نظرة جديدة على الحرب العالمية الأولى .. أسبابها ونتائجها وانعكاساتها على الوضع العالمي

نظرة جديدة على الحرب العالمية الأولى.. أسبابها ونتائجها وانعكاساتها على الوضع العالمي، مقال ثقافي عن أسباب ونتائج هذه الحرب على العالم.

الحرب العالمية الأولى .. إن الحروب أشد وأعنف الصراعات في تاريخ البشرية التي تمهد بنفس الوقت لأكبر التغيرات السياسية في العالم، مثل ثورات أعوام (1917) وعام (1923)، حيث كانت الاضطرابات السياسية على أوجها في جميع أنحاء العالم.

وكانت تلك الثورات ذات الطابع الاشتراكي المناهض للاستعمار نتاج آثار الحرب العالمية الأولى.

أسباب الحرب العالمية الأولى (First World War):

اسباب الحرب العالمية الاولى

كانت هناك عدة أسباب أدت إلى نشوب واندلاع الحرب العالمية وهذه الأسباب مباشرة (Direct causes)، وغير مباشرة (Indirect causes):

الأسباب غير المباشرة (Indirect causes):

وهذه الأسباب هي:

أولًا ظهور التحالفات الدولية (International Alliances):

أولًا ظهور التحالفات الدولية

ظهرت على الساحة الدولية الأوربية الدولة الإيطالية (Italy) والامبراطورية الألمانية (The German Empire) كدول قوية خاصة بعد أن استطاعتا تحقيق وحدتيهما وذلك في العام (1870) ميلادية والموافق لسنة (1287) هجرية، وقد بدأتا بالمطالبة بحصتهما من المستعمرات، وبدأ التنافس الاستعماري وترافق مع ازدياد التناقضات بين الدول الأوربية، وازدياد الشك وعدم الثقة بينها، حيث كان تحكيم القوة وبشكل مطلق هو السائد في فض النزاعات المختلفة، مما أدى لظهر تحالفات بين الدول الأمر الذي أدى لبروز الأحلاف الأوربية الكبرى والتي تقوم على مبدأ التوازن بين القوى.

فعمد زعيم ألمانيا المعروف باسم (بسمارك Bismarck) بربط ألمانيا بعدد من معاهدات تحالف ودفاع موجهة ضد كل من فرنسا (France) وروسيا (Russia)، مما سبب في تقارب لفرنسي روسي رغم الاختلاف بين أنظمة الحكم فيهما، وقعت الدولتان الروسية والفرنسية على ميثاق عسكري عرف بالحلف الثنائي بينهما وذلك في العام (1893)  للميلاد والموافق لسنة (1311) هجرية وموجهًا للوقوف ضد الحلف الثلاثي بزعامة ألمانيا.

الأمر الذي أدى إلى تمزيق أوروبا إلى معسكرين، وبعد ذلك بدأت بقية الدول بالإنضمام إلى تحالفات أخرى مثل معاهدة التحالف البريطانية اليابانية (British – Japanese alliance treaty) في العام (1902) ميلادية والموافق لسنة (1320) هجرية، إضافة للاتفاق الودي بي فرنسا وبريطانيا في العام (1904) ميلادية والموافق لسنة (1322) هجرية، حيث كانت هذه التخالفات بمثابة أسباب غير مباشرة لاندلاع الحرب العالمية الأولى فيما بعد.

فمن المعروف عن بريطانيا أنها قامت بتسوية الخلافات بينها وبين فرنسا، بسبب القلق الخوف من تزايد قوة ألمانيا البحرية، والتقدم الصناعي الذي تحققه ألمانيا بنفس الوقت، والنزعة الاستعمارية التي تنتهجها.

 ولهذه الأسباب فقد تخلت بريطانيا عن سياسة (العزلة المجيدة Glorious isolation) التي كانت تنتهجها مع الدول الأوربية، كما أن التقارب ما بين باريس (Paris) ولندن (London) أنتج تقاربًا آخر مع موسكو الذي تحول فيما بعد في عام (1907) ميلادية والموافق لسنة (1325) هجرية إلى وفاق ثلاثي، حيث انقسمت أوربا إلى (دول الوفاق الثلاثي Tripartite states of reconciliation) والذي يضم كلًا من (فرنسا وبريطانيا وروسيا )، و(دول الحلف الثلاثيTriple Alliance countries) والذي يضم كلًا من (ألمانيا وإيطاليا والنمسا  Austria)، غير أن الروابط الإيطالية بهذا الحلف كانت ضعيفة جدًا.

وأخذ الصراع بين الدول في أوربا يأخذ شكل تكتلات في حين أنه كان في الماضي يأخذ شكلًا انفرادي، ويدا يظهر التهديد بالحرب بين دولتين وكأنه تهديد بالحرب بين كتلتين أي أنه يبدو كحرب عالمية.

الأزمات التي وقعت بين دول الوفاق ودول الحلف:

من أسباب الحرب الأزمات التي وقعت بين دول الوفاق الثلاثي ودول الحلف عدة أزمات سياسية بدأت منذ العام (1906) ميلادية والموافق لسنة (1324) هجرية، واستمرت لغاية اندلاع الحرب العالمية الأولى (First World War) وكانت الأزمة التي وقعت في المغرب (Morocco)، والبلقان (Balkans) أخطر تلك الأزمات، حيث كانت السيطرة الفرنسية على الاقتصاد المغربي أدت لاستفزاز الإمبراطور الألماني (وليام الثاني Emperor William II) فدعت ألمانيا لعقد مؤتمر دولي في الجزيرة الخضراء وذلك في العام (1906) ميلادي والموافق لسنة (1324) هجرية، وذلك لتقرير مصير المغرب واعتباره مستعمرة أوربية وظهرت ملامح حرب بين المانيا وبريطانيا وروسيا وكانت الخطة الألمانية على الشكل التالي:

يقوم الجيش الألماني بسحق الجيوش الفرنسية وإخراجها من ميدان القتال، وذلك من خلال حركة التفاف سريعة يقوم بها الجيش الألماني عبر أراضي (بلجيكا Belgium) وعند الانتهاء من ذلك يقوم الجيش الألماني برمي كل ثقله باتجاه الجيش الروسي، وقد حددت الخطة الألمانية أن دخول باريس يجل أن يتم خلال أسبوعين فقط.

وبعد انتهاء المؤتمر قامت كل من اسبانيا وفرنسا باحتلال الأراضي المغربية بحيث تحتل فرنسا وسط المغرب بينما تحتل اسبانيا الشمال المغربي، واعتبار مدينة (طنجة Tangier) والمطلة على (مضيق جبل طارق Strait of Gibraltar) مدينة دولية، وكانت الامبراطورية الألمانية هي الخاسر الأكبر من هذا التقسيم، فقامت بإرسال سفينة حربية إلى مدينة (أغادير Agadir)المغربية لحمايتها وحماية سكانها، غير أن الأزمات التي  واجهتها (الامبراطورية الألمانية German Empire) في بداية القرن وتحت ضغط (المملكة المتحدة United kingdom) ودعمها لفرنسا تخلت الامبراطورية الألمانية عن مشروعها الاستعماري للمغرب بشكل مؤقت حتى حدوث الأزمة المغربية الثانية.

أمّا الأزمة الخطيرة الثانية فقد وقعت في البلقان وذلك في عام (1908) ميلادية والموافق لسنة (1326) هجرية، حيث كانت القلاقل القومية في دول البلقان بمثابة القنبلة المؤقتة التي يمكن أن تنفجر بأية لحظة، وكانت الأحلام القومية لكل دولة تتعارض مع الأحلام القومية للدولة الأخرى، ومع مصالح الدول الكبرى بنفس الوقت، حيث كانت القومية لامبراطورية النمسا والمجر تتعارض وتقف بوجه كل الأماني القومية لكل من الشعب (الصربي والروماني والبلغاري) وغبرها من القوميات الأخرى.

لقد اندلع الصراع في الوقت الذي قررت فيه (النمسا Austria) أن تضم كلًا من (البوسنة والهرسك Bosnia and Herzegovina) إليها، أي أن تقوم بإبعاد ما يقارب من مليوني شخص عن وطنهم الأم وضمهم إلى ملايينها الصربيين الخمس الذين يخضعون لسيطرة (امبراطورية النمسا Empire of Austria) ، فأعلنت (روسيا Russia) التعبئة العامة كونها تعتبر نفسها  الأم الشرعية كل (دول البلقان  Balkan countries) وذلك في العام (1908) ميلادية والموافق لسنة (1326) هجرية، وذلك لكي تتمكن من الاحتفاظ بهيبتها أمام العالم.

مما جعل الحرب على أهبة الوقوع، لكن فرنسا لم تؤيد روسيا، وكذلك قامت (المملكة المتحدة) بتقديم نصيحة للنمسا لكي تعيد النظر في مواقفها مما دعا امبراطورية النمسا أن تعرض تعويضًا ماليًا على السلطان العثماني عن ممتلكاته في (البوسنة والهرسك)، وتعترف الدول الأوربية بذلك.

غير أن روسيا لم تقبل ذلك الاقتراح فعمدت ألمانيا لتهديد روسيا التي قبلت الاقتراح بعد ذلك، كما أنه لم يكن بإمكان الصرب من مواجهة النمسا والتي كان دعاة الحرب فيها يروجون أن الحرب مع صربيا قادمة لا محالة، فاعترف الصرب بضم (البوسنة والهرسك) إلى الامبراطورية النمساوية.

وبذلك انتهت تلك الأزمة التي أربكت الأنظمة القائمة في أوربا بشكل عنيف، وبذلك تحقق الانتصار للتحالف النمساوي الألماني، الأمر الذي قرب من ساعة بدء الحرب العالمية الأولى، وكان من أسباب الحرب.

أزمة أغادير (Agadir):

جاءت أزمة أغادير المدينة المغربية لتكون من أسباب الحرب العالمية الأولى الغير مباشرة وتقرب من وقوعها، كانت هذه الأزمة قد قامت في سنة (1911) ميلادية والموافق لسنة (1336) هجرية، انتهزت فرنسا فرصة القلاقل والوضع الداخلي المغربي لترسل حملة عسكرية بحرية لمساعدة سلطان المغرب.

 مما أثار حفيظة امبراطور ألمانيا، فبعثت بإحدى مدمراتها البحرية إلى ميناء أغادير، والحجة كانت لحماية المصالح الألمانية والرعايا الألمان في المغرب، وبالتالي أعلنت المملكة المتحدة وعلى لسان رئيس الوزراء البريطاني (مانش هاوس Manch House) أن المملكة المتحدة لن تقف على الحياد إن أجبرت فرنسا على الحرب، وأدرك الجميع بعد تصريحات رئيس الوزراء البريطاني أن الامبراطورية الألمانية كانت أمام خيارين اثنين لا ثالث لهما إما الحرب أو ألتراجع، وتم القضاء على هذه الأزمة بعقد اتفاقية كان من نتائجها أن أصبحت المغرب مستعمرة فرنسية، وأن من حق ألمانيا الاحتفاظ بحقها التجاري مع المغرب.

بعد هذه المعاهدة تغيرت في فرنسا السياسة حيث استلمت السلطة فيها حكومة ذات نزعات وطنية متطرفة بزعامة السياسي المتطرف (ريمون بوانكاريه Raymond Poincaré) حيث تسلم رئاسة الوزراء لمدة عام ومن ثم تسلم رئاسة الجمهورية سنة (1913) ميلادية، حيث كان فد تبنى سياسة (استراتيجية الدفاع الهجومي Offensive defense strategy) ضد الامبراطورية الألمانية، أو ما يعرف بسياسة (الحرب الوقائية Preventive War) وذلك بدلًا من (الاستراتيجية الدفاعية Defense strategy) فقط.

مما جعل فرنسا تدفع بروسيا للتخلص من جيع الارتباطات التي كانت بينها وبين الامبراطورية الألمانية، على أن تساعدها في موقفها من الدول البلقان حيث تعتبر نفسها أي روسيا الأم الشرعية لكافة دول البلقان، وأنها أي فرنسا ستدخل معها في أي حرب تجبر روسيا عليها.

وكذلك فعلت إيطاليا فاستغلت أزمة أغادير لتحتل الشواطئ الليبية حيث أعلنت الحرب على الامبراطورية العثمانية، مما دعا ألماني للوقوف إلى جانب العثمانيين، مما جعل ايطاليا تخرج من الحلف الثلاثي وتعلن الحرب على ألمانيا خلال الحرب العالمية الأولى.

سباق التسلح

سباق التسلح

بعد انتهاء أزمة أغادير التي كانت من أسباب الحرب العالمية الأولى الغير مباشرة إلى اقتناع كل من بريطانيا وألمانيا بأن الصدام العسكري هو الحل الوحيد لأي خلاف قد يقع بينهما في المستقبل فعملت ألمانيا على تجهيز جيوشها على أساس أن تكون أقوى من أي جيش في المنطقة وخاصة القوى البحرية.

الأمر الذي فعلت مثله بريطانيا بالضبط وقام سباق التسلح بينهما، وعملت لنكون قوة الأسطول البحري البريطاني أقوى من أي تجمع دولتين في العالم، مما أصار القلق الألماني.

أزمة البلقان (Balkan crisis):

لأن الصرب والبلغار كانوا يأملون بمساعدة روسيا لهم تنصلوا من اتفاقاتهم مع النمسا وتكونت (العصبة البلقانية The Balkan League) والتي كانت تضم كلًا من (اليونان وبلغاريا وصربيا) إضافة إلى المجر، وأعلن الصرب الحرب على الدولة العثمانية وذلك في سنة (1912) ميلادية والموافق لسنة (1330) هجرية، وخلال ستة أسابيع استطاعت العصبة الثلاثية من انتزاع جميع أراضي العثمانيين الأوربية ما عدا (القسطنطينية Constantinople).

مما أثار النمسا وطلبت عقد مؤتمر دولي كان الهدف منه حرمان الصرب من أي واجهة بحرية على بحر (الأدرياتيك Adriatic Sea)، حيث أصبحت (ألبانيا Albania) مركز الصراع الدولي الدبلوماسي بين روسيا والتمسا، غير المشكلة حلت بإقامة دولة (ألبانيا) المستقلة والتي يحكمها رئيس ألماني، وتم التوقيع على (معاهدة لندن The Treaty of London) التي حددت أملاك الدولة العثمانية بمدينة القسطنطينية و(جزيرة غاليبولي Gallipoli Island) فقط.

ومباشرة وبعد مدة قليلة جدًا دبت الحرب بين دول العصبة البلقانية نتيجة الخلاف على الغنائم وانتهت الحرب بتدخل روسيا والتمسا فيها بهزيمة (بلغاريا) وتنامي قوة صربيا، وزعزعة المكانة الدولية للنمسا.

اندلاع الحرب العالمية الأولى (First World War):

انلاع الحرب العالمية الاولى

رأينا كيف تهيأت أسباب الحرب الغير مباشرة للحرب، ووقعت حادثة كانت بمثابة السبب المباشر لانداع الحرب العالمية الأولى وهذه الحادثة كانت اغتيال ولي عهد (النمسا Austria) (الأرشيدوق فرانز فيرديناند Archangel Franz Fernand)  وزوجته في (سيراييفو Sarajevo) في الرابع من شهر حزيران سنة (1924) ميلادية والموافق لسنة (1332) هجرية من قبل متطرف صربي هو (غافريلو برينسيب Gavrilo Princip) واستثمرت النمسا هذا الحادث وأعلنت الحرب ضد (صربيا Serbia) وانتشرت هذه الحرب لتعم القارة الأوربية كلها، حيث أحست روسيا بمسؤوليتها عن حماية (صربيا) فأعلنت التعبئة العامة في (روسيا) كما رفضت قبول الإنذار الألماني الذي وجهته لها بوقف التعبئة مما أدى بألمانيا لإعلان الحرب على روسيا.

وبما أن فرنسا من ضمن الدول المرتبطة مع روسيا بتحالف فقد أعلنت ألمانيا عليها الحرب أيضًا، وبدأت بتنفيذ مشروعها الإستعماري في غزو فرنسا وذلك عن طريق (بلجيكا Belgium واللوكسمبورج Luxembourg)، وكانت بداية الحرب العالمية الأولى في الرابع عشر من شهر آب من عام (1914) ميلادي والموافق لسنة (1332) هجرية، وقد استمرت هذه الحرب لمدة أربعة أعوام ونصف العام وشاركت فيها ثلاثون دولة.

كان الحلفاء متفوقون عسكريًا على ألمانيا والمجر والنمسا فقد امتلكوا (30 million) ثلاثون مليون عسكري، بينما كان لدى الجهة المقابلة (22 million) إثنان وعشرين مليون مقاتل، وكان للمملكة المتحدة السيطرة البحرية وكان للألمان أقوى جيش أوربي وأفضله تدريبًا وكان يتألف من (4.3 million) أربعة ملايين وثلاثمائة ألف مقاتل، وملينين من المقاتلين المدربين التدريب الجزئي.

أثناء انشغال ألمانيا بتنفيذ الخطة الموضوعة منذ تسع سنوات، قامت روسيا بإرسال جيشين عظيمين لتطويق الجيش الألماني في جنوب روسيا، الأمر الذي جعل الألمان يسحبون أكثر من ثلثي جيشهم من فرنسا بعد أن كانوا على بعد (12 mill) من باريس.

انتصر الألمان على الروس في معركة (تاننبرغ Battle of Tannenberg) وأدى ذلك لفقدان روسيا لأكثر من ربع مليون مقاتل من حنودها، في المقابل انتصر الفرنسيون على الألمان في معركة (المارن الأولى Battle of the first Marne) وتخلصت باريس من السيطرة الألمانية وتحولت منذ ذلك التاريح الحرب إلى حرب الخنادق، وكان للألمان التفوق النسبي في الحرب فكانوا على بعد (55 mill) من باريس فقط.

الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى:

في تشرين الأول من سنة (1914) ميلادية والموافق لسنة (1332) هجرية دخلت الدولة العثمانية الحرب إلى جانب الامبراطورية الألمانية ضد روسيا، حاول الحلفاء إنشاء ممر بين البحر ألسود والأبيض عن طريق شن هجوم كبير على جزيرة (غاليبولي) واحتلال مدينة (القسطنطينية).

 لكن الهجوم فشل فشلًا ذريعًا وكان كارثيًا على الحلفاء، مما جعلهم يهاجمون البلدان التي تسيطر عليها الدولة العثمانية في الشرق الأوسط، كما استطاعوا أن يسيطروا على المستعمرات الألمانية في الشرق الأقصى أيضًا وفي المحيط الهادي.

إيطاليا في الحرب العالمية الأولى:

كانت إيطاليا قد أعلنت حيادها عندما اندلعت الحرب غير أنها عادت وأعلنت الحرب على (النمسا) في أيار من العام (1915) ميلادي والموافق لسنة (1333) هجرية، حيث قدم لها إغراءات بالحصول على أراض في أفريقيا وأوربا مقابل دخولها الحرب إلى جانبهم وكان لهم ما أرادوا، حيث استاع الإيطاليون إحراج النمسا على الرغم من ضعف جيوشها.

لذلك قام القائد الألماني (أوتو فون بيلوف Otto von Belov) بحملة وألحق الهزيمة المنكرة بإيطاليا في (كابوريتو Caporetto).

الحرب في عام (1915):

استطاع الألمان في هذا العام من تحقيق انتصارات كبيرة على الحلفاء فقد انتصروا في معركة (جورليس تارناو Battle of Tornau Gorliss) كما استطاعوا أن يقوموا باحتلال (بولندا Poland) وأغلب مدن (لتوانيا Lithuania) كما عملوا على محاولة قطع الاتصال بين الجيوش الروسية للقضاء عليها، وفي المقابل استطاع الروس أن يحققوا شيئًا من الانتصارات الجزئية كلفتهم حوالي (325000) أسير روسي، الشيء الذي أدى بالروس إلى عدم قدرتهم على استرجاع جيشهم إلى القوة التي كان فيها.

وبنفس الوقت استطاعت ألمانيا إخضاع دول البلقان لها، وعبرت (نهر الدانوب Danube River) لقتال (الصرب Serbs ) واستطاعوا الحاق الهزيمة بهم.

كما تمكن الألمان من الوقوف بثبات أمام هجمات الحلفاء التي قام بها كل من الفرنسيين والانكليز، كما حدثت تغيرات كبيرة في القيادات العسكرية الروسية.

الحرب في العام (1916):

تميز هذا العام بمعركتين كبيرتين هما معركة (فردان Battle of Verdun) والتي دامت سبعة شهور خسر الألمان فيها (240000) بين جريح وقتيل بينما كانت خسائر الفرنسيين (275000) بين جريح وقتيل، أمّا معركة (السوم Battle of Somme)فقد نجح فيها الحلفاء على إجبار الألمان بالتراجع من منطقة مساحتها مائة ميل مربع، كما استطاع الحلفاء في هذه المعركة على القضاء على جيش ألمانيا القديم ,اصبح بعدها معتمدًا في حربه على الجنود الصغار السن عديمي الخبرة، وكان الجيش البريطاني قد كلفته هذه المعركة حوالي (60000) بين جريح وقتيل وذلك في اليوم الأول فقط.

كما شهد هذا العام ظهور (الدبابة The tank) في القتال لأول مرة في التاريخ، استطاع الروس في هذا العام من أسر (450000) جندي من القوات النمساوية والمجرية، وذلك في الحملة العسكرية التي قادها الجنرال (بروسيلوف Prosilov) وكان هذا النصر قد شجع (رومانيا Romania) على الدخول في الحرب ضد النمسا والمجر، فكان الرد الألماني بأن أعلنت الحرب عليها، حيث امتسح الألمان (رومانيا) خلال ستة أسابيع واقتحموا العاصمة (بوخارست Bucharest).

حرب الغواصات ودخول الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب:

جرت معركة بحرية كبرى بين الانجليز والألمان كانت معركة (جاتلاند Battle of Gatland) وانتصر فيها الأسطول الألماني على الأسطول الانجليزي وألحقوا به خسائر كبيرة جدًا، لجأ الألمان خلال هذه الفترة إلى استخدام الغواصات وذلك بهدف إغراق السفن التجارية والهدف من ذلك الضغط على الانجليز وتجويعهم، وإجبارهم على الإستسلام.

مما استفز هذا الإجراء الولايات المتحدة وأدى ذلك لدخولها في الحرب في سنة (1917) ميلادية والموافق لسنة (1335) هجرية وبالأخص بعد أن اكتشفت أن ألمانيا كانت قد أغرت (المكسيك Mexico) بمهاجمة الولايات المتحدة الأمريكية مقابل ضم ثلاثة من الولايات الأمريكية لها.

وكانت الولايات المتحدة تعتنق (عقيدة مونرو Monroe Doctrine) وذلك يعني عدم السماح لأحد بالتدخل في الشؤون الداخلية الأمريكية، واستفاد الحلفاء من دخول الولايات المتحدة الأمريكية الحرب إلى جانبهم مما ضيق الخناق على ألمانيا وأدى إلى إضعافها بشكل كبير.

الحرب في العام (1918) ونهاية المأساة:

الحرب في العام 1918 ونهاية الماساة

استفادت ألمانيا من خروج روسيا من الحرب وذلك من خلال (400000) مقاتل ألماني كانوا على الجبهات الروسية، ونقلتهم للمشاركة في قتال الفرنسيين والانكليز، واستطاعت الجيوش الألمانية من تحطيم (الجيش الانكليزي الخامس The Fifth Army)، وقدرت تكاليف الحرب في ذلك العام بعشرة ملايين دولار في كل ساعة.

استعاد الحلفاء قوتهم وقاموا بشن هجمات كبيرة على الألمان استطاعت أن تنهي الحرب على أثرها وكانت معركة (المارن الثانية Battle of the second Marne) من الأيام السود على ألمانيا فقد انهارت ألمانيا أمام جيوش الحلفاء ووقع في الأسر ما يقارب ربع مليون من الجنود الألمان.

واجتاحت ألمانيا أزمة سياسية كبيرة متزامنة مع الخسائر العسكرية فطلبت ألمانيا الإنسحاب من الحرب دون قيد أو شرط، وكان ذلك سببًا في إقامة الجمهورية الألمانية بعد أن قدم الامبراطور الألماني استقالته، وانتهت الحرب العالمية الأولى في الحادي عشر من شهر تشرين الثاني من العام (1918) ميلادي وذلك بعد أربعة أعوام ونصف العام من الحرب التي راح ضحيتها عشرة ملايين عسكري وجرح واحد وعشرين مليونًا آخر.

نتائج الحرب العالمية الأولى

نتائج الحرب العالمية الاولى

لم تستطع أية حرب سابقة أن تغير خريطة أوربا السياسية كما فعلت هذه الحرب، فقد اختفى عدد من الامبراطوريات منها (الامبراطورية الألمانية والامبراطورية المجرية والامبراطورية النمساوية  والامبراطورية الروسية والامبراطورية العثمانية )، واستقلت دول كثيرة واستردت حريتها وتخلصت من الاستعمار كما تشكلت دول جديدة وكانت من الدول المتضررة وبشكل كبير كلًا من (بلجيكا وفرنسا وصربيا).

كما اختل التوازن الاجتماعي بين الذكور والإناث، حيث كانت الضحايا بين الرجال والشباب أعلى بكثير من مثيلاتها بين النساء،

تعددت النتائج التي تمخضت عنها الحرب العالمية الأولى على كافة المجالات العسكرية والسياسية والبشرية والاجتماعية وإليكم أهم انتائج:

  • الهزيمة الكبرى التي منيت بها الامبراطورية الألمانية.
  • سقوط وانهيار النظام القيصري في روسيا.
  • تفكك وانهيار الامبراطورية العثمانية.
  • انهيار الأنظمة الديكتاتورية في أوربا.
  • ظهرت أسلحة جديدة استخدمت في القتال لأول مرة (الدبابة ) و(الطائرة ).
  • انتصار النظام الديمقراطي على النظام الديكتاتوري فقد كانت الديمفراطية أفضل من النظام الديكتاتوري للحكم.
  • أنهت الولايات المتحدة الأمريكية عزلتها المعروفة (بعقيدة مونرو Monroe Doctrine).
  • استقلال أغلب الدول نتيجة لهذه الحرب العالمية الأولى منها (بولندا Poland ويوغوسلافيا Yugoslavia وهنغاريا Hungary).

النتائج على الصعيد الاقتصادي:

أتت الحرب العالمية الأولى على تدمير كامل للمنشآت الاقتصادية والانتاجية من معامل وطرق مواصلات، وتخريب للأراضي الزراعية مما أدى لزيادة ديون الدول المختلفة، مما سبب ازدياد في الأزمات الاقتصادية تعطيلًا وتدهورًا.

النتائج على الصعيد البشري:

تركت الحرب العالمية الأولى وراءها خسائر بشرية هائلة حيث أدت إلى مقتل ما يزيد عن عشرين مليون شخص عسكريًا كان أم مدني، أغلبهم كان من فرنسا وألمانيا، نتيجة استخدام الأسلحة الجديدة والفتاكة في الحرب لأول مرة، مما أدى إلى تراجع الكثير من النشاطات الدولية نتيجة لنفص أعداد الشباب ونتيجة لذلك دخلت المرأة إلى سوق العمل بسبب قلة الأيدي العاملة فيه.

النتائج على الصعيد السياسي:

لقد هقدت الكثير من معاهدات السلام حيث فرض تلك المعاهدات (مؤتمر باريس للسلام Paris Peace Conference) سلسلة من المعاهدات بين الدول تنهي الحرب بشكل كامل، فوقعت ألمانيا على (اتفاقية الهدنة) على أساس (مبادئ ويلسون الأربعة عشر Wilson ‘s 14 Principles) لكن هذا لم يحصل أبدًا، فقد أجبرت ألمانيا على الإعتراف بالذنب لبدئها الحرب، وهي تبعًا لذلك مسؤولة عن التعويضات عن خسائر الحرب لدول الحلفاء، بسبب العدوان الألماني.

ولكي تجبر ألمانيا على دفع التعويضات فقد تم احتلال منطقة (الراين Rhine area) حتى تسديد التعويضات، وغابت ألمانيا عن كثير من المعاهدات التي عقدت وبالتالي أعطتها الفرصة لاحقًا للتنصل منها.

وقد فرض على ألمانيا أن لا يزيد عدد أفراد جيشها عن (100000) مقاتل فقط، ومنع التجنيد الإجباري.

اتفاقية سايكس بيكو (Sykes-Picot Agreement):

اتفاقية سايكس بيكو

لقد اعتقد العرب أن تحالفهم مع دول الحلفاء سوف يحصلون على استقلالهم بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، كما وعدتهم بريطانيا، بيد أنهم فوجئوا باتفاقية سرية قد وقعت ضدهم وكانت اتفاقية (سايكس بيكو Sykes-Picot Agreement) بين حكومتي فرنسا وبريطانيا.

وقد كشف عن هذه الاتفاقية بعد نجاح الثورة البلشفية في روسيا والقضاء على الحكم القيصري فيها.

وعد بلفور (Balfour Declaration):

وعد بلفور

هذا نسخة كاملة عن وعد بلفور الذي تتعهد فيه بريطانيا لليهود بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين العربية وعلى لسان وزير خارجيتها (آرثر جيمس بلفور Arthur James Balfour):

عزيزي اللورد روتشيلد:

«يسرني جدًا أن أُبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالة الملك التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود الصهيونية وقد عُرِضَ على الوزارة وأقرَّته:

إنَّ حكومة جلالة الملك تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يُفهم جليًا أنه لن يُؤتى بعمل من شأنه الإخلال بالحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف الغير يهودية المقيمة في فلسطين، ولا بالحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلاد الأخرى».

«وسأكون شاكرًا لو تكرمتم بإحاطة الإتحاد الصهيوني علمًا بهذا التصريح».

المخلص

أرثر جيمس بلفور.

الخاتمة

كان هذا مقلًا موسوعيًا عن الحرب العالمية الأولى وما يتضمنه الحديث عن هذه الحرب من شجون، وخاصة تأثر الوطن العربي بنتائج هذه الحرب حيث كانت اتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور المشؤم ووقوع الوطن تحت الاحتلال العسكري بحجة الانتداب.

المراجع

شارك المعلومة؛ فالدال على الخير كفاعله