تخصص علم النفس .. تاريخ نشأته .. فروعه .. أهميته .. والتخصصات المنبثقة عنه

يعتبر تخصص علم النفس من أكثر التخصصات المثيرة للجدل بالرغم من كونه تخصصًا قديمًا، حيث ترجع بداياته إلى القرن التاسع عشر، وعلم النفس من العلوم التي تعتني بالإنسان، لذلك ستجده قريبًا إلى قلبك، وفي هذه المقالة سنحاول أن نوجز لك هذا التخصص النفيس عزيزي القارئ.

ولعل للإعلام دور كبير في انتشار تخصص علم النفس، تلك المرحلة التي امتزج فيها الإعلام بكثير من التخصصات منها السياسة والطب وعلم النفس أيضًا، مما أدى إلى انتشاره بشكل واضح، فساهم في حل الكثير من المشكلات النفسية والأسرية والزوجية، مما أدى إلى حياة أكثر رفاهية من سابقتها.

وخلال فترة دراستي لعلم النفس والتي بلغت حوالي إحدى عشر سنة، لم أمل ولم أكل من أن أنهل من هذا العلم المتعدد الفروع، المتعمق الأصول، واندهشت بعد أربع سنين من المرحلة الجامعية لم أدرس سوى القليل، وهذا ما دفعني لأن أُكمل دراسته.

تاريخ تخصص علم النفس وطبيعته

نشأ تخصص علم النفس كنتيجة طبيعية لتخصصين هامين جدًا وهم الفيزياء والفلسفة، ثم استقل عنهما في أواخر القرن التاسع عشر وتحديدًا في عام 1879، وموضوع علم النفس هو السلوك الإنساني المعقد جدًا، وهو يجمع بين كثيرٍ من العلوم الإنسانية والطبيعية.

وهناك الكثير من العلامات الفارقة التي كونت علم النفس الحديث، ولعل منها، كتاب عالم الفيزياء الشهير Fechner Gustav والذي كان يحمل عنوان السيكوفيزيكا، أي الربط بين الفيزياء والسيكولوجي “علم النفس”، ثم ظهر بعد ذلك أول معلم لعلم النفس التجريبي في ألمانيا عام 1879 على يد فلهام فونت.

ثم جاء البروفيسور ويليام جيمس من مجال الفلسفة ليعلن أمام الجميع تغيير لقبه من أستاذٍ للفلسفة إلى أستاذٍ لعلم النفس بجامعة هارفرد الأمريكية، وبدأت بعد ذلك حركة القياس النفسي على يد ألفريد بينيه عام 1905 بفرنسا، وظهرت بعد ذلك ثلاث مدارس وهي التحليل النفسي بقيادة فرويد ونظريات التعلم.

إذًا علم النفس هو ذلك التخصص الذي يدرس السلوك سواء سلوك الإنسان أو الحيوان، وهناك الكثير من العوامل التي تصعب من مهمة علم النفس في دراسة السلوك، منها مثلًا التعقيد الشديد لذلك السلوك، ووجود الكثير من العوامل التي تؤثر في ذلك السلوك، من بيئية ووراثية واقتصادية إلخ…

مناهج البحث في تخصص علم النفس

يعتمد علم النفس على منهجين أساسيين هما، منهج الملاحظة والبعض يسميه المنهج المسحي أو الارتباطي، والذي يجمع الباحث فيه بياناتٍ عن الظاهرة السلوكية باستخدام بعض الأدوات المختلفة والتي منها، الاختبارات أو الملاحظة المضبوطة، وهو يراقب السلوك دون تدخلٍ أو تأثيرٍ فيه.

أما المنهج الثاني فهو المنهج التجريبي والذي يخضع فيه السلوك لمجموعة من المتغيرات المختلفة “المتغيرات الدخيلة” من أجل رصد التغيرات التي تحدث في السلوك، ومحاولة ضبطه جيدًا وقياسه، على سبيل المثال معرفة تأثير العقاب البدني على مستوى التحصيل لدى الطلاب في المدارس.

ويستعين الباحث المتخصص في علم النفس بالإحصاء في دراسته لكافة المتغيرات من أجل تحويلها لبيانات، تلك البيانات قد تكون في صورة متوسطات أو انحرافات معيارية أو معاملات ارتباط أو ما شابه ذلك، مما يعينه على تكوين تنبؤات مستقبلة للسلوك موضوع البحث، وهناك نوعين من الإحصاء، استدلالي ووصفي.

أقسام تخصص علم النفس

هناك الكثير من التخصصات الفرعية داخل تخصص علم النفس حتى أن رابطة علم النفس الأمريكية American Psychological Association ذكرت مؤخرًا أن هناك أكثر من ثلاثين قسمًا لكل قسم اهتماماتٌ متميزة، وحديثًا تفرعت العديد والعديد من التخصصات الأخرى التي لا حصر لها ومن تلك الأقسام:

علم النفس الأكاديمي الأساسي “النظري”

علم النفس التجريبي

والذي يتناول بالدراسة الأصول النفسية والاجتماعية والبيولوجية للسلوك، وهو من أهم العلوم حقًا وقريب الصلة بكل من الإحصاء والفيزياء لما فيه من تجارب على كلٍ من المتغيرات المختلفة سواء الدخيلة أو التابعة أو المستقلة.

علم النفس الاجتماعي

والذي يدرس التفاعل الاجتماعي والاتجاهات المختلفة وعلاقة الفرد بالجماعة المحيطة به من تأثيرٍ وتأثرٌ، وكيفية تحقيق الفكر والوعي الجمعي، وكيف يكون هناك تكيف داخل دولة مثل أمريكا بها عدد كبير من الجنسيات وأخرى عربية ليس فيها تكيف مع وجود جنسيتين أو ثلاثة على أقصى تقدير.

علم نفس النمو

والذي يهتم بدراسة عملية النمو والنضج “اكتمال النمو” خلال مراحل حياة الأنسان المختلفة.

علم النفس التطبيقي

علم النفس الكلينيكي “العيادي”

والذي يهتم بدراسة الأمراض العصابية والذهانية، دراسة متعمقة لحالة واحدة داخل عيادة نفسية مجهزة ومخصصة ذلك.

علم النفس التربوي

والذي يهتم بدراسة العملية التربوية والنشاطات الصفية لكل من الطالب والمعلم، وكيفية الارتقاء بالعملية التعليمية.

علم النفس الصناعي

والذي يهتم برفع كفاءة العمال ورفع الإنتاجية لدى كل العاملين في المصانع سواء الإداريين أو الحرفيين والعمال.

أهمية تخصص علم النفس في حياتنا

حل المشكلات الزوجية

فعلم النفس له إسهاماتٌ كبيرةٌ جدًا في حل الكثير من المشكلات الزوجية بل والوقاية منها، ومن أهم الفروع التي تهتم بذلك الإرشاد الزواجي والعلاجي الأسري، والذي يهتم بالأسس التي تُبنى عليها الحياة الزوجية السعيدة، وأيضًا كيفية حل الأزمات الزوجية، دون أدخال أحد الأقرباء ودون أشعار الأبناء بوجود مشكلة.

علاج الأمراض النفسية

ومنها العصاب كالوسواس القهري، ومنها الذهان كالفصام والضلالات، وعلاج الأمراض العصابية يحتاج لوقتٍ ليس بالكبير، أما الأمراض الفصامية فتحتاج لوقتٍ ومجهود أكبر، وجميع الأمراض النفسية تحتاج لجمع تاريخ مرضي دقيق جدًا، لذلك ليس كل دارس لعلم النفس يصلح لأن يكون معالجًا نفسيًا.

علم النفس ودوره في التربية والتعليم

حيث يوجد عدد من التخصصات التي تهتم بالعملية التعليمية والبيئة الصفية، ومنها تخص علم النفس التربوي، وعلم النفس البيئي، وعلم النفس التعليمي، وسيكولوجية الفروق الفردية والتي هي من أهم العلوم والتي تعينك عزيزي المعلم والطالب والمدير على تكوين بيئة صفية ممتعة ومحققة لأهداف التعلم.

أن تنظر للحياة بشكل شمولي للغاية

علمني علم النفس ألا أنظر للأمور والقضايا من حولي نظرة جزئية، فعلم النفس رائد في فكرة الشمولية، حتى أن هناك مدرسة كاملة في علم النفس تقول إن الإنسان ليس مجرد بدن يتألم بل مشاعر وأحاسيس تتألم أيضًا وعلاقات تستوحش.

أن تدرك أن الفرص ما زالت موجودة

في كثير من الأحيان ونظرًا للضغوط التي نعاني منها في حياتنا يتصور الواحد منا أن الأمور انتهت وأنه لا مناص من الفشل، ولكنني تعلمت ألا أستهنين بقدري.

علوم حديثة أساسها تخصص علم النفس

التنمية البشرية

وهي محض تجارب شخصية مأخوذة بشكل سيئ وغير منظم من علم النفس، هي أسوأ ما قدم في علم النفس، لذلك لن تجد لها تطبيقًا في الواقع، ولن تجد شخصًا حدث له تغيير خطير في حياته بناء على تلك الكتابات المسماة التنمية البشرية.

الموارد البشرية

وهي من العلوم التي تعتبر امتدادًا لعلم النفس المهني أو سيكولوجية الإدارة، وهي من العلوم المفيدة بحق وأصبح فيها متخصصون وهناك جامعات تقدم شهادات بكالوريوس وليسانس وماجيستير فيها، وهي بحق من العلوم التي فرضت نفسها بقوة على ساحة العمل والإدارة.

التسويق وفن البيع

مثل علم النفس والموضة للدكتور صلاح مخيمر، وعلم النفس التسويقي وهو من العلوم الهامة جدًا في التسويق وفي فن عرض البضائع بشكل جذاب للعين مما يجعل الزبون يشتري أكبر كمية من البضائع المختلفة، هناك أيضًا علم سيكولوجية السوق.

مهارات العرض والتقديم

ومنها فن الخطابة وفن الإلقاء على المسرح وهي من أهم العلوم المأخوذة عن علم النفس والشخصية والذكاء الانفعالي وعلم النفس العاطفي، والذي يعين الشخص سواء كان ممثلًا أو إعلاميًا أو معلمًا على أن يتحكم في انفعالاته بشكل جيد مما يعينه على توصيل رسالته بأيسر السبل.

خدمة العملاء

وأول من أهتم بخدمة العملاء كان تخصص علم النفس فعلم النفس له السبق في تقسيم الناس إلى العدواني المتسلط والعاطفي والانطوائي والمتردد، وكلها أصناف للعملاء، وحديثًا قُدمت العديد من الكتب في التعامل مع كل نوع من تلك الأنواع من العملاء لكن يظل السبق لعلم النفس في خدمة العملاء وفن البيع.

نصائح عامة لمن يريد دراسة تخصص علم النفس

ادرس علم النفس ولكن راقب نفسك

لا ينبغي عليك أن تكون ممن يعانون من المشكلات النفسية، والفكرة هنا أن دراستك لعلم النفس إن لم تغيرك للأفضل فهناك خطأ ما لا بد من تداركه، وقبل أن تحاول حل مشاكل الناس حاول حل مشاكلك الشخصية.

علم النفس والدين

لا تدخل علم النفس في الدين، وهنا طبعًا لا أقصد فصل الدين عن العلم أبدًا، لكن عليك أن تعلم أن علم النفس وجهات نظر فقط لا غير، قد تصيب وقد تخطئ، وما هو صواب اليوم قد يكون خاطئ غدًا، فحاذر أن تتعامل مع علم النفس بقداسة فتجعله دينًا لك.

لن يجعلك علم النفس عالمًا

كثير من الطلاب الدارسين لعلم النفس يظنون أنهم فقد أصبحوا علماء الأمة وهذا غير صحيح بالمرة، والسبب الذي يجعل البعض يفعل هذا هو كون علم النفس علم إنساني لدرجة كبيرة جدًا، يجعلهم يفهمون قليلًا من حولهم فيحدث لهم ذلك الغرور المذموم.

لا تتخذ من علم النفس وسيلة ليكرهك الناس

كثير من الطلاب يدخل مجال علم النفس ولديه مثلًا عشر أصدقاء مقربين ثم بعد إن يتم شهادته الجامعية تحدث المفاجأة، يكرهه الناس جدًا، ويفقد الكثير من أصدقاءه، والفكرة هنا أنه للأسف أصبح يرى عيوب من حوله بشكل أكبر، فيحاول أن يقومهم بالطبع مما يُكره الناس فيه أكثر فأكثر.

إذا لم تستمتع به توقف

علم النفس من العلوم التي لو فكرت أن تدرسها فقط دون شغف حقيقي فستفتر حتمًا، لذلك عليك التفكير قبل أن تدرس تخصص علم النفس، وأن تعلم ما سوف يقدمه لك ذلك العلم وما سوف تقدمه للناس، وإلا فتوقف فورًا فعلم الناس لا يعطي إلا من لديه شغف حق

يقي.

اجعل لك هدفين

قبل أن تدرس علم النفس عليك أن تعلم أن لدراستك لعلم النفس هدفين هامين جدًا، أولهما أن تفهم ذاتك وتعرف حدود قدراتك وإمكاناتك بشكل جيد مما يجعلك تقبل على مواقف الحياة ولديك بعض الحسابات التي تمكنك من أن تتعلم حتى من الفشل.

وثانيهما أن تقدم بعض الخدمات المتخصصة للمرضى النفسيين أو من لديهم اضطرابات سواء العصاب منها أو الذهان، وحاول أن تقرأ ميثاق علم النفس المهني والأخلاقي، فسيعينك كثيرًا أن تعلم سرية وكرامة من تتعامل معهم من المرضى، وستتعلم كيف ترتقي بمهنة علم النفس إلى الأمام.

استعن بهذه الكتب

• الطب النفسي المعاصر للدكتور أحمد عكاشة.
• مقدمة في علم النفس للدكتور جابر عبد الحميد جابر.
• مناهج البحث في التربية وعلم النفس للدكتور جابر عبد الحميد جابر.
• علم النفس الفيسيولوجي للدكتور أحمد عكاشة.

ولا تنسوا أن علم النفس بحرٌ واسعٌ، فحاول أن تأخذ منه تخصصًا واحدًا ثم حاول تطبيقه على نفسك في المقام الأول ثم على من تحت ولايتك المهنية سواء حالات تعاني من أمراضٍ نفسيةٍ أو طلبة لديهم مشكلات في المدرسة.