ما هي الخصخصة؟ ومتى تكون في خدمة المصلحة العامة؟

خلال عدة عقود سبقت ثمانينيات القرن الماضي، ازداد حجم الأنشطة التي تقوم فيها الحكومات في كل دول العالم تقريبًا، وأصبحت هذه الحكومات تتولى الكثير من المهام التي كان يتولاها القطاع الخاص، وتم تأميم العديد من الشركات والبنوك والصناعات ومرافق الرعاية الصحية، وفي الاتحاد السوفيتي ودول أوروبا الشرقية، عملت الأنظمة الشيوعية على التخلص من القطاع الخاص بشكلٍ نهائي.

لكن في الثمانينيات، تغير هذا التوجه في الكثير من الدول، ففي الولايات المتحدة الأمريكية، أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي رونالد ريغان عن خطة خصخصة كبيرة.

ما هي الخصخصة؟

الخصخصة تعني التحول من الإدارة العامة إلى الإدارة الخاصة، ووفقًا لمؤيدي هذا التوجه، يساهم ذلك في تحسينات كبيرة، فهو يعزز كفاءة المؤسسات الحكومية المتبقية، ويساهم في خفض الضرائب وتقليص حجم الحكومة وتركيزها على مهام معينة، كما أن الإدارات في القطاع الخاص ترغب في تحقيق الربح، وهذا بدوره سيؤدي إلى خفض تكاليف الإنتاج والاهتمام برضى العملاء.

أصبح التوجه نحو الخصخصة تواجه سائدًا في معظم الاقتصادات في التسعينيات، خاصة مع انهيار جميع الأنظمة الشيوعية في الاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية. فقامت الكثير من الحكومات بتسليم إدارة المرافق الكهربائية والسكك الحديدية التعليم وحتى السجون للقطاع الخاص.

أشهر مثال على عملية خصخصة واسعة النطاق حدثت بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، فقد كانت الحكومة الشيوعية للاتحاد السوفيتي تمتلك وتدير كل شيء في الدولة، ولم تسمح بأي ملكية خاصة أبدًا، وقبل انهيار الاتحاد السوفييتي بوقتٍ قصير، بدأ الزعيم ميخائيل غورباتشوف بالدعوة لتطبيق إصلاحات اقتصادية تشمل إعادة هيكلة الاقتصاد السوفييتي، وإنهاء الحرب الباردة بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي، وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، تم تسليم الكثير من المؤسسات التي تملكها الحكومة إلى القطاع الخاص.

حصلت في بريطانيا عملية خصخصة كبيرة أيضًا، حيث تم بيع 12 شركة كهرباء دفعة واحدة إلى المستثمرين بحوالي 10 مليارات دولار. وفي نيوزيلندا، تم بيع الشركات كانت مملوكة للدولة بما في ذلك شركة الاتصالات بمبلغ 3 مليارات دولار.

لم تقتصر عملية الخصخصة على الدول المتقدمة، فحتى الدول النامية بدأت خصخصة الكثير من مؤسسات القطاع العام، في الأرجنتين على سبيل المثال، تمت خصخصة شركات الهاتف وشركة الطيران وشركة البتروكيمياويات بمبلغ 2.1 مليار دولار، كما حصلت عمليات خصخصة واسعة النطاق في المكسيك ساهمت في خفض حجم القطاع العام وتوفير عائدات قدرت بحوالي 2.4 مليار دولار.

ومع ذلك، لم تكن عمليات الخصخصة هذه تتم بدون اعتراض، فقد عارض الكثيرون وانتقدوا الخصخصة واسعة النطاق، بحجة أن القطاع الخاص يسعى فقط لتحقيق الربح، وأن الرغبة في تحقيق الربح قد تؤثر على بعض القطاعات مثل الرعاية الصحية التي يجب أن تكون متوفرة للجميع بما في ذلك الفقراء والمحتاجين، وقطاع التعليم الذي يجب أن يقدم خدماته للجميع بما في ذلك الأطفال الفقراء وذوي الاحتياجات الخاصة.

هناك منظور ثالث وسطي بين مؤيدي ومعارضي الخصخصة، يرى فيه البعض أننا لا يجب أن نسعى إلى الخصخصة في كل المجالات ولا يجب أن نتوقف عن الخصخصة نهائيًا، بل ينبغي علينا أن نعرف متى تكون الخصخصة مفيدة؟ ومتى لا تكون مفيدة؟ بمعنى آخر، يجب علينا أن نحدد العوامل التي تجعل الخصخصة مفيدة للمصلحة العامة واتخاذ القرارات بناء على ذلك.

متى تكون الخصخصة في خدمة المصلحة العامة؟

إن نقل الملكية العامة لتصبح ملكية خاصة ليس من الضروري أن يكون أمرًا إيجابيًا يساهم في تحسين الخدمات والمنتجات وتقليل تكلفتها. فلكي تكون عملية الخصخصة إيجابية ومفيدة لخدمة المصلحة العامة، يجب أن يتوفر فيها شرطان رئيسيان:

  • توفر حوافز لحث الإدارة الخاصة على العمل من أجل خدمة المصلحة العامة.
  • وجود سوق تنافسية تضمن عدم احتكار المجال والسعي الدائم نحو تقديم منتجات أو خدمات بجودة أفضل وأسعار أقل.

عندما لا يتوفر هذان الشرطان، تكون مشاركة الحكومة في الإدارة ضرورية. هذا يعني أن اتخاذ القرار بخصخصة قطاع ما أو مؤسسة ما يجب أن يتم بعد دراسة متعمقة يقوم بها متخصصون في مجال الاقتصاد.

نتائج الخصخصة

في ثمانينيات القرن الماضي، كان الدافع الرئيسي وراء توجه الإدارة الأمريكية نحو الخصخصة هو خفض حجم الحكومة ووضع حد لزيادة الإنفاق الحكومي من أجل تحقيق توازن في الميزانية، عرف في هذا التوجه باسم استراتيجية القضاء على العجز.

بالإضافة إلى تقليل العجز، كان هدف الخصخصة في الولايات المتحدة الأمريكية هو تحسين ظروف عمل موظفي الحكومة وكفاءة عملهم.

بينت التجربة الأمريكية في الخصخصة أن التحول المنظم من الملكية العامة إلى الملكية الخاصة يساهم بشكلٍ فعال في تحسين الخدمات المقدمة للمواطنين وخفض تكلفتها.

هل جميع المؤسسات يمكن خصخصتها؟

أن كان من الممكن تحقيق الهدف المراد من الخصخصة، فإن الإجابة هي نعم، يمكن خصخصة أي نوع من المؤسسات أو الشركات أو الإدارات سواء كانت سجن أو مدرسة أو حديقة وطنية أو شركة كهرباء أو مفاعل للطاقة النووية. المهم هو أن تكون عملية الخصخصة منظمة وتخضع لمعايير محددة، هذا يعني أن عملية خصخصة كل مؤسسة أو شركة أو قطاع يجب أن تدرس جيدًا وتناقش سلبياتها وإيجابياتها لتحديد ما إذا كانت ستساهم في خفض التكاليف والأسعار وزيادة جودة المنتجات أو الخدمات المقدمة.

بالإضافة إلى ذلك، يجب دراسة السوق قبل خصخصة أي شركة أو مؤسسة، للتأكد من أن هناك منافسة حقيقية للشركة التي يراد خصخصتها، وإذا تبين عدم وجود منافسة، لا يجب أن تتم عملية الخصخصة إلا وفق ضوابط ومعايير محددة، لأن الخصخصة في حال غياب المنافسة الحقيقية ستؤدي إلى الاحتكار ما قد يؤدي إلى زيادة التكلفة والأسعار.

تأثير الخصخصة على أنظمة الحكم والديمقراطية؟

أثبتت التجربة الأمريكية الناجحة أن الخصخصة إذا تمت وفق موافقة معايير منظمة ستساهم بشكلٍ فعال في تقليل معدلات الفساد، وهذا ينعكس بشكلٍ إيجابي على الوضع السياسي والاجتماعي في الدولة ويزيد ثقة المواطنين في المؤسسات الحكومية مما يعزز الاستقرار والالتزام بالقوانين والمعايير الديمقراطية.

لكن عملية الخصخصة ساهمت أيضًا في تداخل وارتباط رجال السياسة ورجال الاقتصاد، أدى ذلك في كثير من الأحيان إلى تغير الولاءات السياسية ودخول المال السياسي وتأثيره على سلوك السياسيين والأحزاب والعملية الانتخابية. دفع ذلك بعض الحكومات إلى إجبار الأحزاب السياسية والمرشحين للانتخابات على التصريح عن الأموال التي يتلقونها من الداعمين لهم.

المصادر

شارك المعلومة؛ فالدال على الخير كفاعله