إدمان الإنترنت بين الحقيقة والوهم “الوقاية وسبل العلاج”

لعل أول ما يلفت انتباهك عزيزي القارئ أنه كيف لي أن أنشر مقالًا عن إدمان الإنترنت على موقع من مواقع الإنترنت، كيف يكون العلاج داخل موطن الداء ذاته ولى في هذا وجهة نظر ألخصها في نقطتين أولهما، أن من يعاني من إدمان الإنترنت في الغالب يجلس الآن على الإنترنت بصورة أو بأخرى وسيشاهد هذا المقال حتمًا.

بالإضافة إلى أنني كباحث هدفي الأساسي أن أصل لمن يعاني من إدمان الإنترنت في حالة تلبس بالمرض وأنا أؤمن أن علاج إدمان الإنترنت هو في الإنترنت نفسه مثلما نعالج نحن المريض بمصل مستخرج من المرض نفسه أو الفطر نفسه.

ثانيهما، أنه في هذا الزمان لا يصح لأي إنسان أن يستغنى على الإنترنت تحديدًا بالنسبة لمن يعتبر الإنترنت بالنسبة لهم وسيلة للعمل وكسب المال، فعلى سبيل المثال هناك من يعملون على مواقع التجارة الإلكترونية E-commerce أو من يعملون في خدمة العملاء على شبكة الإنترنت أيضًا أو من يرسل أموالًا لعائلته على الإنترنت، فالإنترنت حقًا كالماء والهواء ولكن أين المشكلة إذًا.

وأنا بصراحة لا أؤمن بمقولة “سلاح ذو حدين” بمعنى أن الإنترنت سلاح ذو حدين وأنا ما أعلمه عن الأسلحة البيضاء مثلًا كالسكينة أن لها حدان فعلًا ولكن أحدهما كليل لا يقطع والآخر مسنون كالشفرة ويقطع فعلًا، لذلك أرى أن الإنترنت ليس سلاحًا أصلًا ولكن استخدامنا له هو الذي يستحق لقب سلاح ذو حدين.

ولا تنسى عزيزي القارئ أن الإنترنت بحر يحتاج لغواص ماهر جدًا كي يستطيع أن يحقق أقصى فائدة من الإنترنت وأن يحقق أقل درجات الضرر في نفس الوقت، وهذه ثقافة انتقائية أعتقد أننا لم نتعلمها إلى الآن بشكل كافي وهذا هو الذي دفعني للغوص في هذا الموضوع من خلال السطور القادمة بإذن الله.

إدمان الإنترنت بين الحقيقة والوهم “الوقاية وسبل العلاج”

 

نظرة عامة على مفهوم إدمان الإنترنت من حيث التعريف وتاريخ ظهوره

 

الحقيقة أن استخدام وسائل الاتصال المختلفة بما فيها الإنترنت لم يعد اختياريًا بل نحن في أغلب الأحيان مجبرون على هذا وقريبًا ستكون جميع الخدمات متاحة على الإنترنت في كل الدول العربية، وعدد مستخدمي الإنترنت يزداد عامًا وراء عام، حيث أنه حسب إحصاءات شركة جوجل أنه عام 2008 بلغ عدد مستخدمي الإنترنت في مصر خمسة مليون مستخدم أما في عام 2013 فوصل العدد فجأة ل 37 مليون مستخدم هذا في مصر فقط فما بالك ببقية الدول.

والمشكلة تبدأ حينما يجلس المستخدمون على الإنترنت بلا جدوى أو هدف واضح والذي يعرف بإدمان الإنترنت كما عرف كلًا من مورهان ومارتن شوماخر إدمان الإنترنت على انه الاستخدام المكثف للإنترنت، بدون جدوى واضحة على حياة الفرد مع عدم القدرة على التحكم في هذا الاستخدام والذي يؤدى بمستخدم الإنترنت أن يكون أداة طيعة في أيدي الإنترنت يوجهها كما يشاء.

إذن لدينا معياران أساسيان لإدمان الإنترنت وهما:

  • عدد ساعات الوقت التي يقضيها الفرد على جهاز الإنترنت.
  • الهدف من استخدام الإنترنت.

ومهم جدًا أن ننوه على أن إدمان الإنترنت لا يتضمن الآتي:

  • إدمان مشاهدة الأفلام الإباحية، حيث أنها موضوع آخر يندرج تحت ما يسمى بالاستخدام الخاطئ للإنترنت والذي يعد إدمانًا أيضًا لكن من نوع آخر.
  • أو الجلوس لعدد ساعات طويلة على الإنترنت من أجل العمل مثلًا فهنا يوجد هدف واضح وجدوى واضحة لمن يستخدم الإنترنت.

وجه التشابه بين إدمان الكحول والمخدرات وإدمان الإنترنت:

العلماء يتحدثون عن مادة تسمى الدوبامين والتي أكدت الدراسات أنها مادة تشعر الشخص بالسعادة عندما يتعرض لشيء ما يحبه، ليس عجيبًا أن تفرز هذه المادة عندما تتناول عقارًا مثل الحشيش أو الكوكايين أو الكحول، لكن الأعجب أنه وفق الدراسات ثبت أن هذه المادة ألا وهي الدوبامين تفرز أيضًا لدى مدمني الإنترنت لوفرة تحديدًا لدى من يعانون من إدمان مشاهدة الأفلام الإباحية.

إدمان الإنترنت بين الحقيقة والوهم “الوقاية وسبل العلاج”

كيف أعرف أنى أعاني من إدمان الإنترنت

لديك طريقتين أساسيتين لمعرفة هل أنت مدمن إنترنت أم لا:

الطريقة الأولى بدون اللجوء لمتخصص نفسي:

  • أما أن تقوم بعمل كراسة لتسجيل أحداث يومك التي تمر بها من حيث عدد الساعات
    و الهدف من الجلوس على الإنترنت فلو مثلًا وجدت نفسك تقضى ثمانية ساعات يوميًا بلا هدف واضح وذا جدوى لحياتك فانت مدن إنترنت ولكن لا تخف فإدمان الإنترنت درجات منه الأولى والمتوسط والمزمن ولكن بادر بالذهاب لمتخصص إن أحسست بعدم القدرة على تغيير نفسك.

الطريقة الثانية بذهابك لمتخصص في “علم النفس السلوكي” تحديدًا:

وهذا إذا عجزت عن معرفة مستوى إدمان الإنترنت لديك أو إذا كنت متأكدًا من أنك تعاني فعلًا من إدمان الإنترنت بدرجة متقدمة، وينصح بالذهاب لمتخصص في مجال علم النفس السلوكي behavioral psychology أو في مجال أدق وهو مجال تعديل السلوك behavior modification، وبإذن الله ستتحسن الحالة بمجرد البدء في تطبيق البرامج والواجبات التي سوف يعطيك إياها المتخصص من أولى الجلسات العلاجية.

ومهم جدًا أن أذكرك بأن إدمان الإنترنت ليس مرضًا بالمفهوم التقليدي ولكنه يصنف تحت ما يسمى بالاضطراب النفسي psychological disorders أو ما يسميه المتخصصون بالسقطة النفسية.

مستويات إدمان الإنترنت

الإدمان الطفيف:

والذي يسهل التغلب عليه ويعاني منه من يستخدم الإنترنت لفترات طويلة نسبيًا ولكن لم يؤثر هذا بالسلب على علاقاتهم الاجتماعية ولا على صحتهم بشكل عام.

الإدمان المتوسط:

وهنا تبدأ المشكلة حيث يظهر لدى الفرد نفور مبدئي من العلاقات الاجتماعية وهنا على الفرد أن يدرك جيدًا أنه في مرحلة يسهل فيها العلاج أيضًا.

الإدمان الحاد أو المزمن:

وهنا يفقد الشخص الصلة بالمجتمع بشكل كلى تقريبًا، ويعيش في صومعته التي يغلقها على نفسه وهنا يحبذ أن يستعين الفرد بمعالج نفسي بسرعة والحالة فعلًا خطيرة لكن لها علاج أيضًا.

الأسباب التي تؤدي إلى إدمان الإنترنت

عدم معرفة طبيعة الإنترنت أصلًا:

لعل السبب الأساسي كما ذكرنا من قبل أن من يستخدم الإنترنت لا يعرف مع من يتعامل، الإنترنت بحر بكل المقاييس، مليء بالمثيرات من صور وأفلام وكتب وبرامج ترفيهية منها ما هو الحقيقي والمفيد ومنها ما هو الوهمي.

الهروب من الواقع:

أيضًا من أهم الأسباب الهروب من الواقع المليء والمزدحم بالمشكلات إلى عالم افتراضي virtual غير ملموس بل ومسلى أيضًا عالم قد يعطيك مساحة لم تأخذها من قبل، قد يجعلك منتصرًا ولكن إذا استسلمت له صرت للأسف عبدًا له.

الانهزام في العمل أو العلاقات الاجتماعية:

أن تكون مهزوما في عملك أو في علاقاتك الاجتماعية قد يجعلك تبحث عن انتصارًا في مكان آخر ولن تجد مكانًا أرحب من الإنترنت.

إدمان الإنترنت بين الحقيقة والوهم “الوقاية وسبل العلاج”

أعراض ومخاطر إدمان الإنترنت

إدمان الإنترنت على المستوى الاجتماعي:

التباعد والفتور الاجتماعي وخسارة العلاقات الاجتماعية والذي للأسف يحدث كثيرًا.

إدمان الإنترنت على المستوى الصحي:

  • القلق والإرهاق الشديد والذي قد يصل إلى الاكتئاب في بعض الحالات التي تعاني من إدمان شديد.
  • مشكلات صحية منها انحناء الظهر الواضح والذي قد يتطور إلى حالات تغيير فقرات غضروفية أو ديسك بالكامل.

إدمان الإنترنت على المستوى العلمي الأكاديمي:

بالتأكيد يؤدى الانشغال بالإنترنت إلى تأخر دراسي واضح ورسوب في بعض المواد والذي يؤدى بتحول طالب نجيب إلى طالب مستواه متأخر جدًا على المستويين الدراسي والعلمي الأكاديمي.

إدمان الإنترنت على مستقبل أبنائنا وعلى توجههم الذهني:

أهم ما قرات عن إدمان الحوسبة عمومًا والإنترنت خصوصًا كتاب بعنوان The Shallows والذي يسرد فيه الكاتب Nicholas Carr كيف للإنترنت أن يدمر مستقبل أي شاب، الفكرة هنا أنّ مستخدم الإنترنت يقع فريسة لما يسمى بتجزئة الرؤية وتشتيت الهدف. فعلى سبيل المثال شخص لديه هدف أن يكون بطل في لعبة مثل التينيس، واستخدم الإنترنت لفترة ساعة مثلًا هذه الساعة تعرض فيها لمعلومات عدة في الفن والسياسة والطب والترفيه …. إلخ، وهو بذلك للأسف يدمر هدفه نهائيًا لأن عقولنا غير مهيأة للتعامل مع مثل هذه الألاف من المثيرات في وقت واحد.

الوقاية من إدمان الإنترنت وعلاجه:

الوقاية من إدمان الإنترنت

وكما نعلم أن الوقاية prevention خير من العلاج فلو أن كل شخص حاول بكل السبل ألا يكون مسلوب الإرادة وأن يستخدم الإنترنت لهدف واضح وأن يحاول جاهدًا ألا يقع في دائرة الإدمان فلن يصل للمستوى الذي يتطلب العلاج النفسي. أما إذا وصل الشخص لدرجة الإدمان الحاد للإنترنت بمعنى أنه صار لعبة في يد الإنترنت في هذه الحالة يحتاج للعلاج النفسي باستخدام احدى الطرق التالي ذكرها.

إدمان الإنترنت بين الحقيقة والوهم “الوقاية وسبل العلاج”

علاج إدمان الإنترنت

وهذه الطرق التالية تحتاج لمتخصص كي يساعدك في تطبيقها أما لو توفرت الإرادة القوية والرغبة في التغيير فلن تحتاج سوى للتوكل على الله وتطبيق طريقة أو اثنين من هذه الطرق وتذكر أنه قد لا تناسبك احدى هذه الطرق لذلك التجربة المستمرة مطلوبة في هذه الحالة.

كما أن كثيرًا من الدراسات أكدت على أن النسبة الأكبر من مدمني الإنترنت من الشباب تحديدًا الشباب في فترة المراهقة، لذلك ستجد في الطرق التالية محاولة لتغيير سلوك من يعاونون من إدمان الإنترنت على استحياء وليس بالإجبار وليس أيضًا بالتدخل الحاد والأمر والزجر لأنه أيضًا وفق الدراسات الخاصة بعلم النفس النمو أن المراهقين من ضمن تركيبة شخصيتهم العند.

الفكرة هنا في التطبيق لسلوكيات بسيطة جدًا ولكن لها تأثير كبير على المدى الطويل بإذن الله على غرار قول النبي صلى الله عليه وسلم ” أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل” ومن ضمن أهم هذه الطرق العلاجية:

ممارسة العكس:

عن طريق كسر الروتين اليومي لاستخدام الإنترنت فمثلًا لو أنك معتاد على فتح البريد الإليكتروني فور قيامك من النوم حاول أن تؤخر هذا حتى ولو لساعة، لبعد تناول وجبة الإفطار مثلًا وكرر هذا كل يوم وستجد فرقًا كبيرًا، وأيضًا لو أنك تستخدم الإنترنت من خلال غرفة نومك فحاول أن تغير ذلك النمط باستخدامه من حجرة أخرى حتى لو تطلب الأمر تغيير مكان جهاز الكمبيوتر الخاص بك.

تحديد وقت للاستخدام:

حتى ولو بشكل تدريجي حاول أن تقلل عدد الساعات فالمتخصصون في علم النفس يعلمون جيدا أنك لو كنت تستخدم الإنترنت 10 ساعات في اليوم وقللت هذا العدد لتسع ساعات فقط فهذا إنجاز كبير، ومطلوب منك أن تحاول المحافظة عليه بعدم الرجوع مرة أخرى للعشرة ساعات، واستعن لكي تقوم بذلك بشكل أسهل بجدول يعينك بفضل الله على تنظيم وتحديد عدد الساعات التي تقضيها على الإنترنت في اليوم واستعن بالله ولا تعجز إن كان عدد ساعات جلوسك على الإنترنت في البداية كبيرًا.

استعن ببطاقات التذكير:

وهي عبارة عن خمسة من البطاقات التي تحمل كل منها أهم المشكلات الناجمة عن إدمان الإنترنت بالنسبة لك هذه البطاقات يحملها الشخص معه دائمًا أو يعلقها بجانب جهاز الكمبيوتر الشخصي كي يتذكر دائما ما وصل إليه، على سبيل المثال قد تكتب فتور العلاقات الاجتماعية على بطاقة، أو انحناء الظهر الواضح.

جرب الاستعانة بساعة الإيقاف:

قبل الاستخدام اضغط على ساعة الإيقاف وفى نهاية الاستخدام كي تعلم كم عدد الساعات التي جلسها على الإنترنت والفكرة هنا أن من يعاني إدمان الإنترنت في الغالب ينسى نفسه أو يستغرقه الإنترنت، وهذه الوسيلة ستعينه بأذن الله على الاكتفاء بعدد ساعات قليل.

استبدال الإنترنت بعلاقات اجتماعية حقيقية في الواقع:

كثيراً من الناس تترجم SOCIAL MEDIA بالخطأ على أنها مواقع التواصل الاجتماعي ولكن الترجمة الصحيحة هي الإعلام الاجتماعي وليس التواصل، فهي حقًا إعلام بكل المقاييس قد تستخدمه بعض الدول أو بعض الفئات المظلومة والأقليات للتعبير عن رأيها، لذلك وحسب آخر الدراسات النفسية ثبت أن إدمان الإنترنت يؤدى بشكل واضح إلى ما يسمى بالتباعد الاجتماعي SOCIAL DISTANCE، والحل هنا هو تكوين علاقات اجتماعية حقيقية وبشكل تدريجي.

إدمان الإنترنت بين الحقيقة والوهم “الوقاية وسبل العلاج”

أكرر عزيزي القارئ قد لا تناسبك طريقة من هذه الطرق، وقد تناسبك واحدة منها فقط، السر هنا يكمن في التطبيق سواء كنت مقتنع بالطريقة أم لا ولا تنسى جرب أكثر من مرة ولا تمل أخي القارئ حتى تصل إلى غايتك المنشودة وتذكر قول النبي صل الله عليه وسلم “إن الله لا يمل حتى تملوا”.

لهذا المقال جزء أول للكاتبة فاطمة صبورة: أسباب وأخطار إدمان الإنترنت وطرق التخلص من الإدمان

شارك المعلومة؛ فالدال على الخير كفاعله