تُعد دراسة موضوعات وتخصصات علم النفس عمومًا من الأمور الشيقة والطريفة جدًا لما بها من اتصال واضح بالأحداث الواقعية التي نعيشها، وأهم تلك التخصصات النفسية هو علم النفس التربوي لما له من صلة صريحة ومباشرة بفلذات أكبادنا لذلك سأقدم لكم خلاصة ذلك التخصص النفيس.
وهناك العديد من المعاهد والكليات في ربوع العالم العربي والغربي تعتني بالتربية، والتي شرفت بالدراسة في احداها وهو قسم علم النفس التربوي وتعلمت فيه الكثير ومارست فيه فنون التربية المختلفة، وعرفت أن قضية التربية هي الأخطر وهي الأولى بالبحث والدراسة تحديدًا في وقتنا هذا.
ما هو تخصص علم النفس التربوي
علم النفس التربوي هو أحد التخصصات التطبيقية في علم النفس والذي يعني بالتربية عمومًا، والتربية هي تلك العملية التي يتم فيها بناء وتطوير قدرات الإنسان في كل جوانبه المختلفة، الجسمية والعقلية والأخلاقية والاجتماعية والدينية الروحية والانفعالية، إذا فالتربية عملية متكاملة للغاية.
لذلك تختلف التربية كثيرًا عن التعليم، فالتعليم يكون في جانب واحد وهو في الغالب الجانب المعلوماتي الخاص بالعمليات العقيلة والمعرفية والتعليم في المدرسة والقدرة على الحفظ والتذكر والتطبيق، أما التربية فكما قلنا أشمل بكثير.
والفترة الأهم في التربية هي الخمس سنين الأول، وما يُزرع في تلك الفترة يصعب محوه وهذا ما قاله فرويد حينما طلبت منه سيدة أن يساعدها في تربية ابنها البالغ من العمر خمسة أعوام فقال لها قولته الشهيرة “لقد فات عهد تربيته”.
والتربية تقع على عاتق الكثير من المؤسسات لعل أهمهم وأولهم الأسرة والتي يولد فيها الطفل ويجمع خبراته الأولى وهي التي يقع على عاتقها الزرع في الخمس سنين الأول، يليها المدرسة ثم الأصدقاء ودور العبادة المختلفة، وحديثًا قام الإعلام بدور تربوي واضح وأيضًا الإنترنت له دور تربوي بدأ يظهر مؤخرًا.
لماذا تضاعفت أهمية تخصص علم النفس التربوي
للأسف مؤخرًا تنصل الجميع من مسؤولية التربية، فعندما تذهب للأب والأم وتقول لهم أن التربية مسئوليتكم يقولون أننا مشغولون بأكل العيش وتجميع الأموال لأبنائنا، وعندما تذهب للمدرسة يقول المعلم أنه ليس لديه وقت لكي يربي خمسين تلميذ داخل فصل ووقت ضيق للغاية.
وفي عز تنصل الجميع من التربية بأهميتها تفرغ الإعلام ليحاول أخذ ذلك الدور بكل أسف فأصبح يصب في أدمغة الناس ما يريده صاحب القناة من فكر والذي في الغالب يكون غير تربوي بالمرة، والإنترنت أيضًا نازع الإعلام مؤخرًا في هذا الدور وسط غياب دور الأسرة.
أهم أعلام علم النفس التربوي
بالطبع هناك الكثيرين من المتخصصين في علم النفس التربوي والذين ساهموا كثيرًا في بناء ذلك العلم من بدايته ومنهم من رحل عن عالمنا ومنهم ما زال حي يرزق، وسوف أقدم لكم أبرز هؤلاء الذين سخروا عمرهم وجهودهم لدراسة علم النفس التربوي.
إدوارد لي ثورندايك
وهو من أهم من ساهموا في التربية، ولد ثورندايك عام 1874 وتوفي عام 1949 وله العديد من الأبحاث والتجارب في علم النفس التربوي، وأهم تلك الأبحاث مقدمه بخصوص التعلم بالمحاولة والخطأ، هو يرى أن أبناءنا لا بد وأن يخطئوا ولا عيب في ذلك بل هذا سيرسخ لديهم ما سيتعلمونه تباعًا.
ألبيرت باندورا
وهو من أهم من تحدثوا في علم النفس التربوي وولد عام 1925 وله العديد من الأبحاث والمؤلفات أهمها نظرية التعلم الاجتماعي بالمحاكاة والتقليد، هو يقول أن أرسخ أنواع التعليم والتربية هي التي تتم بالاقتداء، سواء بالأب أو بالمعلم أو بالشيخ في المسجد، وحدد الكثير من الشروط حتى تتم عملية المحاكاة.
سكنر
وهو من أمهر من تحدثوا عن ما يسمى التعليم الإجرائي أي التعلم عن طريق الإجراء الفعلي للخبرة المراد تعلمها، وأعطى دورًا هامًا جدًا للتعزيز والإثابة في العملية التربوية والتعليمية، وسكنر ولد عام 1904 ومات عام 1990، بعد أن قدم الكثير لخدمة تخصص علم النفس التربوي.
علم النفس التربوي وعلاقته بالتخصصات الأخرى
علم النفس التربوي لم ينشأ مستقلًا عن باقي التخصصات النفسية وغير النفسية ولكنه نتاج مجهودات مختلفة للعديد من العلوم والتي ساهمت كثيرًا في ازدهاره وتعبيره الصادق عن الواقع الذي نعيش فيه ومن تلك التخصصات.
سيكولوجية الفروق الفردية
وهذا من أهم العلوم وأقربها صلة بعلم النفس التربوي، وهو الذي يهتم بدراسة الفروق بين الناس سواء الفروق بين المراحل العمرية المختلفة أو الفروق بين الجنسين أو حتى الفروق بين المجموعات، فما يصلح لتربية ابنك قد لا يصلح لتربية بنتك والعكس صحيح وما يُصلح رضيعك لا يُصلح ابنك المراهق.
علم النفس النمو
ذلك التخصص أيضًا قريب الصلة بعلم النفس التربوي ويهتم بدراسة مراحل العمر المختلفة والتي تختلف فيها المظاهر والأشكال والانفعالات مع مرور الزمن، وذلك في كل جوانب الشخصية المختلفة، وبالطبع هذا يوفر على المربين الكثير في عملية تربيتهم لأبنائهم ويجعلهم يعرفون طبيعة المرحلة العمرية للطفل الذي يقدمون له عملية التربية.
علم النفس التعليمي
وذلك العلم يهتم بالعملية التربوية التي تتم في المدرسة وداخل البيئة الصفية فقط، وهو قريب الصلة بعلم النفس التربوي وينهل منه، بل والبعض يعتقد أن صلاح العملية التربوية الصفية في المدرسة سببه في المقام الأول وجود تربية أسرية قوية.
علم النفس البيئي
وعلم النفس البيئي يهتم بدراسة تأثير البيئة بمتغيراتها المختلفة على عملية التربية سواء في البيت والمدرسة، مثلًا الظروف الجوية السيئة أو عدم وجود مقعد مريح للطلاب أو عدم وجود سبورة واضحة كل تلك العوامل تؤثر على العملية التربوية، ومن أبرز علماء علم النفس البيئي كيرت ليفين.
أهم كتب علم النفس التربوي مع تقديم لكل منها
قبل تقديم تلك الكتب أنصحكم بمراعاة ثلاث نقاط هامة جدًا، الأولى أن تلك الكتب لا يمكن أن تستوعبها إلا بعد قراءتها على الأقل مرتين لما بها من تفاصيل كثيرة، ثانيًا عليك أن تكون عمليًا وتطبق ما فيها، ثالثًا لا تقف عند تلك الكتب فقط ولكن ابحث عن غيرها لكي تستزيد.
كتاب علم النفس التربوي للدكتور جابر عبد الحميد جابر
وهو من أمتع الكتب التي قرأتها وبه تفاصيل عدة تخص البيئة المدرسية والصفية، وهو بحق يستحق لقب الكتاب الأفضل، وبه العديد من السبل والمخططات الإحصائية والنفسية التي تعين المعلم والمربي على قياس السلوك الإنساني بسهولة وتعينه على تقييم المُعوج منها، كما يوجد بالكتاب العديد من المصطلحات التربوية الهامة.
معجم علم النفس والتربية بأجزائه المختلفة
فكثير من المتخصصون في التربية يقف أمامهم بعض المصطلحات التربوية النفسية الغريبة والجديدة مثل “التنمر” والتي لا يعلمون معناها ومدلولها، لذلك أقدم لهم ذلك المعجم الأكثر من رائع وهو بأجزاء عدة وهناك منه عدة صور ونسخ مزيدة ومنقحة، وهو مرتب حسب الحروف الأبجدية.
كتاب مدخل إلى علم النفس للدكتور يحيي الأحمدي
وهو من أوائل الكتب التي قرأتها وله أسلوب رشيق للغاية يخترق القلب والعقل، وموضوعاته بسيطة للغاية ويصلح لأن يكون نواة لك لو كنت غير متخصص في علم النفس والتربية، ويتكون من خمس فصول الأول تاريخ علم النفس يليه الدوافع والشخصية والفروق الفردية والانفعالات.
مبادئ علم النفس التربوي لعماد عبد الرحيم الزغول
وهو كتاب من عشرة فصول يشمل العديد من القضايا التربوية بأسلوب مبسط ومنها تاريخ علم النفس التربوي والأهداف من العملية التربوية والنظريات التربوية المختلفة والأهداف التدريسية للمعلم وتعلم كيفية صياغتها بالإضافة لعمليتي القياس والتقويم في العملية التربوية والتعليمية والكتاب للأمانة دسم للغاية وقد تستعين به كمرجع من حين لآخر.
كتاب علم النفس التربوي لعبد المجيد النشواتي
وهو كتاب أكثر من رائع ودسم للغاية للأستاذ الدكتور عبد المجيد النشواتي الأستاذ بجامعة اليرموك بعمان، والكتاب به موضوعات متنوعة جدًا، منها أهداف علم النفس التربوي ومنها الذكاء والابتكار والنمو المعرفي واللغوي والأخلاقي للإنسان والدافعية والتفاعل الصفي والتذكر والنسيان والتعلم الصفي وهو يصلح كمرجع تربوي لك حين تحتاجه.
الحقيبة التدريبية لعلم النفس التربوي لمحمد الجغيمان
وساعده في تصميم تلك الحقيبة التدريبية الدكتور عبد الحي علي محمود وهي مليئة بالدورات التدريبية والأنشطة المختلفة الخاصة بالتربية ومنها التعلم والنمو الأخلاقي والاجتماعي والتعزيز وتفسير السلوك الإنساني على تعقيده وتعديل السلوك والعواطف والانفعالات وعملية التنشئة الاجتماعية وتلك الحقيبة قد يستعين بها المعلم لكي يعدل من السلوك المعوج لتلامذته.
وستجد أغلب تلك الكتب موجود على الإنترنت بصيغة PDF، فقط ابحث باسم الكتاب الذي تحب في محرك البحث جوجل.
كيف نقدم بحث عن علم النفس التربوي وفق مبادئ البحث العلمي
مناقشة مشكلات حقيقية وواقعية
لكي يكون بحثك التربوي ذا قيمة عليك أن تربطه بالواقع، وأفضل الطرق التي ستعينك على ربط بحثك بالواقع هو أن تحل ببحثك مشكلة في الواقع الذي تعيش فيه، مثلًا قد تناقش في بحثك تأثير عمل الأم على تحصيل الطلاب في المدارس.
وقد تدرس تأثير أفلام الكرتون على طفلك في المنزل، وقد تدرس تأثير الخلافات الزوجية بين الأم والأب على السواء النفسي لابنهما، أو قد يدرس أحد الباحثين قضية البلطجة في مدارسنا والتي ظهرت مؤخرًا، أو قضية التسرب من التعليم، كلها قضايا يهتم بها تخصص علم النفس التربوي.
الدراسة الميدانية الوافية والمتعمقة
والباحث في علم النفس التربوي لا بد وأن يجمع معلومات عن كل جوانب الظاهرة التي يدرسها، فمثلًا مشكلة التسرب التعليمي لها جوانب عدة على الباحث أن يهتم بها، مثلًا قد يكون الأب يُكَرِّه ابنه في التعليم وقد تكون المناهج عقيمة وصعبة على الطلاب وقد يكون جو الفصل ممل ورتيب.
بناء الأدوات البحثية وفق الشروط الإحصائية العالمية
الباحث يحتاج دومًا لأدوات بحثية مختلفة كي تعينه على جمع المعلومات بشكل دقيق للغاية، تحديدًا وأننا نتحدث عن علم النفس التربوي بموضوعاته المتشعبة للغاية، تلك الأدوات قد تكون استبانة أو اختبار ورقي أو تحصيلي، والمتخصصون في الإحصاء حددوا شروط ثلاثة للأداة الجيدة وهي الصدق والثبات والموضوعية.
التطبيق على عينات مختلفة ومتنوعة
الباحث في علم النفس التربوي لا بد وهو يطبق أدواته أن يكون موضوعيًا في انتقاء العينات التي سيطبق عليها، بحيث ينتقي العينة المُعبرة عن المجتمع الذي نعيش فيه، مثلًا لا يجوز أن يطبق الباحث أدواته على الطلاب الذكور فقط أو الريفيين فقط، بل لا بد وأن تكون عينته متنوعة للغاية.
