فن الحوار والتواصل يتجاوز مجرد الحديث بين شخصين أو أكثر إلى كونه تبادل للأفكار والآراء وتحليلها ومناقشتها بغية الوصول لأفكار جديدة، تطوير أفكار قديمة، صياغة رؤية جديدة لموضوع معين، حل مشكلة ما، أو اقناع طرف في قضية ما وذلك ضمن وسط يسوده الهدوء والتفاهم بعيداً عن كل أشكال التعصب.
وأكثر من ذلك يقول البعض بأن الحوار هو فن التفكير الجماعي، حيث يطرح المتحاورون أفكارهم وما يجول في خواطرهم حول محور النقاش دون تعصب أو تحامل على أفكار الرأي الآخر، محاولين التخلص من الرغبة الغريزية للطبيعة البشرية لجعل الآخر ند في كل ما يقول ويعتقد.
ما الذي يجعل مهارات الحوار والتواصل ضرورة؟
تعتبر مهارات الحوار والتواصل اليوم من أكثر المهارات احتياجاً سواء في حياتنا الاجتماعية أو المهنية وحيثما تواجدنا. ففي سوق العمل مثلاً يركز المدراء ومسؤولي العمل على جذب الأشخاص البليغين وذو المهارات العالية في التفاوض والأقناع والقادرين على التعبير عن الأفكار وعرضها وشرحها على جذبهم إلى ميدان العمل لما في ذلك من أهمية بالغة في تحقيق أهداف الشركة والعمل وتحسين صورتها أمام الأخرين، فالأشخاص الذين يتمتعون بمواهب عالية في التواصل ويجيدون فن الحوار دائماً قادرين على تقديم أنفسهم أو الجهة التي يمثلونها بالصورة الصحيحة وبأفضل أسلوب.
أما على الصعيد الشخصي فامتلاك هذه المهارات جزء مهم جداً من حياتنا بشكل عام ولا يمكننا أن نتخيل النجاح على الصعيد الشخصي دون امتلاكنا لهذه المهارات. فعندما نسعى للحصول على وظيفة ما لابد أن نكون قادرين على عرض مؤهلاتنا ومميزاتنا التي نملكها لصاحب العمل وأقناعه بجدوى توظيفنا والفوائد التي سيحصل عليها، وإلا لن نتمكن من الحصول على تلك الوظيفة إذا ما فشلنا بأقناع مسؤول العمل بأنفسنا.
ولحسن الحظ فأن فن الحوار والتواصل لا يحتاج إلى مواهب فطرية ولا تتعدى كونها مهارة مثل غيرها من المهارات يمكن اكتسابها إذا ما شئنا ذلك عبر التعلم، فهي مجموعة تقنيات وتكتيكات يمكن تعلمها من مصادر مختلفة وتطبيقها في حياتنا اليومية مع العائلة والأصدقاء وزملاء العمل وغيرهم.
أبرز الأساليب لإتقان فن الحوار والتواصل

وإليك أساسيات فن الحوار وأبسط تقنياته والتي يمكنك البدء بتطبيقها فور الانتهاء من قراءتها.
تدرب على الحوار والتواصل
أي مهارة تود اكتسابها تحتاج بشكل رئيس وقبل كل شيء للتدريب. بين جو العائلة والعمل والأصدقاء يمكن أن يكون مكان أكثر من رائع للتدرب على فن الحوار والتواصل بفعالية، حاور الزملاء بأمور العمل، أطرح افكارك والأسئلة التي تراودك في الاجتماعات التي تحضرها ولا ترتاب من ذلك، كن على تواصل مع من حولك باستمرار، حاول أن تجد مواضيع مشتركة وأحاديث تهم الطرفين.
بالنسبة لي كانت الأعمال الطوعية التي أقوم بها جزء أساسي من تطوير مهاراتي في الحوار والتواصل حيث وجدت الكثير من الأشخاص يشاركوني الاهتمامات والهوايات وكانت تجاربي هناك مثمرة بالنسبة لقدراتي في التواصل والتدرب على عرض الأفكار ومناقشتها وطرحها. وهذا مقال كنا قد تحدثنا فيه عن آداب الحوار مع الأخرين يمكنك الاستفادة منه.
عبر عن أفكارك بأفضل صورة ممكنة
كثيراً ما يحدث ونصادف أشخاص لا يجيدون التعبير عن أفكارهم كما هي بل وكثيرًا، ما يساء فهمهم ولا يتمكنون من إيصال الرسالة التي يريدون. لذلك قدراتنا في التعبير عن أفكارنا وآراءنا جداً مهمة في حياتنا ولا يمكن أن نحقق أهدافنا دون ذلك، فكيف يمكننا أن نقنع شخص أن يقدم مساعدة ما لنا ونحن عاجزين عن شرح الغاية التي نطلب من أجلها المساعدة، ناهيك عن القدرة على إقناع الطرف الأخر بتقديم المساعدة.
استخدم لغة إيجابية
الأسلوب الذي نستخدمه في حواراتنا بشكل أو بآخر يعبر عن شخصيتنا. عندما يستخدم شخص ما في حديثه كلمات إيجابية فهذا يعني إنه شخص إيجابي، طموح، على ثقة بنفسه، ومندفع لعمله. أما عندما يستخدم الشخص كلمات سلبية فأنه في الغالب يكون شخص كسول، غير واثق من نفسه، ليس لديه طموحات، ولا يبحث عن التقدم والتطوير، وغالباً سيكون عالة على الآخرين. وبذلك يتجنبه الناس.

كن واثق من نفسك
الثقة بالنفس ضرورية لتطوير شخصياتنا اجتماعيًا وعمليًا ومهنيًا وللتقدم بحياتنا للأمام، لأننا إذا لم نكن على ثقة بأنفسنا فلن نتمكن من إنجاز أي شيء وعند كل مغامرة أو فرصة أو مفترق طرق نواجهه سيخبرنا عقلنا الباطن بأننا غير قادرين على فعل هذا وإنه ليس لدينا الإمكانيات، وينتج عن هذا بأن تبقى أحوالنا كما هي وماضينا كمستقبلنا دون تغير ولا تحسن. لكن أيضًا يجب أن نكن حذرين فلا نبالغ بالثقة بأنفسنا وندّعي قدرتنا على فعل ما لا يمكننا فعله في الواقع، لأن هذا سيظهر الشخص بأنه كاذب وغير كفئ.
اهتم بمظهرك
بغض النظر عن كل ما يقال حول هذا الأمر وبأن المضمون هو الجوهر وإننا يجب إلا ننخدع بالمظاهر، المظهر الخارجي شيء رئيسي في الشخصية ويساهم في تشكيل الانطباع عنك لدى الآخرين بشكل أو آخر. طبعًا بالتأكيد لا داعي للمبالغة في هذا الجانب وإنفاق كل ما نملك على الملابس وصرعات الموضة بل فقط قليل من الاهتمام بالمظهر الخارجي يفي بالحاجة، فالأشخاص الذين يبالغون كثيراً بأناقتهم الشخصية أيضاً غير محبذين.
لغة الجسد
من أهم أساسيات فن الحوار والتواصل مع الآخرين ودونها لا يمكن أن تكون عملية التواصل فاعلة. الإيماءات التي نستخدمها أثناء الكلام، حركة العين، طريقة الجلوس، اليدين، وغيرها تساعد في إيصال رسالتنا للطرف الأخر سواء كان جمهور أو شخص أو كنا في اجتماع.
لا تقيّم أحد
تقييم الأخرين أو نقدهم والتعليق عليهم أو على أعمالهم غير محبذ على صعيد التواصل الاجتماعي وله تأثير سلبي مباشر على الطرفين، وخاصة إذا ما كان الشخص الذي يقيّم غير خبير في المجال أو ليس لديه خلفية كافية من المعلومات عن الموضوع؛ لذلك من المفضل أن نحاول قدر الإمكان تجنب التعليق على الأخرين أو تقييمهم أو نقدهم إذا لم يكن من داعي لذلك.
كن مستمع جيد
فن الإنصات مهم جدًا بالنسبة للباحثين عن مهارات فن الحوار والتواصل ولا يمكن للشخص أن يكون متحدث جيد إذا لم يجيد الاستماع للأخرين. طبعًا ليس المقصود بالاستماع أن نستمع للآخر بينما يتحدث وحسب بل يتجاوز ذلك إلى القدرة على التفاعل مع المتحدث بالطريقة المناسبة، إظهار المشاعر المناسبة لسياق الحديث، أن يكون تفاعلنا مع المتحدث صادق وعميق وليس مجرد مجاملة. وطبعاً هذا لا يعني أن نقضي كل وقتنا في الاستماع للأخرين بغض النظر عن الشخص والحديث إذا ما كان يحمل قيمة أم لا، فأيضاً لوقتنا قيمة.
هذه كانت بعض أهم أساسيات فن الحوار ومهارات التواصل مع الآخرين، المهارة الأكثر فائدة واحتياجاً لمجتمعات اليوم في كل مجالات الحياة دون استثناء، ولا يخفى على أحد بأنها غدت جزء من شخصية الإنسان الناجح في أي مجال سواء العمل الدراسة المجتمع وحتى في العائلة ومع الأطفال تلزمنا مثل هذه المهارات، وهذا مقال أخر يتحدث عن مهارات التواصل الاجتماعي مع الأخرين وأبرز أساليبه.