تصلب الشرايين … الأسباب والأعراض وطرق الوقاية والعلاج

لعل لأسلوب الحياة الحديث والسريع الذي نعيشه الأن، أثرٌ كبيرٌ على صحتنا العامة، فقد انتشرت الوجبات السريعة أو ما يسمى junk food، وازداد التوتر أيضًا، والذي ألقي بظلاله على جميع جوانب حياتنا الاجتماعية والنفسية والصحية، ولو ترك الواحد منا نفسه بدون رقابة لواجه مشكلاتٍ عديدة.

تصلب الشرايين ليس مرض بل هو مجموعة من الأمراض، ويعرفها جيدًا كل مدخن حين يتناول أي سيجارة، فيقرأ عليها “التدخين مضر بالصحة ويسبب الوفاة”، وتجد شكل القلب مرسوم على عبوة التبغ وهو مكدس بالسموم التي تفتك به، فالتدخين حقًا من أهم أسباب تصلب الشرايين.

وعندما نريد الحديث عن أمراض تصلب الشرايين فمن المنطقي أن نتحدث عن القلب، وهو جهاز معجز بحجم قبضة اليد، أودع الله فيه سرًا ليعمل طوال الليل والنهار طوال العمر دون توقف، فتوقف القلب يعني الهلاك، لأن من أهم الأجهزة في جسم الإنسان.

تصلب الشرايين ... الأسباب والأعراض وطرق الوقاية والعلاج

ما هو تصلب الشرايين

يسميه البعض تصلب الشرايين وآخرون يسمونه التصلب العصيدي، وهو يحدث حينما تتجمع الدهون والشحوم المشبعة “المتأكسدة” على جدار الشريان، وتتفاعل مع نسيج الشريان مما يحدث ترسبًا لتلك الشحوم، وتتجمع الصفائح الدموية على جدران الشريان، وهذا ما يؤدي إلى تضيقها مما يسبب صعوبة سريان الدم فيها، فتصبح الشرايين منتفخة وغير مرنة.

وبفعل عامل الزمن، والإهمال من قِبَل الشخص المصاب في أخذ العلاج، يحدث تراكم أكثر فأكثر للمواد الدهنية فتصبح أعلي كثافة، وهذا قد يؤدي إلى منع الدم من الوصول للعضو الذي يمده ذلك الشريان بالدم، مما يؤدي لضعف حيوية ذلك العضو أو توقفه عن العمل.

ويكون تصلب الشرايين في أخطر حالاته عندما يصيب الشرايين المتصلة بالقلب أو للدماغ، وهذا يمكن أن يؤدي إلى سكتة قلبية أو موت جزئي للقلب.

وتصلب الشرايين يكون بعدة درجات، يبدأ بالمستوى الأول البسيط، ثم المتوسط ثم المتقدم، وفي الحالة الأخيرة يتعذر سريان الدم بشكل شبه كامل وهذا يؤدي إلى الجلطات الصدرية والقلبية والدماغية، ويزيد من احتمال التصلب دقة الشريان، فالشرايين الرفيعة أسرع في الإصابة من مثيلاتها الأكبر حجمًا.

شكل الشريان المتصلب من الداخل

كيف يحدث تصلب الشرايين

الشريان بطبيعته مرنٌ جدًا وهذا يساعده في أداء وظيفته، وعندما يحدث تراكمٌ للشحوم على جدرانه، تتأثر تلك الطبيعة المرنة فيحدث جمود وتصلب للشريان، يختلف مستواه من شخص لآخر، وعندما يهمل الشخص هذا الأمر في مراحله الأولى، ويتناول المزيد من الدهون المشبعة والمزيد من البطاطس المقلية، يحدث انسداد تام وتصلب متقدم في الشرايين.

أسباب تصلب الشرايين

ليس هناك سببٌ واحد لحدوث تصلب الشرايين، ولكن هناك عدة عوامل تجتمع إحداها مع الأخرى لتسبب هذا المرض، ومن تلك العوامل ما يلي:

التقدم الطبيعي في السن

في الغالب يصاب كبار السن ممن تخطوا سن الخمسين ببعض الضيق الطبيعي في الشرايين، ولكن هذا ليس دومًا، ففي الحقيقة أنه بسبب سوء التغذية التي نعاني منها، وضيق الوقت وتعدد المهام أصبح لزامًا علينا تناول الوجبات السريعة من المطاعم المختلفة مما يعرضنا لتصلب الشرايين في سن مبكرة.

بمعني أدق، ليس هناك قاعدة تربط بين العمر الزمني وأمراض تصلب الشرايين، فقد تجد شخصًا تخطى السبعين دون مرض بفضل ممارسته للرياضة وتناوله للطعام الصحي الخالي من المواد المؤكسدة والمشبعة.

وعلى العكس من ذلك، يمكن لشاب في عمر العشرين، لا يمارس أي نوع من الرياضة أو الحركة، جالسًا على مكتب أو داخل سيارة أجرة يعمل عليها، ولا يحرق شيئًا السعرات الحرارية التي يتناولها، سيصاب بتصلب الشرايين مع التقدم في العمر.

العوامل الوراثية

الشخص لا يرث من أبويه مرض تصلب الشرايين إلا في حالات نادرة جدًا، ولكنه يرث منهم شيئين يؤديان في الغالب إلى تصلب الشرايين إذا لم ينتبه الشخص لنفسه قبل فوات الأوان.

  • أولًا: قد يرث الابن خصائص جسد أبيه من حيث ضيق أو اتساع حجم الشريان والذي يساهم كما أوضحنا في حدوث المرض، وقد يحمل مورثاتٍ تؤدي إلى ضعف القلب مما يسبب عدم تدفق الدم بشكل كامل وجيد.
  • ثانيًا: قد يرث الشخص عن والديه ما يسمى بأسلوب الحياة lifestyle والذي يظهر في طريقة المأكل والمشرب، ودرجة النشاط العضلي، والمزيد من العوامل الأخرى، فمثلًا شخص ورث عن أهله فكرة أن تناول الدهون بوفرة أمر ممتع هو عرضة للإصابة بتصلب الشرايين بسبب وراثته لأسلوب الحياة السيئ.

عدم ممارسة الرياضة

الرياضة تنشط الدورة الدموية بالكامل، وتسرع من معدل سريان الدم في كثير من المناطق التي لا يصلها الدم بوفرة، ومهم جدًا الحفاظ على الحد الأدنى منها، وللأسف الكثير يهمل ممارسة الرياضة، وهذا على المدي الطويل قد يكون من أهم العوامل المؤدية إلى تراكم الشحوم والذي بدورها يؤدي إلى تصلب الشرايين.

ارتفاع مستويات الكوليسترول السيئ في الدم

هذه النوع من الكوليسترول يتراكم على جدران الأوعية الدموية والشرايين، ويؤدي إلى تصلب الشرايين خاصةً لو أضفنا عدم ممارسة الرياضة والسن المتقدم أيضًا، كما أن نوع الزيوت المستخدم في الوجبات يمكن أن يقود للجلطات والتصلب الوريدي.

مرض السكري

الأشخاص الذين يعانون من مرض السكري تكون أجسامهم ضعيفة جدًا. ومن ضمن الأنسجة التي تتأثر بمرض السكري، الشرايين والأوعية الدموية الدقيقة.

ويكون القول الفصل في تقدير النسبة الطبيعية للسكر في الدم على يد الطبيب المختص، ومن المؤكد أنه كلما ارتفعت نسبة السكر، ازداد احتمال الإصابة بالسكتات القلبية والدماغية والأمراض الخاصة بالدورة الدموية ومنها تصلب الشرايين.

ضغط الدم المرتفع

كلما ارتفع ضغط الدم، كلما ساهم هذا بشكل كبير في زيادة خطر الإصابة بتصلب الشرايين.

التدخين

أصبح معلومًا للجميع أخطار التدخين المتعددة، ومنها تأثيره المباشر على الشرايين والأوردة الموصولة بكل أعضاء الجسم وخاصةً القلب والرئة، والذي بدوره يؤدي لاستقبالها للشحوم والدهون المشبعة والغير مشبعة بشكل أسرع.

ويعتبر التدخين من أهم أسباب تصلب الشرايين، وفقًا لأخر الدراسات التي قامت بها منظمة الصحة العالمية.

تدخين السجائر وتصلب الشرايين

وتدخين السجائر مضر جدًا، والأخطر منه هو تدخين الشيشة، وكما تعلمون أن حجر الشيشة الواحد يعادل مئة وخمسين سيجارة، فالخطر هنا متضاعف بشكلٍ مرعب، حتى ولو صادفت شخصًا يشرب الشيشة وصحته جيدة، فهذا غير صحيح إطلاقًا، فالمظاهر كثيرًا ما تخدع الناظر إليها.

الضغط النفسي والتوتر

في ظل الظروف العالمية الصعبة التي تمر بنا، والثورة المعلوماتية التي أتاحت لك أن تشاهد كل الحروب على الهواء مباشرة، كل هذا أدى إلى زيادة أمراض الاكتئاب والقلق والتي تعتبر ذات علاقةٍ بحالات تصلب الشرايين الحادة، بالإضافة إلى آثارها التدميرية الأخرى.

الضغوط النفسية والتوتر وعلاقتهما بتصلب الشرايين

السمنة المفرطة

السمنة بدرجاتها مميتة حقًا، ويسميها المتخصصون بأم الأمراض، ولا عجب في هذا فقد قال النبي صلي الله عليه وسلم “ما ملأ ابن آدم وعاء شرًّا من بطنه” والحكمة القائلة بأن المعدة هي بيت الداء صائبةٌ جدًا.

أمراض تحدث بسبب تصلب الشرايين

كما قلنا سابقًا بأن مرض تصلب الشرايين ليس مرضًا ولكن مجموعةٌ من الأمراض، كلما تأثر أحد الشرايين المغذية لعضو ما، يَحدث فيه عطب بدرجة ما، ومن تلك الأمراض:

أمراض القلب

ومنها السكتة القلبية، وانسداد الشريان التاجي.

أمراض الدماغ

ومنها السكتة الدماغية، والتي تحدث عندما ينقطع الدم الواصل للدماغ بسبب انسداد الشرايين الموصلة للمخ.

أمراض الساقين

ومنها الدوالي والغرغرينا الكاملة، وتظهر الأوردة المنتفخة على القدمين بشكل واضح للمريض.

بقية الجسم

قد تحدث مشكلات في الأمعاء أو أي عضو آخر في الجسم نتيجة قلة الدم الواصل إليه.

أعراض تصلب الشرايين

يسمي البعض مرض تصلب الشرايين بالقاتل الصامت، أي أن أعراضه تظهر فجأة، فهذا المرض نتيجة تراكم العادات الخاطئة عدة سنوات، ولكن في الغالب تظهر تلك الأعراض بعد سن الخمسين، ومن تلك الأعراض:

الشعور بألم حاد في مناطق معينة

قد يكون في الصدر نتيجة نقص الدم الوارد إلى القلب، أو ما يسمى المشي المتقطع لدي كبار السن نتيجة نقص التروية في منطقة القدمين، وقد يمتد الموضوع لألم عند عدم المشي أيضًا ولكن هذا في المراحل المتقدمة من المرض.

فروق ضغط الدم

وجود فرق كبير بين قياسي ضغط الدم الخاص بالساعد، وضغط الدم الوارد من أسفل الساق، يعتبر مؤشرًا على تصلب الشرايين.

تشخيص تصلب الشرايين

هناك بعض الفحوصات الطبية التي يطلبها الطبيب المختص من المريض والتي تعينه على التشخيص الدقيق لحالة تصلب الشرايين ومن تلك الفحوصات:

  • معرفة نسبة الكوليسترول في الدم.
  • تحليل لوظائف الكبد والكليتين.
  • التأكد من عدم الإصابة بالسكري.
  • إجراء تخطيط للقلب.
  • عمل رسم تخطيطي مُشع للشرايين التاجية للقلب.

سُبل الوقاية من أمراض تصلب الشرايين

ممارسة الرياضة

الكثير يهرب من فكرة ممارسة الرياضة بتبريرات أهمها ضيق الوقت، وهذا غير صحيح بالمرة فالفكرة هنا هي الاستمرارية وليس ممارسة رياضة عنيفة، وكما قال النبي صلي الله عليه وسلم “أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ” فالفكرة هنا أن الأفعال البسيطة الصغيرة والمستمرة تغير كثيرًا على المدى الطويل.

وإليك بعض الرياضات البسيطة التي ستكون وقاية لك من أمراض تصلب الشرايين:

المشي يوميًا لمدة ثلاثين دقيقة

المشي بهدف الرياضة وليس ذهابًا للعمل، أو للتسوق، والمشي سريعًا أفضل بكثير، المشي ينبغي أن يكون على مشط القدم وليس على البطن أو الكعب، وبسرعة متوسطة، ولفترة لا تقل عن ثلاثين دقيقة في اليوم.

ركوب الدراجة الثابتة أو المتحركة

ركوب الدراجة لمدة ثلاثين دقيقة يوميًا ينشط الدورة الدموية، وينصح بالتجول فيها في الهواء الطلق والأماكن الواسعة، وفترة الصباح هي الفترة المثالية لهذه الرياضة.

تناول التوابل الحارة

القليل من التوابل الحارة يقي من أمراض تصلب الشرايين، ويزيد معدل الاحتراق الداخلي، ومن تلك التوابل الفلفل الحار، الفلفل الأسود، القرفة والزنجبيل والتي يفضل تناولهما بعد وتحليتها بالعسل، وينصح بتناول تلك التوابل بكميات قليلة وخلال فتراتٍ متباعدة.

إدارة الضغوط

إدارة الضغط هو فنٌ نحتاجه كثيرًا في زمننا هذا، وينصح بحضور إحدى الدورات التدريبية في هذا المجال، ولكن لنناقش فكرة بسيطة عن هذا الفن العميق، وهي ما يسمى بالسمع الانتقائي، فأنت تسمع كثيرًا من السجالات اليومية بلا فائدة، فحاول أن تركز فقط على ما ينفعك منها أما الباقي فلا تعطه أي أنتباه.

والفيديو التالي يشرح فن إدارة الضغوط، أنصحكم بمشاهدتها.

https://youtu.be/oOjZGDAuySo

تجنب التدخين

يجب تجنب التدخين عمومًا، ويجب أن تتجنب الجلوس بجوار من يدخنون فهذا يضرك جدًا وقد يؤدي إلى الإصابة بتصلب الشرايين على المدى الطويل.

تناول مضادات الأكسدة الطبيعية

والتي تحتوي على أميجا 3، ومنها الجزر وزيت الزيتون، وخل التفاح، وكما قال النبي صلي الله عليه وسلم “نِعْمَ الإِدامُ الخَلُّ” – رواه مسلم – ويتم تناول تلك المكونات بكميات مناسبة أو تضاف إلى السلطة الخضراء.

تناول الأسبرين بعد سن الخمسين

لقد تبين أن تناول قرصٍ من الأسبرين يوميًا يمكن أن يقي من الجلطات الدموية، والسكتات القلبية، ولكن يحبذ تناول الأسبرين المغلف وليس العادي، ومن أنواعه المعروفة Ezacard.

علاج أمراض تصلب الشرايين

في الغالب يكون علاج تصلب الشرايين علاجًا متكاملًا مكونًا من ثلاثة أصناف، الدوائي الجراحي، الرياضي والغذائي.

العلاج الطبي الدوائي

حيث يجب زيارة الطبيب المختص، لتشخيص الحالة جيدًا توتمييزها عن الأمراض الأخرى، وهنا يقوم الطبيب بما يسمى التشخيص التفريقي differential diagnosis لكي يحدد أماكن المرض بشكل واضح، ثم يكتب بعض الأدوية المعروفة والمذيبة للشحوم الموجودة في جدران الشرايين المتصلبة.

العلاج الطبي الجراحي

وهذا في الحالات الحرجة التي وصل فيها الموضوع لانقطاع سريان الدم في الشرايين المتصلبة، وهنا يتدخل الجراح المختص بالقسطرة لفك ذلك الانسداد، على سبيل المثال في حالة انسداد الشريان التاجي المتصل بالقلب، قد يحتاج المريض لدعامة معدنية أو ذكية، والتي يحددها الطبيب وفق حالة المريض الصحية وعوامل أخرى.

وقد أجري الدكتور رامي إسماعيل الكثير من الدراسات الناجحة على احتمالية علاج تصلب الشرايين القلبية أو ما يعرف بانسداد الشريان التاجي، بالدواء حتى في الحالات الخطرة وهذا مقطع فيديو يشرح فيه الدكتور رامي فكرة العلاج.

إتباع حمية غذائية تحت إشراف الطبيب

من أجل عدم تكون دهون أخرى غير التي أذيبت بالدواء، يجب الالتزام بحمية تحت إشراف الطبيب المعالج.

اتباع برنامج رياضي تحت إشراف الطبيب

وذلك لحرق الدهون المتراكمة في الجسم عمومًا والتي تساهم كثيرًا في رفع معدل الكوليسترول والذي بدوره يعمل على تصلب الشرايين.

شارك المعلومة؛ فالدال على الخير كفاعله