كيفية قيام الليل وصلاة التهجد

ملاذ الخائفين، وغياث المستغيثين، ومعطي السائلين، يستحي أن تعود يداك صفرًا، فإذا أعطى أدهش.

تهرع إليه عندما تُبتلى بالأسقام، وتناديه لتشكو له ظلم الأنام، تتذكر قربه عندما تجور عليك الأيام، فإذا صرت بأمان وسلام تغط في الأحلام.

كيفية قيام الليل وصلاة التهجد

ولكن لحظة !!!

أين نحن إذن من قوله تعالى: “وعباد الرحمن”؟ ألم يصفهم بقوله: “الذين يبيتون لربهم سجدًا وقيامًا”، وكيف ندّعي عبوديته وحبه، وبعد ذلك نترك ذكره؟

كيف لا يتحرق قلبك لرؤية حبيبك، وهو الذي يناديك في كل ليلة، “من يدعوني فأستجيب له”؟؟

نعم، إنني أرى في عينيك شوقًا للقيام، فتعرف معنا أخي المسلم على كل ما يتعلق بكيفية صلاة قيام الليل وأحكامها.

ما هي صلاة قيام الليل ومتى تكون؟

  • صلاة قيام الليل: هي سنة مؤكدة، يبدأ وقتها من بعد صلاة العشاء إلى أذان الفجر، ولك أن تصلي في هذا الوقت ما تشاء، وأفضل وقت لها هو الثلث الأخير من الليل.
  • والأفضل من ذلك هو التهجد، فما هو التهجد؟ التهجد: هو الصلاة في الليل بعد النوم.
  • أما في رمضان فتسمى صلاة القيام بصلاة التراويح، وتختلف ببعض الأحكام التي سنوردها لاحقًا.

كيفية صلاة قيام الليل

  1. تصلى صلاة قيام الليل مثنى، مثنى أي تصلي ركعتين كاملتين مع التشهد والتسليم ثمّ تقوم لركعتين غيرهما.
  2. ولك أن تصلي ركعتين أو أربع ركعات أو ستة أو ثمانية أو عشرة وهو أفضلها فهكذا كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
  3. تختم صلاة القيام بصلاة ركعتي الشفع، وهما ركعتان يسن أن تقرأ في الأولى منهما: (سورة الأعلى) وفي الركعة الثانية: (سورة الكافرون) وممكن أن تقرأ غير هاتين السورتين.
  4. وأخيرًا تصلي ركعة واحدة هي صلاة الوتر، وفيها تقرأ سورة من قصار السور، والأفضل قراءة سورة الإخلاص فهذه سنة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وتكمل الصلاة بالركوع، وبعد أن ترفع من الركوع تقرأ دعاء القنوت.
  5. ثمّ تتابع السجود والتشهد والتسليم
  6. وتستطيع أن تجمع الشفع مع الوتر بصلاة واحدة، ونية واحدة، فتصلي ثلاث ركعات دون تشهد، ولكن بعد القيام من ركوع الركعة الثالثة تدعو دعاء القنوت، وتتابع الصلاة بالسجود والتشهد والسلام، وبذلك تكون انتهيت من صلاة القيام.

دعاء القنوت

“اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت”.

ما يستحب فعله في قيام الليل

  • يستحب استفتاح صلاة التهجد بدعاء الاستفتاح: “اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض، ولك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض، ولك الحمد أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن، أنت الحق، ووعدك الحق، وقولك الحق، اللهم لك أسلمت وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وأخرت وأسررت وأعلنت، أنت إلهي، لا إله إلا أنت”.
  • يستحب الدعاء في السجود أثناء صلاة القيام، ولك أن تدعي بخيري الدنيا والآخرة، كما تستطيع أن تدعو بالأدعية المأثورة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم الله عليه وسلم أو تدعو بطريقتك، ولكن أول ما تبدأ به من الدعاء هو الثناء على الله سبحانه وتعالى، والصلاة على نبيه صلّى الله عليه وسلم.
  • يستحب البكاء من خشية الله، أو التباكي خوفًا من عذابه فلو شاء لأخذك أخذ عزيز مقتدر، وشكرًا على نعمائه فرغم اضطلاعه على ذنوبك رحمك وسترك، وشوقًا إلى لقائه، قال تعالى: “تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفًا وطمعًا ومما رزقناهم ينفقون”.
  • يستحب أن تدعو لأخيك المسلم في ظهر الغيب، وتستغفر له، فهناك ملك موكل بالتأمين على دعائك، فيقول لك: “ولك بالمثل”.
  • يستحب إيقاظ أهل البيت لقيام الليل: “إذا أيقظ الرجل أهله من الليل فصلّيا، أو صلّى ركعتين جميعًا، كتبا في الذاكرين والذاكرات”.
  • يستحب أن تصلي كل يوم في مكان، فالأرض تشهد لك يوم القيامة بقيامك الليل.
  • يستحب الاستغفار في وقت قيام الليل، فورد في حديث رسول الله – صلّى الله عليه وسلم – أن الله سبحانه وتعالى يتنزل إلى السماء الدنيا، ويقول: “من يستغفرني فأغفر له”.
  • يستحب قراءة القرآن في وقت قيام الليل، قال تعالى: ” يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ. قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا. نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا. أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا. إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا”.

أسباب تمنعك من قيام الليل

  • كثرة الذنوب والمعاصي: فكثرة الذنوب تكوّن طبقة على القلب تمنعه من الخشوع والإقبال على الطاعات، فتأخذه الدنيا وملذاتها؛ فقد قال الفضيل بن عياض “إذا لم تقدر على قيام الليل وصيام النهار، فاعلم أنك محروم مكبل كبلتك خطيئتك”.
  • تناول الطعام قبل النوم مباشرة: رأى معقل بن حبيب – رحمه الله – قومًا يأكلون كثيرًا فقال: “ما نرى أصحابنا يريدون أن يصلوا الليلة”.
  • السهر لوقت متأخر، والانشغال بملذات الحياة، يحرم العبد من عبادة قيام الليل، هذا إن كان اللهو في الأمور المباحة، فما بالك إن كان في الأمور غير المباحة؟؟ عافانا الله وإياكم من شرها.
  • عدم اتخاذ التدابير الكافية لقيام الليل: فلابد لك من دعاء الله ليعينك على القيام، وتستطيع الاستعانة بمنبه يساعد على الاستيقاظ.
  • مجالسة أصدقاء السوء فهم يحثونك على الانغماس في الدنيا، والابتعاد عن مجالسة الصالحين الذين يحثونك على اغتنام الدنيا للوصول للجنة.

خطوات تعين على قيام الليل

  1. النوم على وضوء قال صلّى الله عليه وسلم: “إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوئك للصلاة”.
  2. الاضطجاع على الشق الأيمن، كان النبي صلّى الله عليه وسلم: “إذا أخذ مضجعه جعل يده اليمنى تحت خده الأيمن”.
  3. الاستعانة بأذكار النوم ومنها: “باسمك ربي وضعت جنبي، وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها، بما تحفظ به عبادك الصالحين”.
  4. ألا يتعب نفسه الإنسان المسلم خلال النهار بأعمال لا فائدة منها.
  5. إن القيلولة في النهار تعين على قيام الليل، وهي سنة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم.
  6. سلامة القلب من الحقد، والضغينة، والحسد.
  7. على الإنسان أن يذكّر نفسه دائمًا بفضل قيام الليل، ولا يتركها تستسلم للراحة، والخنوع، والاطمئنان بملذات الدنيا.

ولك أن تعلم أخي المسلم أن قيام الليل هو فضل من الله، يمن به على من يشاء من عباده، قال تعالى: (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم)

حال السلف الصالح مع قيام الليل

  • كان ابن مسعود – رضي الله عنه – بوقت صلاة الليل يسمع له دويّ كدويّ النحل حتى يصبح.
  • أبو هريرة كان يتعقب الليل مع أهل بيته، فيصلي كل منهم في ثلث من الليل.
  • أما زيد بن الحارث فكان يتقاسم الليل مع أولاده، فكل واحد منهم يصلي بهم الليل بجزء من القرآن.
  • أما عمرو بن دينار فقد قسم ليله ثلاثًا، ثلث ينام فيه، وثلث يدرس فيه، وثلث يصلي فيه.
  • كان الإمام البخاري يتهجد فكل ثلاث ليال يختم القرآن.
  • سئل الحسن البصري: ما بال المتهجدين بالليل من أحسن الناس وجوهًا، فقال: “لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم من نوره”.
  • كان عبد العزيز بن أبي رواد – رحمه الله – يتحسس فراشه ليلًا، فيقول ما ألينك من فراش، ولكن فراش الجنة ألين منك فيقوم ليصلي.
  • أما شيخ الإسلام ابن تيمية فكانت ترتعد فرائصه حتى يميل يمنة ويسرة، إذا دخل في الصلاة.
  • لم يترك الحافظ العراقي صلاة القيام يومًا، حتى صارت عنده كالفريضة.
  • وكان من مضى من السلف إذا بلغ الأربعين طوى فراشه استعدادًا لقيام يطول.
  • قال ابن الجوزي – رحمه الله –: “لما امتلأت أسماع المتهجدين بمعاتبة (كذب من ادعى محبتي فإذا جنه الليل نام عني) حلفت أجفاني على جفاء النوم”.
  • وكان سفيان الثوري يرفع رجليه على الحائط في الصباح، ليعود إليهما الدم، بعد ليل أمضاه قائمًا عليهما وهو يصلي.
  • كان أحد الصالحين يصلي حتى تتورم قدماه، فيضربها ويقول: “يا أمارة بالسوء ما خلقت إلا للعبادة”.
  • أما مسروق بن الأجدع فكان يصلي حتى تنتفخ قدماه، فإذا تعب أتم الصلاة جالسًا، فإذا فرغ من صلاته ذهب لفراشه زحفًا.
  • يقول الأوزاعي: “من أطال قيام الليل، هون الله عليه وقوف يوم القيامة”، وكان – رحمه الله – يصبح وقد ابتل مكان سجوده من كثرة بكائه في قيام الليل.
  • الشوق لصلاة القيام: عندما كان أبو الشعثاء رحمه الله يحتضر بكى، فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: “إني لم أشتفِ من قيام الليل”.

فهذا حال السلف مع ما كانوا عليه من طاعة وجهاد وقرب من رسول الله صلّى الله عليه وسلم والتزام بأمره، فكيف حالنا نحن مع ما ابتلينا به من إقبال على الدنيا، وانغماس بشهواتها، وإدبار عن الجنة، ونسيان لملذاتها.

أحكام قيام الليل

1 – هل ينبغي أن تقوم الليل كله؛ لتكون من الذاكرين؟

لا، فقد بلغ رسول الله – صلّى الله عليه وسلم – أن هناك ثلاثة رجال، غالوا في العبادات، فتعهد أحدهم بأن يقوم الليل دون أن ينام، فنهاه رسول الله عن ذلك، وقال: “فمن رغب عن سنتي فليس مني”.

2 – هل تعد صلاة السنّة البعديّة للعشاء من ضمن صلاة قيام الليل؟

لا يمكن اعتبار صلاة السنة البعديّة للعشاء من قيام الليل لأن كلتاهما صلاة مقصودة.

3 – هل يمكن التفريق بين ركعات قيام الليل؟

نعم، فيمكن له أن يصلي قبل نومه ما تيسر له من الركعات، ويستيقظ بعد منتصف الليل فيصلي ما تيسر له، ثمّ يختم صلاته بالوتر.

4 – هل يستطيع من صلّى القيام والوتر ونام، ثمّ استيقظ قبل الفجر أن يصلي التهجد؟

نعم يستطيع، وعلى هذا رأي أكثر أهل العلم، ومنهم من يرى أن عليه أن يقضي الوتر بركعة ثمّ يصلي ما يشاء مثنى مثنى ثمّ يوتر مرة أخرى.

5 – ماذا يفعل المسلم إذا صلّى قيام الليل، ولم يختم قيامه بالوتر ناويًا متابعة قيام الليل، ولم يستطع القيام؟

عليه أن يقضي وتره متى ذكره، ويرى جماهير أهل العلم أن عليه القضاء قبل صلاة الصبح.

6 – هل هناك سورة مخصوصة يقرأ بها المصلي في صلاة قيام الليل؟

لا، لقوله تعالى: “فاقرؤوا ما تيسر منه”.

7 – هل يجوز أن تصلى صلاة قيام الليل في جماعة؟

نعم يجوز، ولكن لا ينبغي المواظبة على صلاة قيام الليل في جماعة في غير رمضان، لئلا تكون سنة، كصلاة قيام الليل في رمضان أي صلاة التراويح.

8 – ما هي النية التي ينبغي التلفظ بها قبل أداء صلاة القيام؟

لم يثبت عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنه تلفظ بنية لصلاة القيام، فالنية موضعها القلب، وبناء عليه ينبغي للمسلم أن ينوي بقلبه صلاة القيام، ولا تعارض بين نية قيام الليل ونية التهجد.

9 – هل يجوز للمصلي أن يقرأ القرآن من المصحف في صلاة قيام الليل؟

اختلف العلماء في هذا الأمر، فمنهم من رأى ألّا حرج في ذلك إذا وضعه في مكان مرتفع، ومنهم من رأى أن الصلاة لا تكون باطلة، ولكن قراءة المصلي للقرآن من حفظه أدعى للخشوع وهي الأفضل.

10 – هل يجوز للحائض أن تقوم الليل؟

لا حرج في أن تقوم في الثلث الأخير من الليل فتدعو الله، وتستغفر، وتقرأ القرآن عن ظهر قلب، وهذا القول الراجح من أقوال أهل العلم، ولكن يحرم عليها الصلاة، ومس المصحف، والطواف بالبيت، ودخول المسجد.

فكيف لها أن تترك هذه الطاعة؟ وفيها رضا الرحمن، والفوز بالجنان، وتكفير الذنوب والآثام، وصحة الأبدان، وتبعث في النفس الاطمئنان، هذه ثمرات تدفع العبد للحفاظ على القيام، والشوق للقاء الحنان المنان.

شارك المعلومة؛ فالدال على الخير كفاعله