رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمان

لا بد وأن سمعتم عن قصة حب غسان كنفاني لغادة السمان، لكن لم يخطر على بال أحد أن يتعرف أكثر على تلك الحكاية التي سجلها التاريخ، والتي أصبحت من الأبواب التي تطرق لاختبار الحب واكتشافه أكثر.

غسان ذلك الروائي الذي لاقى الكثير من التشجيع بسبب ثقافته العالية وكتاباته المذهلة، وغادة تلك الكاتبة والأديبة التي تحررت من قيود المجتمع عبر قلمها. كانا خير من قدم لنا أروع القصص والروايات. لذا ولكي نتعرف أكثر عليهم تابعوا معنا هذا المقال.

غادة السمان 1

غسان كنفاني

ولد المناضل والصحفي والروائي غسان كنفاني في الثامن من نيسان/ أبريل عام 1936م، في مدينة عكا الفلسطينية. تميزت أعماله بالأصالة فقد نادى بقلمه الثقافة الفلسطينية والعربية.

كتب العديد من الكتب والروايات والقصص القصيرة، الأمر الذي جعله من أشهر الكتاب في وقته.

تنقل بسبب الحرب التي سادت في بلاده ما بين كل من سوريا ولبنان والكويت، لكنه استشهد مع لميس (ابنة اخته) نتيجة لانفجار سيارة مفخخة في مدينة بيروت اللبنانية، في الثامن من تموز/ يوليو عام 1972م.

أعماله

أصدر غسان العديد من الكتب حوالي الـ 18 كتاب، كما كتب العديد من القصص والمسرحيات والدراسات والمقالات السياسية والثقافية والقومية، ترجمت أعماله إلى عدة لغات. وتم نشرها في أكثر من بلد.

حتى أن بعض أعماله استخدمت كنصوص في بعض الأفلام العالمية، أو عبر إخراجها في البرامج الإذاعية والمسرحيات في عدة بلدان.

غادة السمان

ولدت الكاتبة غادة السمان عام 1942م، في دمشق، من عائلة مسلمة وتعلمت الفرنسية والثقافة بفضل والدها أحمد السمان، اهتمت بالأدب بمختلف أشكاله، درست الأدب الإنكليزي في بيروت وتابعت دراستها فحصلت على درجة الماجستير والدكتوراه.

عشقها وشغفها للكتابة، كان كفيلًا بأن تقدم لنا أروع الأعمال من مجموعات قصصية وروايات.

قصة حب غسان كنفاني لغادة السمان

بدأت قصة الحب تلك في الستينات من القرن الماضي في جامعة دمشق، حيث كانت غادة تدرس هناك، تعرف عليها أكثر عبر لقاؤهم الثاني في القاهرة بأحد الحفلات حيث قال لها جملته الشهيرة: مالك كطفلة ريفية تدخل المدينة أول مرة؟.

تحول ذلك الإعجاب إلى حب، فكتب كل  من غسان كنفاني ومحبوبته غادة أروع القصائد العاطفية، ولكن وعلى الرغم من علاقتهم تلك إلا أنه كُتب لهذه القصة الفشل وذلك بسبب قيود المجتمع الدينية.

كانت غادة على درجة عالية من الثقة بنفسها خاصةً بعد اعتراف كنفاني بحبه لها، أما غسان فقد بدا عليه بأنه الشريك الأكثر محبةً في العلاقة.

رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمان

استند غسان كنفاني في معظم أعماله على الواقع العربي خاصةً القضية الفلسطينية فقد كان حريصًا على تدوين حبه ووطنيته ونضاله عبر قلمه.

لكنه لم يبخل على غادة بأي شيء فقد حرص على إرسال أجمل القصائد والكلمات إليها، كان يخفي في كتاباته غادة فقد كان عاشقًا كبيرًا وفارسًا أصيلًا، على الرغم من الصد الذي كان يتلقاه من غادة إلى أنه ترجم كل إحساس أو شعور في كلماته.

فكان كتابه رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمان خير دليل على ذلك، فكان اختصار لكم المعاناة والألم التي عاشها، كان قلبه حزينًا أضناه الحب والشوق وفتك فيه، كان يناجي غادة ويرجوها ويعاتبها بألم فقال:

غادة … كيف تقولين لي: لا ألومك، لك الحق في الدفاع عن توقيتك لرحلة صيد انتهت؟ كيف تفكرين لحظةً ‏واحدة بأن هذا التعيس الذي ينتظرك كما ينتظر وطنًا ضائعًا يفعل ذلك؟ كيف تعتقدين أن ذلك الرجل الذي ‏سلخت الشوارع قدميه، كالمجنون الطريد، ينسى أو يوقِّت أو يدافع عن نفسه أو يهاجم؟ ولكنني أغفر لك، مثلما ‏فعلت وسأفعل وسأظلّ أفعل.
أغفر لك لأنك عندي أكثر من أنا وأكثر من أي شيء آخر، لأنني ببساطة أريدك ‏و أحبك ولا أستطيع تعويضك‎، ‏
لأنني أبكي كطفل حين تقولين ذلك، وأحس بدموعي تمطر في أحشائي، وأعرف أنني أخيرًا مطوق بك، بالدفء ‏والشوق وأنني بدونك لا أستحق نفسي!.
أنت، بعد، لا تريدين أخذي، تخافين مني أو من الناس أو من المستقبل ‏لست أدري ولا يعنيني.
ما يعنيني أنك لا تريدين أخذي، وأن أصابعك قريبة مني، تحوطني من كل جانب، كأصابع ‏طفل صغير حول نحلة ملونة: تريدها وتخشاها ولا تطلقها ولا تمسكها ولكنها تنبض معها ..
أعرف أعرف حتى ‏الجنون قيمتك عندي، أعرفها أكثر وأنت غائبة وأمس رأيت عمارات الروشة، صدقيني، عارية مثل أشجار سلخها ‏الصقيع في البراري، تطن عروقها الرفيعة في وجه السماء كأنها السياط ..
بدونك لا شيء. وهذا يحدث معي لأول ‏مرة في عمري التعيس كله. لماذا أنت معي هكذا. إنني أفكر بك ليل نهار، أحيانًا أقول إنني سأخلصك مني ويكون ‏قراري مثل قرار الذي يريد أن يقذف نفسه في الهواء، أحيانًا أقول أنني سأتجلد، إنني، كما توحين لي أحيانًا، أريد أن ‏أدافع وأهاجم وأغير أسلوبي، أحيانًا أراك: أدخل إلى بيتك فوق حطام الباب وأضمك إلى الأبد بين ذراعي حتى ‏تتكونا من جديد، عظمًا ولحمًا ودمًا، بحجم خاصرتك .. ولكنني في أعماقي أعرف أن هذا لن يحدث وأنني حين ‏أراك سأتكوم أمامك مثل قط أليف يرتعش من الخوف…فلماذا أنت معي هكذا؟
أنت تعرفين أنني أتعذب وإنني ‏لا أعرف ماذا أريد. تعرفين إنني أغار، وأحترق وأشتهي وأتعذب. تعرفين أنني حائر وإنني غارق في ألف شوكة ‏برية.. تعرفين .. ورغم ذلك فأنت، فوق ذلك كله، تحولينني أحيانًا إلى مجرد تافه آخر، تُصَّغرين ذلك النبض القاتل ‏الذي يهزني كالقصبة، معك وبدونك.

يكمل غسان ليخبرها عن ذلك اليوم الذي لم ينم فيه بسبب الآلام التي كان يشعر بها بعد مرضه والذي كان بحسب قوله سببًا لابتعاد غادة عنه عبر اتخاذها رجلًا آخر غيره.

ما الذي حل بغادة وما الذي جعلها تؤلم غسان؟ هل كانت رغبةً منها في استدراج عواطف ومشاعر غسان لتصنع منها أدبًا يسجل في التاريخ، أم أن غايتها التباهي والغرور، أم أنها حقًا أحبته لكن حياته وزواجه وعائلته كانت سببًا في ابتعادها عنه ورفضها له، فكتاباتها له خير دليل على ذلك، فقد كتبت:

أيّها البعيد كذكرى طفولة، أيّها القريب كأنفاسي وأفكاري، أحبّك و أصرخ بملءِ صوتي أحبّك، وأنت وحدك ستسمعني من خلف كل تلك الأسوار، أصرخ وأناديك بملء صمتي، فالمساء حين لا أسمع صوتك: مجزرة .. الليل حين لا تعلق في شبكة أحلامي: شهقة احتضار واحدة .. المساء وأنت بعيد هكذا .. وأنا أقف على عتبة القلق والمسافة بيني وبين لقائك جسر من الليل لم يعد بوسعي أن أطوي الليالي بدونك .. لم يعد بوسعي أن أتابع تحريض الزمن البارد .. لم يبق أمامي إلا الزلزال، وحده الزلزال قد يمزج بقايانا ورمادنا بعد أن حرمتنا الحياة فرحة لقاء لا متناه في السماء .. يقرع شوقي إليك طبوله داخل رأسي دونما توقف .. يهب صوتك في حقولي كالموسيقى النائية القادمة مع الريح، نسمعها ولا نسمعها .. يهب صوتك في حقولي واتمسك بكلماتك ووعودك مثل طفل يتمسك بطائرته الورقية المحلقة .. إلى أين ستقذفني رياحك؟ إلى أي شاطئ مجهول ؟

لكن غادة لم تصرح بشكلِ مباشر عن ذلك الحب، وهذا قد يرجح أن يكون حبًا من طرف واحد، فقد قالت في أحد المرات أن غسان ليس من أحب وأقرب الرجال إلى قلبها إلا أنه أكثرهم نقاءً وصدقًا، فعقب على كلامها بانكسار، قال غسان:

غادة … يقولونَ أنّ علاقتنا هي علاقة من طرف واحد، وأنّني ساقطٌ في الخيبة، قيلَ إنّني سأتعبُ ذاتَ يوم من لعقِ حذائك البعيد. يُقال إنّك لا تكترثينَ بي، وأنّكِ حاولتِ أن تتخلّصي منّي، ولكنّني كنتُ مِلْحاحًا كالعَلَق! يشفقونَ عليّ أمامي، ويسخرونَ مني ورائي، ويقرأونَ لي كما يقرأونَ نماذجَ للشاعر المجنون.
لن أستطيعَ أن أُحصي هنا كلّ رسائل غسّان المُوجعة، أو أنْ أوردها كاملة، فهي كثيرة و مليئة بالألم. ولا تكفي صفحات للكتابة عنها، بل أدعو الجميع إلى قراءتها. لمعرفتي أنَّ عددًا كبيرًا من القرّاء لا يعلمونَ عن تلكَ الرسائلِ شيئًا. ولأنّني من عشّاق الرسائل الورقيّة التي أؤمنُ أنّ بين كلماتِ أصحابها، أرواحَهُم.

إذًا استطاعت غادة أن تنال من غسان وأن تدمر كيانه، فلا يمكن لعاشق أن يرضى بمشاعر فاترة أو حبٍ بارد. كانت تلك الرسائل اختصار لكم الآلام والليالي التي قضاها غسان وعاشها وحيدًا حزينًا.

حقًا أمرًا يثير الفضول بداخلنا، فيا ترى ما هي حالة غادة بعد تلقيها تلك الرسائل، هل حقًا كانت تتألم لنبل وصدق غسان في إظهار مشاعره أم أنها تلهو وتعبث بها. هل كانت ترميها دون أن تقرأها. لا يمكن أن نجزم أي من تلك الأفكار لكن غادة بذلك التصرف توصل رسالة لقرائها بأنها قاسية وأنانية لا يهمها أحد سوى نفسها، وأكبر دليل على ذلك قول كنفاني لها:

إن شراستك كلّها إنّما هي لإخفاء قلبٍ هش لا حدود لهشاشته.

كما كان يبدي خوفًا شديدًا لخسارتها حين قال:

أنتِ في جلدي وأحسك مثلما أحسّ فلسطين! ضياعُها كارثة بلا أيّ بديل.

في النهاية …

نحن النساء ككل لا يمكن أن نراهن أو نختلس أو ننافق بمشاعر نكنها لشخصٍ ما، لكن كبريائنا وأنوثتنا يمنعنا عن ذلك، أما الرجل فكبرياؤه يمنعه من رؤية تلك المشاعر بوضوح.

اقرأ أيضًا:

شارك المعلومة؛ فالدال على الخير كفاعله