موضوع تعبير عن الوطن: ما أجملك من وطن؟

بحضنه ترعرعت، بمائه ارتويت، بسمائه التحفت، وأرضه قبلت، بشمسه أشرقت، وبقمره استنرت، بثماره تغذيت، عشقته وذبت فيه شوقاً، ولم يكن ذلك سرًا، فعشقي لم يكن لجماله، ولا لوارف ظلاله، فتمثلت بيت الجواهري حين قال:

فمن شاقه برد النعيم بفارس … فإني إلى حر العراقين ميّال

أحب حصاها وهو جمر مؤجج … وأهوى ثراها وهو شوك وأدغال

بل عشقته لأنه قاسمني أجمل سني حياتي، وشاركني طفولتي وذكرياتي، فكان بحرًا عميقًا لأسراري، وألهمني جميع أشعاري، فكتبت على رماله آهاتي، وحفرت على أشجاره أحلامي وأمنياتي، حتى صار محبوبي الأول.

كيف لا وهو الذي لازالت الشعراء به أبد الدهر تتغزل، يقول الجواهري:

وطن إذا ذكروه لي وبي الغليل وجدت بردا

ولو استففت ترابه لوجدت عيشي فيه رغدا

نعم إنه وطني، فيا من تلمني في حبه كيف تلمني وقد أفنى ثرواته في سبيلي فعلمني معنى التضحية، وأعطاني أرضًا لا حد لها فعلمني معنى الحرية، فلا تلمني يا صاحبي فحبي له قصة أبدية.

لن يعلمني أحد هذا الحب ولا حتى الأشعار الرومنسية، فهو حب فطري خلق مع الإنسان من أول يوم في خلق البشرية، أوصاني به نبي الهدى صلوات الله وسلامه عليه في سيرته النبوية، عندما خرج مجبرًا من أرض مكة بعد تعذيب وترهيب أيام دعوته الجهرية.

قال: “ما أطيبك من بلد وأحبك إلي ولولا أن قومك أخرجوني منك ما سكنت غيرك” فما أعذبها من كلمات، وما أصعبها من مشاعر، يحسها المرء إذا كان رغمًا عنه مهاجر، تئن زفراته ليلاً عندما يتذكر أيامه الخالية فيقول قول ابن الأبار:

أبين واشتياق وارتياع لقد حملت مالا يستطاع

وروعني الفراق على احتمالي ومن ذا بالتفرق لا يراع

فللعبرات بعدهم انحدار وللزفرات إثرهم ارتفاع

فلا تحسبن بعد امرئ عن الوطن ينهي قصة شوق متنامية، فالوطن أم وأب وليس بنك لملء جيوب خاوية، الوطن بيت وسكن وليس مجرد أرض لا متناهية، الوطن عز وفخر ولو كانت أبنيته للسقوط آيلة، الوطن أمن وأمان ولن يكون جنة لأناس بأمنه لاهية.

للوطن حق علينا لا تنكره نفوس أخلاقها عالية، ودفاعنا عنه واجب مادامت دماؤنا في عروقنا جارية، وحفظه لكرامتنا حق لنا ما دمنا نخدمه بنفوس راضية، هي علاقة قدسية سحرية لا يشعرها إلا من كانت أخلاقه سامية، ثم عمل وكفاح دؤوب نخدم به الأجيال المتتالية وهذا ما سارت عليه الأجيال الماضية فقال الشاعر شوقي في هذا المضمار:

ركزوا رفاتك في الرمال لواء … يستنهض الوادي صباح مساء

يا ويلهم نصبوا مناراً من دمٍ … يوحي إلى جيل الغد البغضاء

جرحٌ يصيح على المدى وضحية … تتلمس الحرية الحمراء

وهنا واجب كل أم وأب يعلمان الابن حب الأوطان، والذود عنه بالنفس والمال مهما غلت الأثمان، والعمل على رقيه وبنائه ليكون للحضارة عنوان، بالعلم وإنشاء جيل قوي البنيان، والعمل على حفظ المرافق العامة من عبث الولدان، وتحصين البيئة من التلوث وزحف العمران.

أما الآثار فهو موروث ثقافي تقاس به حضارة الأوطان، وحمايتها واجب علينا على مر الأزمان، فلو قام كل منا بدوره لصرنا في مصافي الأمم والبلدان، فخذ موقعك أيها الإنسان، وحارب الظلم والطغيان، وانثر بذور الأمل في كل مكان.

ولا تتكل على ماض قد كان، بل فكر بمستقبل واعمل بقول النبي العدنان: “إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها” فهذا خير درس لكل زمان ومكان، اعمل لأرضك ووطنك فربما ينتفع بعملك أي إنسان، ولا تتذرع بأي سبب كان.

شارك المعلومة؛ فالدال على الخير كفاعله