عمر المختار … من أجل الحرية النصر أو الموت

عمر المختار الزعيم الليبي الذي وقف أمام أقوى الجيوش ليرفع علم بلاده عاليًا، والشخصية العربية التي ماتت من سنين طويلة إلا أن سيرتها ستعيش حتى آلاف السنين.

إنه المجاهد الذي رفض الاستسلام وتم إعدامه لأنه كان يدافع عن أرضه ووطنه، قاد سلسلة من المعارك والغارات التي جعلت من اسمه رمزًا للكفاح والنضال في تحرير الأوطان، هو البطل الذي أجبر جيوش أقوى دولتين في العالم الاعتراف بمدى الضعف وقلة الحيلة أمام جماعته الذي كان عددها أقل من ألف مجاهد، تعالوا معنا لنعرف تفاصيل أكثر عنه.

من هو عمر المختار؟

من هو عمر المختار؟

هو أحد الشخصيات الهامة التي أثرت في تاريخ الثورة الليبية، إنه عمر بن فرحات ابريدان المنفي الهلالي، من قبيلة تسمى (بريدان) وهي من بطون قبيلة المنيف أو (المنفية) من أوائل القبائل التي سكنت مدينة (برقة) الليبية.

والدته تسمى عائشة بنت محارب.

ولد في بلدة (جنزور) الساحلية التي تقع في الشمال الغربي من ليبيا، المطلة على البحر الأبيض المتوسط، غرب العاصمة الليبية (طرابلس) القريبة من (طبرق) في الجبل الأخضر، وكان ذلك في 20 من شهر آب “أغسطس” من عام 1858 م.

إنه قائد مهم في الحركة السنوسية في ليبيا.

وهو من أشهر المقاومين الذين عرفهم التاريخ بين العرب والمسلمين.

ألقاب عمر المختار

لُقب عمر المختار بعدة ألقاب كان لكل منها سبب في ذلك:

  • شيخ المجاهدين، وهذا لكونه قد أرهق الحكومة الإيطالية والبريطانية لأكثر من عشرين سنة من أجل القبض عليه، كما هدم اسطورة هاتين الدولتين التاريخية التي زلزلت العالم لسنين طوال،
  • أسد الصحراء: بسبب مصارعته لأسد في الصحراء اللبيبة وقضى عليه.
  • شيخ الشهداء لأنه عندما استشهد كان كبيرًا في السن.
  • وأطلق عليه لقب آخر مشهور جدًا وهو (سيدي عمر) لعلاقته القوية بالسنوسيّين، حيث كان يُعتبر من بين زعمائهم. وهو لقب لا يُمنح إلا لكبار مشايخ وعلماء الحركة.

صفات المجاهد عمر المختار

اشتهر خلال حياته بالحزم والصبر مع الاستقامة والجدية، وكانت صفاته الحميدة، وأخلاقه العالية ملفتة لنظر كل من عرفه من زملائه وأساتذته، كما كان متواضعًا وشديد النزاهة، إلا أنه كان قاسي الطباع، وواسع الثقافة، شديد الإخلاص والولاء لبلاده.

ويُعرف بأنه حاد الذكاء، وهو من شدة حبه للدين الإسلامي كان متدينًا قويًا ومتعصبًا لدينه بشكل كبير. فقد كان مُلمًا بالكثير من العلوم الدينية، مع إلمامه بشؤون بيئته، حيث كان يعرف الكثير عن القبائل الموجودة فيها وأسمائها وأنسابها وعاداتها وتقاليدها، والرمز الذي يميز كل قبيلة من خلال الوسوم التي تطبعها على ما تملكه من أغنام وأبقار وجمال.

بالإضافة لتعلمه عن كل ما يوجد في بلاده من أنواع النباتات وخصائصها، والحيوانات التي تعيش في منطقته وكل ما يتعلق بها وما يصيبها من أمراض وكيفية علاجها.

ولا ننسى خبرته بمسالك الصحراء والطرق التي فيها، حيث تدرب عليها من خلال اجتيازه لها عندما كان يذهب من برقة إلى خارج ليبيا حيث مصر والسودان، مع خبرته في الطرق الضيقة والمسالك بين المدن الليبية التي كان يذهب إليها مثل (الجغبوب، الكفرة وغيرها كثير).

وهذه المزايا التي اكتسبها بالتعلم كان لها دور كبير في فترة جهاده ضد الاحتلال الإيطالي على بلاده.

صفاته الجسدية

كان المجاهد عمر المختار معتدل الجسم، متوسط القامة حيث يميل للطول بشكل أكثر من القصر، ذو شعر أبيض ولحية كثيفة بيضاء أعطته الهيبة والوقار والجدية لشخصيته، كما كان عريض المنكبين وقوي البنية.

صوته أجش، ذو حديث سلس، مع اتزان في عباراته وكلماته، يتخلل كلامه ابتسامة هادئة.

السيرة الذاتية لعمر المختار

اهتمام والده بتربيته

بعد ولادة عمر المختار مباشرة اهتم والده بتربيته تربية إسلامية مستمدة من تعاليم الحركة السنوسية التي تقوم على اتباع القرآن والسنة النبوية الشريفة.

ومن حرص والده على تعليمه أصول الدين سافر به وهو مازال صغيرًا (4 سنوات) إلى الحجاز لأداء فريضة الحج، إلا أنه مرض هناك وتوفي وهو في طريقه إلى مكة المكرمة.

ووصى قبل وفاته صديقه (الشيخ أحمد الغرياني) الذي كان يرافقه في الحج، أنه في حال توفي بأن يقوم هو وأخوه حسين الغرياني (شيخ زاوية جنزور) بتربية ولده عمر.

انتقال عمر المختار إلى كنف صديق والده لتربيته

قام صديق والد عمر المختار (الشيخ أحمد الغرياني) مع أخيه الشيخ (حسن الغرياني) بتولي أمور تربية عمر بعد وفاة والده، (كما يُقال بأنه قام بتربية عمر وأخيه محمد أيضًا في ذلك الوقت)، حيث قاموا بالحاق عمر بمدرسة القرآن الكريم الموجودة في زاوية جنزور، ثم دخل معهد (الجغبوبي) من أجل دراسة علوم الدين مع أبناء القبائل الأخرى.

دراسته للعلوم الشرعية

في هذا الوقت بدأ عمر المختار يُلفت انتباه شيوخه ومدرسيه بذكائه ونباهته وحُسن أخلاقه حيث ظهر واضحًا للجميع ذكائه، وهذه الصفات شجعت أساتذته في المعهد على الاهتمام به بشكل أكبر من أجل أن يُساهم في نشر تعاليم الإسلام خارج ليبيا ايضًا، وهذا لأن معهد (الجغبوب) كان في ذلك الوقت منارة للعلم، وملتقى العلماء والمربين والأدباء والفقهاء من مختلف دول القارة الأفريقية، حيث كانوا يهيؤون الطلاب المسلمين في هذا المعهد، وتعليمهم المبادئ الإسلامية من أجل حمل رسالة الإسلام لنشرها بين القبائل.

وظل عمر المحتار يدرس العلوم الشرعية مثل (الفقه والتفسير والحديث) في معهد (الجغبوب) لمدة (8 سنوات) تقريبًا على يد أشهر الشيوخ في ذلك الوقت أمثال (السيد الجوّاني، السيد الزروالي المغربي)، حيث كان عمر متميزًا بين زملائه برجاحة عقله، وذكائه، ونباهته، وحبه للدعوة، وإخلاصه وتفانيه في الدراسة وأداء ما يتوجب عليه. عدا على كونه كان مشهورًا بين زملاؤه بالاستقامة والجدية والحزم والصبر.

اكتسب عمر السمعة الجيدة وبشكل قوي عند شيوخ الحركة السنوسية، من خلال ما كان ينقله أساتذته عن أخلاقه وصفاته الحميدة لهم وخاصة للشيخ محمد المهدي السنوسي (زعيم في الحركة السنوسية)، مما جعله يكبر في عيون مشايخ الحركة.

وفي عام 1895 أخذه الشيخ محمد المهدي في رحلة من (الجغبوب) إلى منطقة في جنوب شرق ليبيا تسمى (الكفرة).

اهتمام عمر المختار بدراسة بيئته المحيطة به

وفي هذه الفترة من عمره بدأ يهتم بدراسة جغرافية البحار المحيطة ببلاده، وتعرف على الطرق الرئيسية والطرق المختصرة والتلال الموجودة في صحراء ليبيا.

كما اهتم بدراسة أنواع النباتات الموجودة في بيئة بلاده ودراسة خصائصها.

كما تعلم كل ما يتعلق بالماشية والأمراض التي تصيبها مع تعلم طرق علاجها.

عدا عن كونه كان يحب أن يتعرف على طباع كل قبيلة بدوية في بلاده محيطة به، ونسبها وعاداتها والتقاليد التي تحكمها.

السبب في تسميته أسد الصحراء

كان كل من يعرف عمر المختار يشعر بأن الصحراء كانت بمثابة منزله من شدة حفظه لكل ركن من أركانها، مما جعلهم يُطلقوا عليه لقب أسد الصحراء.

تعد الحادثة المشهورة التي كانت السبب في إطلاق لقب (أسد الصحراء) على عمر المختار شعار تعرفه فيه كل القبائل، وقصة الحادثة الشهيرة تدور كما يلي:

من شدة إعجاب الشيخ المهدي بعمر اصطحبه معه في إحدى المرات برحلة من الجغبوب إلى منطقة الكفرة، ثم إلى منطقة (قرو) في غرب السودان، وكانوا آنذاك ضمن قافلة فيها عدد من شيوخ الدعوة.

وفي طريقهم قطع عليهم الطريق أسد وهم في وسط الصحراء، فاقترح أحد المرافقين بإلقاء واحد من الماشية في طريق الأسد ليتخلصوا من أذاه، إلا أن عمر المختار رفض هذا الحل وقال حينها:

إن الإتاوات التي كان يفرضها القوي منّا على الضعيف قد أبطلت، فكيف يصحّ أن نعيدها لحيوان؟ والله إنها علامة ذلٌّ وهوان، والله إن خرج علينا لندفعه بسلاحنا“.

وقام عمر المختار بمصارعة الأسد لوحده حتى قتله، وقام بسلخ جلده وعلقه على وتد في وسط الطريق الصحراوي لتشاهده باقي القوافل التي تعبر من هذا الطريق.

وجوده في السودان

بقي عمر المختار في السودان ما يقارب (10 سنوات) نائبًا عن الشيخ المهدي السنوسي، كان خلالها ينشر تعاليم الإسلام والدعوة بمنتهى الجدية والالتزام، لدرجة أن شيخه محمد المهدي كان يقول فيه: “والله لو كان بيننا عشرة مثل عمر المختار لاكتفينا بهم”.

تعيينه شيخًا على بلدة زاوية القصور في ليبيا

انتقل في عام 1897 إلى ليبيا، وتم تعيينه شيخًا لبلدة اسمها (زاوية القصور) القريبة من منطقة الجبل الأخضر، في الشمال الشرقي لبرقة، حيث كان يقطن هذه البلدة فبيلة العبيد، وكان معروفًا عنهم أنهم أشداء ويصعب السيطرة عليهم، لكن رغم ذلك استطاع في المهمة المكلف بها في هذه البلدة، ونجح في السيطرة على سكان البلدة بعد كسب ثقتهم.

ومن شدة علاقته القوية بالسنوسييّن أطلقوا عليه لقب (سيدي عمر)، وهذا اللقب أطلق عليه باعتباره أحد شيوخ السنوسية المعروفين.

انضمامه لصفوف المقاومة في تشاد وحادثة الإبل المريضة

وبعد حوالي (3سنوات) بدأ الاحتلال الفرنسي لدولة تشاد، وانضم عمر المختار لصفوف المقاومة من أجل محاربة الاستعمار وتحرير أهالي البلد من ظلم الفرنسيين، خاصة أن الفرنسيين أخذوا يحاربون الحركة السنوسية أيضًا، فكان عمر قائد لكتائب الحركة.

وأثناء الحرب حصلت واقعة مشهورة ساهمت في زيادة شعبية عمر المختار عند قبائل الليبية، وهي أن الإبل والجمال التي كان المجاهدين يستخدمونها في القتال أصيبت بداء الجرب، فسحب عمر المختار الإبل التي بلغ عددها (4000) واتجه بهم لمنطقة تسمى (عين كلك) من أجل علاجها بمياه هذه المنطقة الجيدة لمعالجة الأمراض، وخلال فترة قصيرة جدًا تعافت كل الإبل على يديه.

عودته لحكم بلدة زاوية القصور

وفي عام 1902 توفي شيخه محمد المهدي، فطلبت القيادة السنوسيّة من عمر المختار العودة من تشاد للأراضي الليبية ليكون حاكم بلدة زاوية القصور، وهذا من بعد ما زادت حالات الشغب بين الأهالي، ومرة أخرى نجح عمر في السيطرة على جميع الأهالي في وقت قصير جدًا، لدرجة أن الحكومة العثمانية آنذاك أشادت في جهود عمر في جلب الهدوء والاستقرار للبلدة.

بقي في هذا المنصب لمدة (8 سنوات)، حيث كانت عملياته ضد قوات الانتداب البريطاني على الحدود المصرية الليبية مستمرة، لدرجة أن البريطانيين كانوا يعتبرونه (شبح الصحراء).

إعلان إيطاليا الحرب على الدولة العثمانية

في 10 أكتوبر من عام 1911 أعلنت إيطاليا الحرب على الدولة العثمانية، وبدأت في إنزال قواتها على أراضي مدينة (بنغازي)، فجمع عمر المختار (1000) من عبيد بلدة (زاوية القصور) وأنشأ معهم معسكرًا في منطقة (الخروبة).

ثم التحق بالمجاهدين في الجيش العثماني من أجل محاربة الجنود الإيطاليين في منطقة (الرجمة)، واستمرت المعارك لمدة سنة كاملة بوجه التقريب، حيث تكبدت فيها إيطاليا خسائر فادحة بسبب (المقاومة الشرسة) من قبل المجاهدين.

 وعندما اندلعت حروب البلقان، اضطرت الدولة العثمانية لعقد صلح مع إيطاليا، ومن شروط الصلح أن تنسحب الدولة العثمانية إلى الأستانة،

قام قائد القوات العثمانية آنذاك (عزيز بيك المصري) بالموافقة على شروط الصلح، وانسحب بالفعل إلى الاستانة مع جنوده النظاميين، ولكن قبل رحيله أخذ كافة الأسلحة التي لديه التزامًا منه ببنود الاتفاق، مما أثارت هذه الحركة غضب شديد في صفوف المجاهدين الليبيين، وطالبوه في وقتها بتسليمهم السلاح قبل الانسحاب.

وعندما رفض بدأ المجاهدين في إطلاق النار على الجنود العثمانيين، مما تسبب في وقوع خسائر بشرية كثيرة من الطرفين (الجنود العثمانيين والمجاهدين الليبيين)، عندها أمر عمر المختار المجاهدين بعدم التعرض للقوات العثمانيين مرة أخرى.

استمرار القتال ضد إيطاليا بقيادة عمر المختار

بقي عمر المختار يحارب مع المجاهدين ضد الجيش الإيطالي لحين وصول (أحمد الشريف السنوسي) لمنطقة (درنة) الواقعة على البحر، واستلم القيادة من عمر المختار، وبقي معه يحاربان سويًا القوات الإيطالية.

كانت المعارك بين الطرفين في أعنف صورها وأشبه بالملاحم، وهذا يعو لكون الكثير من المجاهدين يحاربون بكل قوة متأثرين بشجاعة عمر المختار التي وصفوه وقتها بالداهية بسبب شدة ذكائه في الحرب.

المعارك بين المجاهدين والجيش الإيطالي

من أشهر المعارك والغارات التي دارت وقتها بين المجاهدين والقوات الإيطالية معركة في منطقة درنة، والتي استمرت لمدة يومين فقط، لكن عمر المختار نجح خلالها في قتل (70) جندي إيطالي وإصابة ما يقارب (400) جندي، وهذا يعتبر انتصار رهيب كون المجاهدين الليبيين كانوا يعانون من قلة الأسلحة، إضافة لمعركة (بو شمال) في منطقة عين مارة، ومعارك (الزويتينة، أم شخنب، والشلظيمة) في عام 1914.

وفي هذه الفترة كثفت القوات الإيطالية غاراتها على جميع المدن الليبية، ونجحت في الاستيلاء على كثير من أراضيها، مما اضطر عمر المختار في الانسحاب مع المجاهدين إلى منطقة (جبل العبيد)، حيث بدأت معاناة المجاهدين تزيد بسبب القحط والشح الذي حل على البلاد نتيجة الحرب، ورغم ذلك فإن عمر المختار كان يتنقل بين الحدود المصرية الليبية من أجل المقاومة ضد الاحتلال البريطاني على مصر آنذاك تحت قيادة (أحمد شريف السنوسي) وبعدها كان يعود لمنطقة جبل العبيد من أجل القتال مع المجاهدين الليبيين ضد الاحتلال الإيطالي.

المفاوضات من أجل إيقاف المقاومة (بين البريطانيين وعمر المختار)

في عام 1916 قام (نوري باشا ممثل الدولة العثمانية) باستدعاء المجاهد عمر المختار في منطقة (برقة) ليطلب منه توقيف هجماته على الجيش البريطاني في مصر، إلا أن عمر المختار رفض طلبه.

مما دعا القوات البريطانية لإرسال وفد من البريطانيين والايطاليين إلى الشيخ (ادريس السنوسي) في منطقة (الزويتينة) من أجل اقناع عمر المختار بإيقاف المقاومة ضد الجيش البريطاني في مصر، وضد الجيش الإيطالي في ليبيا، ووافق الشيخ ادريس على أن يقوم بذلك ومال للسلم، وبالعفل تم توقيع معاهدة سميت (معاهدة الزويتينة) والتي أثرت بشكل واضح على باقي المعاهدات الليبية التي وقعت بعد ذلك، كما كان من آثارها تشتت معظم رجال الشيخ ادريس في أنحاء البلاد.

بعد سقوط العاصمة الليبية طرابلس  

في شهر (يناير) من عام 1923 هاجر الشيخ محمد ادريس لمصر بعد سقوط العاصمة الليبية طرابلس على أيدي الإيطاليين، مما جعل عمر المختار يقوم بقيادة المجاهدين في منطقة (برقة)، مع دعوة أهالي الجبل الأخضر للقتال واعداد جيش شجاع ضد هجمات الجيش الإيطالي.

كما فتح عمر باب التطوع أمام الشعب الليبي للاشتراك والكفاح والمقاومة ضد الاحتلال الإيطالي، وشكل لجنة من أعيان وكبار رجال الجبل الأخضر ودربهم على أسلوب الغارات وحرب العصابات، وكان يصطب معه ما يقارب من 200 إلى 300 محارب في كل غارة بحيث يقوم بالهجوم على الجيش الإيطالي بشكل مفاجئ ثم ينسحب بسرعة، وهذه كانت بداية الحرب القوية التي ظهرت بين الجيش الإيطالي وعمر المختار والتي استمرت (22) سنة، وانتهت بإعدام عمر المختار.

ورغم ذلك فإن عدد أفراد المقاومة الليبية لم يزيد عن (1000) مقاوم فقط وأغلبهم كانوا مسلحين ببنادق خفيفة، إلا أنه رغم ذلك فإن الغارات التي كان يقوم بها مع المجاهدين ضد الجيش الإيطالي كانت أشبه بالكابوس المرعب على الجيش الإيطالي، وهذا يعود إلى:

  • خبرة عمر وعلمه بخبايا وأسرار الصحراء.
  • وكون المجاهدين معه قد تعودوا على شدة القيظ والجفاف ونقص المياه.
  • واهتمامه بقطع طرق المواصلات والامدادات على الجيش الإيطالي.

وبدأ يهاجم ثكنات الجيش الإيطالي، ويقتل مسؤوليهم ذوو رتب عسكرية عالية ورفيعة، رغم أنهم محصنين بأسلحة نظامية قوية وجديدة بأيد قوات نظامية.

واستغل عمر خبرته في الصحراء وجغرافيتها ودروبها ومسالكها في مواجهة الجيش الإيطالي بحملات سريعة وضربات موجعة، وإيقاع الرتل وراء الآخر بكمين مدبر، مما أصاب المسؤولين العسكريين الإيطاليين بذهول، وهذه المقاومة الرهيبة من المجاهدين مع عمر المختار تسببت في:

  • إحراج الجيش الإيطالي أمام الرأي العام في بلادهم.
  • كما اتهم الجيش الإيطالي بالفشل أمام مقاومة شعبية بسيطة مكونة من مجموعة مكونة من عدد لا يتجاوز الألف رجل، ولا يوجد بينهم وبين الجيش الإيطالي أي تكافؤ من حيث العدد والأسلحة المستخدمة حيث كانت المقاومة تحارب بأدوات بسيطة.

انسحب قائد الحركة السنوسية إدريس السنوسي في عام 1922 بعد أن عقد صلحًا مع إيطاليا، مما أثار غضب عمر المختار وشيوخ القبائل وقواد الحركة، فقاموا بمبايعة عمر المختار زعيمًا لهم بشرط محاربة الإيطاليين فقط، فقبل الشيخ ادريس بذلك ورحل إلى مصر للعلاج مدعيًا المرض،

وبعد رحيل الشيخ إدريس استمرت الحرب من جديد، وأصبحت المسؤولية أكبر على عاتق عمر المختار، وفجأة وجد نفسه قد تحول من شيخ ومعلمّ مهتم بشؤون الدعوة الإسلامية إلى قيادي في الصفوف الأولى من المقاومة الليبية، وبدأ بجمع أكبر عدد من المجاهدين مع حرصه على جمع المال الكافي لاستمرار المقاومة، وتحريض القبائل لمهاجمة الطليان في برقة برئاسته.

وفي نهاية عام 1923 سافر عمر المختار إلى مصر لمقابلة شيخه (محمد ادريس) ليعرض عليه نتائج حركة المقامة في ليبيا، مما جعل الحكومة الإيطالية تقوم بالتواصل بينها وبين عمر المختار بشتى الطرق من أجل تقديم عرضين أمامه وهما:

  • الرجوع إلى ليبيا مرة أخرى والتنازل عن زعامة المقامة الليبية، وإجبار رجال المقاومة على ترك الجهاد، مقابل أن يجعلوا منه رجل ليبيا الأول، وأهم شخصية في تاريخ هذه الدولة، مع توفير سكن له أشبه بالقصر في أي منطقة يختارها، مع تكليف الجنود الإيطاليين بحراسته وحمايته.
  • أو العرض الثاني وهو أن يبقى في مصر، ويقطع علاقته بالشيخ (محمد ادريس)، ويطلب اللجوء بشكل رسمي للدولة الإيطالية، مقابل تقديمهم له كل الامتيازات اللازمة والتي يطلبها، بالإضافة إلى تقديم راتب شهري له ضخم وبالمبلغ الذي يعينه.

أما رد عمر المختار أمام هذين العرضين، وأمام أي عرض آخر من العدو في كل مرة قوله: ” أننا قد خُلقنا للجهاد!”.

ورغم أن الإيطاليين كرروا العرض على عمر المختار عدَّة مرّات حتى بعد أن خرج من مصر وعاد إلى برقة لكنه في كل مرة كان يرفض ويُصرّ على الجهاد. وغادر عمر المختار القاهرة إلى السلّوم ثم برقة.

الحادثة المشهورة (معركة بئر الغوبي)

وعاد عمر المختار إلى ليبيا، اثناء عودته حصلت الحادثة المشهورة باسم (بئر الغوبي)، والحادثة تدور كما يلي:

في هذا الوقت وخلال عودته إلى ليبيا آنذاك، كان عمر المختار بصحبة (50) رجل من كبار السن من المجاهدين، حيث فاجأهم الجيش الإيطالي بحوالي (7) مصفحات محملة بجنود لا حصر لهم، وحصل اشتباك بين الطرفين، فانهال عمر والمجاهدين على القوات الإيطالية بوابل من الرصاص مما أدى لحرق كافة المصفحات واشتعالها، مع القضاء على عدد كبير من جنودهم، أما الجنود الفارين منهم فكان مصيرهم التيه وسط صحراء لا يعرفون عنها أي شيء.

واستمر المجاهدين بقيادة عمر في السير حتى الجبل الأخضر في (زاوية القطوفية) حيث هناك معسكر المغاربة المجاهدين الذين خاضوا معركة كانت قد نشبت بينهم وبين الإيطاليين تسمى (معركة البريقة)، وأبلغ أمر القائد (الأمير ادريس) بتسلمه القيادة العامة للثوَار، ثم عاد للجبل الأخضر حيث بدأت القبائل بالانضمام حوله.

تغيير سياسة إيطاليا تجاه المقاومة

بعد معركة (بئر الغوبي)، بدأت المعسكرات الإيطالية تعاني من عدم السيطرة بشكل كافي على الأراضي الليبية، والقوة الإيطالية أصبحت تعاني من الإنهاك واستنفاذ قوتها، وهذا يعود لوجود عمر المختار وجماعة المجاهدين، وكثير من القبائل التي انضمت إلى صفوف المجاهدين مع عمر خاصة بعد أن أثبت كفاءته في التصدي للقوات الإيطالية المحتلة بحيث لا يدخل في معركة وينتصر إلا ودخل في معركة أخرى.

وفي هذا الأثناء قررت الدولة الإيطالية تغيير سياستها في محاربة المجاهدين بشكل تام، وأعلنت الحرب على معسكرات المقاومة الليبية، وبالأخص معسكر (البراغيت) حيث كان عمر المختار يدير المقاومة من خلاله، وهو مقر القائد ومركز الرئاسة العامة.

كما ألغت الحكومة الإيطالية جميع الاتفاقيات التي كانت قد عقدتها بينها وبين شيوخ قبائل الحركة السنوسية، مما أدى لاشتعال المعارك والغارات بين الطرفين بشكل أكبر، وأصبح عمر المختار بمثابة نذير شؤم على القوات الإيطالية، وموطن الأمان بالنسبة لشعب ليبيا بكامله المتطلع للتحرير.

التغيير في قيادات الدولة الإيطالية

وفي منتصف العشرينات تغير عدد كبير من قادة قوات الاحتلال الإيطالي، كما تغيرت سياسات الحكومة الإيطالية مرة أخرى من عسكرية إلى غير العسكريَّة، وبذلت الحكومة الإيطالية الأموال الكثيرة لزعماء القبائل، وأخذ القياديين الجدد بالمطالبة بالسلام وعقد مفاوضات مع شيوخ قبائل الحركة السنوسية وزعماء القبائل مقابل اغراقهم بالأموال، ولكن للأسف وافق عدد كبير منهم على المطالب الجديدة من الدولة الإيطالية بوقف المقاومة رغم محاولات عمر المختار المستميتة في اقناعهم بعدم إبرام أي اتفاقات مع الجانب الإيطالي.

وبالفعل نجحت الحكومة الإيطالية بسياستها الجديدة، وكانت نتيجتها أن سقطت (الجغبوب وزلة، وأوجلة، وجالو ومرادة).

إيقاف المقاومة بأمر من (الرضا السنوسي)

وفي عام 1927 أصدر (الرضا السنوسي) أوامره للقائد عمر المختار بوقف إطلاق النار، وعدم التعرض للقوات الإيطالية، ووافق عمر على ذلك، وتوقف عن المقاومة بشكل مؤقت، وخفت نتيجة ذلك وتيرة القتال في أكثر مناطق الجبل الأخضر.

إلا أنه لم يستطع أن يرى أراضي بلاده تتعرض للاغتصاب وهو يقف مكتوف الأيدي، فعاد ورفض أوامر (الرضا السنوسي) وقام بشن غارات على معسرات الاحتلال الإيطالي في درنة لإجبارهم على محاربته، وبعد معركة شرسة بين الطرفين هربت خلالها القوات الإيطالية من معسكراتها بعد أن تركت ورائها السيارات وصناديق الذخيرة والأسلحة، ودواب النقل، والمصفحات والمدافع الجبلية التابعة لها.

معركة أم الشافتير

وخاض المجاهد عمر بعد ذلك عدد كبير من المعارك التي تُصنف من ضمن المعارك الملحمية، والتي كان النصر حليفه دائمًا، مثل (معركة أم الشافتير) التي حدثت في شهر مارس من عام 1927، والتي أذلت الجيش الإيطالي، وأجبرته على الانسحاب بعيدًا عن منطقة الجبل الأخضر رغم أن الجيش الإيطالي كان على أتم الاستعداد، وكان متفوقًا على عناصر المقاومة عسكريًا عدة وعتادًا.

ومن نتائج هذه المعركة الملحمية

  • ظهور قادة القوات الإيطالية أمام شعبهم بمظهر غير لائق، بسبب الخسارة المتكررة التي حلت بهم أمام صفوف المجاهدين، رغم امتلاكهم للطائرات والمدافع المتطورة والدبابات والجيش النظامي الذي قُدر عدده بعشرات الآلاف، وانضمام فرق أريتيرية وليبية وأفارقة وبعض المرتزقة.
  • ظهرت حقيقة اعياء القوات الإيطالية من قوة المعارك التي تخوضها مع المجاهدين بقيادة عمر المختار التي كانت مستمرة دون كلل أو ملل أو خوف.
  • كما كشفت هذه المعركة أيضًا حقيقة ملامح السياسة الإيطالية الفاشسية والتي مفادها الرغبة في التدمير والإبادة لكافة المصاح والناس في ليبيا.
  • قرر عمر المختار ترحيل الأسر الليبية من نساء وأطفال وشيوخ إلى منطقة السلوم، من أجل حمايتهم من غارات القوات الإيطالية الجوية، ولتسهيل حركة المجاهدين.
  • وقام عمر المختار بإعادة تنظيم المجاهدين على شكل فرق صغيرة تقوم بالالتحام مع العدو عند الضرورة، في صفوفهم، لتقليل الخسائر وإلحاق خسائر العدة بالتكتيك الجديد.

بعد انتهاء المعركة قرر عمر المختار التشهير والتعريف بالقضية الليبية أمام المجتمع الدولي، وأصدر أوامره لعدد من رجاله بالسفر للدول الإسلامية والاوربية لتعريف العالم بحقيقة الأوضاع في ليبيا.

وفي ذلك الوقت خرج الحاكم الإيطالي الفاشي (بينيتو موسيليني) بتصريح لشعبه مفاده:

“أننا لا نحارب في هذا البلد ذئابًا كما يقول الجنرال (غراتسياني)، بل نحارب أسودًا يدافعون بشجاعة عن بلادهم، إنَّ أمد الحرب سيكون طويلًا “.

وبعد استمرار النجاح المتكرر للمعارك التي كان يخوضها القائد عمر المختار في ميدان المعركة أطلقوا عليه لقب “الزعيم الذي لم يُقهر أبدًا”.

وحصلت في عام 1929 مفاوضات بين عمر المختار والحكومة الإيطالية والتي انتهت بتخيير عمر المختار بأمور ثلاثة وهي:

  • إما أن يذهب إلى مصر أو الحجاز.
  • وإن قرر البقاء في برقة فسيعامل باحترام، وسيحصل من الحكومة الإيطالية على مرتب ضخم.

رفض عمر المختار مرة أخرى هذه العروض بشكل قاطع.

ثم استمرت المفاوضات مرة أخرى، وقدم الوفد الإيطالي طلبات الحكومة الإيطالية والتي تنص على:

  • تسليم نصف أسلحة المجاهدين ومقابل (1000) ليرة إيطالية عن كل بندقية.
  • وانضمام نصف عدد المجاهدين الذين لم يسلموا أسلحتهم إلى تنظيمات تتبع للحكومة لفترة من الزمن ريثما يحدد مكان لإقامتهم وتموينهم.

إلا أن هذه المفاوضات لم تعطي لليبيين أي حق من الحقوق السياسية الخاصة بهم، مما جعل عمر المختار يرفض وبشدة هذه المفاوضات.

طلبت الحكومة الإيطالية من جديد إجراء مفاوضات جديدة، فلم يُخْفِ عمر المختار شكوكه من نوايا القادة الإيطاليين الشريرة، فطلب أن يحضر الاجتماع عدد من المشايخ والأعيان وبالفعل حضر الاجتماع عدد من المراقبين من تونس ومصر، ووضع عمر (10) شروط منها:

  • الالتزام بحقوق الليبيين السياسية والثقافية والدينية.
  • السماح بتدريس اللغة العربية والدين الإسلامي.
  • ترك السلاح مع المواطنين الليبيين.
  • السماح بانتخاب حكومة للبلاد.

لكن الاجتماع كان صاخبًا ولم يتوصلوا لاتفاق مطلقًا.

 وحتى شهر أكتوبر من عام 1930، تمكنت القوات الإيطالية من جديد من الاشتباك مع المجاهدين في معركة كبيرة، وفي نهاية المعركة عُثر على نظارة عمر المختار، وعلى حصانه، وقام القائد الإيطالي (غراتسياني) بإلقاء تصريحه المشهور الذي وجهه للشعب الليبي:

“لقد أخذنا اليوم نظارة عمر المختار، وغدًا سنأتي برأسه”. 

القبض على الزعيم المجاهد

بعد عام من المفاوضات غير المثمرة بين المقاومة الليبية والقوات الإيطالية، ووصول عمر إلى قناعة ثابتة وهي عدم جدوى المفاوضات السياسيّة مع الحكومة الإيطالية المُستعمرة، استمرت المعارك وانفجر الموقف أكثر وأكثر.

توجه عمر المختار في 11 سبتمبر من عام 1931 بصحبة عدد صغير من المجاهدين لزيارة ضريح الصحابي (رويفع بن ثابت) في مدينة البيضاء الواقعة شرق ليبيا، وشاهدتهم وحدات الاستطلاع الجوية التابعة للقوات الإيطالية، فتحركت على الفور فرق وفصائل الجيش الإيطالي لمواجهتهم، وبعد قتال عنيف جُرح حصان عمر المختار الذي كان يمتطيه، ووقع الزعيم الليبي (عمر) من على ظهره على الأرض، وتم القبض عليه مكبلًا بالسلاسل إلى سجن بنغازي.

حال الزعيم لحظة وقوعه في الأسر

 والغريب في الأمر أنه وفقًا لتصريحات قادة الجيش الإيطالي في ذلك الوقت أنهم وجدوا القائد الليبي عمر المختار كان هادئًا جدًا وكأنه غير مكترث عن وقوعه في الأسر على أيدي العدو مطلقًا، كما أن الجميع في ذلك الوقت أصابه حالة من الذهول بسبب حالة الرضا والاستسلام المستفزة التي بدت على الشيخ المجاهد، كما أن الجنرال الإيطالي غراتسياني كتب في مذكراته عن تلك الواقعة بعد سنين من أجل توثيق اللحظة التاريخية التي تم فيها القبض على الزعيم عمر المختار:

“خلال الرحلة إلى مدينة بنغازي تحدث بعض السياسيين مع عمر المختار ووجهوا إليه العديد من الأسئلة، كان يجيب بكل هدوء وبصوت ثابت وقوي دون أي تأثر بالموقف الذي هو فيه.

ثم تابع غراتسياني قوله: ” هذا الرجل اسطورة الزمان التي نجا فيها آلاف المرات من الأسر، واشتهر بين الجنود بالقداسة والاحترام لأنه الرأس المفكر والقلب النابض للثورة العربية (الإسلامية) في برقة، وكذلك كان منظم للقتال بصبر ومهارة فريدة لا مثيل لها سنين طويلة والآن وقع أسيرًا في أيدينا، يخيل إليّ أن الذي يقف أمامي رجل ليس كسائر الرجال، له مظهره وهيبته رغم أنه كان يشعر بمرارة الأسر”.

بقي عمر المختار مسجونًا في زنزانة ضيقة جدًا، كان خلال هذه الفترة يصلي ويقرأ القرآن في هدوء وخشوع، وكأنه في منزله.

كما اعترف خلال التحقيق معه بجميع المعارك التي خاضها ضد القوات الإيطالية، وأنه هو المسؤول الوحيد عن جميع الخسائر التي تكبدها للقوات الإيطالية، وهذه التصريحات استفزت القائد غراتسياني بشكل كبير، الذي أصر على إعدامه وسط أهله والشعب الليبي، وبطريقة قاسية من أجل كسر أي رجل من الشعب الليبي يحاول أن يقوم بما قام به المختار، إلا أن الزعيم المجاهد كان هادئًا جدًا ومصرًا على كلامه:

“نعم قاتلت ضد الحكومة الإيطالية ولم أستسلم قط، ولم تخطر ببالي فكرة الهرب عبر الحدود، واشتركت في معارك كثيرة لا أستطيع تحديدها، ولا فائدة من سؤالي عن وقائع منفردة! وما وقع ضد إيطاليا على مدار سنوات وحتى الآن كان بإرادتي وإذني، وكانت الغارات تُنفذ بأمري، وبعضها قمت بها بنفسي، الحرب هي الحرب، أعترف بأنه تم القبض عليّ والسلاح بيدي أمام الزاوية البيضاء، في غوط اللفو، ولا أرى العجب في ذلك، هل تتصورون أن أبقى واقفًا دون إطلاق النار أثناء القتال؟ ولا أشعر بالندم عمَّا قمت به”.

محاكمة الزعيم المجاهد

بعد (4 أيام) من سجنه، انعقدت محكمة طارئة للتحقيق مع الزعيم الليبي عمر المختار، والغريب في الأمر أن هذه المحكمة كانت هزلية وعبثية بشكل رهيب، لدرجة أن القوات الإيطالية نصبت المشنقة قبل قدوم القضاة وبدء التحقيق وصدور الحكم، وتأكد الجميع أن مسألة اعدام عمر المختار هي مسألة وقت لا أكثر.

إلا أن أحد المحاميين الإيطاليين (روبيرو لونتانو) تولى مهمة الدفاع عن عمر المختار بشكل كبير، وطلب من المحكمة أن تحكم عليه بالسجن المشدد مدى الحياة مراعاة لكبر سنه وشيخوخته وعجزه، لكن المحكمة رفضت طلبه بشكل صريح، حيث صرح المحامي الإيطالي تصريحًا هز أرجاء ليبيا في ذلك الوقت:

“إن هذا المتهم الذي انتدبته المحكمة للدفاع عنه إنما يدافع عن حقيقة كلنا نعرفها جيدًا، وهي الوطن الذي طالما ضحّينا نحن في سبيل تحريره، إن هذا الرجل هو ابنًا لهذه الأرض قبل أن تطؤها أقدامكم، وهو يعتبر أن كل من يحاول احتلالها عُنوة هو عدوٌ له، ومن حقه أن يقاومه بكل ما يملك من قوة، حتى يخرجكم منها أو يهلك دونها، إن هذا حقٌ من الحقوق التي وهبته إياها الطبيعة الإنسانية، وإن العدالة الحقيقية لا تخضع للغوغاء، وإني أتمنى أن تحذروا حكم التاريخ فهو لا يرحم، وإن عجلته تدور وتسجل ما يحدث في هذا العالم المضطرب”.

وتمت مقاطعة المحامي أثناء محاولته الدفاع عن عمر المختار، وبعد ساعة من هذه المرافعة نطق القاضي الحكم على عمر المختار بالإعدام شنقًا، وعندما حاول المترجم تعريف عمر المختار بالعقوبة التي وقعت عليه وسيتم تنفيذها قال عمر المختار:

“إنْ الحُكم إلا لله لا لحكمكم المُزيف، إنّا لله وإنّا إليه راجعون”.

اليوم الذي تم اعدام عمر المختار فيه

وفي صباح يوم 16 من شهر سبتمبر من عام 1931، تجمع أهالي المنطقة من الشعب الليبي لتوديع زعيمهم عمر المختار، حيث وصل عددهم لأكثر من (20 ألف) شخص.

واستعدت القوات الإيطالية بشكل كبير للقيام بتنفيذ الحكم، وللسيطرة على الموقف والتعامل مع أي حدث يمكن أن يقوم به الأهالي وخاصة بشأن القيام بتهريبه، إضافة إلى أن الطائرات الإيطالية بدأت تُحلق في الجو على ارتفاعات منخفضة من أجل القضاء على أي فرصة للزعيم المجاهد في أن يهرب، ويبلغ المواطنين رسالة أو وصية من أجل استكمال الجهاد من بعده، كما صدرت الأوامر بضرب وتعذيب أي أحد يبكي أو يحزن لحظة إعدامه.

صعد عمر إلى منصة الإعدام لملاقاة مصيره بصدر رحب والابتسامة على وجهه، ونطق الشهادة في سلام.

كلمة أخيرة

البطل الشهيد عمر المختار غاب عن العالم بجسده منذ سنين طويلة، إلا أن سيرته ما زالت تعيش وستعيش سنين طويلة وستبقى حكايته ملهمة لأجيال طويلة من بعده في جميع أنحاء الوطن العربي.

سيبقى زعيم المقاومة الليبية الشهير الذي قضى العشرين عامًا الأخيرة من حياته في محاربة الاحتلال الإيطالي الفاشي لبلاده، في الذاكرة إلى الأبد باعتباره “أسد الصحراء” المشهور عالميًا.

المراجع

شارك المعلومة؛ فالدال على الخير كفاعله