ما معنى تعويم العملة؟ ومتى يكون في خدمة اقتصاد الدولة؟

في كل يوم، يتم تداول أكثر من 5 تريليون دولار أمريكي (5 آلاف مليار دولار) من العملات في الأسواق المالية، وهذا مبلغ كبير للغاية، كل عملة من العملات المتداولة لها سعرٌ خاص يعرف باسم سعر الصرف، هذا السعر يمكن من خلاله استبدال العملة بعملة أخرى، بمعنى آخر، سعر صرف العملة هي قيمة تلك العملة مقارنة بالعملات الأخرى.

على سبيل المثال، إذا كنت مسافرًا إلى اليابان وكان سعر صرف الدولار الأمريكي هو 110 ين ياباني، هذا يعني أنك مقابل كل دولار تملكه يمكنك شراء 110 ين ياباني.

تقوم دول العالم إما بتحديد سعر ثابت لعملتها المحلية بحيث تكون قادرة على التحكم بهذا السعر وضبطه، أو تعويم العملة بحيث يتم تحديد سعرها من خلال العرض والطلب دون تدخل من الدولة.

معايير تحديد سعر الصرف

هناك معياران لتحديد سعر صرف العملات، المعيار الأول هو سعر الصرف الثابت أو المربوط، وهو السعر الذي تحدده الدول لعملتها وتتحكم به من خلال ربط قيمة العملة بعملة أخرى (غالبًا الدولار الأمريكي)، المعيار الثاني هو سعر الصرف العائم وهو سعر خارج عن سيطرة الدولة ويتم تحديده من خلال العرض والطلب في السوق.

قد تختار الدولة تحديد سعر ثابت لقيمة العملة، وذلك إذا كانت تملك احتياطيات كافية من العملات الأخرى وخاصةً الدولار، ولديها القدرة على تثبيت سعر الصرف. في حين تختار الدولة تعويم العملة إذا كانت ترغب في تحرير سعر الصرف.

الفرق بين سعر الصرف الثابت وسعر الصرف العائم

يتم تحديد سعر صرف العملة العائم من قبل السوق الخاص وذلك عن طريق العرض والطلب ولا يمكن للدولة أن تتحكم في هذا السعر.

يتم تحديد سعر الصرف الثابت من قبل الحكومة (البنك المركزي)، وتسعى بذلك الحكومة إلى إبقائه ثابتًا عن طريق التدخل في السوق.

سعر الصرف الثابت

سعر الصرف الثابت هو السعر الذي تحدده الحكومة (البنك المركزي) وتسعى للحفاظ عليه، يتم تحديد هذا السعر مقابل إحدى العملات الرئيسية التي تكون عادة الدولار الأمريكي، بالإضافة إلى العملات العالمية الرئيسية الأخرى مثل اليورو والين الياباني والجنيه الإسترليني.

لكي يبقى سعر العملة مستقرًا، يقوم البنك المركزي في الدولة بشراء وبيع العملة والتحكم في كمية العملات الأجنبية المتوفرة في السوق والتي ترتبط بعملة الدولة.

لهذا السبب، يجب على البنك المركزي أن يمتلك كمية كبيرة من احتياطيات النقد الأجنبي كمبلغ محجوز يتم استخدامه فقط من أجل شراء عملته المحلية إذا كانت كميتها كبيرة، هذا يضمن توفير عرض نقدي ثابت تقريبًا يساهم في المحافظة على سعر الصرف، ويمكن للبنوك المركزية أن تقرر تعديل سعر الصرف عند الضرورة.

سعر الصرف العائم

على عكس سعر الصرف الثابت، يتم تحديد سعر الصرف العائم من خلال العرض والطلب في السوق، هذا يعني أن السوق يكون مسؤولًا عن تحديد سعر صرف العملة ويتحكم بها ويحافظ على توازنها.

على سبيل المثال، إذا كان الطلب على العملة قليلًا، فإن سعرها سوف ينخفض، وبالتالي سترتفع أسعار السلع المستوردة ما يدفع المواطنين إلى شراء السلع المحلية، وهذا يساهم في دعم الصناعة المحلية وخلق مزيد من فرص العمل، مما يؤدي إلى تصحيح تلقائي لسعر العملة. وبشكلٍ عام، يتقلب سعر الصرف العائم بشكلٍ مستمر.

لا توجد أسعار صرف ثابتة أو عائمة تمامًا

هناك حقيقة يجب أن نعرفها، وهي أنه لا توجد عملات ثابتة السعر أو عائمة السعر بالكامل، فحين يكون سعر العملة ثابتًا، يمكن أن تؤثر الضغوطات في السوق والأزمات الاقتصادية في تغيير سعر الصرف، وبذلك يكون البنك المركزي في الدولة مضطرًا لإعادة تقييم السعر الرسمي للعملة، وإذا لم يفعل ذلك، فإن سوقًا موازية سوف تتطور وتزدهر وتعرف باسم السوق السوداء، التي يتم من خلالها صرف العملة بسعرها الحقيقي مقابل العملات الأخرى.

أيضًا حين يكون سعر العملة عائمًا، يمكن أن يتدخل البنك المركزي إذا كانت الضرورة تستدعي ذلك من أجل ضمان الاستقرار الاقتصادي في الدولة وتجنب حدوث التضخم، لكن بشكلٍ عام، يكون تدخل البنك المركزي في سعر العملة العائمة نادر للغاية.

تطور سعر صرف العملات خلال العصر الحديث

بين عامي 1870 و 1914، كانت جميع العملات في العالم ذات سعر صرف ثابت، وذلك لأن جميع العملات تم ربطها بالذهب، ما يعني أن قيمة العملة في كل دولة كانت ثابتة بسعر صرف محدد مقابل أونصة الذهب، كان هذا النظام يعرف باسم المعيار الذهبي، وساهم في تحرك رأس المال بشكلٍ غير مقيد وفي استقرار الاقتصاد العالمي وثبات أسعار العملات المختلفة، لكن ومع بداية الحرب العالمية الأولى، بدأ التخلي عن المعيار الذهبي.

في نهاية الحرب العالمية الثانية، تم عقد مؤتمر “بريتون وودز” من أجل ضمان الاستقرار العالمي وتحسين التجارة العالمية، وفي هذا المؤتمر، تم تحديد المعايير والقواعد واللوائح الأساسية التي تتحكم في التبادل الدولي، وتم إنشاء نظام نقدي جديد يشرف عليه صندوق النقد الدولي. والاتفاق على أن تكون أسعار العملات ثابتة، لكن هذه المرة، يتم ربطها بالدولار الأمريكي بدلًا من الذهب. فإذا كنت بحاجة إلى شراء الجنيه الإسترليني، فإن عليك معرفه قيمه الجنيه الإسترليني مقابل الدولار الأمريكي، في حين يتم ربط قيمة الدولار الأمريكي بالذهب بسعر 35 دولارًا للأونصة الواحدة.

بقيت قيمة الدولار مرتبطة بالذهب حتى بداية السبعينيات، حيث لم يعد الدولار قادرًا على الاحتفاظ بسعر 35 دولارًا لأوقية الذهب الواحدة.

منذ بداية السبعينيات وحتى الآن، الكثير من حكومات الدول الكبرى قامت بتعويم عملتها، وفي النهاية، تم التخلي عن كل المحاولات التي تسعى للعودة إلى نظام المعيار الذهبي.

ما هو الخيار الأفضل لتحديد أسعار الصرف؟

منذ انهيار نظام بريتون وودز، جربت الكثير من الدول أنظمة مختلفة لتحديد سعر صرف عملاتها، على سبيل المثال، في عام 1979، قامت الدول في المجموعة الاقتصادية الأوروبية (الاتحاد الأوروبي حاليًا) باعتماد آلية موحدة لتحديد قيمة العملة، وبحلول عام 2000، أنشأت هذه الدول عملة موحدة هي اليورو، والتي حلت محل جميع العملات الوطنية.

دول أخرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية قامت بتعويم عملتها بشكلٍ شبه كامل، لكن البنك المركزي الأمريكي تدخل في بعض الحالات النادرة للمحافظة على قيمة الدولار.

للأسف الشديد، وبحسب نتائج تجارب الدول المختلفة، لا يمكن معرفة الآلية الأفضل في تحديد أسعار الصرف في الدولة، فنظام تعويم العملة وسعر الصرف العائم أثبت في بعض الدول نجاحه بشكلٍ كبير، لكن في دول أخرى، أدى إلى تقلبات كبيرة في الاقتصاد وعدم ثقة من قبل المستثمرين، وبالمثل نظام سعر الصرف الثابت، كان منقذًا لاقتصاد بعض الدول، حيث ساهم في تقليل معدلات التضخم، لكن في دول أخرى، أدى هذا النظام إلى تضخم هائل ما دفع الدولة إلى تعويم العملة في النهاية.

يقول الخبراء الاقتصاديون أنه لا يوجد نظام واحد يعمل بشكلٍ مثالي في كل الظروف، لهذا السبب، يجب علينا قبل اتخاذ القرار بتعويم العملة أو عدم تعويمها أن نعرف سلبيات وإيجابيات كل نظام، وأن ندرس توصيات الخبراء الاقتصاديين والظروف الاقتصادية والبسياسية التي تمر فيها الدولة.

السياسة النقدية والمالية الحكيمة

لقد تبين أن مفتاح نجاح معيار سعر الصرف الثابت أو سعر الصرف العائم يتعلق بالسياسة النقدية والمالية الحكيمة للدولة. ولكي تكون السياسة النقدية والمالية في الدولة حكيمة، يجب أن تستوفي شرطين معُا:

  1. أن يكون البنك المركزي والقرارات التي يتخذها مستقلًا بشكلٍ تام عن الحكومة التي تتخذ قرارات الإنفاق. فإذا لم يكن البنك المركزي مستقلًا، قد تلجأ الحكومة إلى طباعة النقود من أجل تمويل مشاريعها، وهذا بدوره يؤدي إلى زيادة التضخم.
  2. يجب أن يكون للبنك المركزي هدف واضح وهو تلبية متطلبات اقتصاد الدولة والمحافظة على معدل تضخم منخفض.

يمكن لنظام سعر الصرف الثابت أو نظام سعر الصرف العائم أن يواجه مشكلات كبيرة وصعوبات إذا لم يتم تلبية الشرطين السابقين. ولسوء الحظ، لم تتمكن معظم الدول في العالم من تحقيق الشرطين، وهذا هو السبب الذي يؤدي لتقلب أسعار العملات في الدول التي اتبعت نظام سعر الصرف الثابت أو العائم. حيث نجد أن تقلب سعر الصرف وعدم ثباته هي سمة من سمات الدول التي لا تملك سياسة نقدية ومالية حكيمة، وخاصة تلك الدول التي تكون فيها الحكومات متحكمة بقرارات البنك المركزي.

المصدر

شارك المعلومة؛ فالدال على الخير كفاعله