في ظل الخُطى المتسارعة للحضارة والتكنولوجيا، والإقبال المفرط على كماليات الحياة ومتطلباتها، ظهرت الكثير من المشكلات النفسية وصارت أكثر تعقيداً من ذي قبل؛ فزادت أعباء العمل والحياة الاقتصادية وتعقدت الأحداث السياسية، وهذا ما خلق إحساساً عاماً بقلة الأمن والخوف، الذي ولد عند البعض شعوراً بالقلق: منه ما هو طبيعي ومنه ما هو مرضي.
الفرق بين القلق الطبيعي والقلق المرضي
فالقلق الطبيعي شعور بالتوتر يعتري الفرد عند حصول موقف خطير ويكون له أثر إيجابي بالابتعاد عن مصدر الخطر أو تلافيه أو إيجاد حل للمشكلة التي سببت القلق.
أما القلق المرضي أو العصابي فهو اضطراب نفسي يظهر على شكل توتر بأوقات متقاربة في اليوم لمدة لا تقل عن ستة أشهر ولأسباب مجهولة أو متخيلة يصاحبه ثلاثة أو أكثر من الأعراض التالية:
- التعب وسرعة انفعال وتعب عام وآلام في المعدة والعضلات وفقدان الشهية وشعور بالغثيان وسرعة النبض وارتفاع ضغط الدم وضيق التنفس واضطرابات النوم
- ويحصل هذا النوع من القلق نتيجة اضطراب بمعدلات المواد الكيميائية الطبيعية الموجودة في الدماغ والتي تسمى الناقلات العصبية مثل سيروتونين ونورادرينالين
تعريف الخوف المبسط
في حين أن الخوف هو شعور ينتاب الإنسان جراء تعرضه لموقف خطير. ويحصل نتيجة استثارة الجهاز العصبي المركزي المستقل مما يؤدي إلى إفراز مادة الأدرينالين التي تتسبب في ظهور أعراض جسمية ونفسية.
وبذلك نجد أن القلق المرضي يكون داخلي المنشأ يتسم بالديمومة ويصعب تحديد سببه، أما الخوف فهو خارجي المنشأ ومؤقت ويسهل التعرف على سببه ويزول بزوال المسبب.
اضطراب القلق العام
ولابد لنا بعد التعريف بكل من القلق والخوف من تسليط الضوء على أسباب اضطراب القلق العام أو ما يسمى Generalized anxiety disorder)) فمعرفة السبب تعد جزءاً من العلاج؛ ففي الأبحاث العلمية نجد أنه ينشأ بفعل مجموعة عوامل منها:
- العوامل الوراثية الجينية: حيث يلاحظ ازدياد ظهور اضطراب القلق في أفراد الأسرة الواحدة.
- العوامل البيئية المحيطة: فالأطفال يتعلمون بالمحاكاة أن يفكروا بشكل مقلق إن وجدوا في بيئة يسودها القلق مما يؤثر سلباً في تكوين شخصياتهم.
- طبيعة الشخصية: فهناك أنماط من الشخصية أكثر عرضة للإصابة بهذا الاضطراب مثل الشخصية الوسواسية والحدية.
- الخبرات الشخصية: حيث تؤثر الطفولة القاسية والإحباطات المتكررة والظروف والتجارب السلبية السابقة التي يعيشها الفرد في ظهور مثل هذه الاضطرابات.
- الضغوط النفسية: سواء كانت نتيجة مشاكل العمل أو المدرسة أو المنزل كحالات الطلاق والظروف الاقتصادية السيئة.
- الأمراض العضوية الأخرى: وبالأخص المستعصية منها كالسرطان مثلاً والقلق من جلسات العلاج المؤلمة وهاجس الموت الذي يلاحق المريض في كل لحظة وثانية.
- وهناك عوامل ثانوية: تتسبب بزيادة مستويات القلق لمن لديهم الاستعداد ويعد تناول المنبهات بشكل مفرط كالقهوة والشاي والتدخين عند الأشخاص المدخنين من أهم هذه العوامل.
علاج القلق والخوف النفسي
ولكن وجود هذه العوامل لا ينفي وجود العلاج الناجح؛ فما أنزل الله من داء إلا وأنزل معه الدواء وتتعدد أنواع العلاج بالنسبة لاضطراب القلق العام منها:
العلاج الدوائي
- مضادات الاكتئاب التي تؤثر على عمل الناقلات العصبية وهي مأمونة العواقب ولا تؤدي إلى الإدمان.
- المهدئات الصغرى وهي مواد مهدئة ممكن أن يعتاد عليها المريض إذا تناولها من دون استشارة طبية.
- مضادات القلق وهذه الأدوية لا تسبب الإدمان ولكن لا يظهر أثرها قبل أسبوعين من الاستخدام.
العلاج النفسي
وهذا النوع من العلاج يجب أن يترافق مع النوع الأول ولابد من تضافر دور الطبيب المعالج مع دور المريض مع دور أهل المريض لتتحقق فائدته.
- أما دور الطبيب المعالج: فيتمثل في جلسات أسبوعية تستغرق كل منها 30-50 دقيقة وذلك لعدة أسابيع يصحح فيها الطبيب الأفكار غير العقلانية التي تسبب القلق.
- أما دور المريض: فيكون في اعترافه بمرضه وثقته بطبيبه المعالج فهؤلاء من المرضى يتملكهم شعور بعدم قدرة الطبيب على تشخيص مرضهم وبأنهم يعانون من مرض خطير أو ورم ما أو ما شابه ومن جهة ثانية التزامه بالتدرب على المهارات التي يتعلمها ويكلفه بتطبيقها الطبيب المعالج في المنزل.
- دور الأهل أو المحيط: يتمثل في الصبر والتأني والدعم الأسري والنفسي من المحيطين بالمريض والتحدث معه بهدوء في أوقات صفوه وعدم تركه في عزلة لأن ذلك يؤثر سلباً عليه.
العلاج الروحي
وذلك من خلال الإيمان المطلق بأن ما أصابنا لم يكن ليخطئنا وما أخطأنا لم يكن ليصيبنا، وما قضى الله لعبد أمراً إلا كان خيراً له بالإضافة إلى الاستعانة ببعض الأذكار التي وصى بها الرسول الكريم محمد صل الله عليه وسلم كالاستغفار وبعض الأدعية مثل: “اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال”.
العلاج بالأعشاب
وهو علاج مساعد لا يمكن الاستغناء به عن غيره، مثل تناول شراب زهرة البابونج المعروفة باسم (كاموميل) وإكليل الجبل أو (الروزماري) وعشبة الخزامى أو اللافندر وثمرة جوزة الطيب العطرية والمليسة واليانسون وعشبة الشمر التي تهدئ الأعصاب وتساعد على التخفيف من حدة القلق.
وفي نهاية المطاف عافانا الله وعافاكم من هذه الأمراض فالقلق شعور طبيعي والخوف شعور طبيعي ولكن تكمن خطورته عندما يتكرر في أوقات متقاربة مع الإهمال فيُدخل صاحبه في دوامة اضطراب القلق العام وأمراض أخرى أكثر خطورة.