الحسد وحكمه في القرآن والسُّنة وكيف تعرف أنك محسود

لقد جعل الله المحبة شائعة بين الناس، وهي من أقوى الروابط بين البشر. وأمرنا الإسلام بأن نُحب بعضنا بعضًا، كما أمرنا ألا نوقع الأذى ببعضنا. ومع ذلك نجد عكس ذلك، كأن يقوموا ببعض الأفعال السيئة كالنميمة، والغيبة، والحسد.

وفي مقالنا سنتعرف على أحد هذه الخصل الذميمة، التي تُسيطر على مشاعر الشخص. الحسد، ما هو؟ وما هو حكمه في القرآن والسنة؟ سائلين الله سبحانه وتعالى أن يُبعدنا عن هذه الأخلاق السيئة، ويعيدنا إلى طريق الخير والصواب.

تعريف الحسد

الحسد وحكمه في القرآن والسُّنة وكيف تعرف أنك محسود

يُعرف الحسد بأنه تمني زوال النعمة عن شخصٍ ما، والحصول على هذه النعمة. والنعمة التي يتمنى الحاسد أن تزول عن صاحبها، قد تكون منصب عمل، أو ملك لشيء معين، أو حتى محبة الآخرين لهذا الشخص.

وفي جميع الأحوال، الحسد شعور ذميم، يدل عن خُلق سيء، ففيه إضرار للمحسود، وإفساد للدين، وهذا ما نهى عنه الله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم.

أنواع الحسد

الحسد موجود في كل مكان، فهذا الخُلق الذميم إذا دخل القلب أفسده، وأفسد المجتمع، وللحسد نوعان:

  • الحسد المذموم: وهو كُره وصول النعمة للمحسود بشكلٍ مطلق.
  • الغبطة: وهو عدم كُره الحاسد وصول النعمة للمحسود، مع تمني لو كانت له هذه النعمة أيضًا.

أسباب الحسد

الحسد وحكمه في القرآن والسنة

النعم التي تأتي إلى شخصٍ ما دون آخر

يجب أن ندرك تمامًا بأن الله سبحانه وتعالى هو الذي يُفضل بعضنا بنعم دون الآخرين، فيقول سبحانه في سورة النساء، الآية 54: “أم يحسدونَ النّاسَ على ما أتاهُمُ مِنْ فَضْلهِ”.

كراهية وصول النعمة أو الخير للمحسود

تتعدى كراهيته للمحسود لمجرد وصول النعمة والخير له، بل تصل إلى التمني بأن تكون له دون غيره، فيتجلى الدافع في حسد المحسود، هو إحساسه الدائم بالنقص تجاه الآخرين.

حب النفس، والإعجاب بها

وفيها يرى الحاسد نفسه أعلى وأفضل من المحسود بكل شيء، وخاصةً إذا كان لدى الحاسد سلطة أو ثروة، أو منصب، وينظر للمحسود بأنه أقل منه منزلة.

العداوة

عندما يكره الحاسد شخصًا ما، ويتعطش للانتقام منه، والحقد عليه، سيشعر بالحزن، عندما يأتي الخير لهذا الشخص دونه هو. على العكس لو حصل للمحسود مكروه سيفرح الحاسد، ويُظهر الشماتة بكل وضوح.

حب الجاه والرئاسة

فبعض الناس تُحب أن تنال كل شيء، كما يتمنوا أن يمدحهم الآخرين دائمًا، ويشعرون بالسعادة للثناء على أفعالهم، ويرافقها الحزن فيما إذا نال أحدهم تفوقًا، ويتمنى أن يزول الخير الذي أصابه.

التكبر والعجب

وفيه يحتقر الحاسد المحسود للنعمة التي أتته، وأن المحسود لا تليق له النعمة، وفي ذلك انتقاص لعبادة الله سبحانه وتعالى.

أضرار الحسـد

  • يُبعد الناس عن بعضهم البعض، وتنقطع حبال المحبة بينهم.
  • تنتشر البغضاء فيما بين الناس.
  • تجعل الحاسد يقوم بأي محاولة لإزالة الخير، أو النعمة عن الشخص المحسود.
  • تجعل الحاسد يقع في النميمة، والغيبة تجاه المحسود.
  • تجعل الحاسد لا يقبل بالحق، وأن يستمر في الباطل، في كرهه للمحسود دون سبب.
  • الحسد يُفسد المجتمع، ويجعله متفككًا، كما أنه يدمر العلاقات بين الناس.

حكم الحسد

إن حُكم الحسد في الإسلام يختلف باختلاف أنواعه، ولكن الحسد حكمه الحُرمة، لأنه من الحرام على الإنسان أن يتمنى زوال النعمة عن أخيه الإنسان قولًا وفعلًا.

وقد بين لنا الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، أن هناك حسد واحد مقبول، بدليل ما حدثنا عنه سالم عن أبيه، عن الرسول عليه الصلاة والسلام، أنه قال: “لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالًا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار”.

أعراض الحسد

  • آلام في الرأس، وصداع.
  • الصعوبة في السيطرة على التفكير.
  • يصاب المحسود بحالة من الجنون، كالتحدث مع نفسه، والصراخ، أو البكاء ثم الضحك.
  • النسيان، أو فقدان الذاكرة بشكلٍ جزئي.
  • لا يشعر بالسعادة، ولا يشعر بحبه لأي شيء، وعدم الرغبة بالحياة والاهتمام بها.
  • حدوث مشاكل في الحياة الأسرية والعملية والاقتصادية.
  • يفقد ثقته بنفسه، ويميل إلى الانعزال.
  • العصبية الزائدة لأتفه الأمور.
  • الشعور بالإحباط، وعدم محبة الأخرين له.
  • عدم القدرة على النوم، والقلق المستمر، والكوابيس التي تسيطر عليه في نومه.
  • تزايد معدل ضربات القلب.
  • مشاكل في الجهاز الهضمي، كالتهاب الأمعاء، والإمساك.
  • ثقل وآلام في عدة مناطق من أعضاء الجسم، والشعور بالخمول والكسل.
  • تقل الشهية للطعام.
  • عدم القدرة على الصلاة، وقراءة القرآن الكريم.
  • عدم الرغبة في عمل أي شيء، حتى في الذهاب للعمل أو الدراسة.

الحسد في القرآن الكريم

ورد ذكر هذا الخُلق الذميم، وهو الحسد في القرآن الكريم، في عدة آيات، ومن بينها:

  • ما قاله سبحانه وتعالى في سورة البقرة، الآية 109: “ودَّ كثيرٌ منْ أَهلِ الكتابِ لو يَرُدُّونَكُمْ من بعدِ إيمانكُم كُفَّارًا حَسدًا من عندِ أنفُسِهِمْ منْ بعدِ ما تَبيَّنَ لهمُ الحقُّ فاعفُوا واصفحوا حتَّى يأْتي اللَّهُ بِأَمرِهِ إنَّ اللَّه على كُل شيءٍ قدير”.
  • وقوله تعالى في سورة النساء، الآية 54: “أَمْ يَحسُدونَ النَّاس على ما آتاهُم اللّهُ من فضلِهِ فقدْ آتينا آل إبراهيم الكتابَ والحكمة وآتينَاهُم ملكًا عظيمًا”.
  • وفي سورة الفلق، الآية 9: “وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ”.
  • وقوله سبحانه وتعالى، في سورة الفتح، الآية 15: “سيقولُ المُخلَّفُونَ إذا انْطلقتُمْ إلى مغانمَ لتأخُذوها ذرُونا نتَّبِعْكُمْ يُريدُون أَنْ يُبَدّلوا كلامَ اللَّه قُل لنْ تَتَّبِعُونا كذلكُمْ قالَ اللَّهُ منْ قبْلُ فسيقُولونَ بَلْ تَحْسُدوننا بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا”.

الحسد في أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام

  • في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: “لا تحاسدوا ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا”، صحيح مسلم.
  • وفي حديث آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: “لا يجتمع في جوف عبدٍ، الإيمان والحسد”، صحيح مسلم.
  • حدثنا أبو هريرة رضي الله عنه، أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: “إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، أو قال العشب”، أخرجه أبو داود والبيهقي.
  • حدثنا ابو هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله قال: “سبعةٌ يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، إمامٌ عادل، وشابٌ نشأ في عبادة الله، ورجلٌ قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجلٌ دعته امرأة ذات منصبٍ وجمال فقال إني أخاف الله، ورجلٌ تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجلٌ ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه”.

أثار الحسد المذمومة

لا تحاول أن تحسد أحدًا، وليكن قلبك نقيًا، لأن الحسد المذموم، له آثار كثيرة، منها:

  • الشعور بالحزن للنعم التي أنعم الله عليها على المحسود، والشعور بالسعادة لوقوع الضرر على المحسود.
  • تتنقل مشاعرك من الغيرة من الشخص المحسود، إلى الشماتة به.
  • الحسد يدفع لقطع العلاقات الاجتماعية والمالية بينك وبين الشخص المحسود.
  • الشعور بالاستخفاف للشخص المحسود.
  • تظهر البغضاء والعداوة بينك وبين الشخص المحسود.
  • التكلم بكلام لم تقوله في حياتك تجاه أي شخص كان، من شدة حسدك.
  • نكران حقوق المحسود من كثرة كرهك له، كنكران دينًا له في ذمتك.
  • لا تجني من الحسد سوى سخط الله سبحانه وتعالى، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: “الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب”.
  • كُره الناس لك كحاسد، واظهار عداوتهم لك.
  • عند الحسد يرتفع الخير بين الناس، وينتشر الحقد والبغضاء في كل المجتمع بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: “لا يزال الناس بخير ما لم يتحاسدوا”.

مراتب الحسد

إن مراتب الحسد أربعة وهي:

  1. تمني زوال النعمة عن الشخص المنعم عليه، حتى ولو لم تنتقل للحاسد.
  2. تمني زوال النعمة عن الشخص الذي أتته النعمة، وتمنى أن تكون للحاسد دون المحسود.
  3. تمني حصول الحاسد على مثل النعمة التي حصل عليه المنعم عليه، حتى يكون متساويًا مع المحسود، وإذا لم يحصل الحاسد على هذه النعمة، تمنى زوالها عن الشخص الذي أتته النعمة.
  4. تمني حصول الحاسد على مثل النعمة التي حصل عليها المنعم عليه، ولكن دون تمني أن تزول عن المحسود هذه النعمة، وهذا ما يُسمى حسد الغبطة، وهو حسدٌ محمود، بدليل حديث أَبو هُريرة أَنَّ الرسول عليه الصلاة والسلام قال: “لا حسدَ إلا في اثْنَتَيْنِ، رجلٌ علَّمهُ اللَّه القرآن فهو يتلوهُ آناء اللَّيلِ وآناءَ النَّهار، فسمعَهُ جارٌ لهُ فقال: ليتني أُوتيتُ مثلَ ما أُوتي فُلانٌ، فعملتُ مثلَ ما يعملُ، ورجلٌ آتاهُ اللَّهُ مالا فهو يُهلكُهُ في الحقّ، فقال رجلٌ: ليتني أُوتيتُ مثلَ ما أُوتيَ فُلانٌ فعملْتُ مثلَ ما يعمل”.

أدعية من السنة النبوية تفيد في علاج الحسد

حديث السيدة عائشة، رضي الله عنها، حيث قالت إن الرسول عليه الصلاة والسلام إذا اشتكى، رَقَاهُ جبريل، فقال: “بسم اللَّه يُبْرِيكَ، ومن كُلّ داءٍ يشفيكَ، ومن شرّ حاسدٍ إذا حسدْ، وشرّ كُلّ ذي عين”، رواه مسلم.

وعن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “استعيذوا بالله، فإن العين حق، ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين، وإذا استغسلتم، فاغسلوا”.

كيف يدفع المحسود شرّ الحاسد؟

  • يرجع لله تعالى، مع تجديد التوبة من كل الذنوب التي جعلت الأعداء يتسلطون عليه، قال الله تعالى في سورة الشورى، الآية 30: “وما أصابَكمْ منْ مُصيبةً فَبِما كَسَبَتْ أيْديكُمْ”، فالله لا يُسلط العدو أو شخصًا يؤذيك، إلا بذنبٍ فعلته، سواء كنت تعلمه أو لا تعلمه.
  • يتوكل على الله في كل أموره، فمن يتوكل على الله، ويتقي الله، سيدفع الله شر الأعداء عنه، وشر الظلم، والعدوان، الذي يلاقيه من الحاسد، ومن كان الله معه، فمن يقدر عليه. ومن يتقي الله يحفظه، بدليل قوله تعالى في سورة آل عمران، الآية 120: “وإنْ تَصبروا وتَتّقوا لا يَضُرُكُمْ كَيدهُمْ شَيئًا”.
  • الوضوء والصلاة.
  • الالتزام بالاستغفار بكل الأوقات.
  • التعوذ بالله من الشيطان، مع قراءة الأذكار والأوراد.
  • قراءة القرآن، وخاصةً قراءة المعوذتين، وسورة الإخلاص ثلاث مرات قبل النوم، مع قراءة خواتيم سورة البقرة.
  • قراءة آية الكرسي، لما لها من سرّ عظيم، في الحفظ والحرز من الشيطان، والتأييد من الله تعالى.
  • قراءة سورة البقرة، بدليل حديث سهل عن أبيه عبد الله، عن أبي هريرة، أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: “لا تجعلوا بيوتكم قبورًا، وإنّ البيت الذي تُقرأ فيه البقرة لا يدخله الشيطان”.
  • أن يدعو الله بكل الأوقات أن يُبعد عنه الحساد. وذلك بالتقرب من الله، وجعل حبّ الله ورضاه، محل مشاعره، وخواطر نفسه، وأمانيه.
  • يُرقي نفسه من الحسد والحاسدين، بأي رقية علمنا إياها الرسول عليه الصلاة والسلام.
  • التكتم، والكتمان عن النعم التي يعطيها الله له، حتى لا يتعرض للحسد.
  • ألا يُشغل تفكيره بالحاسد، ولا يلتفت إليه، ويُبعده عن فكره نهائيًا، فهذا من أفضل ما يدفع شر الحاسد.
  • أن يصبر المحسود على الحاسد، وألا يعامل الحاسد بالمثل، وألا يسيء إليه، بل يُحسن له. فكلما شعرت أن الحاسد يزداد شرهُ وأذاهُ، أحسن إليه، وانصحه، بدليل قوله تعالى في سورة فُصلت، الآية 34ـ 36: “ولا تستوي الحسنةُ ولا السيئةُ ادفعْ بالتي هي أحسنْ فإذا الذي بينك وبينهُ عداوةٌ كأنهُ وليٌ حميمْ* وما يُلقّاها إلاّ الذينَ صَبروا وما يُلقّاها إلا ذو حَظٍ عظيم* وإمّا يَنْزَغَنّكَ منَ الشّيطانِ نَزْغٌ فاسْتعذْ بالله إنّهُ هُوَ السّميعُ العليم”.
  • أن يكون كثير التصدق، والإحسان للناس، فالإنسان المتصدق والمُحسن، لا يصيبه حسد، أو عين، بإذن الله.

اقرأ أيضًا:

شارك المعلومة؛ فالدال على الخير كفاعله