الموت الأسود أو مرض الطاعون … أخطر وباء بتاريخ البشرية

يصاب الناس بالذعر عندما يُذكر مرض الطاعون، والذي يطلق عليه أيضًا الموت الأسود، فعندما يتفشى الطاعون في منطقة ما، فإنه يقضي على السكان ويحصد الأرواح حصدًا، وتدور كثير من التساؤلات عن كيفية انتقال المرض إلى الإنسان وما هي أبرز أعراضه وكيف يمكن الوقاية من الإصابة به؟ تعالوا معًا لنتعرف على إجابة تلك التساؤلات في ذلك المقال.

ما هو الطاعون أو مرض الموت الأسود؟

هو وباء يصيب الحيوانات القارضة كالفئران، وسببه بيكتريا تُسمى Yersinia pestis ولا تقتصر الإصابة على الحيوانات فحسب، بل تنتقل أيضًا إلى الإنسان مما يسبب له العديد من المشاكل الصحية التي قد تنتهي بوفاته، وقد انتشر الموت الأسود كوباء في مصر في عام 1940، وسجل العديد من الوفيات في محافظات مصر المختلفة.

كيف ينتقل الطاعون أو الموت الأسود إلى الإنسان؟

يصاب الإنسان بمرض الموت الأسود بعدة طرق منها ما هو مباشر وما هو غير مباشر، فأما الطريق المباشر فهو عن طريق لدغ الفئران، والحيوانات المصابة بالمرض كالقطط والكلاب وأما الطريق غير المباشر فهو ينتج من لدغ البراغيث التي تتغذى على دم القوارض المصابة.

ما هي أنواع مرض الطاعون؟

هناك عدة أنواع لمرض الطاعون قد تصيب الإنسان، وتختلف باختلاف الأعراض وبذلك يختلف كل نوع في نوعية العلاج وكيفية تلقي الجرعات المختلفة، وتلك الأنواع هي:

1 – الطاعون الدملي bubonic plague

يتم الإصابة به عن طريق لدغ البراغيث، وهو أكثر أنواع الطاعون شيوعًا وتتدهور الأعراض سريعًا، حيث في فترة قصيرة لا تتجاوز ساعات يظهر تورمًا في الغدد الليمفاوية المختلفة تحت الإبط أو في منطقة العنق. ويكون ذلك التورم ملتهبًا مؤلمًا وقد يتكون به صديد وقيح، وقد يؤدي في النهاية إلى تسمم في الدم، وتظهر على المريض أعراض كارتفاع درجة الحرارة، والقشعريرة والهذيان وقد يدخل في غيبوبة تؤدي إلى الوفاة.

وآلية انتقال هذا النوع يكون من خلال اختراق البكتريا لجلد الإنسان، حتى تصل إلى الغدد الليمفاوية، ومن ثم تنتشر بها وتسبب التهابها وتورمها، وقد تتطور الحالة فتخترق البكتريا مجرى الدم؛ فتسبب مرض الطاعون التسممي. يسبب هذا النوع وفاة حوالي 1- 15% من الحالات التي يتم علاجها، ووفاة حوالي 40- 60% من الحالات التي لا تتلقى العلاج في الوقت المناسب.

2 – الطاعون التسممي Septicemic Plague

هو نوع شديد الخطورة من الطاعون قد يؤدي إلى الوفاة خلال يوم واحد، وقد تكون الإصابة به أولية عن طريق اللدغ المباشر من البراغيث الناقلة للمرض، أو تكون الإصابة نتيجة انتشار الميكروب في الدم بعد الإصابة بالطاعون الدملي.

في هذا النوع يتعرض الدم لتجلطات عديدة بداخل الأوعية الدموية وتظهر بقع الدم الغامقة الناتجة من النزيف تحت الجلد؛ لذا أُطلق عليه الموت الأسود. وتظهر أعراض التسمم على المريض في صورة حمى شديدة ووهن عضلة القلب وكحة مصحوبة بدم، ويمكن تقليل نسبة الوفيات من الطاعون بنسبة تصل إلى حوالي 15% عن طريق تناول المريض للمضادات الحيوية في المرحلة المبكرة من الإصابة بالمرض ومن أمثلة المضادات الحيوية الفعالة ستريبتومايسين وجنتاميسين.

3 – الطاعون الرئوي Pneumonic Plague

تكمن خطورة هذا النوع في سرعة انتشاره بين الناس عن طرق رذاذ الفم والأنف وخاصة في الظروف المناخية غير الصحية، وقد تنتج الإصابة كمضاعفات للطاعون الدملي، أو الطاعون التسممي عن طريق انتقال البكتريا من الدم إلى مجرى الجهاز التنفسي.

وفترة حضانة المرض قصيرة جدًا حيث تبدأ الأعراض في الظهور بعد حوالي 12 ساعة والتي تتمثل في سعال شديد مصاحبًا للبلغم، والتهاب رئوي حاد وحمى شديدة وآلام في الصدر مع ضيق في التنفس وقد يمتد الالتهاب ليصيب اللوزتين، وأغشية المخ، والجهاز الهضمي وتبلغ نسبة الوفاة من المرض 100% خلال ثلاثة أيام إذا لم يتم علاج المريض في الوقت المناسب.

من أهم الأدوية الفعالة في علاج الطاعون الرئوي دواء جنتاميسين وكلورامفينكول والتتراسيكلين والذي يمكن استخدامه أيضًا لوقاية الأفراد من مرض الطاعون.

ما هي أعراض الموت الأسود؟

هناك عدة أعراض يشعر بها المصاب فور تعرضه للعدوى من المرض، وعند ظهورها يجب الإسراع لاستشارة الطبيب لتلقي العلاج في الوقت المناسب، ومن تلك الأعراض:

  • الإصابة بالحمى والقشعريرة.
  • تورم الغدد الليمفاوية في مناطق مختلفة بالجسم كالعنق وتحت الإبط.
  • اصطباغ الجلد باللون الأسود؛ لذا أطلق على الطاعون الموت الأسود.
  • الشعور بآلام وتعب في العضلات وتصلب الرقبة.
  • الصداع الشديد وآلام في الحلق.
  • الغثيان والدوخة، وقد يحدث قيء.
  • آلام في الجهاز الهضمي سواء المعدة أو البطن.
  • حدوث إمساك أو إسهال.
  • السعال مع وجود بلغم.
  • صعوبة وضيق التنفس.
  • اضطراب في معدل ضربات القلب.
  • حدوث التشنجات، والتي قد تؤدي إلى الغيبوبة إذا لم يسارع المصاب إلى الطبيب.

وهناك علامات مميزة لكل نوع من أنواع الطاعون كالتالي:

الطاعون الدملي: التهاب شديد في الغدد الليمفاوية القريبة من منطقة اللدغة، حيث تبدأ الغدد الليمفاوية بالتورم ويشعر المريض بآلام عند الضغط عليها.

الطاعون الرئوي: يتميز بوجود أعراض الجهاز التنفسي كقصور في التنفس وكحة شديدة مصاحبة ببلغم دموي بالإضافة للأعراض الأخرى للمرض كما سبق ذكرها.

الطاعون التسممي: وفيه يعاني المريض من ارتفاع شديد لدرجة الحرارة وضعف في عضلة القلب، بجانب باقي الأعراض العامة لمرض الطاعون.

عوامل الخطورة والتي تزيد من نسبة الإصابة بالموت الأسود

  • الإقامة في مناطق تنتشر بها العدوى بالطاعون والمناطق التي تنتشر بها الفئران المصابة بالطاعون والتي تشكل عائلًا لانتقال المرض إلى الأشخاص.
  • المناطق الريفية والمناطق المزدحمة، التي تشكل بيئة صالحة لانتشار الوباء.
  • الإصابة بلدغات الفئران والبراغيث، فقد تكون حاملة للميكروب المسبب للطاعون.
  • العمل في مستشفيات الطب البيطري، دون أخذ الاحتياطات للوقاية من الطاعون.

كيف يتم تشخيص مرض الطاعون؟

يقوم الطبيب بسؤال المريض عن الأعراض، وهل تعرض للدغة براغيث أو فئران، ومن ثم يبدأ الطبيب بالفحص السريري لمعرفة إذا كانت هناك تورمات في الغدد الليمفاوية، وهناك عدة تحاليل وأشعة يقوم بإجرائها الطبيب لتشخيص الطاعون، مثل:

  • تحليل صورة كاملة للدم.
  • زراعة للدم أو للبلغم، أو عينة من الغدد الليمفاوية المتورمة، أو سائل النخاع الشوكي للكشف عن وجود البكتريا المسببة للطاعون، وتتم الزراعة بصبغة العينة بصبغة معينة، وفحصها تحت الميكروسكوب بالإضافة لاختبار FA واختبار ELISA.
  • قد يطلب للمريض إجراء أشعة على الصدر والرئتين؛ لمعرفة إذا كان هناك انتشار للمرض في الرئة وإصابته بالطاعون الرئوي.

إذا تأكد الطبيب من الإصابة بمرض الطاعون بإيجابية زراعة الدم والبلغم وإيجابية اختبار إليزا حينها يجب عليه إبلاغ الجهات المسئولة في الدولة عن مكافحة العدوى والأوبئة؛ حتى يتم اتخاذ اللازم لمنع انتشار العدوى والوقاية من المرض.

كيف تتم معالجة مرض الموت الأسود؟

  • في بداية علاج الطاعون وبعد التأكد من الإصابة به، يتم عزل المصاب في غرفة العزل الطبي، حتى لا تنتقل العدوى إلى الأشخاص القريبة منه، ويتحول المرض إلى وباء، ويتم إعطاء المصاب المضادات الحيوية اللازمة، وخاصة في وجود التهاب رئوي حاد عند المريض.
  • يتم حقن المريض بحقن الستربتوميسين، وهي مخصصة لعلاج مرض الطاعون، وتؤخذ كحقن في العضل لمدة 10 أيام، ولكن ذلك النوع من الحقن لا يصلح في حالة الطاعون التسممي، أو في حالة التهاب أغشية المخ.
  • في حالة المريض المصاب بالطاعون التسممي، أو التهاب أغشية المخ، يتم إعطائه دواء الكلورامفينيكول، فهو فعال جدًا عن الستربتوميسين في تلك الحالتين.
  • الراحة التامة لمريض الطاعون في السرير وعدم بذل أي جهد والاهتمام بتناول الطعام الصحي كما يُوصي الطبيب المعالج.

مكافحة الطاعون والإجراءات الوقائية المتبعة

هناك عدة خطوات يجب الالتزام بها عند اكتشاف حالة مصابة بالطاعون، حتى نضع حدًا لانتشاره وهي:

  • تبليغ الجهات المسؤولة عن المريض؛ حتى تقوم الدولة بأخذ التدابير اللازمة للوقاية من المرض.
  • الالتزام بالعزل الطبي في المستشفى، وإتباع تعليمات الطبيب.
  • التطهير المستمر لملحقات المريض من ملابس وأغطية، والتخلص من المناديل الخاصة به، والضمادات وغيرها بالحرق.
  • تقوم الجهات المسئولة بحصر جميع السكان في المربع السكني حول المريض، و تسجيل أسمائهم، وإجراء الكشف عليهم؛ للتأكد من عدم انتقال العدوى إليهم، وتتم مراقبتهم لمدة عشرة أيام؛ حتى يتم التعرف عند ظهور أي أعراض.
  • يتم إعطاء العلاج الوقائي لأفراد الأسرة المخالطين للمصاب بشكل مباشر، وإجراء فحص الدم لهم للكشف عن بكتريا الطاعون، إذا ثبت وجودها في أحدهم يتم عزله مباشرة وتلقي العلاج على الفور.

بالإضافة إلى الإجراءات التالية:

  • يتم إجراء الاختبار والفحص الطبي على المسافرين والوافدين من الخارج، والمشتبه في إصابتهم؛ فإذا تم تأكد إصابتهم يتم عزلهم فورًا لمنع انتقال المرض في البلاد.
  • يتم محاربة الحيوانات المصابة والقوارض عن طريق المبيدات الحشرية، وكذلك القضاء على البراغيث الناقلة للمرض.
  • يتم إعطاء الأشخاص الأكثر تعرضًا للإصابة بالطاعون لقاح الطاعون، لمنع انتقال العدوى إليه.
  • يتم الاتفاق دوليًا لإجراء قوانين والتزامات صحية تقوم بها الدول الموبوءة بالطاعون؛ حتى لا يتسبب سكانها المصابين بالمرض في نقل العدوى لدول أخرى، عبر وسائل الموصلات الجوية، أو البرية، أو البحرية.

وبذلك نكون قد تناولنا مرض الموت الأسود أو مرض الطاعون وتعرفنا على أسباب الإصابة به وأهم أعراضه، وكيف يمكننا علاجه وخطوات الوقاية منه والواجب اتباعها وخاصة عند السفر إلى بلد موبوءة بمرض الطاعون.

شارك المعلومة؛ فالدال على الخير كفاعله