البرزخ … “وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ”

مَا بَيْنَ المَوْتِ وَالْبَعْثِ فترة سُمِّيت في القرآن الكريم “البرزخ”، قال تعالى: “وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٠٠ – المؤمنون)”، أي حاجز وحاجب بَين الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، فكلّ شَيْء يحجز بَين شَيْئَيْنِ يسمَّى برزخًا، وقوله تعالى: “بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (٢٠ – الرّحمن)”، وقوله تعالى: “وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا (٥٣ – الفرقان)”.

والبرزخ مقدّمة الآخرة، ووقته ما بين وضع الإنسان في قبره إلى أن تقوم الساعة فإذا قامت الساعة يبعثوا، فإذا بعثوا انتهوا من البرزخ، وتوجهوا للحساب. وللبرزخ ضغطة، وفتنة، ونعيم أو عذاب، وهو عالم بين الدُّنيا والآخرة، وله تعلّق بهما. نسأل الله حسن الخاتمة.

البرزخ لغويًا

هو ما بين كل شيئين، أو الحاجز بين الشيئين، كما يطلق عليه اسم المضيق.

البرزخ في القرآن

لقد جاء ذكر البرزخ في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع. في أول موضعين اثنين بمعنى أرض ملموسة وهما:

سورة الرحمن: ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ ١٩ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ ٢٠ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٢١﴾

سورة الفرقان: ﴿وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا ٥٣﴾

أما الموضع الثالث فيدل على عالم غيبي غير ملموس وهو:

في سورة المؤمنون: ﴿لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ١٠٠﴾

البرزخ في السنة النبوية

وردت أحاديث صحيحة كثيرة عن حياة البرزخ منها ما رواه أنس بن مالك قال: (إنَّ نبيَّ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ دخلَ نخلًا لبني النَّجَّارِ، فسمعَ صوتًا ففزعَ، فقالَ: مَن أصحابُ هذِهِ القبورِ؟ قالوا: يا رسولَ اللَّهِ ناسٌ ماتوا في الجاهليَّةِ، فقالَ: تعوَّذوا باللَّهِ من عذابِ النَّارِ، ومِن فتنةِ الدَّجَّالِ قالوا: وممَّ ذاكَ يا رسولَ اللَّهِ؟ قالَ: إنَّ المؤمنَ إذا وُضعَ في قبرِهِ أتاهُ ملَكٌ فيقولُ لَهُ: ما كُنتَ تعبدُ؟ فإنِ اللَّهُ هداهُ قالَ: كنتُ أعبدُ اللَّهَ، فيقالُ لَهُ: ما كنتَ تقولُ في هذا الرَّجلِ؟ فَيقولُ هوَ عبدُ اللَّهِ ورسولُهُ، فما يَسألُ عَن شيءٍ، غيرِها، فينطَلقُ بِهِ إلى بيتٍ كانَ لَهُ في النَّارِ فيقالُ لَهُ: هذا بيتُكَ كانَ لَكَ في النَّارِ، ولَكنَّ اللَّهَ عَصمَكَ ورحمَكَ، فأبدلَكَ بِهِ بيتًا في الجنَّةِ، فيقولُ: دَعوني حتَّى أذْهبَ فأبشِّرَ أَهلي، فيقالُ لَهُ: اسْكُنْ، وإنَّ الْكافرَ إذا وُضِعَ في قبرِهِ أتاهُ ملَكٌ فينتَهرُهُ فيقولُ لَهُ: ما كنتَ تعبدُ؟ فيقولُ: لا أدري، فيقالُ لَهُ: لا دَريتَ ولا تَلَيتَ، فيقالُ لَهُ: فما كُنتَ تقولُ في هذا الرَّجلِ؟ فيقولُ: كنتُ أقولُ ما يقولُ النَّاسُ، فيضربُهُ بمِطراقٍ من حَديدٍ بينَ أذنيْهِ، فيصيحُ صيحةً يسمعُها الخلقُ غيرُ الثَّقلينِ). (1)

وقد اتفق أهل السنة والجماعة أن البرزخ عالم الأموات الذي ينتظر به المسلمون يوم القيامة. وأنه «إقناط كلي لما علم أنه لا رجعة يوم البعث إلاّ إلى الآخرة».

البرزخ في الجغرافيا

حاجز أرضي بين محيطين مائين، وهو عبارة عن شريط ضيق من اليابسة محاط من الجهتين بالماء وغالبًا ما يصل كتلتين يابستين ذواتا حجم كبير نسبيًا ببعضهما.

البرزخ عكس المضيق

يُعد البرزخ مثالًا طبيعيًا، على عكس المضيق إذ أن المضيق هو قناة مائية ضيقة تصل مسطحين مائيين كبيرين ببعضهما. يتم عادة اختيار البرزخ لبناء القنوات المائية كقناة بنما أو قناة السويس التي شُقّت في يابسة «برزخ السويس» الذي هو أضيق مسافة بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط. تلك القنوات لا تُعدّ مضائق، بل هي قنوات محفرة في برازخ.

قائمة ببعض البرازخ المشهورة

  • برزخ بنما وهو أشهر برازخ العالم ويصل أمريكا الشمالية بأمريكا الجنوبية.
  • برزخ تيهوانتيبيك.
  • برزخ كورنث.

البرزخ في الإسلام

تنقسم حياة الإنسان إلى ثلاثة:

  1. حياة الدنيا وهي التي يعيشها.
  2. حياة البرزخ بين الحياة الدنيا وبين الآخرة.
  3. حياة الآخرة (يوم القيامة).

فحياة البرزخ حياةٌ بين حياتين وهذه الأنواع الثلاثة للحياة تكون من أدنى إلى أعلى، فحياة البرزخ أكمل من الحياة الدنيا بالنسبة إلى المتقين؛ لأن الإنسان ينعم في قبره ويفتح له بابٌ إلى الجنة، ويوسع له مد البصر. وحياة الآخرة، وهي الجنة التي هي مأوى المتقين، أكمل وأكمل بكثيرٍ من حياة البرزخ، وكذلك يقال بالنسبة إلى الكافر يقال: إن حياته في قبره أشد عذاباً مما يحصل له من عذاب الدنيا وعذابه في النار التي هي مأوى الكافرين أشد وأشد.

عالم البرزخ وضمة القبر

قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ لِلْقَبْرِ ضَغْطَةً، لَوْ كَانَ أَحَدٌ نَاجِيًا مِنْهَا نَجَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ”. ضمَّة القبر لا ينجو منها أحد بعمل، ولا تستدعي سبق ذنب، ولا يُعْفَى منها أحد، ولا يفلت منها كبير ولا صغير، ولا مؤمن ولا كافر، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ – رضي الله عنه -، عَنْ أَبِي أَيُّوب – رضي الله عنه -، أَنَّ صَبِيًّا دُفِنَ فَقَالَ رَسُولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: ” لَوْ أَفْلَتَ أَحَدٌ مِنْ ضَمَّةِ الْقَبْرِ لَأَفْلَتَ هَذَا الصَّبِيُّ”.

لكن الذي لا ريب فيه أن المسيئين والمحسنين لا يستوون لا في الحياة ولا بعد الممات، لا في ضمَّة القبر ولا في غيرها، قال تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (٢١)} [الجاثية].

فتنة القبر

المراد بفتنة القبر سؤال الملكين، قالت أَسْمَاءُ بِنْت أَبِي بَكْرٍ – رضي الله عنهما -: “قَامَ رَسُولُ الله – صلى الله عليه وسلم – خَطِيبًا فَذَكَرَ فِتْنَةَ القَبْرِ الَّتِي يَفْتَتِنُ فِيهَا المَرْءُ، فَلَمَّا ذَكَرَ ذَلِكَ ضَجَّ المُسْلِمُونَ ضَجَّةً”، وقال – صلى الله عليه وسلم -: ” فَأُوحِيَ إِلَيَّ: أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي قُبُورِكُمْ”.

وقد أَخْبَرَنا النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – بِكَيْفِيَّةِ امْتِحَانِنا فِي الْقُبُورِ، قال – صلى الله عليه وسلم -: “فَأَمَّا فِتْنَةُ الْقَبْرِ:

فَبِي تُفْتَنُونَ، وَعَنِّي تُسْأَلُونَ، فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ الصَّالِحُ، أُجْلِسَ فِي قَبْرِهِ غَيْرَ فَزِعٍ، وَلَا مَشْعُوفٍ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: فِيمَ كُنْتَ؟ فَيَقُولُ: فِي الْإِسْلَامِ؟ فَيُقَالُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله – صلى الله عليه وسلم -، جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ عِنْدِ الله – عز وجل -، فَصَدَّقْنَاهُ، فَيُفْرَجُ لَهُ فُرْجَةٌ قِبَلَ النَّارِ، فَيَنْظُرُ إِلَيْهَا يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَيُقَالُ لَهُ: انْظُرْ لَى مَا وَقَاكَ اللهُ – عز وجل -، ثُمَّ يُفْرَجُ لَهُ فُرْجَةٌ إِلَى الْجَنَّةِ، فَيَنْظُرُ إِلَى زَهْرَتِهَا وَمَا فِيهَا، فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا مَقْعَدُكَ مِنْهَا، وَيُقَالُ: عَلَى الْيَقِينِ كُنْتَ، وَعَلَيْهِ مِتَّ، وَعَلَيْهِ تُبْعَثُ إِنْ شَاءَ اللهُ.

حياة الميت البرزخية

الميت ترد إليه روحه، وقد صحت بذلك الأخبار عن رسول الله ﷺ. وحياة الميت في قبره غير حياته الدنيوية، بل هي حياة خاصة برزخية، ليست من جنس حياته في الدنيا التي يحتاج فيها إلى الطعام والشراب ونحو ذلك، بل هي حياة خاصة يعقل معها السؤال والجواب، ثم ترجع روحه بعد ذلك إلى عليين، إن كان من أهل الإيمان، وإن كان من أهل النار إلى النار، لكنها تعاد إليه وقت السؤال والجواب.

حال المسلم والكافر في حياة البرزخ

حياة الإنسان تبدأ في البرزخ عند أول يوم يدفن فيه. فيكون نعيمًا للإنسان المسلم وعذابًا للإنسان الكافر. وقد ورد أحاديث صحيحة كثيرة عن القبر والتعوذ بالله منه. نسأل الله السلامة!

نعيم القبر

قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ).

في حالة الإنسان المسلم، يأتيه ملكان يسألانه كما ورد ذلك في حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا قُبِرَ الْمَيِّتُ أَوْ قَالَ أَحَدُكُمْ أَتَاهُ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ يُقَالُ لأَحَدِهِمَا الْمُنْكَرُ وَالآخَرُ النَّكِيرُ، فَيَقُولَانِ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟ فَيَقُولُ مَا كَانَ يَقُولُ: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ).

وفي حديث صحيح عن حديث الملكين: خرجنا مع رسول الله ﷺ في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد، فجلس رسول الله ﷺ وجلسنا حوله كأنما على رءوسنا الطير، وفي يده عود ينكت به في الأرض، فرفع رأسه، فقال: «استعيذوا بالله من عذاب القبر» مرتين، أو ثلاثا، زاد في حديث جرير «هاهنا» وقال: «وإنه ليسمع خفق نعالهم إذا ولوا مدبرين حين يقال له: يا هذا، من ربك وما دينك ومن نبيك؟» قال هناد: قال: «ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟» قال: «فيقول: هو رسول الله ﷺ، فيقولان: وما يدريك؟ فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت «زاد في حديث جرير» فذلك قول الله: {يثبت الله الذين آمنوا} [إبراهيم: ٢٧]» الآية – ثم اتفقا – قال: «فينادي مناد من السماء: أن قد صدق عبدي، فأفرشوه من الجنة، وافتحوا له بابا إلى الجنة، وألبسوه من الجنة» قال: «فيأتيه من روحها وطيبها» قال: «ويفتح له فيها مد بصره».

عن البراء بن عازب: “فينادِي منادٍ من السماءِ أن صدقَ عبدِي فافرِشوه من الجنةِ، وألبِسوه من الجنةِ، وافتحوا له بابًا إلى الجنةِ، فيأتيه من ريحِها، وطيبِها، ويفسحُ له في قبرِه مدَّ بصَرِه. وقال في الكافرِ: فينادِي منادٍ من السماءِ أن كذَب عبدِي فافرِشوه من النارِ، وافتحوا له بابًا من النارِ، فيأتيه من حرِّها وسُمومِها، ويضيقُ عليه قبرُه حتى تختلفَ أضلاعُه”.

عذاب القبر

عذاب القبر ثابت في الكتاب والسنة، فأما الكتاب، فقوله تعالى: (وَحَاقَ بِآَلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) {غافر: 45-46}. وهذه الآية دليل على عذاب القبر قبل قيام الساعة.

وقوله تعالى: (سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ) {التوبة:101}. وقوله تعالى: (وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) {الطور: 47}.

وقال تعالى: (فَلَوۡلَآ إِذَا بَلَغَتِ ٱلۡحُلۡقُومَ (83) وَأَنتُمۡ حِينَئِذٖ تَنظُرُونَ (84) وَنَحۡنُ أَقۡرَبُ إِلَيۡهِ مِنكُمۡ وَلَٰكِن لَّا تُبۡصِرُونَ (85) فَلَوۡلَآ إِن كُنتُمۡ غَيۡرَ مَدِينِينَ (86) تَرۡجِعُونَهَآ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ (87) فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلۡمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوۡحٞ وَرَيۡحَانٞ وَجَنَّتُ نَعِيمٖ (89) وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنۡ أَصۡحَٰبِ ٱلۡيَمِينِ (90) فَسَلَٰمٞ لَّكَ مِنۡ أَصۡحَٰبِ ٱلۡيَمِينِ (91) وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلۡمُكَذِّبِينَ ٱلضَّآلِّينَ (92) فَنُزُلٞ مِّنۡ حَمِيمٖ (93) وَتَصۡلِيَةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ حَقُّ ٱلۡيَقِينِ (95) فَسَبِّحۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلۡعَظِيمِ) (96) {سورة الواقعة}.

وأما السنة: فمنها ما ورد في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال: “إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما: فكان لا يستبرئ من البول، وأما الآخر: فكان يمشي بالنميمة”. ومنها ما ورد في صحيح مسلم: “إن هذه الأمة تبتلى في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه”.

بالنسبة لحال الكافر والمنافق والعياذ بالله! لا يعرف بماذا يجيب عند سؤال الملكين له كما جاء ذلك في تتمة الحديث “… .وإن كانَ منافقًا قالَ سمعتُ النَّاسَ يقولونَ فقلتُ مثلَهُ لا أدري فيقولانِ قد كنَّا نعلمُ أنَّكَ تقولُ ذلِكَ فيقالُ للأرضِ التئِمي عليْهِ فتَلتَئمُ عليْهِ فتختلفُ أضلاعُهُ فلا يزالُ فيها معذَّبًا حتَّى يبعثَهُ اللَّهُ من مَضجعِهِ ذلِكَ.”

وفي حديث صحيح آخر بعد ذكر نعيم المسلم يذكر عذاب المنافق، “… قال: «وإن الكافر» فذكر موته قال: «وتعاد روحه في جسده، ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان: له من ربك؟ فيقول: هاه هاه هاه، لا أدري، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه، لا أدري، فيقولان: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه، لا أدري، فينادي مناد من السماء: أن كذب، فأفرشوه من النار، وألبسوه من النار، وافتحوا له بابا إلى النار» قال: «فيأتيه من حرها وسمومها» قال: «ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه» زاد في حديث جرير قال: «ثم يقيض له أعمى أبكم معه مرزبة من حديد لو ضرب بها جبل لصار ترابا» قال: «فيضربه بها ضربة يسمعها ما بين المشرق والمغرب إلا الثقلين فيصير ترابا» قال: «ثم تعاد فيه الروح».

وفي صحيح مسلم أيضًا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير فليتعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال“.

وفي الصحيحين عن أم المؤمنين عائشة أنها قالت: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن عذاب القبر، قال: (نعم، عذاب القبر حق).

الأسباب الموجبة للنجاة من عذاب القبر

  • تحقيق التوحيد لما في البخاري عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المسلم إذا سئل في القبر شهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فذلك قوله: “يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ” [إبراهيم:27].
  • طاعة الله تعالى وفعل الصالحات لما روى ابن حبان والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الميت إذا وضع من قبره أنه ليسمع خفق نعالهم حين يولون عنه، فإن كان مؤمنا كانت الصلاة عند رأسه، وكان الصيام عن يمينه، وكانت الزكاة عن يساره، وكان فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس عند رجليه، فيؤتى من قبل رأسه فتقول الصلاة ما قبلي مدخل، ثم يؤتى عن يمينه فيقول الصيام ما قبلي مدخل، ثم يؤتى عن يساره فتقول الزكاة ما قبلي مدخل، ثم يؤتى من قبل رجليه فيقول فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف إلى الناس ما قبلي مدخل.
  • الرباط في سبيل الله لحديث سلمان الفارسي رضي الله عنه وفيه: رِباطُ يَومٍ ولَيْلَةٍ خَيْرٌ مِن صِيامِ شَهْرٍ وقِيامِهِ، وإنْ ماتَ جَرى عليه عَمَلُهُ الذي كانَ يَعْمَلُهُ، وأُجْرِيَ عليه رِزْقُهُ، وأَمِنَ الفَتّانَ. رواه مسلم.
  • قراءة سورة تبارك لما في الترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن سورة من القرآن ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له. وقال صلى الله عليه وسلم: سورة تبارك هي المانعة من عذاب القبر.

الأسباب التي يعذب بها أصحاب القبور

الأسباب التي يعذب بها أصحابها في القبور كثيرة، وهي على وجهين: مجمل ومفصل.

أما المجمل، فإنهم يعذبون على جهلهم بالله وإضاعتهم لأمره، وارتكابهم لمعاصيه، فلا يُعذب الله روحاً عرفته وأحبته وامتثلت أمره واجتنبت نهيه، فمن أغضب الله وأسخطه في هذه الدار ثم لم يتب ومات على ذلك كان له من عذاب البرزخ بقدر غضب الله وسخطه عليه.

وأما المفصل، فقد أخبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الرجلين الذين رآهما يعذبان في قبورهما، يمشي أحدهما بالنميمة بين الناس، ويترك الآخر الاستبراء من البول، فهذا ترك الطهارة الواجبة، وذاك ارتكب السبب الموقع للعداوة بين الناس بلسانه وإن كان صادقًا. وهناك الكثيرمن الأسباب التي يعذب بها أصحاب القبور… نذكر بعضًا منها:

  • آكل الربا وآكل أموال اليتامى وآكل السحت من الرشوة ونحوها.
  • آكل مال أخيه المسلم بغير حق أو مال المعاهد وشارب المسكر.
  • الزاني واللوطي والسارق والخائن والغادر والمخادع والماكر.
  • آخذ الربا ومعطيه وكاتبه وشاهداه، والمحلل والمحلل له والمحتال على إسقاط فرائض الله وارتكاب محارمه.
  • مؤذي المسلمين ومتتبع عوراتهم.
  • الحاكم بغير ما أنزل الله، والمفتي بغير ما شرعه الله، والمعين على الإثم والعدوان.
  • قاتل النفس التي حرم الله، والملحد في حَرَم الله، والمعطل لحقائق أسماء الله وصفاته الملحد فيها.
  • المقدم رأيه وذوقه وسياسته على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. نسأل الله السلامة!

حقيقة حياة البرزخ للدكتور عمر عبد الكافي

أسئلة عن حياة البرزخ

هل يشعر الميت بأحوال أهله من بعده؟

لا يشعر، الميت انقطع عمله، قال تعالى: “وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ” [فاطر:22] “إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى” [النمل:80] ويقول النبي ﷺ: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له).

هل حياة البرزخ أفضل من حياة الدنيا؟

على حسب حياة الإنسان في الدنيا، فالمؤمن ينعم في البرزخ وروحه في الجنة وجسده يناله بعض النعيم. والكافر روحه تعرض على النار، ويناله نصيب من العذاب، وينال جسده نصيب من العذاب، والعياذ بالله!

هل يلتقي الأموات في حياة البرزخ؟

نعم، ثبت لقاء أرواح المؤمنين وتزاورهم، وهذا حديث دال على ذلك:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا حُضِرَ الْمُؤْمِنُ أَتَتْهُ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ بِحَرِيرَةٍ بَيْضَاءَ فَيَقُولُونَ اخْرُجِي رَاضِيَةً مَرْضِيًّا عَنْكِ إِلَى رَوْحِ اللَّهِ وَرَيْحَانٍ وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ فَتَخْرُجُ كَأَطْيَبِ رِيحِ الْمِسْكِ…) إلى آخر الحديث.

هل تلتقي الزوجة بزوجها في حياة البرزخ؟

يمكن أن تلتقي أرواحهما في البرزخ كما تلتقي سائر أرواح المؤمنين ويتعارفان ويتحدثان، وهذا مذهب جماعة من أهل العلم، وبعد البعث والجزاء يدخلان الجنة بإذن الله تعالى.

ما حال الطفل الذي لم يبلغ سن البلوغ في قبره إذا مات؟

من مات وهو قبل البلوغ يكون في الجنة في كفالة إبراهيم عليه السلام بإذن الله تعالى، والله أعلم.

هل تكون الحياة البرزخية بالروح والبدن؟

هي قطعاً بالروح بلا شك، ثم قد تتصل بالبدن أحياناً إن بقي، ولم تأكله الأرض، ولم يحترق ويتطاير في الهواء، وقد لا تتصل هذا هو القول الراجح في نعيم القبر، أو عذابه؛ أنه في الأصل على الروح.

أيهما يسبق ضمة القبر أم فتنة القبر (سؤال الملكين)؟

الظّاهر أنَّ ضمَّةَ القبرِ أوَّلُ ما يلاقيه الميِّتُ في عالم البرزخ؛ بدليل أنَّ العبد المؤمن إذا أجاب عن سؤال الملكين، فإنَّه يفسح له في قبره كما ثبت في الأحاديث الشَّريفة.

هل تُعَادُ روح الميّت إِلَى جسده فِي الْقَبْرِ عند السُّؤال؟ وهل يُسْأَلُ فِي قبره وعقله ثابت مَعَهُ، أم يَرْغَبُ عَنْهُ عقله؟

روح الميِّت تُعَادُ إليه في جسده عند السُّؤال في القبر، فقد ثبت في حديث الْبَرَاءِ – رضي الله عنه – الَّذي رواه أحمد وغيره وفيه أنَّ النَّبيَّ – صلى الله عليه وسلم -، قال: “فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ، فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ، فَيُجْلِسَانِهِ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللهُ … “

وعقله يُردّ إليه قبل أن يُسْأَل، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو – رضي الله عنهما -، أَنَّ رَسُولَ الله – صلى الله عليه وسلم -، ذَكَرَ فَتَّانَيِ الْقَبْرِ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ – رضي الله عنه -: “أَتُرَدُّ عَلَيْنَا عُقُولُنَا يَا رَسُولَ الله؟ فَقَالَ: نَعَمْ، كَهَيْئَتِكُمُ الْيَوْمَ، قَالَ: فَبِفِيهِ الْحَجَرُ”، أي أنّه جدير بأن يجيب الملكين – إن شاء الله تعالى – طالما أنَّ عقله يُرَدُّ إليه.

المصادر

شارك المعلومة؛ فالدال على الخير كفاعله