لمحة موجزة عن أبرز شعراء العصر الجاهلي

يعد الشعر في العصر الجاهلي من أقدم أنواع الشعر التي وصلت إلينا فهو شعر من الأدب الرفيع الذي يعبر عن ذوق فني عريق لما فيه من أبيات تثير الأحاسيس وتسحر القلوب وتصور خصائص هذا العصر الجميل بكل تفاصيله وأحداثه.

تعالوا معنا لنتعرف على أهم شعراء العصر الجاهلي من خلال هذه الجولة الممتعة:

شعراء العصر الجاهلي

لقد عُرف شعراء العصر الجاهلي بأنهم أقدم الشعراء الذين قدموا لنا تاريخ حافل من الأبيات الشعرية والمعلقات جمعوا فيها كل ما لديهم من فنون الشعر من الحب والعشق والرثاء والهجاء والإيثار وحب للعشيرة والشجاعة والفروسية والإباء والمروءة والوقوف على الأطلال وإلى ما هنالك من مواضيع سطرت تاريخ هام من الشعر العربي الأصيل والفن الراقي العريق.

إضافة إلى أن العرب عظّموا هؤلاء الشعراء ورفعوا من شأنهم بين القوم حيث كانت تُلقى القصائد في المناسبات المختلفة وتُعلق أجملها على جدران الكعبة فخرًا بهؤلاء الشعراء الذين أطلق عليهم اسم شعراء المعلقات.

ومن أشهر شعراء العصر الجاهلي هناك امرؤ القيس وزهير بن أبي سلمى وطرفة بن العبد ولبيد بن ربيعة والأعشى والحارث بن حلزة وعبيد بن الأبرص وغيرهم كثير.

تعالوا معنا لنتعرف على أبرز شعراء العصر الجاهلي والذين نذكر منهم:

الشاعر امرؤ القيس:

اسمه: جندح بن حُجر بن الحارث الكندي.

لقبه: لُقب بأمرؤ القيس، كما لُقب بأمير الشعراء وبالملك الضليل ذو القروح، كما كان بعضهم يدعونه بأبي زيد أو أبي وهب.

يعتبر الشاعر امرؤ القيس من أبرز الشعراء في العصر الجاهلي المشهورين حيث ولد ونشأ في قبيلة كندة بديار بني أسد في نجد.

وكان من عائلة عريقة حيث كانت عائلته من عائلات الملوك لكنه لم يلتفت للملك والسلطة بل كان كل ما يشغل باله هو الشعر ليفرّغ من خلاله كل أحلامه وعواطفه بقصائد يُنظمها.

كان أبوه يكره مجونه فطرده لما كان ينظمه في شعره من مجونه وتولعه بالنساء حيث كان يُنظم القصائد الغزلية التي تحكي قصصه وعلاقاته النسائية وهذا ما كان مخالفًا للعادات والتقاليد في ذلك الزمان.

كما يقال بأن الشاعر امرؤ القيس أول الشعراء الذين وقفوا على الأطلال وبكوا عليها، كما كان أول من نظم قصائد عن مخادع النساء.

لقد تنوع شعره بين الوصف والهجاء والغزل حيث كان يتفنن في وصف الصيد والجياد والنساء ويتخلل هذه القصائد الحكمة إضافة إلى إبداعه استخدام الاستعارات في الشعر وفي انتقاء الألفاظ الموجزة الجزلة والتي تعبر عن قومه وحياته لذلك جاء شعره يتمثل بترف العيش.

كانت قصائده تعلق على ستار الكعبة ومن أشهرها المعلقة التي نظمها على البحر الطويل ومن أهم أغراضها كان الغزل والوقوف على الأطلال ووصف الخيل ومن مطلعها:

قِفا نَبكِ مِن ذِكرى حَبيبٍ ومنزلِ             بِسقطِ اللِوى بَينَ الدخولِ فَحومَلِ

كَأَنّي غَداةَ البَينِ يَومَ تَحَمَّلوا لَدى           سَمُراتِ الحَيِّ ناقِفُ حَنظَـــــــــلِ

وُقوفًا بِها صَحبي عَلَيَّ مَطِيِّهُـــم               يَقولونَ لا تَهلِك أَسىً وَتَجَمَّـــلِ

وإنَّ شِفائي عبرةٌ مهراقةٌ فهَل                 عند رَسمٍ دارِسٍ من مُعَــــوَّلِ

توفي في عام 544 م بسبب إصابته بالجدري لذلك سُمي بذي القروح.

عنترة بن شداد:

اسمه: عنترة بن عمرو بن شداد بن معاوية بن قراد العبسي.

لقبه: عنترة العبسي وعنترة الفلحاء بسبب التشقق الذي كان في شفتيه.

يعتبر من أشهر وأبرز الشعراء في العصر الجاهلي حيث اشتهر بشعره الذي يتحدث عن الفروسية والغزل.

ولد لأبيه العربي وأمه الحبشية ومن هنا كان مختلفًا عن أقرانه فقد كان ضخمًا وعظامه صلبة مع شعر مجعد كما كان طيب القلب أخلاقه جيدة إلى جانب شدة بطشه كفارس مغوار في ساحات المعارك.

لقد لاقى عنترة مرارة الحرمان والمهانة لأن أمه حبشية وأبيه لم يعترف بنسبه إليه حيث كان يعامله معاملة العبيد.

أحب ابنة عمه عبلة وصاغ شعرًا عفيفًا رائعًا في حبها وفي غزله بها حيث كانت تتمتع بجمال رائع ولكن عمه رفض زواجه منها لسواد لونه ولاعتباره عبدًا وقد قال فيها في إحدى قصائده:

أَلا يا عَبلَ قد زادَ التَصابي        وَلَجَّ اليَومَ قَومُكِ في عَذابي

وظلَّ هواكِ يَنمو كُلَّ يَومٍ          كَما يَنمو مَشيبي في شَبابي

كما قال أيضًا في حبه لعبلة:

يَا دَارَ عَبْلـةَ بِالجَواءِ تكلَّمِـي         وعِمي صباحًا دارَ عبْلةَ واسلَمِي

لُقّب بشاعر الفرسان لأنه كان فارسًا قويًا وكان ينظم الشعر عن الفروسية وبطولاته وحمله للسيف في مواجهة العدو.

ويقال بأن والده اعترف به عندما كبر وتزوج من ابنه عمه، وقد بلغ التسعين من عمره عندما توفي حيث هناك بعض القصص التي تقول بأنه قتل بسهم مسموم.

 من أشعاره المشهورة:

لئن أَكُ أَسوَدًا فالمسكُ لَوني      وما لسوادِ جلدي من دَواء

ولكن تَبعُدُ الفحشاءُ عنّـــي          كبُعدِ الأَرضِ عن جوِّ السماءِ

وقال متفاخرًا بفروسيته وإقدامه:

أَنا في الحربِ العوانِ غيرُ مجهولِ المكان        أَينَما نادى المُنادي في دُجى النَقعِ يَراني

زهير بن أبي سلمى:

اسمه: زهير بن أبي سلمى ربيعة بن رباح المزني.

إنه من قبيلة مزينة وهو من أهم شعراء العصر الجاهلي، وكان من أصحاب الثروات حيث ولد في الحاجر حول المدينة المنورة.

نظّم زهير بن أبي سلمى الكثير من القصائد وقد اشتهر بأنه من شعراء المعلقات الذين لهم اسلوب خاص بنظم الشعر وبلاغة واضحة واستخدام الألفاظ المناسبة للكثير من المشاعر والأفكار.

توفي والده وتزوجت أمه من الشاعر أوس بن حجر وهو أيضًا من أشهر الشعراء في ذلك العصر مما أكسبه تعلم أصول نظم الشعر وحفظ أشعار الشعراء الآخرين مما كان دافعًا له ليكون له اسلوب خاص في نظم الشعر ويضع بصمته الخاصة عليه، كما كان الكثير من شعره يشوبه الحكمة ورجاحة العقل إضافة إلى أنه كان إنسانًا بسيطًا ونبيلًا ومبدعًا في نظمه للشعر.

 وكان عندما يريد مدح شخص يمدحه بما فيه دون تملق، كما أنه من إبداعه ينظم قصيدته خلال شهر من الزمان إلا أنه يقوم بمراجعتها وتهذيبها وتنقيحها خلال فترة سنة كاملة لذلك كانت أغلب قصائده تسمى بالحوليات.

تنوعت أغراض الشعر عند هذا الشاعر بين الغزل والهجاء والذم والمدح والرثاء إضافة إلى الشوق والفخر وغيرها كثير.

زهير بن أبي سلمى عمّر طويلًا حيث وصل إلى عمر الثمانين عند وفاته في عام 608 م وذلك قبل ظهور الإسلام وبعثة الرسول عليه الصلاة والسلام.

سَئِمتُ تَكالِيفَ الحَياة ومنْ يعـش      ثمانينَ حَولاً لا أَبَا لَـك يـسأَمِ

ومن مطلع معلقته المشهورة:

أَمِن أُمِّ أَوفى دِمنَةٌ لَم تَكَلَّمِ           بحومانَةِ الدُرّاجِ فَالمُتَثَلَّـــــــــمِ

ودارٌ لهـا بالرَّقْمَتَيْـنِ كَأَنَّـهَـا            مرَاجِع وشمٍ فِي نَوَاشِرِ مِعصـمِ

وأيضًا قال في الحكمة:

وَمَنْ هَابَ أسبابَ الْمَنايا يَنَلْنَهُ      وإنْ يَرْقَ أَسبابَ السَّماءِ بِسُلَّمِ

عمرو بن كلثوم:

اسمه: أبو الأسد عمرو بن كلثوم التغلبي.

ولد في الجزيرة العربية ويعتبر من سادات تغلب وهذا يعود لمكانة قومه وعائلته فهو من أسرة ذات جاه ونسب وسلطان.

عندما توفي أبيه صار هو السيد على قومه، إضافة إلى أنه كان شاعرًا نابغًا ذو اسلوب سلس، كما كان معروفًا عنه سرعته في ارتجال الشعر والمبالغة في وصف الفخر والاعتزاز والحماسة والعزة ويعد من أصحاب المعلقات ومميز بين أقرانه من الشعراء في ذلك الوقت.

له معلقة مشهورة من أفضل ما نظم من الشعر والتي نظمها في الوقت الذي كان هناك خلاف بينه وبين عمرو بن هند (ملك المناذرة) وهي:

أَلاَ هُبِّي بِصَحْنِكِ فَاصْبَحِيْنَـا      وَلاَ تُبْقِي خُمُـوْرَ الأَنْدَرِيْنَـا

كان عمره طويل حيث عاش فترة طويلة ومات في عام 600م.

ومن أشعاره في الفخر:

أَلاَ أَبْلِـغْ بَنِي الطَّمَّـاحِ عَنَّـا                    وَدُعْمِيَّـا فَكَيْفَ وَجَدْتُمُوْنَـا

إِذَا مَا الملكُ سامَ النَّاسَ خسفـًا      أَبَيْنَـا أَنْ نُقِـرَّ الـذلَّ فِينَـا

مـلأْنَا البـرَّ حتَّى ضاقَ عَنَّـــــــــا       وَظَهرَ البحـر نمْلَـؤُهُ سَفِيْنَـا

إِذا بلـغَ الفِطـامَ لنا صَبـيٌّ             تَخـرُّ لَهُ الجَبَـابِرُ سَاجِديْنَــــا

النابغة الذبياني:

اسمه: هو زياد بن معاوية بن ضباب بن جابر حتى يصل نسبه لمرة من غطفان من قبيلة قريش.

لقب بالنابغة لنبوغه في نظم الشعر بكثرة وتنوع بالتجول بين مختلف مجالاته، كما أنه قد نبغ في الشعر في وقت متأخر من حياته ولكنه أتى به بدفعة واحدة وكثيرة بشكل مبدع وكأنه كان يُنظم الشعر من زمن بعيد.

يعتبر النابغة الذبياني من شعراء الطبقة الأولى، ويُكنى بأبي أمامة كما يمتاز بغزارة الشعر دون حشو أو تكلف كما كان يمتاز بوضوح الكلام ووضع الجمل والألفاظ والكلمات في مكانها الصحيح مما يجعل لشعره ميزة يمتاز بها عن غيره.

كان شعره متأثرًا بالظروف المكانية والزمانية حيث كان يستمد ألفاظه من البيئة الحضرية أو البدوية فكان يشدد على الأوصاف الصحراوية بعيدًا عن الخشونة قريبًا من الرقة العذبة في العبارات.

كان مشهورًا جدًا في عصره حيث كانت تُنصب له خيمة لونها أحمر في سوق عكاظ ويتجمع الناس حوله ويأتي الشعراء إليه ليعرضوا عليه أشعارهم وقصائدهم ومن بينهم الأعشى وحسان بن ثابت والخنساء وآخرين كثر.

لقد عاش عمرًا طويلًا وتوفي سنة 605 م.

ومن أشهر أبياته:

مَن يطلبِ الدَهرُ تُدركهُ مَخالِبُهُ         والدَهرُ بالوتر ناجٍ غيرُ مطلوبِ

ما من أُناسٍ ذوي مجدٍ ومكرُمةٍ         إلا يشُدُّ عليهم شِدَّةَ الذيبِ

وقال أيضًا في مطلع معلقته الشهيرة:

يا دارَ ميَّة بالعلياءِ فالسندِ              أَقوَت وطالَ عَلَيها سالِفُ الأَبَدِ

وَقَفتُ فيها أُصَيلانًا أُسائِلُها             عيَّت جوابًا وَما بالربعِ مِن أَحَدِ

شارك المعلومة؛ فالدال على الخير كفاعله