ما هو الحب وكيف تراه المجتمعات العربية؟

تختلف النظرة للحب (والمقصود هنا العلاقات الغرامية) في المجتمعات البشرية. ولو سألنا ما هو الحب فإنه تختلف فيه الآراء وتتعدد التعريفات وتكثر النظريات، وقد يكون هذا أجمل ما في الحب حيث إنه لا يمكن القبض عليه بالكلمات وإنما يتجاوز ذلك ليبقى في داخل وصميم الإنسان وفي غالب الأحوال يصعب التعبير عنه.

لذلك اختلفت الأقوال فيه ولم يستقر الرأي على حال رغم محاولة الكثير من الفلاسفة القدماء وغير القدماء على تعريفه أو تشخيصه بنص مكتوب واضح. وليس غايتي هنا أن استعرض تعريفات أو صياغة تعريف جديد.

ما هو الحب وكيف تراه المجتمعات العربية

ولكن كيف يرى مجتمعنا العربي اليوم الحب في العلاقات السائدة بين أفراده وهل تلك النظرة السائدة في هذا المجتمع صحيحة أو لنقل عادلة ومنصفة لمفهوم الحب، هذا المفهوم الذي وإن اختلفت تعريفاته ولكن يمكننا القول إنها اتفقت على شيء ما بالنسبة له، ألا وهو قدسية هذا المفهوم ونقاوته بغض النظر عن التعاملات البشرية.

ما هو الحب

في نظرة المجتمعات العربية للحب إساءة كبيرة لهذا المفهوم ودلالته منذ عقود طويلة وحتى اليوم، رغم وجوده في المجتمع العربي منذ القدم ورغم كل النصوص التاريخية وغير التاريخية والقصائد والمعلقات التي تناولت هذا الموضوع بكل جوانبه إلا أنه حتى الآن لم يتوصل المجتمع العربي إلى فهم صحيح للحب.

وهم ليس إلا

حتى الآن يصوره العقل التقليدي في مجتمعنا على أنه وهم ليس إلا، ولا يعتبره بتاتاً شعور حقيقي نابع من عاطفة صادقة في داخل الإنسان ومشاعر متبادلة بين طرفين. عدا عن كونه حالة من السمو والرقي الأخلاقي والعاطفي يصاحب تلك المشاعر.

مجتمع ذكوري

فالنظرة الذكورية والتفكير الذكوري السائد في المجتمع لا يرى الحب إلا فرصة لإشباع حاجات الرجل وغرائزه الشهوانية تجاه الطرف الآخر وكل ما عدا ذلك حالة من الوهم والزيف فقط.

وذات النظرة الذكورية تلك ترى إن الحب (طبعاً بمفهومه المغلوط السائد) هو حق للرجل فقط ولا يجوز للمرآة وتتعامل معه على هذا الأساس؛ فليس العيب أن يحب الرجل ويعشق ويخون ويترك الفتاة تتقطع حسرة وآلم، ولكن كل العيب في المرآة إذا ما راودتها فكرة الحب كمجرد فكرة.

هذه النظرة المغلوطة قادت للكثير من الممارسات الخاطئة وأدت إلى تدمير حياة افراد وعائلات كاملة في المجتمع.

أما من منظور ديني

إضافة لذلك، مازال الحب حتى اليوم محرم في النظرة السائدة ولا يجوز شرعاً بحسب تلك النظرة رغم عدم وجود نص ديني صريح وواضح يحرمه أو يؤكد عدم شرعيته.

ولكن يحاول أصحاب هذه النظرة باستمرار تصوير الحب على إنه ليس إلا طريق للفسق والفجور في المجتمع؛ ناسين أو متناسين إن نظرتهم تلك هي التي دفعت بشكل أو آخر الأفراد إلى اعتبار الحب ليس إلا متنفس للتعبير عن رغباتهم وشهواتهم المكبوتة فقط.

ويضيف ممثلوا النظرة الدينية بأنه لا يوجد أي مانع من أن يكون الحب بعد الزواج، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء السؤال ماذا لو كان ذلك الحب الذي سيأتي بعد الزواج بحسب زعمهم أتى من خارج الزواج أي غير الزوجة وخصوصاً إن الحب مشاعر وعواطف داخلية نابعة من القلب ولا يمكن التحكم بها، حتماً سيقود ذلك إلى ما هو غير شرعي بإجماع النصوص الدينية عدا عن إمكانية انهيار العلاقة الزوجية.

ما هو الحب من منظور النساء

بالنسبة للنساء فالحب من منظورهن أكثر سمواً ورقي وغالباً ما تتسم نظرتهن بالمثالية نتيجة الكثير من العوامل ليس أولها بأن المرآة بطبيعتها أكثر رقة وحساسية من الرجل وليس أخرها تأثر المرآة بالقصص والروايات التي تقرأها وغالباً تلك لا تمت للواقع بصلة.

لذلك دائماً ما نجد الفتيات ضحايا الشباب ونظرتهم المتخلفة للحب وعدم اخلاصهم لمشاعر الفتيات.

طبعاً لا أعني هنا بأن كل الفتيات مخلصات في مشاعرهن وعواطفهن وكل الشباب مخادعون وكاذبون في هذا الجانب، فالخداع والكذب والخيانة موجودة في كل الأصناف البشرية سواء الذكور أو الإناث. وكثير هي قصص الحب التي يكون ضحاياها شباب لم تختار عواطفهم الشخص المناسب.

عدا عن تعدد الأسباب التي تدفع كثير من الفتيات لخيانة الحبيب أو عدم الوفاء له منها الجانب المالي والذي كثيراً ما يكون الدافع رقم واحد لكثير من الفتيات في اختيار شريك الحياة.

علاقة متخفية يسهل استغلالها

ولأن معظم قصص الحب إن لم يكن كلها التي تحصل في المجتمعات العربية تكون سرية وفي الخفاء مما يساهم ذلك في سهولة انهيار العلاقة ويجعل كل طرف على حدة لا يخشى أية عواقب مترتبة على الانفصال.

لذلك يستسهل كل طرف الخيانة أو الكذب على الطرف الآخر إن لم تكن مشاعره تجاه هذا الطرف صادقة لأنه يدرك مسبقاً بأنه لا يوجد أي عواقب مترتبة على استغلال مشاعر الطرف الآخر وكل ما يفعله سيبقى طي الكتمان. وهكذا دائماً يكون الشخص الذي يحمل مشاعر صادقة ضحية الشخص الذي يحمل مشاعر زائفة.

إذن هذا هو حال الحب في المجتمعات العربية زيف وخداع وخيانة ووهم وكذب، وقلما نجد قصة حب ناجحة تتكلل بنهاية سعيدة وزواج واستقرار.

الحب والزواج في مجتمعنا العربي

أما معظم حالات الزواج في مجتمعنا العربي فتجري بطرق تقليدية عن طريق الأهل وحتى ما زال في بعض المجتمعات يحظر على الشاب التواصل مع الفتاة خلال فترة الخطبة ولا يراها إلا ليلة الزفاف.

والغريب في الأمر مع ارتفاع معدلات الطلاق والعنوسة بين الشباب والبنات على حد سواء في معظم الأقطار العربية، غالباً ما يتم تجاهل هذه الأسباب وتُعلق الأخطاء على مشاكل أخرى. أي يجري الهروب من الأسباب الرئيسية ونبحث عن أسباب ثانوية لنبرر مشاكلنا.

باختصار نحن بحاجة لتغيير جذري لتفكيرنا ونظرتنا لمفهوم الحب والعلاقات بين الجنسين، لأن النظرة السائدة الآن مغلوطة كلياً وتؤدي لنتائج كارثية على صعيد العلاقات وبالنسبة للأفراد في المجتمع، وحتماً سنبقى نصل لتلك النتائج ما دمنا ننظر بهذه الطريق للحب والعلاقات في إطاره.

مقالات أخرى ذات صلة:

شارك المعلومة؛ فالدال على الخير كفاعله