دليلك النفسي الشامل لتحقيق الصحة النفسية مهما كانت مشكلاتك

هناك الكثير من المفاهيم الحديثة التي ظهرت في الآونة الأخيرة، والتي من أهمها الصحة النفسية، والصحة النفسية من ضمن الفروع التطبيقية لعلم النفس بشكله الأكاديمي، والتي تهتم بتحقيق شخصية متكاملة متوافقة، وفي مقالتنا هذه سنبني لك عزيزي القارئ دعائم تلك الصحة النفسية مهما كانت ظروفك التي تمر بها.

بالطبع هناك اتفاق عام على مفردات الصحة النفسية بين كل الثقافات، فالصحة النفسية مفهوم متكامل وشامل لكل جوانب الشخصية، وهي الاعتقادي “التديني”، الاقتصادي، الاجتماعي، الجسمي “الصحي”، الانفعالي والعقلي المهني، وهذه المحاور لا خلاف عليها في كل الثقافات، ولو اهتممت بإحداها على حساب الباقي، فهذا يُعد قصورًا في صحتك النفسية.

دليلك النفسي الشامل لتحقيق الصحة النفسية مهما كانت مشكلاتك

وكثير من الناس للأسف يهتمون بصحتهم الجسدية وينفقون عليها الكثير من الأموال في صورة مكملات غذائية وأطعمة ومشروبات، وبالطبع صالات للألعاب الرياضية، ولكن للأسف قليلًا ما نجد منهم من يهتم بصحته النفسية، حتى أنك للأسف قد تجد شخصًا مفتول العضلات ينهار إذا مر بموقف ضاغط أو محزن مثلًا.

ما هي الصحة النفسية

نظرًا لما تُمثله الصحة النفسية mental hygiene من أهمية كبيرة في كل مجالات الحياة، فقد اعتنى العديد من الباحثين بدراستها، لما لها من أهمية كبيرة في كل النواحي الاقتصادية والإنسانية أيضًا، وقد حظي مفهوم الصحة النفسية بالكثير من التعريفات وفق المدارس المختلفة ابتداءً بالتحليل النفسي وصولًا للمدرسة السلوكية.

تعريف مدرسة التحليل النفسي للصحة النفسية

عرفها فرويد مثلًا على أنها القدرة على العمل والحب والاستمتاع بالعمل والإنجاز فيه بشكل خَلاق، كما يشمل ذلك التفاعل الدينامي الخلاق بين مكونات الحياة الشعورية واللاشعورية، والتناغم بين متطلبات كل من الهوى “الغرائز” والأنا “العُرف الاجتماعي” والانا الأعلى “الضمير”، فالصحة النفسية هي كيف تُشبع غرائزك في إطار العُرف والمثل الأخلاقية.

تعريف المدرسة السلوكية

ومن رواد تلك المدرسة Edward Thorndike، وعرفوا الصحة النفسية على أنها أن يأتي الفرد بالسلوك المناسب في الموقف المناسب له، وفق الظروف البيئية التي يعش فيها، والواقع الاجتماعي الذي يعيش فيه، فمثلًا في الجنازة ليس من الصحة النفسية أن تضحك، وبالطبع هذا المفهوم قاصر للغاية في التعبير عن الصحة النفسية.

الاتجاه الإنساني في الصحة النفسية

ومن رواد ذلك الاتجاه كارل روجرز، وهم ينظرون للصحة النفسية نظرة أكثر واقعية من المدارس الأخرى، فهم يرون أن الصحة النفسية أن يحقق الفرد ذاته وأن يتمتع بمستوى مُرضي له من النجاح في كافة مجالات الحياة، بشكل يجعله متوافق وراضي عن ذاته.

المفهوم المتكامل للصحة النفسية

بالطبع كل تلك التعريفات السابقة للصحة النفسية شابها بعض القصور، فكل منها ينظر للصحة النفسية من وجهة نظره فقط، ولكن الصحة النفسية هي التكامل بين كل جوانب الإنسان، وهي الجانب الروحاني الاعتقادي، والجانب الاجتماعي، والجانب العقلي، والجانب المهني العملي وبالطبع الجانب الجسدي، بحيث يكون الإنسان في حالة أقرب للتوازن.

عوامل تتحكم في مستوى الصحة النفسية

الأسرة

فالأسرة هي المؤسسة الأولى التي تستقبل الطفل، والتي يقع عليها الدور الأكبر والأهم في زرع مفاهيم السواء والصحة النفسية، ودور الأسرة في الآونة الأخير في ظل التقدم التكنولوجي أصبح أكثر تعقيدًا مما نظن، والأسرة السوية إجمالًا هي من تترك مساحة من الحرية تحت مظلة مراقبة غير مباشرة للطفل.

المدرسة

وهي المؤسسة الثانية التي ينموا فيها الطفل ويعيش فيها الفترة الأكبر من عمره، ويجد فيها زملاء، وبالطبع يتكون جزء هام جدًا من صحته النفسية في المدرسة، خلال إنجازه في الامتحانات والواجبات وخلال تشجيعه أو حتى مروره ببعض المشاجرات مع زملائه، وهنا تظهر جدوى ما قامت به الأسرة قبل دخول المدرسة.

العمل أو المهنة

بالطبع لو كان العمل مُحبطًا سهلًا ومملًا، لن يكون هناك أي درجة من الصحة النفسية، ولو لم يُقدر مجهود الموظف معنويًا وماديًا أيضًا فبالطبع هناك مشكلة في صحة الفرد النفسية، على عكس من يعمل في مهنة يُحبها ويتقنها وتكفي حاجته الاقتصادية، فهو بالطبع شخص صحيح النفس بدرجة كبيرة.

الشخص نفسه

وهنا مربط الفرس، لأن كثيرًا من الناس لا يسعون للتغير، بحجة أنهم لن يستطيعوا تغيير ما زرع فيهم في الطفولة أو المدرسة، فأنت بعد أن بلغت ووصلت لمرحلة من النضج صار عليك أن تربي نفسك من جديد ولكن بلطف كي تصل للصحة النفسية، وبالطبع هذا يتطلب منك جهد ووقت كبير.

مظاهر الصحة النفسية لدى الفرد

الجانب الروحاني

أن تكون عبدًا ذاكرًا لله دومًا، حامدًا ربك على كل شيء، ومهما عظمت ذنوبك فأنت على يقين أن الله عز وجل سيقبل توبتك، ولا يستطيع أحدنا النجاح والوصول لمستويات من الصحة النفسية إلا بعد أن يكون أولًا عبدًا لله، وأن تعلم أنك لست من المرتزقة بل لك منهج تسير عليه.

الجانب الاجتماعي

أن يعلم أنه جزئ من المجتمع الذي يعيش فيه، وأن يُكون شبكة من العلاقات الاجتماعية التي تعينه كثيرًا على تحقيق الصحة النفسية، وبالطبع تلك الشبكة لا بد أن تكون منضبطة ومكونه من أناس ناجحون، وعلى درجة جيدة من الخُلق، تلك الصحبة لن تدفعه إلا لكل خير بكل تأكيد.

الجانب العقلي الأكاديمي

مستواك العلمي ودرجة مؤهلك بالطبع لها دور في رفع معدل صحتك النفسية، لكن بشرط أن تطبق ما تعلمت، وبالطبع أن يكون لديك مستوى من الذكاء يُعينك على خوض الحياة بمشكلاتها، ومحاولة حلها والاستفادة منها.

الجانب الجسمي

حالتك البدنية من أهم المحددات لصحتك النفسية المتكاملة، فهي تعينك على رفع ما يسمى بصورة الذات Self-Image، والذي يَرفع من معدل الثقة بالنفس لديك، وبالطبع حالتك البدنية هنا نقصد بها مستوى مقبول من اللياقة يعينك على الحركة بمرونة في الحياة دون ألم أو ركود أو تعب من أقل مجهود.

الجانب الانفعالي

أن يكون الفرد متزنًا انفعاليا، تحديدًا أمام ضغوط الحياة المختلفة التي نمر بها يوميًا، وبالطبع الشعور بالسعادة والرضا عن مستواه في الحياة والطموح في المزيد، واعتدال المزاج، وأن تكون انفعالاته ناضجة وليست طفولية، ومتلائمة مع المواقف التي يمر بها، والقدرة على إدارة الصراعات النفسية والاستفادة منها.

الجانب الاقتصادي

كثير من المبالغون يغفلون دور المال في الصحة النفسية، ولكن الحقيقة أنك بلا مال يُرضيك ويشبع حاجاتك وحاجات عائلتك الأساسية فأنت بالطبع ستعاني كثيرًا وستكون مُنغصًا دومًا، وهذا سيُذهب كل الصحة النفسية التي لديك.

المفاتيح السحرية لبلوغ الصحة النفسية الجيدة

التقرب لله عز وجل

بالطبع هذا أول القصيد، حاول دومًا أن تتقرب إلى الله، وبالطبع الصلاة على وقتها، وليس في هذا جدال، وادعوا الله دومًا، تحديدًا لتذهب تلك المشكلات التي تظن أحيانًا أنها بلا حل، وتب دومًا مهما اقترفت من ذنوب، وهدئ خطاك أذا قررت أن تدخل طريق الفتنة مثلًا، فقد لا تعود ثانية.

التخطيط الجيد والمرن لحياتك

خطط ليومك، وأعلم أنك إذا لم تخطط لنجاحك فبالطبع أنت تخطط لفشلك دون أن تدري، والتخطيط يعطيك قوة كبيرة، تلك القوة مصدرها من شعورك بالإنجاز بشكل يومي، وهذا يرفع من الصحة النفسية، ولكن دائمًا حافظ على خطة بديلة أو كما يسمونها plan B، لأن الحياة لا تسير على وتيرة واحدة.

دليلك النفسي الشامل لتحقيق الصحة النفسية مهما كانت مشكلاتك

حاول أن تفشل بسرعة

للأمانة تعلمت تلك الاستراتيجية من شركة جوجل، تلك الشركة الرائدة، فشركة جوجل حينما تنشئ تطبيق ما، لا تنتظر حتى تطور التطبيق في شكله النهائي، ولكن تُنزله السوق في صورته التجريبية، هي تسعى لأن تكتشف مواطن الفشل بسرعة، بالطبع هذا يسرع من عملية معرفة العيوب مما يدعم الصحة النفسية بشكل كبير.

دليلك النفسي الشامل لتحقيق الصحة النفسية مهما كانت مشكلاتك

لا تنظر خلفك نهائيًا

لا تلتفت للماضي بتجاربه التي هي في الغالب محزنة للغاية، بالطبع فأنت كنت آن ذلك لا تمتلك من الخبرات شيء تعينك على المرور بسلام، وأعلم أن النجاح في أن تعيش اللحظة الحالية، الآن وفورًا، وبالطبع هذا يعينك على تحقيق الصحة النفسية بسهولة، وإلا ستزيد من رصيد تجارب الماضي التعيس.

الضربة التي لا تقتلني تقويني

مرورك بمشكلة ما ليس هو النهاية، وأعلم أن كثيرًا من الناس يتلهفون لكي يمرون بمشكلات، فهم يعلمون ما بها من خبرات وتجارب وكنوز لهم، فصحيح النفس هو ذلك الشخص الذي يتعامل مع المشكلات على أنها ماكينة، يدخل فيها ويخرج وكأنه شخص آخر أكثر قوة ولديه من الصحة النفسية الكثير.

تغير بهدوء

بالطبع كلنا لدينا من العيوب والنقائص حتى من لديه صحة نفسية جيدة، ولكن الشخص السوي الذي يمتلك من الصحة النفسية يعلم جيدًا آلية التغيير الصحيحة التي لا ترهقه ولا تجعله يمل من التغيير، تلك الآلية يسميها المتخصصون بتأثير جناح الفراشة butterfly effect، أن تتغير ببطيء شديد وبهدوء وبشكل غير ملحوظ.

وهذا فيديو يوضح تلك النظرية الرائدة:

لا تقارن نفسك بأحد

لا تدخل على صفحات الفيس بوك وتتصفح حسابات زملائك القدامى لتعلم حالتهم المادية والزوجية التي وصلوا إليها، كم هذا مُنهك، ركز في نفسك فقط، اغلق على نفسك غرفتك وقل أنا بعد سنة سوف أخرج وأنا قد أنجزت إنجازًا سوف يغير حياتي، فالأشخاص الذين يتمتعون بصحة نفسية لا ينظرون حولهم كثيرًا.

دليلك النفسي الشامل لتحقيق الصحة النفسية مهما كانت مشكلاتك

اختر إهداف ملائمة لك

لا تنهك نفسك بأن تضع لها أهدافًا أنت تعلم أنك لا تستطيع تحقيقها، ولكن درج، فالمطلوب منك أن تضع أهدافًا أعلى قليلًا من قدراتك، ذلك يجعلك متحفز ويجعلك تعيش تجربة من التحدي ملائمة لك الآن بقدراتك الحالة، هذا بالطبع يجعلك تفرح بما تُنجزه من أهدافك ويحقق الصحة النفسية.

لا تنظر أمامك

لا تربط نجاحك وإنجازك بيوم معين، مثلًا تقول إني في اليوم الفلاني سوف أنتهي من مذاكرة المادة الفلانية، هذا يبدوا لطيفًا في البداية ولكن مع التجربة وجدت أن هذا الأمر يعطي إشارة لعقلك ليجعل ذلك اليوم وحشًا كلما اقتربت منه، فكن مرنًا قدر المستطاع وركز في الوقت الحالي كما قلنا.

لا تسوف

لا بد وأن يكون لديك في البداية ترتيبًا لأولوياتك، ثم ضع تلك الأولويات في خطة معينة وابدأ في التنفيذ، هنا قد تحدث مشكلة التسويف، حاول أن تجد لها علاجًا فوريًا، وأنا أرشح لك ذلك الفيديو الأكثر من رائع لحل تلك المشكلة في وقت قصير جدًا.

نظف صدرك دائمًا

بالطبع أنا لا أقصد التنظيف من الخارج، ولكني أقصد تنظيف الصدر من السخيم أو السواد، بالطبع نحن نمر بكثير من المُحبطون في حياتنا والذي بالطبع يؤدي لأن نكرههم ونتأخر عن تحقيق أهدافنا، والذي يبعدنا عن الصحة النفسية ولحل تلك المشكلة أنصح بمشاهدة المقطع التالي.

لا تتكلم كثيرًا

لم أجد شخص يتكلم كثيرًا إلا ولديه نقص واضح في الصحة النفسية، لا تتكلم إلا فيما هو مجدي، ولا تحاول تغيير من حولك، لا تفضح مخططاتهم، لا تمارس عليهم نوع من الاستعراض بكلامك الجيد والمعسول، هذا يفقدك الكثير من العلاقات الاجتماعية ويجعلك مكروه وبالطبع لا يجعلك بصحة نفسية جيدة.

احتفل بنجاحك مهما كان بسيطًا

عندما تصل لنجاح معين في مرحلة ما من حياتك، عزز نفسك وكافئها، إن هذا له كبير الأثر ويساعدك على النجاح في المرات القادمة ولا تطلب التقدير من أحد، وكن على قدر المسؤولية دائمًا، وهذا بالطبع يعزز الصحة النفسية.

دليلك النفسي الشامل لتحقيق الصحة النفسية مهما كانت مشكلاتك

مارس الرياضة

حقق مستوى مرضي لك من اللياقة البدينة، والذي يعينك على قضاء مسؤولياتك التي تتطلب بعض الجهد البدني، والذي ينعكس بالضرورة على صحتك النفسية وعلى صورة الذات لديك.

صل رحمك

ضع مخططًا منظمًا جدًا لصلة الرحم، هذا يعزز لديك الجانب الاجتماعي من الصحة النفسية، ويجعلك غير مُنعزل عن الناس، ولا تنسى أن الواصل ليس بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا قُطعت رحمه وصلها، فكن مبادرًا.

شارك المعلومة؛ فالدال على الخير كفاعله