ما هو الزواج المدني؟

الزواج المدني هو نوع من أنواع الزواج يلغي الهاجس الديني والمذهبي والعرقي بين الطرفين فيتم تسجيله لدى المحاكم التي ينطبق دستورها وقانونها على هذا الأمر أي التي تسجل عقد الزواج في دواوينها لأي شخصين مسجلين بشكل نظامي ورسمي في سجلات الدولة المدنية، دون النظر إلى انتمائهم الديني.

في الزواج المدني، لا مانع من زواج زوج مسيحي من زوجة مسلمة أو يهودية وبالعكس ولا مانع من زواج مسلم من زوجة مسيحية أو يهودية وبالعكس، وهذا العقد يتم بوجود الشهود وطرفي العقد أي الزوج والزوجة، والكاتب الذي يقوم بكتابة العقد، واللذين يتزوجون بهذا العقد يأخذون في الدولة التي يسمح دستورها به كامل حقوقهم المدنية والاجتماعية والسياسية، وممنوع لأي أحد أن يخالف ذلك، لأن من يخالفه يعتبر مخالف لدستور الدولة التي أتاحت هذا النوع من عقود الزوج ويعد رافض لقوانينها.

الزواج المدني

 الفرق بين الزواج المدني والزواج الديني

يختلف الزواج الديني عن الزواج المدني بما يلي:

يتم حسب دين كل من الطرفين

أي تحكمه شريعة كلا الطرفين الزوج والزوجة الموجودة في الكتب السماوية المتبعة حسب كل دين ووفق إجراءاتها.

هذا الزواج لا يتم إلا بحضور رجال الدين

وذلك أيضًا حسب اختلاف كل دين سواء القساوسة، أو الشيوخ في المساجد، أو الكاتب بالعدل المأذون الذي يعتبر مندوب عن المحاكم الشرعية.

يرافق الزواج الديني ضوابط لا يمكن أبدًا الخروج عنها

كتحديد مهر للزوجة من معجل ومؤجل، وإعطاء كلا الطرفيين الحقوق المنصوص عليها بشريعتهم.

الزواج الديني نظام اجتماعي ورابط مقدس

ففي الشريعة الإسلامية يكون عقد الزواج من الأساس قائم على الديمومة والاستمرارية وجعل من الطلاق أبغض الحلال أي أنه مكروه إلا في حال اختلاف الزوجين بالمطلق وعدم اتفاقهما، وبالنسبة للديانة المسيحية هو رباط مؤبد، ومحرم الطلاق في هذا الدين لأي سبب من الأسباب والدوافع.

أما بالنسبة للزواج المدني

فأساسه وصلبه زواج شخصين لا ينتميان إلى دين واحد، ولا يلجؤون أو ينتظرون موافقة الدين لهم ليتم زواجهم، فتشرف على الزواج المحكمة حسب البلد الذي تم فيه وغالبًا تشرف عليه البلدية، وتبعث مندوب عنها لحضور مراسمه، فهو غير مقيد بأي قيد ديني لا يقيده سوى القانون.

الزواج المدني في الشريعة الإسلامية

بالنسبة للدين الإسلامي أحل زواج المسلم المنتمي لهذا الدين من المرأة الكتابية، أي المرأة التي تنتمي إلى دين سماوي آخر غير الدين الإسلامي كاليهودية، والمسيحية مع بقائها على دينها، لكن الدين الإسلامي حرم على المرأة المسلمة الزواج برجل غير مسلم فلا يحق لها ذلك ولا تسطيع الزواج من يهودي أو مسيحي.

أما بالنسبة للزواج المدني في ضوء الشروط الشرعية السابقة وتوافرها اذا تم عقده في محكمة مدنية حفظًا لحقوق الزوجيين في ذلك فلا مشكلة ولا ضير، أما في حال لم تتوافر فيه شروط النكاح الشرعي طبقًا للدين الإسلامي وترتب عليه أمورًا باطلة في هذا الدين مثل الاتفاق المسبق على تحديد موعد للطلاق ففي هذا الحال خالف أهم أسس الزواج وهي الديمومة فهنا غير جائز.

وعند الحالات التي يتعذر فيها توثيق الزواج وهي حالات الضرورة كوجود الطرفين في بلد لا تسجل الزواج بمحاكمها إلا بهذه الطريقة ولا توثقه في حال كان الأسلوب المتبع مخالف لم يمنع الدين الإسلامي من إتمامه بشرط أن يقوم الزوجان بالاحتكام إلى رأي الشرع والدين في علاقتهم الزوجية ليرى الأساس الديني ويتأكد من سلامته، وأن يقوم الزوجان باللجوء له عند الخلاف أيضًا. وقد استند الدين الإسلامي في هذا الأمر إلى مصادر الشريعة الإسلامية وإلى آراء الفقهاء واعتمدوا عليها في تطبيق معايير الزواج.

الزواج المدني في الديانة المسيحية

بالنسبة للديانة المسيحية يعتبر الزواج رابط مقدس ضمن قانونها الكنسي وكون الزواج يتم في الكنيسة في هذه الديانة فتعتبر الكنيسة الزواج المدني أمر غير محبذ وغير مرغوب به فلم تسمح للمسيحية بالزواج بغير المسيحي وكذلك الأمر بالنسبة للرجل فلا يستطيع الزواج بغير المسيحية.

ولكن الأمر مختلف بالنسبة للكنيسة الأرثوذكسية فلم تمنع أتباعها من الزواج المدني ولم تمنعهم من ممارسة طقوسهم الدينية في حال قاموا بهذا الزواج مثل تعميد الأولاد، بشرط تعليم أولادهم وفق تعاليم الكنيسة، أما بالنسبة للكاثوليك فلم تعترف الكنيسة الكاثوليكية بشرعية الزواج المدني بتاتًا، وحرمت من يقوم به من أتباعها من ممارسة الطقوس الدينة المتعلقة بالكنيسة ولكنها لم تعتبره مرتدًا.

اقرأ أيضًا: تاريخ الزواج في العالم… أنواع وعادات وتقاليد

نشأة الزواج المدني

عندما حدث في أوروبا انفصال لسيادة الكنيسة عن الدولة كان ذلك أول نبذة لنشوء فكرة الزواج المدني، ففي سنة 1556 بدأت أوروبا بالانشغال بتنظيم أمور الزواج، فصدر في فرنسا عام 1697 قانون نظم الزواج وتم نشره وتعميمه في العام ذاته، وعندما قامت الثورة الفرنسية عام 1789 وأول ما اجتاحته هو سيطرة الكنيسة وسلطتها فبدأ الزواج أيضًا يتجرد من أي أمر أو سلطان للكنيسة فلم يعد يخضع للهيمنة الكنسية.

فقامت سلطة جديدة مدنية استلمت تنظيم أمور وأحكام وقواعد الزواج، والذي ساعد هذه السلطة قيام (مارتن لوثر) في القرن السادس عشر، بالمعارضة للكنيسة الكاثوليكية ومبادئها بالزواج وقال بأن الزواج نظامي طبيعي مدني بحت. مما أثار رجال القانون المهتمين وحشد الآراء العامة، مما جعل الملك لويس السادس عشر مجبرًا لأن يصدر في عام 1787 قرار يجيز فيه لغير الكاثوليك أن يتمو زواجهم أمام موظف العدالة الكنسية.

وبعد ذلك صدر مرسوم عام 1792 أن من يتولى شؤون الزواج هو موظف البلدية. وقد طبق الزواج المدني لأول مرة في عام 1804 وقد شجعه في ذلك الوقت نابليون بونابرت، ومن هنا انتشر الزواج المدني في أغلب الدول الأوروبية ولكن بدرجات ونسب مختلفة ف مثلًا:

في أميركا

لا تشترط أميركا أبدًا لإتمام صحة الزواج أي طقس ديني بل تكتفي بأن يكون طبقًا للإجراءات المدنية البحتة.

في بريطانيا

بريطانيا أخذت بكلا الزواجيين المدني والديني ولكن لكل منهما تشترط به شروطًا خاصة على الطرفيين اتباعها وأما غير ذلك فيعتبر الزواج باطلًا بطلانًا مطلقًا.

في يوغسلافيا

فقد أخذ القانون في يوغسلافيا أيضًا بالزواج المدني والديني بنسب مختلفة، فانقسم في بعض المقاطعات إلى تطبيق الزواج المدني فقط، وفي بعض المقاطعات الأخرى لا يطبق إلا الزواج الديني.

في إسبانيا

فقد كان القانون والتشريع الإسباني واضحًا جدًا في هذا الأمر فقد اعتمد الزواج الديني وأقره للمنتميين إلى الكنيسة الكاثوليكية، وسمح بالزواج المدني للذين لا ينتمون لهذا المذهب.

الأسباب التي أدت إلى تواجد الزواج المدني

الزواج رابط شخصي بين الطرفين

فيجب على الدولة أن تتولى كسلطة الشؤون المدنية وتنظمها ويصبح عقد الزواج شأنه مثل شأن العقود الأخرى تجارية كانت أم مدنية.

سلبيات المرجعيات الدينية في هذا الأمر على الدولة

ففي الرجوع إلى المرجع الديني في هذا الأمر نقص كبير في إدارة وسيادة الدولة ويصبح الدين كأنه جمعية أو مؤسسة بدلًا من كونه رابط بين الإنسان وربه.

العوائق التي تعيق الوحدة الوطنية

فمؤيدين الزواج المدني اعتبروا أن بعض التشريعات الدينية التي تضبط شؤون الزواج والأسرة تقف في وجه التوحد الوطني بين الشعوب وإلغاء هذه التشريعات يجعل هذه الوحدة حقيقية مصدرها الشعور الوطني وليس الانتماء الديني.

الزواج عدا أنه موضوع شخصي هو خلاصة نفسية

فمن المهم جدًا إقامة الزواج على التفاهم والانسجام بين الطرفيين، وعندما تكون هذه الأمور موجودة فلا ضرورة للصبغة الدينية أن تمنع إتمامه.

عدم ضرورة لوجود الصبغة الاجتماعية التقليدية

فالزواج التقليدي الديني له صبغات اقتصادية من مهر وحفلات ومراسم ومضيعة للمال حسب وجهة نظر مؤديين الزواج المدني.

استبعاد الرضوخ والطاعة في الزواج

فبعض التشريعات الدينية تعتبر الزواج فيه الكثير من الاعتبارات والواجبات انطلاقًا من مفهوم ديني مثل طاعة الزوج ومفهوم بيت الطاعة فاعتبر مؤيدو الزواج المدني أن هذا الأمر فيه تقليل من شأن المرأة واحترامها كثيرًا.

اقرأ أيضًا: أغرب عادات الزواج في العالم

الزواج المدني في العالم العربي

لبنان

في ستينات القرن الماضي بدأت المطالبة في لبنان بإقرار القانون المدني في قانون الأحوال الشخصية اللبناني. ولكنها تعلو وتهبط منذ ذلك الوقت وحتى فترة قريبة بحسب الظروف التي يمر بها البلد ولاسيما السياسية ولكن في الوقت الحديث عادت قضية المطالبة به وفي عام 2013 سجل أول عقد زواج مدني في لبنان وتم توثيقه بالدوائر الرسمية ويعد ذلك انتصار لكل من طالب به، وصدور هذا القرار بالزواج المدني استند به القانون إلى قرار تم في فترة الانتداب الفرنسي الذي أتاح لمن لا طائفة له بالزواج المدني.

مصر

في مصر تنوعت المطالبة بموضوع الزواج المدني عن باقي الدول العربية، فكانت بشكل أساسي منبثقة عن اللذين يعانون من قضايا الطلاق أو الزواج مرة ثانية من الأقباط. وأول ما فعله القانون وضع مسودة لقانون الأحوال الشخصية لغير المسلمين في البلاد وقامت به وزارة العدالة الانتقالية وضمن مسودة هذا القانون ناقشت فقرة متعلقة بالقانون المدني، وهذا الأمر أثار خلاف ونقاشات بين الكنائس انتهى الأمر إلى رفضه.

وفي هذا السياق رفضت الجماعات المطالبة بالزواج المدني هيمنة الكنيسة واعتبرت الزواج أمر مدني مجتمعي وليس ديني كنسي، وقد ناشد الكثير من الجمعيات الدولة بتطبيق القانون وفرض دورها السيادي ولاسيما في فقرة الزواج المدني، وبعض الرابطات دعت الرئيس المصري العمل على الأمر بوضع قانون مدني لقانون الأحوال الشصية الخاص بالأقباط وإبعاد سيطرة الكنيسة عنهم.

وفي المقابل الآخر اعترض الكثير من الجمعيات والحركات على تطبيق الزواج المدني في مصر، وفي هذا السياق تجدر الإشارة أن المسيحين في مصر ليسوا هم فقط من قاموا بالمطالبة بالزواج المدني فقد طالب المسلمون أيضا وأيدتهم الكثير من الجمعيات ورفض طلبهم الأزهر وكذلك طالب به اللادينيون والملحدون اللذين لا يتبعون أي ديانة فكان الوضع في مصر كالموجة بين مؤيد ومعارض للزواج المدني.

الجزائر

في الجزائر يتم الزواج بعقد مدني يوثق لدى البلدية فيعتبر الزواج مدنيًا إلى حد ما ويستطيع كلا الطرفيين وضع الشروط التي تناسبه ويجب أن يسبقه عقد شرعي.

وفي قرار لوزارة الأوقاف الجزائرية قررت فيه تسجيل عقد الزواج المدني قبل عقد الزواج الشرعي وذلك للحد من مساوئ ومشكلات الزواج العرفي، وهذا ما أحدث المشكلات عند جمعية العلماء المسلمين حيث استنكرت له بينما اعتبره آخرون أمر جيد بالنسبة للمرأة وضمانة حقوقها.

وقد سايرت الجزائر تونس في القانون المدني فقد عدلت الكثير من قواعد قانون تنظيم الأسرة، ففي نصف العقد الماضي منعت تعدد الزوجات حتى ولو رضيت الزوجة الأولى به، وكذلك سمحت للمرأة بتزويج نفسها دون الولي، وأيضًا هذا الأمر اثار غضب الإسلام في الجزائر، وقد صدر قانون سنة 2005 على أنه يوفق بين طرفين المعارضة والتأييد للزواج المدني إلا أنه خيب ظن الطرفين فقد سمح بتعدد الزوجات بشرط أخذ موافقة الزوجة الأولى فاذا وافقت يتم العقد وإن لم توافق لا يتم، وأبقى على ضرورة وجود الولي بتزويج الفتاة، كما أنها منعت زواج المسلمة بغير المسلم.

تونس

أن أول تجربة لتونس في موضوع الزواج المدني كانت في عام 1956 حيث نصت مجلة في ذلك الوقت بناءً على قرار الزعيم التونسي بمنع تعدد الزوجات ومنع أي صيغة لعقد الزواج خارج الصيغة المدنية، كمان نص قرار المجلة على المساواة بين الرجل والمرأة وعلى حق الفتاة بتزويج نفسها دون الحاجة إلى وجود وليها.

وفي تونس انقسم الشعب قسميين بين مؤيدي الزواج المدني ومعارضيه وزاد الجدل ظهور الأزمة في تونس وازداد تعدد الآراء المطروحة في هذا الأمر فقد نادى الكثير بتعدد الزوجات مرة أخرى وتذرعوا بمبرر اجتماعي وهو القضاء على العنوسة، ولكن رد الحكومة التونسية جاء صارم وحاسم بأن القرارات سابقة لن تلغى وستبقى سارية المفعول احترامًا للقانون المنبثقة منه.

شارك المعلومة؛ فالدال على الخير كفاعله