الفرق بين المدينة والقرية موضوع شامل

بعد طول انتظار، وعمل وصلت فيه الليل بالنهار، استطعت ادخار مبلغ أستطيع شراء منزل متواضع به، وبدأت التفكير في المكان الذي أستطيع أن أتأقلم معه بسرعة، ويتناسب مع احتياجاتي، وهنا كان لابد لي من المشورة، فبدأت باستشارة من حولي في الأمر.

ولكن الآراء زادت حيرتي، وجعلتني أتردد أكثر، فالسُّكنى في المدينة لها الكثير من الميزات والإيجابيات، وكذلك السكنى في الريف لها إيجابيات أيضًا قد لا نجدها في المدينة، ولذلك كان لابد لي من أن أجلس وحدي وأدرس إيجابيات وسلبيات كلا الخيارين.

فخرجت بعد بحثي المطول بهذا المقال الذي جمع الفروق بين المدينة والقرية أتمنى أن يقدم الفائدة المرجوة.

المدينة والقرية.

تعريف المدينة والقرية

لم يجتمع العلماء على تعريف المدينة والقرية، ولكن هناك نقاط تجتمع في أغلب التعريفات.

  • المدينة: هي عبارة عن تجمع سكاني كبير، قد يصل إلى أكثر من مليون نسمة في بعض دول العالم.
  • القرية: هي تجمع سكاني صغير، يتراوح عدد سكانه بين 6-15 ألف نسمة، وقد تتحول هذه القرى إلى ما يسمى بالمناطق الحضرية، ومع الزحف العمراني وزيادة الكثافة السكانية التي تفرض زيادة الخدمات قد تتحول إلى مدينة.

الفوارق بين المدينة والقرية

الحياة الاجتماعية

  • المجتمع المدني مجتمع متنوع معقد متفكك غالبًا، تكثر فيه نسبة الجرائم والانحلال الأخلاقي، بسبب كثرة المغريات والرفاهية.
  • أما القرية فنجد فيها التكاتف بين السكان، فالسكان غالبًا تربطهم ببعضهم صلة قربى، وتساهم العادات والتقاليد وصغر التجمع السكاني في رد الفرد عن الرذيلة مخافة الفضيحة التي قد تنتشر بسهولة.

العادات والتقاليد

  • في المدينة لا نجد تمسكًا بالعادات والتقاليد، بل على العكس قد نجد ازدراءً للعادات والتقاليد، وتقليدًا في أغلب الأحياء لحضارات أخرى مثل الحضارات الغربية.
  • أما في القرية فنجد تمسكًا بالعادات والتقاليد يرقى إلى مستوى التعصب، وهذا ما يجعله تمسكًا سلبيًا في بعض الأحيان.

نمط الحياة

  • نمط الحياة في المدينة معقد ويعتمد على الروتين الممل غالبًا، فالمدن الأكثر تطورًا نجد سكانها في عمل متواصل لمواكبة الرفاهية والتطور الأمر الذي يحتاج للمزيد من المال.
  • أما في القرية فالحياة بسيطة، لا نجد بها التكلف، وتواجد الإنسان الدائم في أحضان الطبيعة يجعله في توتر أقل، وضغوط نفسية أخف.

من ناحية أخرى:

  • فإن نمط الحياة في المدينة قائم على الصخب والضوضاء، نتيجة الكثافة السكانية، ونبض الحياة المتسارع دومًا.
  • في حين نجد القرية أكثر هدوءًا، ما يبعث الراحة النفسية والسكينة في أجوائها.

المرأة

  • تضطر النساء في المدينة للعمل بمختلف المجالات من أجل العيش بكرامة وتلبية متطلبات الحياة الكثيرة، ولهذا نجدها متعلمة منفتحة قوية الشخصية، ولها مكانة اجتماعية، تستطيع الدفاع عن حقوقها.
  • أما في القرية فنجد المرأة تعمل في قطاع الزراعة فقط يدًا بيد مع الرجل، إلا أنها منغلقة ومتخلفة بسبب تكبيلها بالعادات والتقاليد، مسلوبة الحقوق، ضعيفة، هناك من يتحكم بها دومًا.

القوانين والنظم

  • المدن عادة تحكمها القوانين بكافة أنواعها، ولكن الفساد الذي يسود المدن يجعلها تنحرف عن جادة الصواب وإتباع القوانين والالتزام بها.
  • أما في القرى فنجد في أغلب الأحيان التفلّت من القوانين، فالقانون الذي يحكم حياتهم هو العادات والتقاليد أو القانون القبلي، والفرد يأخذ حقه بيده دون اللجوء إلى المحاكم، وهذا ما أدى إلى المحافظة على بعض العادات السلبية المتوارثة كالأخذ بالثأر.

المنشآت السكنية

  • نجد في المدينة الأبنية الحديثة والشاهقة، فكانت ناطحات السحاب الحل الأمثل لمن يود السكنى في وسط المدينة، ولكن الشقق غالبًا ما تكون صغيرة.
  • أما في القرية فنجد الدور البسيطة المؤلفة من طابق أو اثنين، متناثرة بالقرب من بعضها، دون أن يحكمها نظام معين، وغالبًا ما تكون أوسع من أبنية المدن، ولها فناء تفتقر له المنازل في المدينة.

الخدمات

  • في المدينة تتوفر كافة الخدمات الأساسية والترفيهية التي يحتاجها الفرد والتي تجعل حياته أكثر رفاهية من تعليم وصحة ومواصلات واتصالات ووسائل للترفيه مثل دور السينما والمسارح وغيرها.
  • أما في القرية فتتوفر الخدمات الأساسية، وتقل الكمالية مثل المواصلات فلا حاجة للفرد إلى مواصلات بسبب صغر حجم القرية، وقرب الدور من بعضها، وتنعدم الرفاهية مثل دور السينما.

من ناحية أخرى:

  • فالمدينة مزودة بالشوارع المعبدة والمنظمة، والمرافق العامة.
  • أما القرية فغالبًا ما تكون أبنيتها عشوائية، تفتقر للشوارع المعبدة، والمرافق العامة.

الحياة الاقتصادية

  • يعتمد السكان في المدينة على الصناعة والتجارة والعمل في مجالات التعليم والصحة لكسب قوتهم.
  • أما الريفيون فيعتمدون على الزراعة وتربية المواشي، والصناعات البسيطة التي توفر لهم حاجياتهم الأساسية، وأحيانًا التجارة لتصريف الفائض من الإنتاج الزراعي.

من ناحية أخرى:

  • في المدينة نجد أن النسبة الأعلى من السكان هم بحالة اقتصادية وسط أو فوق الوسط، وقد تصل للثراء والغنى الفاحش.
  • أما في القرية فغالبًا يكون هناك مالك للأرض يستغل جهد الفلاح، وهذا ما يؤدي إلى تكريس الفقر أكثر فأكثر، والثري منهم سيلجأ إلى المدينة لإنشاء المشاريع التي تتناسب مع ثرائه.

فرص العمل

  • الكثافة السكانية في المدينة والمشاريع الجديدة والمستمرة تخلق فرص عمل كثيرة للشباب.
  • أما في القرية ففرص العمل أقل، وهذا ما يدفع الشبان للهجرة إلى المدن بحثًا عن العمل.

الغذاء

  • المجتمع المدني يعتمد على السرعة، وهذا ما فرض لجوء الفرد إلى السرعة في كل شيء حتى الغذاء، فلا يوجد وقت لدى ربة الأسرة -التي غالبًا ما تكون عاملة- لإعداد الطعام، فتلجأ للوجبات السريعة أو الأغذية المعلبة والمجمدة.
  • أما أهل الريف فغذاؤهم طازج، طبيعي لأنهم يعتمدون على ما ينتجه الحقل أو مواشيهم، بالإضافة إلى أنه صحي، نظيف، لأنه مصنوع يدويًا في المنزل.

الجانب البيئي

  • فالتلوث البيئي ظاهرة متفشية في المدن، بسبب عوادم السيارات، ونفايات المعامل التي تؤدي لتلوث الهواء والماء.
  • أما القرية فتتمتع ببيئة صحية، خالية من عوادم السيارات، وهذا ما يجعل الهواء نقي خالي من السموم.

الجانب الصحي

  • في المدينة تكثر الأمراض بسبب نمط الحياة والغذاء غير الصحي، وهذا ما يجعل نسبة الوفيات عالية.
  • أما في القرية فنسبة الأمراض أقل إلا أن الجهل وقلة المراكز الصحية تؤدي إلى الموت السريع.

الجانب التعليمي

  • في المدينة كل الفئات تسعى للعلم وتحث عليه، ونجد انتشارًا واسعًا للمؤسسات التعليمية من مدارس وجامعات ومؤسسات التعليم العالي.
  • أما في الريف فنجد نسبة المتعلمين أقل، فالفتاة مكبلة بالعادات والتقاليد التي ترفض التعلم للأنثى، في حين قلة المدارس وندرة الجامعات أو انعدامها تجعل الشباب يتجه للزراعة بحثًا عن الطريق الأسرع لكسب الرزق، فلا مستقبل للمتعلم في بلدة نائية مثلًا.

نظرة القرآن الكريم للقرية والمدينة

كثيرًا ما ورد مصطلح القرية والمدينة في القرآن الكريم، وأحيانًا نجد القرآن يطلق المصطلحين على شيء واحد، وهنا يكمن الإشكال، فهل مصطلح المدينة يعني القرية؟

ولذلك كثرت التفسيرات والتأويلات في هذا المجال، ومن ضمن التفسيرات التي جاء بها المفسرون ما يلي:

ورد مصطلح مدينة في الآية رقم (77) من سورة الكهف في قوله تعالى:

“فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا”.

وعن نفس الموضوع تغير المصطلح من قرية إلى مدينة، في الآية رقم (82) من ذات السورة:

“وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا”.

فكيف يصح أن نطلق مصطلحين مختلفين على شيء واحد؟

وفي تفسير هذا الإعجاز القرآني جاء ما يلي:

الفعل من كلمة (المدينة) يدل على التنوع في المجتمع.

أما الفعل من كلمة (قرية) فيدل على الاجتماع.

فاستُخدمت لفظة (قرية) في الآية الأولى لأن أهل القرية اجتمعوا على خصلة واحدة فاسدة وهي خصلة البخل.

واستُخدمت لفظة (المدينة) في الآية الثانية بعد أن أصبح هناك تنوع في نسيج المجتمع، فهناك رجل صالح وولداه، فلم تعد القرية مجتمعة على خصلة واحدة، فأطلق عليها مدينة.

وهذا ما تؤول به أيضًا آيات سورة ياسين:

الآية الأولى (13): “وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ”، هنا جاءت اللفظة (القرية) فالناس اجتمعوا واتفقوا على الكفر، وعندما أسلم أحد الأشخاص في القرية الكافرة، صار فيها الخير والشر، فيها الكفر والإيمان، ولهذا تحول اللفظ إلى (المدينة)، في قوله تعالى في الآية رقم (20):

“وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ”.

والآن وبعد كل ما تقدم من فروق، إذا وضعنا المدينة والقرية في كفتي الميزان، فسنلاحظ رجحان كفة المدينة تارة، ورجحان كفة القرية تارة أخرى، فلكل منهما ميزاته وعيوبه.

شارك المعلومة؛ فالدال على الخير كفاعله