، كان يبلغ محمد شكري عشرين عامًا فقط، عندما دخل السجن حيث تعلم بمساعدة نزيل آخر قراءة وكتابة اللغة العربية الفصحى، وهي لغة الثقافة والتقاليد الواضحة، والتي تختلف عن اللهجة المغربية التي ورثها عن أمه. وفي عام 1956م، غادر طنجة ليستقر في العرائش، حيث التحق بمدرسة ابتدائية. وفي الستينيات عاد إلى طنجة وهي المدينة التي كان بقي فيها بقية حياته. هناك بدأ حياة ليلية وتجاوزات في شوارع المدينة التي يتردد عليها مدمنو الكحول.

في عام 1966م، نشر أعماله الأولى في مجلة الأدب الشهرية في بيروت تظهر قصته بعنوان العنف على الشاطئ. وفي العقد التالي علم شكري بالنجاح الدولي الذي حققنه روايته، وذلك أيضًا بفضل ترجمتها إلى اللغة الإنجليزية حيث ترجم بول بولز كتابه الخبز الحافي في عام 1973م، وهو الجزء الأول من ثلاثية السيرة الذاتية. فقد اعتبر الكتاب سببًا للفضيحة في الدول العربية. حيث أن النسخة العربية الأصلية لم تظهر حتى عام 1982م، ولكن بعد عام حظرت وزارة الداخلية المغربية المسؤولة عن إدريس البصري، العمل بناءً على توصية العلماء والتي تحطمت بسبب الإشارات الصريحة إلى الجنس والمخدرات. ولم يتم إلغاء الحظر حتى عام 2000م.

التحدث عن بدايات عمله وتواجده في بيئة الجهل والفساد

بدأ محمد شكري حسب روايته العمل وكان يقل عمره عن عشرة سنوات، عمل كصبي في إحدى المقاهي لتبدأ حياته في منحدرات الجهل والتسكع، وينغمس في مستنقعات الفحشاء والرزيلة وبعدها الدعارة حيث كانت يتتبع النساء طوال فترة مراهقته، وبالتالي عاش أول عشرين سنة من عمره في عالم سفلي متدني، اختلط مع مجموعات شديدة الانحراف ومارس الكثير من الرزيلة والفساد والزنى. بعد أن ترك عمله في المقهى، وعمل بائع سجائر وحشيش للجنود الأجانب، كان سارق ويشرب الخمر ويفعل كل الأشياء المنحرفة والسيئة التي لا تمت بصلة للأخلاق، حتى بلغ محمد شكري العشرين من العمر دخل إلى السجن وهناك التقى مع نزيل آخر دله على أحد المدرسين في مدرسة العرائش بعد أن علم منه أنه أمي، ونصحه بأن يكمل تعليمه، بعد خروجه من السجن سمع بنصيحة الرجل وتوجه إلى المدرسة بالرغم من فارق العمر بينه وبين الطلاب تابع تعليمه وتفوق، بعد ذلك دخل في مرحلة التعليم وأصبح مدرس في إحدى مدارس تلك المدينة.

روايات محمد شكري الكاتب المغربي

كتب محمد شكري أعماله باللغة العربية بلهجة عدوانية وموجزة، لقد كتب في رواياته عن الجنس بوقاحة وبأدق التفاصيل، فكتب عن حالات دعارة للأطفال وأيضًا الاعتداء الجنسي على الأطفال وتحدث عن المثلية الجنسية، ويصف تجاربه مع الكحول والمخدرات بالإضافة إلى إهانة العرب للأمهات والأخوات، إن أعماله أيضًا تروي كراهيته وتعنيفه الأب. ومن أهم أعماله سيرته الذاتية التي تتمثل بثلاث روايات وهي:

الخبز الحافي عام 1972م

كانت هذه الرواية رمز لطفولة محمد شكري المدمرة، حيث أن العنف موجود في أغلب أحداثها، إن رواية الخبز الحافي تجسد المأساة والمعاناة الإنسانية بأقسى أشكالها، انتقل بطل الرواية وهو محمد شكري من مدينة طنجة مع أهله بسبب الفقر الشديد، حيث كان والده يعامله معاملة سيئة وشديدة الظلم وأيضًا يتعاطى ويشتم الإله، صّور الكاتب والده بصورة العنف والانحراف عن الأخلاق والأدب والذي تسبب في تدمير حياة أولاده روحيًا وأخلاقيًا في جميع مناحي الحياة.

وبعد وفاة أخ الكاتب الصغير على يد والده، أدى ذلك إلى رفضه نظام الأسرة المعروف، وعبر عن كرهه وحقده للأب الذي أعتبره متسلط على أفراد أسرته، وقد استمرت معاناة البطل في طنجة حيث كانت أمه تعمل ببيع الفواكه والخضار بينما كان والده في السجن، وهو يبحث في مزابل الأوربيون التي كانت على عكس مزابل المغاربة الفقيرة كما عبر.

رواية زمن الأخطاء 1992م

وهي رواية يكمل فيها محمد شكري سردة سيرته الذاتية المقرونة بالعذاب والخيبات والبؤس والحرمان، حيث يصور لنا بشكل مباشر عذابه الشخصي، وفي هذه الرواية أيضًا كان العمود الفقري لها هو الفقر والجهل والتشرد والجنس الذي عاشهم في براري طنجة، وركز على حياة الليل في تطوان وطنجة والعرائش، وعرفنا على الشخصيات التي رافقها وعاش أيامه معها، وأغلب هذه الشخصيات من الشذاذ ومتسكعين المدن وفتيات الليل وغير ذلك من الشخصيات من عالم الهامشية، حيث أنه عاشت هذه الشريحة في الشوارع والمقاهي والمواخير والأذقة. كان شكري يفصح في كتاباته من غير خجل أو حياء عن عوالم التشرد والضياع، ولم يقم وزنًا للعادات والأعراف والتقاليد والقيم الاجتماعية ولم يعترف بالمحرمات.

رواية وجوه

محمد شكري 1

تعد هذه الرواية جزء من الأجزاء الأخيرة من ثلاثية سيرته الذاتية، وهي تحكي عن حياة الناس المحيطين بالكاتب، وتوقف أمام المدن والأماكن التي زارها أو سكنها.

تعتبر هذه المقالة عبارة عن تعقب بشكل متواصل لحياة أشخاص يعيشون في عالم قاسي، حياة مليئة بالمطاردة والصراع على البقاء. تقوم أحداث الرواية على شخصية ساذجة تتذكر الأحداث التي مرت بها من وجه نظر طفل صغير، بالتالي فهو يعبر بشكل مستمر عن الجهل، حيث يشعر بالغربة وبنوبات الغضب، على وجه الخصوص عندما يتذكر طفولته، وقد صور شكري مشاهد العنف والجنس، بطريقة جريئة ومباشرة، وكأنه يجسدها مثلما عاشها تمامًا في المرحلة التي كانت مليئة بالصخب والمعاناة.

رواية مجنون الورد 1979م، والخيمة 1985

تظهر لنا هذه القصص شخصيات من أعماق مدينة طنجة وأزقتها المغلقة وحوانيتها وادمانهم على حياة الصعلكة والكيف، ويروي الكاتب في هذه القصص مدى حبه لمدينته حيث صور حنينه لها بعبق الكلمات والنصوص التي خطها، وصور لنا طبقة كاملة من المشردين بكل ما تحتويه حياتهم وبكل صفاتهم وما يحملون من خصال، فصور الأمور والمواضيع التي تجعلهم سعداء وكذلك الأمور التي تثير أحزانهم وتجعل منهم شخصيات مليئة بالسواد وتفيض أرواحها بالألم.

رواية عهد الراقصين 1987م

ولدت فكرة الكتاب في مدينة فرانكفورت خلال ندوة رقص، فقد جاء أحد الطلاب إلى محمد شكري وسأله عما إذا كان يستطيع إخباره بشيء ما عن حياة راقصة مشهورة، ومنذ ذلك الوقت خطرت له الفكرة وأعد الكتاب. لاحظ اهتمام الكثير من الجماهير والمهنيين بالرقص الشرقي من خلال خبرته الطويلة في هذا المجال، حيث كتب المزيد عن الراقصات الذين وجدوا في مختلف الأوقات من التاريخ المصري، وصور حياة هؤلاء الراقصين في الصور القديمة والحالية التي تبين العديد من الألغاز والمغامرات والأوهام والحكايات.

رواية السوق الداخلي عام 1985م

وتعتبر هذه الرواية من أبرز روايات الأديب الراحل محمد شكري وتدور أحداثها حول عالمان يتداخلان، ومساحة من الزمان والمكان اللذين يعدان رمزًا في السوق الداخلي.

رواية الشحرور الأبيض 1998م،

الرواية عبارة عن دراسة أدبية ونقدية للكاتب محمد شكري. صدرت من قبل الناقد السوري محيي الدين اللادقاني، وتتكون هذه الرواية من ستة فصول تبين فيها رأي الكاتب في بعض المؤلفات العربية والعالمية وتستعرض المفاهيم الأدبية أيضًا. بالإضافة إلى مدى تطور الأجناس الأدبية ومدى تفاعلها مع الفكر الإنساني. فقد نشر آراء وشهادات نقدية ليثبت ثقافته، أو تشير إلى قراءة تجربته بالتشرد بوعي معرفي، ويستند في كتاباته إلى قراءات من مرجعيات ومصادر متعددة.

يقول محي الدين اللاذقاني: “لقد تحول محمد شكري بالمعرفة إلى شحرور ابيض، وخرج من عالم البلطجية، ولصوص الشوارع، وبنات الهوى، وأصحاب السوابق، إلى عالم جديد نظيف، وطموح نبيل، وهو يدرك أنه لا يستطيع أن يمد يد المساعدة لجميع من عاشرهم وعاش معهم في السوق الداخلي في طنجة، لكنه ومن خلال التجربة القاسية التي أجاد التعبير عنها يدل أصحابه القدامى، وجميع الضائعين في مدن العالم كافة إلى طريق النجاة، وإلى إمكان الانتصار على قبح العالم بالمعرفة التي صنع منها الأجنحة التي ساعدته على الوصول إلى دنيا جديدة ومختلفة عما ألفه وعرفه في طفولته المعذبة”.

ومن أهم أعماله أيضًا:

مسرحية السعادة عام 1994م، بالإضافة إلى كتابة مذكراته مع جان جنيه، بول بولز، وتينيسي وليامز.

وفاة الكاتب المغربي محمد شكري

توفي بمرض السرطان في 15 نوفمبر عام 2003م، عن عمر يناهز 64 عامًا في مستشفى الرباط العسكري وتم دفنه في مقبرة مرشان في طنجة بحضور وزير الثقافة المغربي وكبار المسؤولين والشخصيات من عالم الثقافة و ممثل البيت الملكي. ولكنه قبل موته كان قد أنشأ مؤسسة باسمه تملك حقوق الطبع والنشر الخاصة به وتحتفظ بمخطوطاته. وترك راتب تقاعدي لمساعده المنزلي، الذي رافقه أكثر من عشرين عامًا، حيث نعاه اتحاد كتاب المغرب واعتبروا وفاته خسارة كبيرة، باعتباره من رموز الثقافة العربية والمغربية المشعة.

شارك المعلومة؛ فالدال على الخير كفاعله