تأثير الإنترنت على التوجه الذهني لدينا

لا بد وأن نعترف أولًا أن الإنترنت بكل ما يحتويه من فوائد وعلم هو في النهاية عالم افتراضي virtual world ذلك العالم رغم سهولة التعامل معه ورغم انتشاره إلا أن البعض فضل أن يحج أو يهاجر لذلك العالم هربًا من الواقع الأليم ومن ضمن ما أحدثه الإنترنت تشتيت التوجه الذهني.

فالإنترنت عالم مستقل بذاته له قوانينه التي تختلف عن عالمنا الواقعي، وفي الواقع أن من صنع الفيس بوك صنعه على أنه مُحتوى مُسلي Entertaining content ولكننا للأسف نحن من حولناه أسلوبًا للحياة، وكذلك الكثير من المواقع والتطبيقات الخاصة بالجوال جعلناها تخترق حياتنا، وبالطبع أثرت أكبر التأثير على التوجه الذهني لدينا.

تأثير الإنترنت على التوجه الذهني لدينا

ما هو التوجه الذهني أولًا

والتوجه الذهني معناه باختصار “كيف ترى الأمور” هل تجد في كل شيء عقبة لك أم ترى أن كل الأمور مليئة بالفرص، هل أنت من النوع المتفائل “ذو التوجه الذهني الإيجابي” أم المتشائم “ذو التوجه الذهني السلبي”، والتوجه هو عكس التشتت فالذي لديه توجه ذهني في الغالب لا يضِل طريقه.

والمصريون يسمون من لديه توجه ذهني بأنه “عارف طريقه”، ولعل أروع الأمثلة على التوجه الذهني مثال أبن تيمية أسأل الله أن يغفر له حين قال “إن قتلوني فقتلي شهادة، وإن نفوني فنفيي سياحة، وإن سجنوني فسجني خلوة، أنا كالغنمة أينما وقعتُ أقع على صوف”.

هو يعلم أنه طالما لديه توجه ذهني إيماني فهو في أمان حتى لو حدثت له ابتلاءات، وكما قال دكتور ستفين كوفي “الإيجابيون يحملون طقسهم بداخلهم”.

تأثير الإنترنت على التوجه الذهني لدينا

والقصة المعروفة عن شركة الأحذية الرياضية والتي أرسلت شخصين لدولة نائية فأحدهم قال إن الناس هنا لا يرتدون أحذية نهائيًا فأرسل لي تذكرة عودة والآخر قال أرسل لي أربع حاويات من الأحذية حيث أن الناس لا يرتدون أحذية هنا، فالأول وجد عقبة، أما الثاني فرأى تلك العقبة أنها فرصة ذهبية.

فيما يفيد التوجه الذهني

يلون حياتك

فالأشخاص ذوي التوجه الذهني الإيجابي حياتهم تغدو ملونة بهذا التوجه، فقديمًا كنا عندما نسأل شخص على صحته كان يقول أنا “بعافية شوية”، فنظر ذلك الشخص على حالته المرضية على أنها عافية وليس مرض، والعرب قديمًا كانوا يسمون الصحراء مفازا، من الفوز، فكما تختار من ألوان التوجه الذهني تتلون حياتك.

يحافظ على طاقتك

يجعلك تستمر في مخططك فكلما هدئت عزيمتك فورًا تضغط على زر اسمه التوجه الذهني هذا الزر ينتج طاقة تجعلك تستمر في هدفك دون توقف، ويعطيك الدافع السحري لكي تنجز أعمالك قبل الوقت المطلوب، لذلك لو كنت تعاني من فتور في تحقيقك لأهدافك فعليك بالقراء في التوجه الذهني

وهذا أحد أهم مقاطع الفيديو والتي تشرح التوجه الذهني بقوة.

يجعلك تواجه العقبات مهما كانت

فالنبي صلى الله عليه وسلم ورد عنه أنه كان يُغير الأسماء، فغير اسم حرب ليصبح حسن، فالتوجه الذهني يجعلك تتغلب على العقبات مهما كانت، بل والأخطر من هذا أنه قد يجعلك ترى في أي عقبة تمر بها فرصة كبيرة جدًا لم تكن تراها لولا دخولك في تلك العقبة.

التأثيرات المختلفة للإنترنت على التوجه الذهني

ومن ضمن أهم الكتابات التي أثارت موضوع الإنترنت وتأثيره على التوجه الذهني، كتاب السطحيون shallows للكاتب نيكولاس كار، وهو من أهم الكتب في ذلك الموضوع لذلك سأعرض لكم تلك التأثيرات الفتاكة على توجهنا الذهني.

جعل العلم متاح أكثر من اللازم

وأستاذي عندما سألته عن هذا قال لي كما يقول المصريون “العلم أصبح مرطرط” أي موجود بكميات كبيرة جدًا إلى حد أنك لن تستطيع أن تنهل منه فكل شيء أصبح متاح إذًا فلماذا الحفظ أو حتى العلم من أساسه، وبالطبع هذا دمر التوجه الذهني والذي يُكَوّن بالقراءة والاضطلاع الحقيقي.

تأثير الإنترنت على التوجه الذهني لدينا

يهدم لديك المشروعات الكبيرة

فأصبح أكبر طموحات الداخلين على موقع الفيس بوك هو أن يغير صورة البروفايل الخاصة به أو أن يحقق أعلى عدد من ضغطات الإعجاب أو المشاركات على منشور بعينه، لذلك أصبحنا بدون مشروعات كبيرة ولا حتى مشروعات تخصنا لنطور من ذواتنا، وبالطبع هذا الشخص ذي الطموحات الواهية ليس لديه توجه ذهني.

تجزئة المعرفة

وقديمًا كانت هناك حلقات العلم والتي كان يديرها شيخ يسمى شيخ العامود، ذلك الشيخ يختلف كثيرًا عن الشيخ جوجل والذي فقط يعطيك المعلومة بوفرة وإرباك شديدين، فلما تدخل على الفيس بوك مثلًا تأخذ معلومة في السياسة ومعلومة في الطبخ وأخرى في الفن حتى تصبح بلا هوية أو توجه.

والشيخ جوجل لا يعطيك مهارة ولا يعطيك تربية بل هو يقتصر على معلومة مجزأة للغاية، وبالطبع هذه التجزئة في المعرفة تنعكس على التوجه الذهني فتهدمه بكل سهولة، فقط ساعة يوميًا تجعل منك كما يقول المصريون “من كل فيلم أغنية”.

تأثير الإنترنت على التوجه الذهني لدينا

التفكير السطحي

فالكثير من مدمني الدخول على الإنترنت لديهم فكرة تسيطر على عقولهم تجعلهم يفسرون الأمور بشكل غير منطقي ولعل منها مثلًا عقلية نهاية العالم أو سيطرة الماسونية على العالم وأن العالم ذاهب كله ناحية المسيح الدجال، والكثير من المسلسلات الأمريكية تشجع مثل تلك الأفكار.

يؤثر على مستوى الذكاء الاجتماعي والانفعالي

فقط ساعة أو ساعتين يوميًا يجعلونك شخص ينظر للكيبورد دومًا والكيبورد دائمًا لأسفل، لذلك عندما يذهب أحد الشباب ليقدم لوظيفة في الغالب لا يحافظ على التواصل العيني eye contact لأنه تعود أنه يحل مشكلاته عن طريق النظر لأسفل وكتابة كلمات على الكيبورد، وانتظار الحل على صفحات جوجل.

يجعل لك شخصيتين

فأنت لك شخصية في الواقع قد تكون متدينة أو خجولة أو العكس، أما على صفحات الفيس بوك والإنستجرام فأنت في الغالب تحافظ إما على شخصية مثالية خالية من العيوب أو شخصية تحقق كل أحلامك وانفلاتك الأخلاقي باسم وصورة وهميين، لذلك هذا يُدمر التوجه الذهني دون أن تشعر.

تأثير الإنترنت على التوجه الذهني لدينا

يعلمك ألا تواجه

فأي مشكلة تطرأ عليك لماذا تتعب أعصابك وتواجهها وتحاول حلها فقط عليك بأخذ رد الفعل السهل جدًا والتلقائي والذي بالطبع تعلمته من الفيس بوك وهو “البلوك” أو الحظر والذي يبدوا أنه حل ولكنه في الحقيقة إرجاء للمشكلة حتى تتفاقم وبالطبع هذا يجعلك بدون توجه ذهني أصلًا.

يجعلك تعتقد أن الأسهل هو الأفضل

فالعلماء ومنهم نيكولاس كار يعتقد أن الأخطر في الإنترنت أنه سهل الكثير من الخدمات، لذلك عندما نترك العالم الافتراضي لنذهب للواقع ونعاقر المعاناة والألم في الغالب نفشل أو نحقق أقل مستويات من النجاح، وهذا لأن من يدمنون على الإنترنت في الغالب يتعلمون أن الأسهل هو الأفضل.

يجعلك تنتظر حافزًا خارجيًا

فالفيس بوك مثلًا يعلمنا هذا، يعلمنا أن نقوم بنشر أحد المنشورات ثم ننتظر تعليقات واعجابات وإطراءات الأصدقاء والمتابعون، ولأننا لم نجعل الفيس بوك وسيلة للتواصل الإلكتروني بل جعلناه أسلوب للحياة لذلك تنتقل تلك العادة من انتظار الحافز الخارجي لعالمنا الواقعي مما يدمر التوجه الذهني لدينا.

تأثير الإنترنت على التوجه الذهني لدينا

يجعلك أداه في يديه

فعندما تمارس أو تعاقر موقع ما أو تطبيق ما لفترات طويلة فالحقيقة أنت في الغالب تكون المنتج، فأفكارك كلها من تويتر وصوتك تأخذه من ساوند كلاود وصورتك أمام الناس تكون براقة مثل الإنستجرام وثقافتك تجمعها من الفيس بوك، وبالطبع قلبك بكل تأكيد تائه وسط كل هذا الزخم.

تأثير الإنترنت على التوجه الذهني لدينا

يعودك العزلة

فعلاقتك حتى بأهلك تم اختصاراها في “الكومينت واللايك والشير”، مما أدى للوحشة حتى بين الأخ وأخيه، وبالطبع لن تجد وقت ولا طاقة كي تزور مريض مثلًا.

يستنفذ ما ليدك من طاقة نفسية

فبعد جلوسك لساعات طويلة على الفيس بوك أو التويتر أو المواقع الإخبارية العامرة بالأخبار المثيرة والتي يملئها الدم والعنف، لن تجد لديك فائض من الطاقة النفسية “اللبيدو” والتي تُستنزف كلها في تلك الحوارات المختلفة مع أناس قد لا تعرفهم أو يعرفونك.

أبعدنا عن أولويات الواقع

فالإنترنت جعل من أولوياتك تحقيق الشهرة والانتشار بغض النظر عن أي شيء، وبالطبع أثر على أولوياتك في الحياة، وكثير من الشباب نجده كل همه أن يصل لأكبر عدد من المتابعين في وقت قصير، بعد أن كان هَمّ صحابة النبي صلى الله عليه وسلم الجنة أو رفع راية الإسلام مثلًا.

كيف أحافظ على التوجه الذهني الإيجابي لدي

التصفح الآمن للإنترنت

فتصفح الإنترنت كأي شيء لا بد وأن يكون له ضوابط عدة، أهمها أن يكون لك هدفًا قبل التصفح وثانيها ألا تنجرف وراء أي خبر أو مقطع فيديو يسرق وقتك وطاقتك، ولتتعلم أكثر مبادئ التصفح الآمن قم بمشاهدة مقطع الفيديو التالي.

خالط الناس واصبر

حدد لنفسك وقتًا بشكل يومي تخالط فيه الناس في الواقع وبالطبع ستواجه مشكلة في البداية تحديدًا لو كنت من مدمني الإنترنت، لذلك اصبر على أذى الناس في البداية، وكما قال صلى الله عليه وسلم “الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يتحمل أذاهم”.

ليكن لك مشروعك في الواقع

حتى ولو كنت ممن يعملون على الإنترنت بشكل حر، ليكن لك مشروعك الخاص في أرض الواقع وهذا الكلام ليس من عندي فرجل الأعمال الشهير جاك ما قال هذا، فسوق الإنترنت صار مكتظًا بالأذكياء لذلك علينا العودة للتجارة في الواقع ولكن بروح الإنترنت، وهذا مقطع فيديو لجاك ما يبين تلك الفكرة.

العودة للكتاب الورقي

وهنا المفاجأة وتلك النصيحة من نيكولاس كار نفسه وصاحب كتاب السطحيون كما قلنا، فالحل هو اللجوء للكتاب الورقي والاستعانة بالورقة والقلم في تسجيل الأشياء، وكما قال توني بوزان الكتابة على الورق تكاد تكون كتابة في العقل، وبالطبع سيُحفر التوجه الذهني بداخلك لو استخدمت الورقة والقلم.

شارك المعلومة؛ فالدال على الخير كفاعله