المبادئ والقواعد التي تبين اهتمام الاسلام بالصحة

حث الإسلام على ضرورة الحفاظ على الصحة، والتداوي في حالة المرض بدليل قول رسول الله عليه الصلاة والسلام: “تَدَاوَوْا عبادَ الله ما أَنزلَ اللهُ من داءٍ إلا وقد أَنزلَ له شِفَاءً”.

كما حث الإسلام على اتباع الطرق والقواعد التي وضعها في منهجه المتكامل لتبقي الشخص في صحة وسلامة، ومن هنا كان لا بد أن نتحدث عن اهتمام الإسلام بالصحة، وبيان الأدلة من القرآن والسنة.

اهتمام الإسلام بالصحة

اهتمام الإسلام بالصحة

من خلال قراءتنا للعديد من المقالات سواء منها التي تتعلق بالدين، أو بالصحة العامة نجد أن الإسلام قد حرص على أن يكون الشخص سواء مسلمًا أو غير مسلم بصحة كاملة من الناحية الجسمية والنفسية.

لأنه من خلال سلامة الصحة يكون الشخص المسلم قويًا ليقوم بكل ما عليه من واجبات يومية وعبادات، مما يساعد في اعمار الأرض وهذا ما حدثنا عنه رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام عندما قال: “المؤمن القوي خيرٌ وأحبّ إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلٍ خير”، وهو ما يقصد به الرسول عليه الصلاة والسلام أن القوة في جسد المسلم تجعله قويًا في إيمانه، وعقيدته، ومؤمنًا بضرورة المحافظة على صحته ليحافظ على دينه وحياته معًا، فكيف اهتم الإسلام بصحة المسلم:

نِعَمُ الله سبحانه وتعالى

قال تعالى: “وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوها” الآية (18) من سورة النحل.

لقد أسبغ الله سبحانه وتعالى على عباده النعم، التي لا تعد ولا تحصى، ولعل أهم هذا النعم هي نعمة الصحة.

فالصحة هي كل ما يملكه الإنسان من رأسمال بعد إيمانه بالله سبحانه وتعالى، وقد ثبت ذلك في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: “نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ”، وكلنا يعرف أنه لا يدرك أهمية الصحة إلا من فقدها فهي نعمة من أعظم نعم الله سبحانه، وإن زالت خسر الإنسان أشياء كثيرة أهمها قدرته على عبادة ربه كما كان عليه قبل المرض.

الوسائل الوقائية للصحة في الإسلام

الوضوء

“الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرْضَى” من هذه العبارة المهمة نجد أن الإسلام قد شرع الكثير من الوسائل والآداب التي تتعلق بالصحة.

فقد حث الإسلام على النظافة والطهارة، كما حث على التداوي والبحث عن الدواء المناسب لكل داء، لأن الله سبحانه وتعالى لم يخلق داء إلا وقد خلق له الدواء.

عن أُسامة بن شريك رضي الله تعالى عنه قَالَ: أنه أتى الرسول عليه الصلاة والسلام وأَصحابهُ كأَنما على رُؤوسهم الطَّير فسلَّم ثم قعد، فجاء الأَعرابُ مِنْ عدة أماكن فقالوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنتداوى فَقَالَ: “تَدَاوَوْا فإنّ اللَّهَ عز وجل لم يضعْ داء إِلاَّ وضعَ لهُ دواءً غيرَ داءٍ واحد الْهَرَمُ».

ومن أهم المظاهر التي تدل على اهتمام الإسلام بالصحة أنه حث على اتخاذ كل التدابير الوقائية، والعلاجات لتجنب الإصابة بالأمراض لما للوقاية من أهمية أكثر من العلاج نفسه.

ومن أهم هذه التدابير الوقائية اهتمام الإسلام بالنظافة، وجعلها فريضة على المسلم، من خلال باب من أبواب النظافة وهو الطهارة التي هي مفتاح العبادة التي يقوم بها المسلم على مدار اليوم وهي الصلاة، فالصلاة لا تكون صحيحة إلى بالنظافة التي هي الطهارة سواء للبدن، أو الثوب.

قال تعالى في الآية (6) من سورة المائدة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ۚ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ۚ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ ۚ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ ولكن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6)

يعني في قوله تعالى حث على النظافة والطهارة بالماء، وفي حالة عدم وجوده بالتيمم، حتى يستشعر المسلم حالة النظافة والطهارة عند عبادته لربه.

 تحريم المسكرات والمخدرات

لقد حرم الإسلام كل ما يسكر المسلم من المسكرات والمخدرات لما لها من آثار سلبية مؤذية للصحة العامة.

فهذه الآفات تؤثر على صحة الإنسان وتلحق الضرر بجسم الإنسان مثل الخمور التي تُذهب العقل، وتضر بالجسد وقد ورد تحريمها في القرآن في سورة المائدة الآية (90): “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ”.

تحريم ارهاق الجسم

حرم الإسلام كل ما يرهق الجسم، ويتعبه من سهر وأطعمة وعمل طويل، وتجويع النفس، بدليل أن الرسول عليه الصلاة والسلام طلب من أحدهم عدم القيام بصلاة قيام الليل طوال الليل دون إعطاء جسمه الراحة، أو الذي أراد أن يصوم ولا يفطر فأمره بأن لا يرهق نفسه بهذه العبادة لأنها سوف تتعب جسده، والشخص الثالث الذي أراد أن يعتزل النساء ويعيش دون زواج، فأجابهم الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام:

“أَما واللَّه إني لأَخشاكمْ للهِ وأَتْقاكم له، لكني أَصومُ وأُفطرُ، وأُصلي وأَرقدُ وأَتزوَّج النساء، فمن رغبَ عنْ سُنتي فليْس مني”.

وبدليل حديث أَبِي جُحَيْفَةَ، أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: “إِنَّ لرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًا وَإِنَّ لنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًا ولأهلِك عَلَيْكَ حَقًا”

حث الإسلام على تعلم الأولاد السباحة والرماية وركوب الخيل لما لها من تنشيط لجسم الإنسان وزيادة في صحته.

اهتمام الإسلام بجسد وطعام وشراب المسلم

ومن الأوامر التي تفيد المسلم في صحته ذكر البسملة قبل الطعام والشراب، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: “وسَمُّوا الله إذا أنتم شَربتم، واحْمدوا الله إذا رَفعتم”.

وأوجب عدم ترك أواني الطعام أو الشراب مكشوفة، حتى لا تكون عُرضة لدخول أي حشرات مؤذية إليها بدليل قوله عليه الصلاة والسلام: “غَطُّوا الإِنَاءَ وَأَوْكوا السِّقَاءَ”.

كما علمنا الرسول بأن لا نتنفس في الشراب الذي نشربه لأن الزفير يلوث الشراب ويجعله فاسدًا، بدليل قوله عليه الصلاة والسلام: ” إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلاَ يَتَنَفَّسْ فِي الإِنَاءِ”.

وأمرنا عليه الصلاة والسلام عند الشرب أن نشربه على ثلاث دفعات بدليل قوله عليه الصلاة والسلام: “لا تشربوا واحدًا كشُرب البعير، ولكن اشربوا مَثنى وثُلاث” أخرجه الترمذي عن عبد الله بن عباس.

وحذرنا الرسول عليه الصلاة والسلام من الأكل الكثير، والنهم لما له من أضرار على المعدة والجسم، ويسبب الكثير من الأمراض كالسكري، وأمراض القلب، بدليل صلى الله عليه وسلم: ” ما ملأ آدمي وعاء شرًا من بطنه، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه” رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه.

نهانا عليه الصلاة والسلام من النوم بعد تناول الطعام مباشرة لما له من أضرار على التنفس، ويسبب صعوبة في الهضم، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: “أذيبوا طعامكم بذكر اللهِ والصلاةِ ولا تناموا عليه تغفل قلوبُكم”.

حرم الإسلام تناول لحم الخنزير حيث أثبت العلم الكثير من أضراره القوية والمدمرة التي تصيب صحة الإنسان، واحتوائه على كمية من الدهون الضارة التي تسبب أمراض القلب كتصلب الشرايين، ويزيد من نسبة الكوليسترول في الجسم، بدليل قوله تعالى في سورة البقرة، الآية (173): ” (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ).

كما حث الإسلام على أن نشرب الماء على ثلاث دفعات لما له من آثار صحية ومفيدة للمعدة والكبد.

الاهتمام بالمسلم المريض

وأمرنا الرسول عليه الصلاة والسلام حفاظًا على صحتنا أن نتداوى لأن الله قد جعل لكل داء دواء، كما أن على المسلم أن يأخذ بالأسباب ويلجأ إلى الطب للعلاج، ثم يتوكل على الله بدليل قوله عليه الصلاة والسلام: “لتداووا عباد الله فإن الله تعالى لم ينزل داء إلا وقد أنزل له شفاء”.

فمن اهتمام الإسلام بالمسلم أنه خفف عنه إذا كان مريضًا من أن يصلي واقفًا وسمح له في أن يصلي جالسًا، أو حتى مستلقيًا على ظهره فيما لو كان هذا المرض يمنعه من أداء الصلاة على شكلها الصحيح بالحركات.

كما أعطى المسلم المريض عذرًا في أن يفطر في شهر رمضان إذا كان غير قادر على ذلك وصيام ما أفطره من أيام في وقت لاحق من السنة، أو حتى أعفاه نهائيًا من الصيام في حال كان مرضه لا يساعده أبدًا على الصيام مطلقًا، بدليل قوله تعالى في سورة البقرة، الآية (183): ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ”

وأمر الإسلام أن يتوادد المسلمون مع بعضهم وخاصة مع المرضى لما لها من ثواب كبير عند الله سبحانه، ومواساة للمريض والتخفيف عنه والوقوف بجانبه، ورفع روحه المعنوية، وهذا إنما لاهتمام الإسلام بالحالة النفسية للمسلم.

ومن اهتمام الإسلام بالمسلم وصحته أمرنا الرسول عليه الصلاة أنه إن كان هناك وباء في البلد الذي نعيش به، ألا نخرج منه، وألا ندخل إلى بلد فيه وباء كمرض الطاعون مثلًا حتى لا تتفشى الأمراض بين المسلمين الأصحاء وتنتقل إليهم، وهذا من حرص الإسلام على أهمية الحجر الصحي في حال انتشار الأمراض المعدية.

الصيام والصلاة والصحة

الصلاة

كما بين الإسلام أهمية الصيام لصحة المسلم، ولما له من فوائد على صحة الشخص، وتهذيب لنفسه وشهواته، والالتزام بالابتعاد عن ملذات الحياة خلال فترة الصيام ليشعر الجميع بالتساوي، ويشعر الغني بالفقير، علاوة على أن الصيام راحة للنفس وللمعدة، وللجسم بشكل عام.

وما منا إلا ويعرف ما للصلاة من أهمية إضافة لكونها عبادة روحية باتصال المسلم بربه، فهي من خلال أدائها بأوقاتها الخمسة هي رياضة لجسم المسلم، وفوائدها الصحية كثيرة من الناحية النفسية فهي سكينة وطمأنينة للمسلم، ومن الناحية الصحية فإن الحركات التي يؤديها المصلي لها فوائد صحية كبيرة لجسمه وأعضاءه كلها.

أخيرً…

نحن من خلال الاطلاع على اهتمام الإسلام بالصحة بشكل عام وخاص للمسلمين، علينا أن نفخر بما جاءه الإسلام بمنهجه الصحي المتكامل من خلال الضوابط والقواعد التي وضعها بما يضمن للمسلم حياة صحية سليمة، من الناحية النفسية والجسدية.

وإن اهتمام الإسلام بالصحة تجلى واضحًا في آيات الله في القرآن الكريم، وفي الأحاديث النبوية الكثيرة التي حث فيها الرسول عليه الصلاة والسلام في الابتعاد عمّا يضر المسلم ويؤذيه، واتخاذ الأسباب التي تحافظ على صحته بدليل قوله عليه الصلاة والسلام: “من أَصبح معافى فِي جسده آمنًا في سربه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا”.

شارك المعلومة؛ فالدال على الخير كفاعله