الاستشارة الوراثية قبل الزواج: ما هي الأمراض الوراثية التي تمنع الزواج من الأقارب؟

زواج الأقارب هو اتجاه اجتماعي متجذر بعمق عند خُمس سكان العالم الذين يقيمون في الغالب في الشرق الأوسط وغرب آسيا وشمال إفريقيا، وكذلك عند المهاجرين من هذه المجتمعات الذين يقيمون الآن في أمريكا الشمالية وأوروبا وأستراليا. إن الوعي العام المتزايد بشأن الوقاية من التشوهات الخلقية والأمراض الوراثية التي قد يعاني منها الأبناء يدفع عددًا متزايدًا من الأشخاص الذين يفكرون في الزواج من الأقارب إلى طلب المشورة الطبية.

يطلب الأزواج عادةً إجابات على أسئلتهم حول المخاطر الصحية المتوقعة على ذريتهم. ويجب أن يملك الأطباء ومقدمو الرعاية الصحية خبرة في تقديم الاستشارة السابقة للزواج بشأن القرابة، خاصة في المجتمعات التي تربطها صلات قرابة وثيقة وتنتشر فيها ظاهرة زواج الأقارب.

مدى انتشار زواج الأقارب

تشير التقديرات إلى أن مليار من سكان العالم الحاليين يعيشون في مجتمعات تفضل زواج الأقارب. زواج الأقارب هو تقليد في معظم مجتمعات شمال أفريقيا والشرق الأوسط وغرب آسيا.

الاستشارة الطبية

قد يواجه مقدمو الرعاية الصحية في المجتمعات ذات معدلات القرابة العالية مواقف حيث يُطلب منهم تقديم المشورة قبل الزواج. في مثل هذه البلدان والمجتمعات التي يكون فيها زواج الأقارب أمرًا معتادًا، يطرح العديد من الأزواج الشباب على مقدمي الرعاية الصحية أسئلة مثل:

  • هل سيكون أطفالنا غير طبيعيين جسديًا أو عقليًا؟
  • كيف يمكننا تقليل مخاطر إنجاب الأطفال متأثرين بالأمراض الوراثية؟

تعريف القرابة

في علم الوراثة، يُعرَّف زواج الأقارب بأنه اتحاد بين فردين مرتبطين كأبناء عمومة من الدرجة الثانية أو أقرب، من المتوقع نتيجة هذه الزيجات أن يرث الأبناء نسخًا جينية متطابقة من كلا الوالدين.

أعلى معدلات زواج الأقارب تكون من خلال الزيجات بين أبناء العمومة من الدرجة الأولى عند العرب وفي جنوب الهند.

تشير تقارير قامت بها مؤسسات صحية عالمية إلى وجود تقصير في تقديم المشورة المتعلقة بزواج الأقارب في المجتمعات التي تنتشر فيها هذه الزيجات، لذلك، من الضروري أن يكون لدى مقدمي الرعاية الصحية إرشادات واضحة قائمة على الأدلة لتقديم المشورة للأزواج بهدف تقليل مخاطر تأثر الأبناء بهذا النوع من الزواج.

لماذا يتم تفضيل زواج الأقارب في بعض المجتمعات؟

الأسباب الفعلية لتفضيل زواج الأقارب هي أسباب اجتماعية في المقام الأول. في المجتمعات ذات معدلات القرابة العالية، تشير الدراسات الاجتماعية إلى أن زواج الأقارب يمكن أن يفرض استقرار الأزواج بسبب التوافق العالي بين الزوج والزوجة اللذين يشتركان في نفس العلاقات الاجتماعية بعد الزواج كما كانا قبل الزواج، وكذلك التوافق بين الزوجين وأسرة كل منهما.

يُعتقد أن القرابة تقوي الروابط الأسرية وتعزز التضامن الأسري، حيث يوفر زواج أبناء العمومة فرصًا ممتازة لنقل القيم الثقافية والعادات والتقاليد.

بالإضافة إلى ذلك، يتم إجراء التفاوض المتعلق بالمسائل المالية قبل الزواج بسهولة أكبر وأحيانًا تكون تكاليف زواج الأقارب أقل. كما يفضل أهل الزوجة أن تسكن ابنتهم بالقرب منهم وأن يستمتعوا بوجود أحفادهم.

القرابة والمعايير الصحية

يمكن لمقدمي الرعاية الصحية والمتخصصين في علم الوراثة تقييم التأثير السلبي لزواج الأقارب من حيث المخاطر الجينية على الأبناء مقابل الفوائد الاجتماعية والاقتصادية المحتملة.

تظهر إحصائيات الصحة الإنجابية أنه في حالات زواج الأقارب من الدرجة الأولى، لا يتأثر يكون معدل الخصوبة ومعدل الإجهاض عادةً، لكن معدلات موت المواليد ووفيات الأطفال تكون أعلى قليلًا، كما تظهر العيوب الخلقية بمعدل 2 – 3٪ أكثر.

استنتجت معظم الدراسات التي تقيم ارتباط متلازمة داون بزواج الأقارب أنه لا وجود لمثل هذا الارتباط. يتطلب ارتباط زواج الأقارب بالأمراض المعقدة التي تصيب الأبناء في وقت متأخر من الحياة مثل مرض السكري وأمراض القلب والأوعية الدموية والفصام والسرطان مزيدًا من الدراسات لتحديد هذ الارتباط.

الاستشارات الوراثية قبل الزواج

تعتبر الاستشارة الوراثية قبل الحمل خدمة مطلوبة بشكلٍ متزايد في بعض البلدان والمجتمعات حيث تنتشر ظاهرة زواج الأقارب، ففي هذه المجتمعات، يكون الإجهاض غير ممكن أو غير مقبول اجتماعيًا. حتى لو تبين أن الجنين يعاني من عيوب خلقية أو وراثية.

يعتبر الزواج في العديد من هذه البلدان قرارًا عائليًا وليس قرارًا للزوجين فقط، على الرغم من أن عدد “الزيجات المرتبة” من قبل العائلة قد انخفض في السنوات الأخيرة بسبب زيادة عدد الإناث اللواتي وصلن إلى مرحلة التعليم الجامعي الذي يمنحهن خياراتٍ أوسع.

ومع ذلك، لا تزال العديد من الزيجات المرتبة بين الأقارب منتشرة على نطاقٍ واسع، لا يعني مصطلح “الزواج المرتب” أن يتم التخطيط للزواج ضد إرادة أو قبول أي من الشريكين، ولكنه يعني أن اختيار الشريكين يتم من قبل الأسرة. فمن بين الزيجات التي تمت في الأردن بين عامي 1969 – 1979، تم ترتيب 73.3٪ من حالات الزواج باتفاق الأهل أولًا ثم موافقة الزوجين، وفقط في 18.6٪ من حالات الزواج، تم الاتفاق بين الزوجين أولًا ثم تم أخذ موافقة الوالدين.

في بعض مجتمعات الشرق الأوسط التي تشهد معدلات عالية من زواج الأقارب، ينصح بالاستشارة الوراثية قبل الزواج للكشف عن الأزواج الذين لديهم اعتلالات في الهيموغلوبين مثل الثلاسيميا وفقر الدم المنجلي، كما هو الحال في الأردن والمملكة العربية السعودية وإيران والعراق والبحرين وتركيا. وقد تبين أن الاستشارة الوراثية تساهم في الحد من انتشار الاضطرابات الوراثية عند الأبناء.

في المجتمع السعودي، على الرغم من أن الفحص قبل الزواج يساهم في تحديد العوامل الوراثية التي تسبب الأمراض والتشوهات للأبناء، فإن القليل منهم يغيرون قراراتهم عندما تظهر نتائجهم مخاطر محتملة على الأبناء، تشير الإحصائيات إلى أن حوالي 90 ٪ من الأزواج في المملكة العربية السعودية يقررون الزواج والإنجاب حتى لو أثبتت الفحوص الوراثية مخاطر على الأبناء، وذلك بسبب الخوف من وصمة العار الاجتماعية إذا قرروا إلغاء الزواج أو بسبب عدم إمكانية إلغاء خطط الزفاف، هذا الأمر يؤكد أهمية الحاجة إلى إجراء الفحص قبل التخطيط للزواج لتجنب أي إحراج.

بالإضافة إلى أهدافها الأساسية، تساعد برامج الفحص قبل الزواج في بعض المجتمعات في زيادة وعي الناس بالأمراض الوراثية بشكل عام، وإمكانيات الوقاية منها والتأكيد على أن زواج الأقارب هو عامل خطر يزيد احتمال الإصابة بالأمراض الوراثية.

في بلدان مثل تونس، الاستشارة الوراثية قبل الزواج إلزامية لجميع الأزواج الذين لديهم تاريخ من المشاكل الوراثية إذا كانوا يريدون الزواج من قريب لهم.

في هولندا، وهي دولة بها مهاجرون من دول معروفة بارتفاع معدلات اعتلال الهيموغلوبين وزواج الأقارب. أفادت دراسة أن معظم النساء التركيات يوافقن على الخضوع للفحوصات الوراثية لكن نسبة قبول نتائج هذه الاختبارات قليلة نسبيًا.

الخطوات المقترحة في تقديم المشورة قبل الزواج

عند طلب المشورة الوراثية، من الضروري التمييز بين العائلات التي لديها اضطراب وراثي معروف والعائلات التي ليس لديها مثل هذا الاضطراب، وذلك من خلال تقييم التاريخ العائلي بالتفصيل (بما في ذلك الأبناء والأشقاء والآباء والأجداد والعمات والأعمام وبنات الأخ وأبناء الأخ وأبناء العمومة).

أظهرت التقارير أنه في كثير من الحالات، لا تتوفر إرشادات تتعلق بجمع المعلومات عن الأمراض الوراثية وتقييم تاريخ العائلة، على الرغم من أهمية هذا في تحديد حالات الحمل المعرضة للخطر.

يمكن أن تساعد الأسئلة الموجهة للزوجين في معرفة ما إذا كان هناك اضطراب وراثي في ​​الأسرة. يمكن أن تشمل هذه الأسئلة أي مما يلي:

في العائلات التي تعاني من مشكلات سمعية أو بصرية أو عقلية، يمكن لدراسة وتقييم التاريخ العائلي أن يساعد في التفريق بين الحالات المرتبطة بزواج الأقارب والحالات التي ترتبط بعوامل أخرى.

إذا كان هناك اضطراب وراثي في العائلة، فإن زواج الأقارب يزيد من خطر معاناة الأبناء من هذا الاضطراب بمعدل الضعف، على سبيل المثال، إذا كانت نسبة الإصابة 2.5٪، فإنها تصبح 5٪، وفي بعض الحالات، تكون المخاطر أعلى بثلاث أضعاف.

يكون خطر وفاة الأطفال أعلى في حالة زواج الأقارب، على سبيل المثال، في النرويج، يكون خطر وفاة الأطفال بين الأزواج من أبناء العمومة أعلى بـ 1.7 مرة.

إذا كان تاريخ العائلة يشير إلى وجود اضطراب وراثي، فيمكن لمقدمي الرعاية الصحية إحالة الزوجين إلى عيادة استشارية وراثية متخصصة. هذا يساعد في تقدير المخاطر الدقيقة على الأبناء وتشخيص العوامل الجنينية الناقلة لهذا الاضطراب.

عندما يتقدم زوجان من الأقارب إلى عيادة الاستشارة الوراثية لأنهما يعلمان أن لديهم اضطرابًا وراثيًا في أسرتهم، يجب أن يتم تقييم حالة باقي أفراد العائلة. أكدت منظمة الصحة العالمية على أهمية بناء شجرة عائلة ممتدة لثلاثة أجيال كطريقة لاكتشاف الأمراض الوراثية.

إن الاعتقاد بأن الاضطرابات الوراثية لا يمكن أن تنشأ فقط بسبب علاقات الدم من جانب الأب. لذلك، من الضروري الاستفسار عن أي قرابة من جانب أمهاتهم في الأسرة.

يعد تثقيف الجمهور بشكل عام وموظفي الرعاية الصحية بشكل خاص ركيزة مهمة في توضيح الآثار الصحية والاجتماعية لزواج الأقارب.

الخلاصة

زواج الأقارب هو اتجاه اجتماعي منتشر، أكثر من مليار شخص يعيشون في مجتمعات تفضل هذا النوع من الزواج، واحدة من كل ثلاث زيجات من هذا النوع تكون بين أبناء العمومة.

أدى تنامي الوعي العام بشأن التدابير الوقائية الممكنة للاضطرابات الخلقية إلى زيادة عدد الأزواج الذين يسعون للحصول على المشورة قبل الزواج وقبل الحمل.

يرتبط زواج الأقارب بزيادة خطر الإصابة بالتشوهات الخلقية والأمراض الجسدية الوراثية، كما يرتبط مع زيادة معدل وفيات الأطفال بعد الولادة.

لم يتم توثيق أي ارتباط بين زواج الأقارب ومشكلات الحمل والإنجاب مثل زيادة معدلات الإجهاض وضعف الخصوبة.

في كل من البلدان ذات الدخل المرتفع والمنخفض، هناك إمكانية لتوفير التثقيف الصحي للجميع بما في ذلك الأفراد والأسر والمجتمع. وبدلًا من منع أو تقييد زواج الأقارب بين السكان، فإن ضمان الوصول إلى خدمات المشورة قبل الزواج وقبل الحمل هي الطريقة المنطقية للمضي قدمًا والتي تحظى بقبول المجتمع.

المصدر

زواج الأقارب – المعاهد الوطنية للصحة في الولايات المتحدة الأمريكية

شارك المعلومة؛ فالدال على الخير كفاعله