فضل صلاة قيام الليل وطريقة أداءها

قيام الليل يعني الصلاة والدعاء أثناء الليل. ‏بمعنى أن صلاة قيام الليل هي الصلاة التي يقوم بها المؤمن، ملتجًأ لربه سبحانه وتعالى، في وقت من أوقات الليل، طالبًا منه بانكسار وخشوع، الرحمة والغفران، وقضاء حاجة من حاجات الدنيا أو الآخرة.

قيام الليل، رغم مشقتها، هي من العبادات التي تغافل عنها الكثيرون، مع أنها عبادة تعود على المؤمن، بمحبة الله سبحانه وتعالى له، وبتيسير الأمور، وفي مقال هذا سنتعرف على هذه العبادة، وفضائلها، وكيفية القيام بها.

صلاة قيام الليل

ذكر هذه العبادة في القرآن والسنة

قال الله تعالى في سورة الإسراء: “ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقامًا محمودًا”.

قال رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام: “شرف المؤمن صلاته بالليل وعزه استغناؤه عما في أيدي الناس”.

قال ابن رجب الحنبلي، عن كعب أنه قال: “إن الملائكة ينظرون من السماء إلى الذين يتهجدون بالليل كما تنظرون أنتم إلى نجوم السماء”.

الفوائد التي نجنيها من قيام الليل

  • من يقوم الليل، يقوى على ترك المعاصي، والصلاة في الليل تكفر السيئة، وتبعد عن الإثم، وتقرب العبد من ربه، بدليل حديث أبي إمامة رضي الله عنه، أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: “عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم وهو قربة إلى ربكم ومكفرة للسيئات ومنهاة للإثم”.
  • أن قيام الليل هي من الأعمال التي كان يقوم بها الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، فلا يدعها حتى لو كان على سفر.
  • تغفر الذنوب، وكأنها لم تكن، بدليل حديث أبو هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: “من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه”، ويقصد بذلك صلاة التراويح، التي هي من صلاة قيام الليل.
  • إن الإكثار من قيام الليل والصلاة، والأذكار فيه، قد تكون فيه ساعة استجابة للدعاء بأمر للدنيا أو الآخرة، بدليل حديث جابر رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول: “إن في الليل لساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله خيرًا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه وذلك كل ليلة”.
  • تنور القلب، وتزيد الإيمان في القلب، وتجعله مرتاحًا، خاليًا من الأمراض التي قد تصيبه من حقد وكراهية وشقاء، وإن في قيام الليل قرب من الله، وهي من أفضل الأعمال الصالحة التي يقوم بها المؤمن بعد فرائضه،
  • تجعل الحُسن في الوجه، للنور الذي يُضيء الوجه من رضا الله سبحانه وتعالى.
  • تجعل الجسم نشيطًا، وتدبّ الحيوية فيه، وتبعد الكسل والتكاسل.
  • سببًا للرزق، لأن الصلاة والاستغفار في الليل، يجلب الرزق، بدليل حديث جابر رضي الله عنه. فقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام: ” أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام”.

ماذا تفعل ليسهل عليك قيام الليل؟

ابتعد عن الذنوب والمعاصي

عليك بترك الذنوب والمعاصي، لأن هذا الفعل الذي يقوم به الإنسان، يبعده عن الله، وعن إجابة الله له، وتسبب له حرمان قيام الليل. فقد جاء بعضهم إلى سيدنا ابن مسعود رضي الله عنه، يشتكون من أنهم لم يعودوا قادرين على قيام الليل، فأجابهم بمقولته الشهيرة، “أقعدتكم ذنوبكم”، فعليك أن تنظر لنفسك وما تقوم به.

لا تأكل كثيرًا قبل النوم

لتكن قادرًا على قيام الليل لا تأكل كثيرًا، فالمعدة الخفيفة وغير المثقلة بالطعام، تجعل جسمك خفيفًا، وأكثر حيوية، وبالتالي قادرًا على أداء عباداتك كلها، سواء في النهار أو التضرع والدعاء لله سبحانه وتعالى أن يوفقك ويعينك على قيام الليل وذلك قبل أن تنام بأي من الأدعية التي علمنا إياها الرسول عليه الصلاة والسلام، وذلك لأن قيام الليل هو عطّية من الله عزّ وجلّ لا يعطيها إلا بعد توفيق منه سبحانه وتعالى.

النيّة الحقيقة في أداء هذه العبادة

أن يكون لديك نيّة حقيقية، وقوية، في أن تقوم بالليل، وتؤدي طاعة من طاعات الله سبحانه وتعالى، وأنت عالم بما لهذه العبادة من قوة في مساعدتك للابتعاد عن الشهوات، والأعمال المنافية للشرع، هذه النية التي في قلبك، ستدفعك للمضي في طاعة الله، مستندًا لما في قلبك من محبة لله سبحانه، وتمني دخول جنته، والابتعاد عن ناره المحرقة.

النوم باكرًا

حاول دائمًا أن تنام باكرًا، مع الدعاء لله تعالى، بقلب منكسر، أن يساعدك على القيام لأداء عباداته، كأن تدعو بهذا الدعاء مثلًا الذي علمنا إياه رسولنا عليه الصلاة والسلام “يا حيّ يا قيّوم، يا رب العرش العظيم، اللّهم أكرمني ووفقني في هذه اللّيلة أن أقوم وأقف بين يديك يا رب”. وأنت تدعوه، وتتجه إلى فراشك، متأملًا من ربك أن يوقظك للقيام بعبادته، تذكر نعمة من النعم التي وهبها الله لك، كتيسير العمل، أو وجود أولادك بجانبك، وبالوقت نفسه تذكر إنْ صَرَفَ الله وجهه عنك، لأي سبب، والخوف من ذلك، فحبك لله يجعلك تتعبده كما يليق به، والخوف من ربك يكون حافزًا على أن تستيقظ، لتقوم الليل من أجله.

الاستعانة بالأجهزة الإلكترونية للاستيقاظ

استعن بأي من الأجهزة التي تساعدك على الاستيقاظ، كالمنبه، والساعة، وجهاز الخليوي، لأنك مع مرور الوقت ستجد نفسك تستيقظ لقيام الليل قبل أن ينبهك أي جهاز.

عود نفسك على الوضوء

عود نفسك على الوضوء قبل النوم، واقرأ وأنت في فراشك أذكارًا من السنة النبوية، حتى يطهر قلبك، وتقبل على ربك وأنت مستعد لقيام الليل.

طرق أخرى

  • لا تتباهى أمام أحد بأنك تقوم الليل، بل اجعل هذه العبادة بالسر، ولا تتحدث لأي كان عما تفعله، إلا إذا سألك عنها أحدهم، وكنت تريد أن تشرح له ماهي وفضائلها.
  • في البداية لن تستطيع المواظبة عليها، ولكنك وبنقاء قلبك لهذه العبادة ستعتاد عليها، ولذلك صلي قبل أن تنام، وادعو ربك بأن يساعدك على قيام الليل.
  • الابتعاد عن كل ما هو حرام، ودائمًا اسعى لأكل المال الحلال.
  • حاول أن تأخذ قسطًا من الراحة والنوم، في منتصف النهار، لتتقوى على عبادته، في منتصف الليل.

كيفية صلاة قيام الليل؟

عندما يُكرمك الله بالقيام لأداء عبادة من عباداته في الليل، عليك أن تقوم بالأعمال التالية:

  • قم من فراشك، واتلوا كلمات تعظّم فيها ربك، كقولك (الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، سبحان الحيّ الذي لا يموت، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحُسن عبادتك)، وغيرها من الكلمات التي تتقرب فيها من ربك وتجعلك نشيطًا.
  • قف بين يدي ربك، وادعوه بأن يوقظك كل يوم بقوته وعظمته.
  • توضأ وتوجه إلى ربك بآيات، وأنت تصلي بصوت يمكنك سماعه بدون أن يكون مرتفعًا،
  • عند الركوع، والسجود، حاول أن تطيلهما، وأنت في حالتك هذه تحدث مع ربك، وابكي بين يديه، بانكسار، وإيمان بأنه سيجيبك، وادعوه بأي حاجة سواء لدنياك أو آخرتك.
  • لا تحدد عدد الركعات، وصلي لربك ما تستطيع من الركعات، على أن تكون اثنتان اثنتان.
  • قيام الليل ليست صلاة فقط، بل هي أي عبادة، كقراءة القرآن، والاستغفار، والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام، والتسبيح والتهليل.

فضائل صلاة قيام الليل

إن قيام الليل يبين مدى حب الله لنا

لقد مدح الله سبحانه وتعالى من يقوم الليل، لما يقوم به من عبادة في جوف الليل والناس كلهم نيام، لا يعلم بهذا سوى الله، تاركًا النوم اللذيذ، متقربًا إلى ربه، راجيًا أن يتقبل منه ذلك.

بدليل قوله سبحانه وتعالى في سورة السجدة: “تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُون”.

إن قيام الليل دليل على أن من يقوم بها هو من المتّقين

اللذين لا ينامون من الليل إلا الجزء القليل، ويقومون بالليل والناس نيام، ويتعبدون ربهم من قيام وركوع وسجود، ويستغفرون ربهم، ويكبرونه، ممتثلين بقدوتنا وحبيبنا محمد عليه الصلاة والسلام، الذي كان يقوم الليل حتى تتعب قدماه الشريفتان، راجين من الله أن يتقبل منهم ويدخلهم جناته التي وعدها لهم.

بدليل قوله سبحانه وتعالى في سورة الذاريات: “إِنَّ المُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ”.

لأن قيام الليل يحتاج إلى مكابدة للنفس، والتدريب المتواصل، وبذل الجهد، والتعب، حتى تكون من اللذين قال عنهم الله في محكم آياته، بالمتّقين.

إن من يقوم الليل، لا يمكن أن يكون مثل الذي لم يقم الليل لعبادة ربه

بدليل قوله تعالى في سورة الزمر: “أَمْ مَّنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ”.

طبعًا لا يمكن أن يستوي من يقوم الليل لله سبحانه وتعالى، من صلاة وركوع وسجود واستغفار، ومن هو قضى ليله بالسهر على مشاهدة الأفلام، أو تضييع الوقت بأشياء لا فائدة منها.

إن الصلاة في الليل، أفضل بكثير من الصلاة في النهار

وإن كان المؤمن يُثاب عليهما، بدليل ما حدثنا به أبو هريرة رضي الله عنه، أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: “أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل”.

نفهم من هذا الحديث، أن الصلاة في الليل، تكون بعيدة عن أعين الناس، وسرًا بينك وبين ربك، فهذا هو الإخلاص في العبادة، وبما أنها في الليل، فهي فيها مشقة للنفس، من القيام من دفء الفراش، والوضوء، ومغالبة الشيطان الذي يظهر لك في شتى الأمور ليبعدك عن عبادتك بقيام الليل، كما أنك عندما تصلي أو تقرأ القرآن، أو تستغفر، فأنت ستكون أكثر قربًا من الله بالخشوع، والتدبّر في معاني الآيات التي تقرأها، ويكون كل تفكيرك مركزًا على هذه العبادة، وهنا تكمن أفضلية صلاة قيام الليل عن النهار.

إن قيام الليل سبب لدخول جنة الله

بدليل حديث عبد الله بن سلام، أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: “أطعموا الطعام، وصِلُوا الأرحام، وصَلُّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام”، رواه الإمام الترمذي. وهذا تأكيد من الله بأن من يقوم الليل سيدخل الجنة التي وعدها لهم.

إن قيام الليل هو شرف للمؤمن، الذي يفوق المال والجاه والشهادات والأهل

بدليل قوله عليه الصلاة والسلام: “واعلم أنَّ شرفَ المؤمن قيامهُ بالليل” رواه الطبراني. فالذي يقوم الليل، إنما يدل ذلك على الإخلاص لله، والإيمان القوي، والثقة بالله، بأنه سبحانه وتعالى سيرفعه وينور له دربه، وتكون منزلته عند الله كبيرة.

أن قيام الليل يكون في الثلث الأخير منه

هذا الوقت العظيم الذي ينزل فيه الله سبحانه في علاه، إلى السماء الدنيا، ويقول لعباده اللذين استيقظوا: “هل من داعٍ فأستجيب له، هل من سائلٍ فأعطيه، هل من مستغفرٍ فأغفر له”.

بدليل ما قاله الرسول عليه الصلاة والسلام: “ينزل ربُّنا إلى السماء الدنيا كلَّ ليلة في الثلث الأخير من الليل يبدأ من أذان المغرب إلى صلاة الفجر، هذه الساعات المباركة، العظيمة، التي يتجلى فيها الرحمن الرحيم علينا، ليستجيب لنا ما ندعوه.

كما أن الرسول الكريم، عليه الصلاة والسلام، وصف من يقوم الليل، في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه: “نِعم الرجل عبد الله لو كان يصلِّي من الليل”. في شرح هذا الحديث، أن عبد الله بن عمر كان يحب النوم كثيرًا، حتى أنه كان ينام في المسجد، فلما رآه الرسول على ذلك، قال له كلماته المباركة، فما كان منه، إلا وصار لا ينام من الليل إلا قليلًا، خجلًا من رسول الله عليه الصلاة والسلام، وامتثالًا لأمر الرسول، وموعظته له.

أن قيام الليل سببًا لرحمة الله سبحانه وتعالى على المؤمن

بدليل حديث الرسول عليه الصلاة والسلام عندما قال: “رحم الله رجلًا قام من الليل فأيقظ امرأته”. فرحمته سبحانه وتعالى تتجلى على العباد، في كل الأوقات، وبالأخص في الثلث الأخير من الليل، فكيف إذا رأى هذا العبد يصلي أو يقرأ القرآن، أو يستغفر مع بقية عائلته، سيفرح بهم ، ويباهي بهم ملائكته، وكل من يعبده، وذلك بدليل حديث السيدة عائشة رضي الله عنها وهي توصي بوصيتها التي عرفتها عن الرسول الكريم، عليه الصلاة والسلام، بقولها: يا عبد الله لا تدع قيام الليل فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدع قيام الليل؛ فإذا كان مريضًا أو كسل (يعني أصابه تعب أو مرض عليه أفشل الصلاة والسلام) صلَّى قاعدًا صلى الله عليه وسلم.

في النهاية …

صلّي لله عدد لا محدود من الركعات، وذلك امتثالًا لما كان يفعله رسولنا عليه الصلاة والسلام، حيث كان يصلي في الليلة الواحدة 11 ركعة، أو 13 ركعة. بدليل حديث السيدة عائشة رضي الله عنها، بأنَّ الرسول عليه الصلاة والسلام كان يصلِّي كل ليلة في رمضان وفي غير رمضان إحدى عشر ركعة.

وبقدر استطاعتك، فقد تكون متعبًا، أو مريضًا، المهم ألا تقطع هذه العبادة، حتى تصير جزء من صلواتك المفروضة التي لا تستطيع تركها محبة وتقربًا من الله سبحانه وتعالى. وحاول أن تقرأ من كتاب الله ما تيسر لك من القرآن، فقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام: “من قام بمئة آية في ليلة كُتب من القانتين”.

وسواء قرأت الآيات وأنت بالصلاة، أو قرأتها تلاوة، فأنت تمتثل لأعمال الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، وهذا أمر سهل، لا يحتاج لا إلى الوقت الكبير، ولا إلى الجهد.

اقرأ أيضًا:

شارك المعلومة؛ فالدال على الخير كفاعله