ما هي أسباب إدمان المخدرات؟ ولماذا يصبح البعض مدمنين والبعض الآخر لا؟

الكثير من الناس لا يعرفون كيف أو لماذا يصبح بعض الأشخاص المدمنين على تعاطي المخدرات، وهم يعتقدون أن من يتعاطون المخدرات هم أشخاص لا يملكون الأخلاق أو قوة الإرادة الكافية للتوقف عن تعاطي المخدرات بقرار شخصيٍ منهم.

في الحقيقة، يعتبر إدمان تعاطي المخدرات من الأمراض المعقدة للغاية، ويتطلب التوقف عن هذا الإدمان أكثر من النية الحسنة والإرادة القوية، فالمخدرات تؤثر بشكلٍ مباشر على الدماغ وتغييره بشكلٍ يجعل من الصعب التوقف عن تعاطيها، حتى لو كان المدمن يرغب في ذلك.

بعد إجراء الكثير من الأبحاث والدراسات، تمكن العلماء من فهم أسباب إدمان المخدرات وآلية حدوث الإدمان، وقد تمكنوا من إيجاد علاجات يمكن أن تساعد المدمنين على التوقف عن تعاطي المخدرات والعودة للحياة الطبيعية.

ما هو إدمان المخدرات؟

الإدمان على المخدرات هي حالة تتميز برغبة الشخص المدمن الملحة على تعاطي المخدرات والبحث عنها بشكلٍ قهري وغير مسيطر عليه، وعلى الرغم من أن ذلك يسبب مشاكل قانونية وصحية، وقد يعرض حياة المدمن للخطر، يستمر هذا السلوك الإدماني دون قدرة على التوقف عنه.

في معظم الحالات، يكون تعاطي المخدرات لأول مرة طوعيًا وبإرادة الشخص، لكن وبعد تعاطيها عدة مرات، تحدث تغييرات في الدماغ تجعل المريض غير قادرٍ على ضبط نفسه والتوقف عن التعاطي، هذا يعني أن الرغبة في تعاطي المخدرات تفوق قدرة الشخص على المقاومة.

التغيرات التي تحدث في الدماغ نتيجة تعاطي المخدرات قد لا يكون وعلاجها سهلًا، وحتى خلال العلاج، عندما يصل الشخص إلى مرحلة يستطيع فيها السيطرة على رغبته في التعاطي، يمكن أن يحدث انتكاس ويعود هذا الشخص إلى التعاطي والإدمان مره ثانية.

الانتكاس التي يعاني منه الكثير من المرضى خلال فترة العلاج لا يعني أن هذا العلاج غير فعال، هذا يشبه إلى حد كبير العلاجات الأخرى التي تستخدم في علاج الحالات الصحية المزمنة، لهذا السبب، يجب أن يكون العلاج مستمرًا تحت إشراف طبي ويجب على الأطباء تعديل هذا العلاج حسب استجابة جسم المريض وتغييره أو تعديله أو الاعتماد على علاجات أخرى لتلبية احتياجات المريض.

ما الذي يحدث للدماغ عند تعاطي المخدرات؟

معظم أنواع المخدرات تؤثر على منطقة في الدماغ تسمى “دائرة المكافأة”، هذا التأثير يسبب إطلاق الناقل العصبي الكيميائي المعروف باسم الدوبامين، هذا الناقل العصبي مسؤول عن الشعور بالنشوة عندما نتناول الأطعمة التي نحبها أو عندها ممارسة الجنس، ويؤدي زيادة كميته في الدماغ إلى الشعور بالمتعة والنشوة.

إذا استمر مع الشخص في تعاطي المخدرات، تنخفض قدرة الخلايا في الدماغ على الاستجابة للدوبامين، وهذا يقلل الشعور بالنشوة والمتعة التي يشعر بها الشخص عندما تعاطي المخدرات في المرات السابقة، وللتعويض عن ذلك، يلجأ الشخص إلى تعاطي المزيد من المخدرات لتحقيق نفس النشوة التي كان يحققها، وبذلك يدخل في حلقة مفرغة، فكلما زادت كمية المخدرات التي يأخذها المدمن، تقل استجابة الخلايا في الدماغ لتأثير الدوبامين، وهكذا يضطر الشخص إلى زيادة الجرعة بشكلٍ كبير للغاية مما يشكل خطرًا على حياته.

بالإضافة إلى الحاجة لتعاطي جرعات زائدة من المخدرات، يصبح المدمن غير قادر على الاستمتاع بالأنشطة التي كان يستمتع بها في الماضي، مثل الأطعمة المفضلة أو ممارسة الجنس أو الأنشطة الاجتماعية.

تبين أيضًا أن تعاطي المخدرات لفترة طويلة من الزمن يحدث تغيرات تؤثر على عدد من المراكز في الدماغ، والتي بدورها تؤثر على عدد من الوظائف التي يقوم بها الشخص مثل:

  • التعلم.
  • اتخاذ القرار.
  • التعامل مع الضغط العصبي.
  • الذاكرة.
  • السلوك.

معظم الأشخاص الذين يتعاطون المخدرات يدركون تلك التأثيرات الضارة، لكنهم مضطرين للاستمرار في التعاطي بشكل خارج عن إرادتهم، وهذا بالضبط هو الإدمان، أي أن تكون مضطرًا لأخذ مادة ما أو القيام بسلوك معين دون القدرة على التوقف.

لماذا يصبح بعض متعاطي المخدرات المدمنين والبعض الآخر لا؟

لا يوجد عامل واحد يساعد على التنبؤ ومعرفة ما إذا كان الشخص الذي يتعاطى المخدرات سيصبح مدمنًا عليها، فهناك مجموعة كبيرة من العوامل التي يمكن أن تؤدي إلى الإدمان، وكلما زادت هذه العوامل عند الشخص، زادت فرصة أن يصبح مدمنًا على تعاطي المخدرات.

فيما يلي بعض من هذه العوامل:

العوامل الوراثية: تؤثر الجينات والعوامل الوراثية على كل نواحي حياة الشخص، بعض هذه العوامل الوراثية مثل الجنس والعرق والاضطرابات العقلية يمكن أن تزيد من خطر تعاطي المخدرات وإدمانها.

العوامل البيئية: يقصد بالعوامل البيئية تلك العوامل المتعلقة بالبيئة التي يعيش فيها الشخص مثل العائلة والأصدقاء والحالة المادية والعمل والضغوطات التي يتعرض لها مثل ضغط العمل أو الدراسة أو الاعتداء الجسدي أو الجنسي أو التوتر والقلق أو المعاملة السيئة من قبل الوالدين أو التعرض للصدمات مثل وفاة شخص عزيز، هذه العوامل إذا ترافقت مع تعاطي الشخص للمخدرات، فيمكن أن يكون أكثر عرضة للإدمان.

المرحلة العمرية: إن تعاطي المخدرات في عمر معين يمكن أن يزيد من خطر الإدمان، ففي المراحل المبكرة مثل مرحلة المراهقة، قد لا يدرك الشخص التأثير الخطير للمخدرات ويتعاطاها بكمياتٍ كبيرة، لهذا السبب، يكون المراهقين عرضة بشكلٍ خاص للسلوكيات المحفوفة بالمخاطر بما في ذلك إدمان المخدرات.

هل يمكن الشفاء من إدمان المخدرات وتجنب الانتكاس نهائيا؟

كما قلنا أعلاه، الإدمان هو مرض مثله مثل أي مرض مزمن آخر كمرض السكري أو الربو أو أمراض القلب، لذلك، لا يركز الأطباء على العلاج فقط، بل يركزون على الإدارة الناجحة لحالة الإدمان.

لقد تبين أن الأشخاص الذين يتعافون من إدمان المخدرات معرضون لخطر الانتكاس من جديد وإدمان المخدرات مرة أخرى خلال السنوات المقبلة، وبعضهم يكونون معرضين لخطر الانتكاس طوال حياتهم.

يلجأ الأطباء إلى الجمع بين العلاج الدوائي للإدمان والعلاج السلوكي المعرفي لضمان أفضل الفرص لمعظم المرضى، هذا الدمج بين نوعي العلاج الدوائي والسلوكي هو الأكثر نجاحًا وفعالية للمرضى والذي يضمن تقليل خطر الانتكاس في المستقبل إلى الحد الأدنى.

الوقاية من إدمان المخدرات

هناك أخبار جديده حول تعاطي المخدرات وإدمانها، فقد بينت نتائج الأبحاث التي مولها المعهد الوطني لتعاطي المخدرات، وهو أحد المعاهد الوطنية للصحة التابعة لوزارة الصحة والخدمات الإنسانية في الولايات المتحدة الأمريكية، أن برامج الوقاية والتوعية في المدارس ووسائل الإعلام تلعب دورًا فعالًا في منع تعاطي المخدرات والحد من انتشارها وتقليل عدد المدمنين، وبفضل هذه الحملات، ينظر الكثير من الشباب إلى تعاطي المخدرات على أنه فعلٌ ضار ٌبالصحة، وبالتالي يميلون إلى تجنب تعاطي المخدرات، وحتى حين يتعاطونها، فإنهم لا يصلون إلى مرحلة الإدمان عليها، كما يعرفون كيف ومتى يطلبون المساعدة، ويكونون أكثر قدرة على التعاون مع موظفي الرعاية الصحية لعلاج الإدمان، لهذا السبب، يوصي المعهد الوطني لتعاطي المخدرات في الولايات المتحدة الأمريكية بأن تتبع الحكومات مؤسسات الرعاية الصحية والمنظمات المعنية بمكافحة المخدرات نهجًا قائمًا على التوعية ونشرها في المدارس ووسائل الإعلام وشبكة الإنترنت، كما يوصي المعهد بأن يتم توعية المعلمين وأولياء أمور الطلاب في المدارس، وخاصةً في مرحلة المراهقة لتثقيفهم حول ضرورة تجنب تعاطي المخدرات والإبلاغ عن المروجين لها والمتعاطين وطلب المساعدة والرعاية الصحية في حال تعاطي المخدرات أو الإدمان عليها.

الخلاصة

إدمان المخدرات هو مرض مزمن يتميز بالحاجة الملحة إلى تعاطي المخدرات والبحث عنها بشكلٍ قهري وغير مسيطر عليه، على الرغم من إدراك الشخص للعواقب الوخيمة الناجمة عن ذلك.

تؤثر المخدرات على الدماغ وتؤدي مع الوقت إذا تقليل استجابة الخلايا الدماغية للناقل العصبي المعروف باسم الدوبامين، وهذا يجعل المدمن يحتاج إلى تعاطي كمية أكبر من المخدرات للحصول على نفس النشوة التي كان يحصل عليها عند تعاطي الجرعات السابقة.

حتى بعد علاج المدمن وتوقفه عن تعاطي المخدرات، فإنه يمكن أن ينتكس، يقصد بالانتكاس العودة لتعاطي المخدرات مرة أخرى بعد التوقف عن تعاطيها، وعند حصول الانتكاس، يجب على الأطباء المعالجين تقييم حالة المريض وعلاجه بطريقة مختلفة أو لفترة أطول.

لا يوجد عامل واحد يمكن من خلاله أن نتنبأ بأن شخصًا ما سيصبح مدمنا على المخدرات، بل هناك مجموعة من العوامل والتي كلما زادت عند الشخص، ستزيد من احتمال أن يصبح مدمنًا، هذه العوامل تكون إما وراثية أو بيئية أو مرتبطة بالعمر.

إدمان المخدرات هي حالة يمكن علاجها، وإذا تم إدارتها بشكلٍ ناجح، يمكن ضمان عدم الانتكاس.

من أجل تجنب تعاطي المخدرات وإدمانها، يجب توعية المجتمع وخاصة المعلمين وأولياء أمور الطلاب في المدارس، كما يجب نشر حملات توعية في وسائل الإعلام وشبكة الإنترنت وتعليم مقدمي الرعاية الصحية كيفية التعامل مع حالات الإدمان وعلاجه بشكلٍ فعال.

المصدر

فهم الحقائق حول تعاطي المخدرات والإدمان – المعهد الوطني لتعاطي المخدرات في الولايات المتحدة الأمريكية

شارك المعلومة؛ فالدال على الخير كفاعله