ما هو الموت الرحيم وماذا يقول الشرع فيه؟

الموت الرحيم أو القتل الرحيم كما يسميه البعض هو اتخاذ خطوة بإنهاء حياة شخص ما يكون مريض أو يعاني من حالة مرضية مستعصية أو غيبوبة طويلة الأمد، وبالتالي يتم اتخاذ إجراء بإنهاء حياة الشخص الذي يعاني من مثل هكذا حالة بهدف إنهاء حالة المعاناة والخلاص منها.

في الكثير من البلدان يعتبر هذا النوع من الموت غير قانوني ولا يجوز إنهاء حياة شخص ما تحت أي ظرف، في المملكة المتحدة يسجن من يمارس هذا النوع من الأعمال مدة أقصاها 14 عام، وفي الولايات المتحدة تختلف المدة بين ولاية وأخرى، ولكن دول أخرى أجازت هذا الأمر.

ما هو الموت الرحيم وماذا يقول الدين فيه؟

أنواع الموت الرحيم

يوجد نوعين رئيسين من الموت الرحيم وهما

  • الموت الرحيم الإرادي، وهو الحالة التي يتم فيها قتل شخص بموافقته، بحيث يتم الحصول على موافقة المريض قبل الدخول إلى العملية مثلًا أو في حال تعرضه لأي حالة مرضية مستعصية بأن يتم اتخاذ خطوة الموت الرحيم بحقه. وهذا النوع من الموت أصبح قانوني ومباح في العديد من الدول مثل بلجيكا وهولندا وسويسرا وبعض الولايات الأمريكية.
  • الموت الرحيم اللاإرادي وفيه يكون المريض في حالة غيبوبة أو حالة مرضية مستعصية ولا يمكن الحصول على موافقته بحكم حالته الصحية وبالتالي يتم الحصول على موافقة أحد الأشخاص من أقرباء المريض من الدرجة الأولى بأن يتخذ بحقه اجراء الموت الرحيم.

يوجد أنواع أخرى من هذا النوع من الموت بالإضافة إلى النوعين الرئيسين السابقين، وتشمل هذه الأنواع

  • الموت الرحيم الحتمي وهو الحالة التي يتم فيها إخضاع مريض ما للموت الرحيم مباشرة دون موافقته ولا حتى موافقة أي من أقربائه أو ذويه لعدم وجودهم في تلك اللحظة. وهذا النوع ممنوع في جميع دول العالم.
  • الموت الرحيم السلبي ويحصل في الحالات التي يتم فيها إيقاف تزويد المريض بالأدوية أو المعدات اللازمة لاستمرار حياته مثل أجهزة الإنعاش، وذلك لغياب أي أمل في التعافي والشفاء.
  • نوع أخر يسمى (Active) أو الموت الرحيم النشيط ويتم فيها تزويد المريض بمادة دوائية مميتة لذات الأسباب.

اقرأ أيضًا: الخوف من الموت – ألا تكون ميتًا – وألا تكون حيًا

تاريخ فكرة الموت الرحيم

فكرة الموت أو القتل الرحيم قديمة قدم الإنسان نفسه، حيث توارثتها الأجيال من الأساطير وتاريخ المجتمعات والقبائل القديمة، وأول ظهور مسجل لها هو في عصر أبقراط حيث كان الناس يشربون السم للتخلص من حالة المعاناة التي يعانونها، وحيث كان يلجأ الناس إلى قتل من يصاب بحالة مرضية مستعصية لا يرجى شفائها مثل الشخص المشلول أو الكسيح، وذلك لإراحة الشخص نفسه أولًا وتخليصه من الحالة التي هو فيها، وتخليص أهله وذويه من معاناته التي قد تسبب لهم الكثير من الأعباء النفسية والمادية.

أما اليوم فما زال الناس يلجؤون لهذه الأشكال من الموت لذات الأسباب التي كانت تدفع الناس في التجمعات القديمة إلى هذه الأفعال. حيث يتم التخلص من المرضى ذوي الحالات المستعصية والذين لا يرجى شفائهم، والذين يسببون بإمراضهم الكثير من الأعباء والاستنزاف المادي والنفسي لذويهم والجهات الحكومية والطبية.

ولكن في ذات الوقت ما زال يثار الكثير من الجدل والأخذ والرد حول هذا الأمر وما مدى مشروعيته من وجهة نظر دينية وأخلاقية وإنسانية واجتماعية وحقوقية.

الموت الرحيم من وجهة نظر دينية

لا يوجد أراء دينية واضحة من أي من الديانات السماوية الموجودة اليوم حول موضوع الموت الرحيم، وتؤكد هذه الديانات إن الحياة هبة من الله تعالى للعبد ولا يحق لأي كان تعجيل موتها أو تحديده، وهذا ما تم نقاشه في إحدى مؤتمرات حوار الأديان عام 2008.

فمن وجهة نظر إسلامية فأنه ومن باب (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ) لا يجوز قتل النفس إلا بالحق، والمعروف اليوم إن هذا الحق هو العقاب القائم على العين بالعين والسن كما هو معروف في الشريعة الإسلامية. ولكن بنفس الوقت يشير البعض إلى إنه من الممكن أن يكون عملية الموت الرحيم للأشخاص الميؤوس من شفائهم قد تدخل في هذا الحق الذي أشير إليه في الآية السابق ذكرها، ولكن هذا يحتاج للكثير من التفسير والإيضاح من السادة الفقهاء لاعتماد رأي واضح بشأنه.

الديانات الأخرى المسيحية واليهودية أيضًا اشارت لشيء شبيه بوجهة النظر الإسلامية وقالت إنه لا يوجد تعاليم دينية واضحة بجواز مسألة القتل الرحيم، في حين الديانة اليهودية كانت أكثر تشددًا بتحريم هذا النوع من القتل كما جاء في مؤتمر حوار الأديان عام 2008.

بدائل الموت الرحيم

هناك عدة خيارات أخرى إلى جانب الموت الرحيم يمكن أن يلجأ لها مرضى الحالات المستعصية، وهذه الخيارات هي

العناية التلطيفية

غير معروف هذا المصطلح في الدول العربية ولكن شائع بكثرة في الدول الغربية. ويقصد به العناية بحالة المريض (ذو الحالة المستعصية) وحياته وحياة أسرته من حوله بهدف التخفيف من معاناتهم إلى الحد الممكن طيلة الفترة المتبقية من عمر المريض.

ما هو الموت الرحيم وماذا يقول الدين فيه؟

وتشمل العناية التلطيفية إمداد المريض بمسكنات الألم اللازمة لتخفيف الشعور بالألم قدر الإمكان، ومنحه وعائلته كل وسائل الراحة اللازمة وبما في ذلك الدعم النفسي لتقبل الحالة التي يعانون منها وإعدادهم على الصعيد النفسي لتقبل موت المريض بعد فترة من الزمن.

وعلى الرغم من إنها من أشكال العلاج الغير معروفة في دولنا العربية، نحو 45 ألف أمريكي سنويًا يقدم لهم هذا النوع من العناية، وتقدم بشكل رئيسي لأصحاب الأمراض المستعصية الذين لا يرجى شفائهم مثل مرضى السرطان ومرضى القلب والجلطات الدماغية وذوي الأمراض العصبية المزمنة، وكل ما باتت نهايتهم وشيكة بحكم مرضهم.

ويبقى هذا من الخيارات الأفضل ليس فقط مقابل الموت الرحيم بل من بين كل الخيارات المتاحة، كونه يشمل تخفيف الألم عن المريض قدر الإمكان إضافة إلى الدعم النفسي سواء للمريض ولعائلته من حوله.

اقرأ أيضًا: مشاعر الفقد نتيجة تغييب الموت لشخص عزيز علينا

رفض العلاج

أيضًا هو أحد الخيارات المتاحة إلى جانب الموت الرحيم، حيث يقوم المريض برفض تلقي العلاج من الطبيب أو الجهة الصحية التي تخضعه للمعالجة، وبالتالي يؤدي ذلك به إلى تردي حالته الصحية والموت على الأرجح أخيرًا.

الوصية المسبقة

يمكن لأي شخص كان أن يحدد مسبقًا ما الذي يريده في حال تعرض لحادث أو مرض ما أو غيبوبة ولم يعد يستطع حينها التعبير عما يريد، بالتالي يحدد مسبقًا بوصيته تلك ما يجب فعله سواء القتل الرحيم أو غيره.

أخيرًا من الجدير بالذكر إن الموت الرحيم أو القتل الرحيم كما يسميه البعض ما زال حتى اليوم مثار للكثير من الجدل والأخذ والرد ولا يوجد فيه قول فصل، على الرغم من إقرار الكثير من الدول لهذا الشكل من الموت لعل على رأسها الدول الإسكندنافية مثل سويسرا وغيرها.

ولكن ذلك لم ينهي حالة الجدل القائمة من وجهات نظر دينية وحقوقية واجتماعية وأخلاقية، يشير بعضها إلى إن حياة الإنسان هي ملكه ومن حقه تقرير مصيره وما يريد أن يؤول إليه، ولكن حتى لو أخذنا بهذا الرأي فأنه تبقى المشكلة مع المرضى الذين لا يستطيعون بحكم حالتهم المرضية البت بمصير حياتهم مثل ذوي الأمراض العقلية والذين يكونون في غيبوبة تامة، وبالتالي مع كل هذا يبقى الموضوع مفتوح بمزيد من التفسير والإيضاح حتى إشعار أخر.

شارك المعلومة؛ فالدال على الخير كفاعله