فضل صلاة الضحى

الصلاة شرّعها الله سبحانه وتعالى وأمر العباد بها وهي من أهم أركان الإسلام بدليل قوله تعالى في كتابه الكريم: (فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ۚ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا)، وهي أول عبادة يسألنا الله عنها يوم القيامة، فهي حبل النجاة لمن تمسك بها، فمن حفظها حفظه الله، ومن ضيّعها ضيّعه الله، وهي من صفات المؤمنين المتّقين الذين يقيمون صلاتهم في أوقاتها ويحافظون عليها، والصلَوات منها الفرض وهي الصلوات الخمس، ومنها النَّافلة كصلاة الضحى وصلاة التراويح، ومنها ما كان مَخصوصًا لغرضٍ معيَّن كصلاة الاستخارة.

في هذا المجال سنتحدث عن إحدى صلوات النوافل، وهي صلاة الضحى التي بينتها السنة النَّبويَّة الشريفة، من حيث تعريفها، وأسمائها، ووقتها، وعدد ركعاتها، وفضلها.

فضل صلاة الضحى

تعريف الضُّحى

الضُّحى في اللغة العربية مأخوذة من فعل ضَحَى، حيث يقال لامتداد النهار ضحى، أما تعريف صلاة الضحى كمُصطَلحٍ شرعيّ، فهي صَلاة من صلاة النَّوافل، تؤدّى بعد ارتفاع الشمس مقدار ميل، وفي حديث سعيد بن منصور قال: عن ابن عباس أنه قال: طلبت صلاة الضحى في القرآن فوجدتها بقوله تعالى: “يسبحن بالعشى والإشراق”، والبعض قال: عن ابن عباس أنه قال إن صلاة الضحى في القرآن وهي في قوله سبحانه وتعالى في سورة النور: “في بيوت أذن الله أن تُرفَعَ ويُذكرُ فيها اسمهُ يسبّح له فيها بالغدوِ والآصال”.

كما أن المحافظة على هذه الصلاة العظيمة تجلب الرحمة الإلهية، وتفتح أبواب الرزق، وتدفع أبواب الشرّ، فهي الحصن والدرع المتين.

أسماء صلاة الضّحى

إضافة لاسمها صلاة الضحى تعرف باسم صلاة الإشراق أو الشروق، وقد سمِّيت كذلك كونها تؤدّى بعد شروق الشمس أي بعد طلوعها، وجمهور العلماء أجمعوا على أنَّ صلاة الإشراق هي ذاتها صلاة الضُّحى بدليل قوله سبحانه وتعالى: (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ).

كما تُعرف باسم صلاة الأوّابين، حيث وردت هذه التسمية في بعض الروايات المنسوبة للرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، ومن بينها أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: “أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلَاثٍ لَسْتُ بِتَارِكِهِنَّ: أَنْ لَا أَنَام إِلَّا عَلَى وِتْرٍ، وَأَنْ لَا أَدَعَ رَكْعَتَيِ الضُّحَى فَإِنَّهَا صَلَاةٌ الْأَوَّابِينَ، وَصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ”.

وقت صلاة الضحى

يبدأ وقت صلاة الضُّحى بارتفاع الشَّمس في السَّماء بمقدار رمح، أي ما قدره متران، ويمتدّ إلى حين دخول وقت الكراهة، أي قبل زوال الشمس بقليل، بمعنى يستحب للذي يريد أن يصليها تأخيرها إلى أن ترتفع الشمس ويشتد حرّها، بدليل قوله عليه الصلاة والسلام: “صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال من الضحى” رواه أحمد ومسلم.

ولا يوجد خلاف بين الفقهاء في أن صلاة الضحى يكون وقتها إذا علت الشمس واشتدَّ حرَّها، بدليل قوله عليه الصلاة والسلام “صلاة الأوَّابين إذا رمضت الفصال من الضّحى”.

  • ومعنى الرمضاء: الرمل.
  • ومعنى الفصال: هي صغار الإبل: فتبرك الفصال من شدة حرّ الشمس.
  • ويعتبر أول وقت لصلاة الضحى: هو ارتفاع الشمس وبياضها وذهاب حمرتها، وآخر وقت لأدائها هو الزوال.
  • ووقت الضحى من ارتفاع الشمس أي بعد شروق الشمس بـ 15 دقيقة تقريبًا إلى ما قبل الزوال، أي قبل الظهر بـ ثلاث دقائق تقريبًا.

عدد ركعاتها

عدد ركعات صلاة الضحى أقلها اثنتان وأكثرها ثمان ركعات أو أكثر، ولا حد لأكثرها، يصليها العبد مثنى مثنى، ولا توجب فيها الجماعة، بدليل حديثٍ رواه أبا هريرة رَضِيَ اللَّه عنْه: أَوْصَانِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَكْعَتَيْ الضُّحَى …. إلى آخر الحديث.

كما روى ابن جرير عن مجاهد قال: أن رسول الله عليه الصلاة والسلام صلى الضحى يومًا ركعتين ثم يومًا أربعًا ثم يومًا ستًا ثم يومًا ثمانية، ثم ترك يومًا، وحدثنا أبا الدرداء رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: “من صلى الضحى ركعتين لم يكتب من الغافلين، ومن صلى ثمانٍ كتب من القانتين، ومن صلى اثنتي عشرة ركعة بنى الله له بيتًا في الجنة”.

وقد حدثنا سعيد بن منصور عن الحسن أنه عندما سُئل عن أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام هل كانوا يصلّون صلاة الضحى؟ فأجابهم بأنه منهم من صلى الضحى ركعتين، ومنهم أربع ركع، ومنهم من كان يصليها حتى اثنتي عشرة ركعة.

وعن السيدة عائشة رضى الله عنها بينت بأن الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام كان يصلي الضحى أربع ركعات ويزيد ما شاء الله.

حكم صلاة الضحى

اختلف العلماء على حكم هذه الصلاة على عدة أقوال: فسنتعرف على رأيٍ تلو الآخر:

أنها نافلةٌ مستحبَّةٌ

حيث قال جمهور الفقهاء بأنَّ من يؤدّي صلاة الضّحى يُثاب ومن لم يؤديها لا يُؤثم، والدليل هو حديث رواه أبو هريرة رضي الله عنه، حيث أن الرسول عليه الصَّلاة والسَّلام أوصى أبا هريرة بها مع جملة من السُّنن الأخرى كصيام ثلاثة أيامٍ من كلِّ شهر، ممَّا يُدلِّل على أنَّ صلاة الضُّحى هي سُنَّةٌ مستحبَّةٌ.

أنها سُنَّةٌ مؤكَّدةٌ

وهي ما قاله المالكيَّة والشافعيَّة.

على عدم استحباب المداومة

وهذا رأي الحنابلة الذين قالوا بعدم استحباب المداومة على أدائها كي لا تتشابه مع الفرائض.

أنها لا تشرع إلا لسبب

وهذا رأي بعض العلماء ودليلهم في ذلك أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يؤديها إلا لسبب، فاتفق وقوعها وقت الضحى، بدليل ما رواه البخاري عن عبد الله بن أبى ليلى قال: ما حدثنا أحد أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلى الضحى غير أم هانئ، فإنها قالت: “أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيتها يوم فتح مكة فاغتسل وصلى ثماني ركعات، فلم أر صلاة قط أخف منها غير أنه يتم الركوع والسجود”.

ويفهم من هذا الحديث أنه صلى الله عليه وسلم عندما صلى يوم الفتح ثمان ركعات ضحى إنما كانت من أجل الفتح.

أنه يستحب فعلها تارة وتركها أخرى

وهذا رأي آخر وهم يحتجّون ببعض الأخبار عن أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، حيث تحدّث عكرمة حيث قال: كان ابن عباسٍ يصليها يومًا ويدعها عشرة أيام، ويعني بذلك صلاة الضحى.

أنها بدعة

وهذا آخر الأقوال ودليلهم ما تحّدث به مجاهد حيث قال: دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد فإذا عبد الله ابن عمر جالس إلى حجرة عائشة، وإذا ناس يصلون الضحى فسألناه عن صلاتهم فقال بدعة.

وبعد كل هذا فإن جمهور الفقهاء اجتمعوا على أنها سنة مستحبة من شاء ثوابها فليؤدبها، ومن شاء تركها ولا إثم عليه.

فضل صلاة الضحى

إن فضل صلاة الضحى عظيم، فهي الحصن الحصين والدرع المتين لمن أدّاها، وقد ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام أحاديث كثيرة في فضل هذه الصلاة منها:

أن الرسول عليه الصلاة والسلام أوصى أصحابه بأدائها

حيث حدثنا أبو هريرة رضي الله عنه، أن الرسول عليه الصلاة والسلام أوصاه بثلاث: “صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام “.

وإن هذا الحديث هو دليل على استحباب صلاة الضحى.

أنها تكون جزأ عن صدقات كثيرة

قال أبا ذرّ رضي الله عنه: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ” يصبح على كل سُلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميده صدقة، وكل تهليله صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، وتُجزئ من ذلك كله ركعتان يركعهما من الضحى” (والسُلامى معناه مفصل من مفاصل الأعضاء والأصابع).

وقد أكد الإمام النووي رحمه الله على أن هذا الحديث دليل على عظم فضل الضحى، وأنها تصح ركعتين، وأنه إذا أدى العبد ركعتا صلاة الضحى تكفي عن الصدقات، لأن جميع الأعضاء تتحرك بالصلاة من قيام وقعود فيكون ذلك شكر من العبد لربه.

أن النبي عليه الصلاة والسلام حرص على أدائها

عن فاختة بنت أبي طالب والملقبة بأم هانئ رضي الله عنها، أنها ذَهَبت إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام عام الفتح فوجدته يَغْتَسِل، فلمّا فرغ من غُسْلِه، صلَّى ثماني ركعات، وذلك ضُحىً.

هي صلاة الأوابين

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: “صلاة الضحى صلاة الأوابين”.

كما أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: “لا يحافظ على صلاة الضحى إلا أواب”.

قال الإمام المناوي رحمه الله: أن الأواب هو الراجع إلى الله بالتوبة، وهذا ردّ على من قال بأن من يداوم عليها تورثه العمى.

أنها تكفي من يؤديها ما أهمّه من المحن والبلاء

حدثنا أبا ذرّ رضى الله عنه أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: “قال الله عزّ وجلّ: ابن آدم، صلّ لي أربع ركعات من أول النهار، أكفك آخره”.

أنها غنيمة عظيمة

عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سريّة فغنموا وأسرعوا الرجعة، فتحدث الناس بقرب مغزاهم وكثرة غنيمتهم وسرعة رجعتهم، فقال صلى الله عليه وسلم: “ألا أدلكم على أقرب منهم مغزى وأكثر غنيمة وأوشك رجعة، من توضأ ثم غدا إلى المسجد لسبحة الضحى، فهو أقرب منهم مغزى وأكثر غنيمة وأوشك رجعة”.

صلاة الضحى تعادل أداء عمرة

حدثنا أبا امامة رضي الله عنه عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه قال: “من خرج من بيته متطهرًا إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم، ومن خرج إلى تسبيح الضحى لا ينصبه إلا إياه فأجره كأجر المعتمر، وصلاة على إثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في علييّن”.

معنى كلمة: (لا ينصبه) أي: لا يتعبه.

الضحى هي طريق القانتين

وبذلك ما روى زيد بن أسلم أنه قال: سمعت عبد الله بن عمر يقول لأبى ذر: أوصني يا عم، فقال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما سألتني، فقال: “من صلّى الضحى ركعتين لم يكتب من الغافلين، ومن صلى أربعًا كتب من العابدين، ومن صلى ستًا، لم يلحقه ذلك اليوم ذنب، ومن صلى ثمانيًا كتب من القانتين، ومن صلى اثنتي عشرة ركعة بنى الله له بيتًا في الجنة”، رواه الطبري.

في النهاية …

إن الصلاة المفروضة والتي يعاقب الإنسان على تركها هي الصلوات الخمس المفروضة في كل اليوم، أما الصلوات النافلة وهي الصلوات الأخرى التي سنّها لنا الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، كصلاة الضّحى فيستحب المداومة عليها، وذلك لأن أحب الأعمال إلى الله ما داوم عليها صاحبها، بدليل ما قاله صلَّى اللَّه عليه وسلَّم: “أَحبُّ العمل إِلى اللَّه تعالى ما داوم عليه صاحبُهُ وإنْ قَلَّ”، رواه مسلم.

وكما قال صلى الله عليه وسلم: “من حافظ على شفعة الضحى، غفرت له ذنوبه، وإن كان مثل زبد البحر”، رواه الترمذي وابن ماجة وأحمد.

والمقصود بشفعة الضحى ركعتا الضحى. فإن العبد المسلم إن قام بها حصل له من وراءها الأجر العظيم والحسنات الكثيرة، وإن تركها لم يعاقب على عدم القيام بها.

اقرأ أيضًا:

شارك المعلومة؛ فالدال على الخير كفاعله