أسباب السرطان – كيف تتحول الخلايا الطبيعية إلى سرطانية

تتشكل أجسام جميع الكائنات الحية من خلايا تتكاثر لزيادة حجم الأعضاء والأجهزة أو لتحل محل الخلايا التي يتم تخريبها بسبب العمليات الفسيولوجية أو العوامل الممرضة. ولكي تتجدد الخلايا وتنمو، تنقسم هذه الخلايا مما يؤدي إلى ظهور خلايا جديدة. يحدث هذا في مرحلة نمو الكائن الحي، في سن الطفولة، وكذلك عند البالغين، وعندما يتشكل جسم الكائن الحي. تنظم أعضاء وأجهزة التحكم المخصصة سرعة تكاثر الخلايا، وذلك بناءً على احتياجات كل نسيج، في الوقت المحدد.

أسباب السرطان

نمو والخلايا وتشكل الورم

خلايا الجلد والدم هي أمثلة على الخلايا التي تحتاج إلى استبدال بشكل مستمر لأنها – خلال تنفيذ مهامهم العادية – تموت بسرعة.

تتمتع خلايا العديد من الأنسجة والأعضاء الأخرى بدورات حياة أطول ويتم استبدالها، لكن بشكلٍ أقل تواترًا، عندما تستنفد الدورة أو إذا تعرضت للتلف أو التدمير أو إذا كان الجسم يحتاج إلى احتياجات مختلفة. ويقال إن هذه الخلايا لديها معدل تكرار منخفض.

تصل خلايا بعض الأنسجة إلى مرحلة معينة من التطور فقط في مراحل محددة من الحياة. مثل خلايا غدد الثدي التي تنتج الحليب أثناء الرضاعة.

بغض النظر عن الاحتياجات المختلفة، من حيث السرعة ومعدل التكرار، تتطلب آليات الانقسام عمليات معقدة لا غنى عنها للحفاظ على التركيب الطبيعي للكائن الحي وعمل جسمه.

يحدث تكرار الخلايا عن طريق انقسام الخلية “الأم” إلى خليتين بنتين، في عملية تسمى انقسام الخلايا أو الانقسام الخلوي. في عملية الانقسام المثالية، تكون الخليتان البنتان نسختين مطابقتين للخلية الأم، وتحتوي على شيفرة وراثية مماثلة للشيفرة الوراثية في الخلية الأم. هذا ضروري لكل خلية جديدة كي تكون لها نفس وظائف الخلية الأم.

أثناء عملية نسخ الحمض النووي الذي تشكل الجينات، قد تطرأ تغييرات على هيكله تسمى طفرات، هذه الطفرات يمكن أن يكون لها انعكاسات على هيكل ووظيفة الخلية نفسها. لا ينبغي اعتبار الطفرات ظاهرة سلبية دائمًا. فعند معظم الكائنات وعبر تاريخ تطور الجنس البشري، حدثت طفرات لها آثار إيجابية، مثل اكتساب الميزات والوظائف الهيكلية التي تحسنت بطريقة ما والتي سمحت بالتكيف مع التغيرات البيئية. من ناحية أخرى، في المرحلة الحالية من تطور الجنس البشري، تُعزى كثير الآثار السلبية للطفرات والتي قد تؤدي إلى كثير من الأمراض، مثل السرطان.

كيف يتحكم الحمض النووي في وظيفة ونشاط الخلية

الحمض النووي هو سلسلة طويلة تحتوي على معلومات تجعل الخلايا تنتج بروتينات معينة لإعطاء كل خلية خصائصها المحددة من حيث التركيب والنشاط. لذلك، إذا لم يتم نسخ الحمض النووي بشكل صحيح أثناء انقسام الخلايا، فقد يكون لخلايا الجديدة شكل ووظائف غير طبيعية.

يتكون جزيء الحمض النووي من سلسلتين ملفوفين. وفي معظم حياة الخلية، يبقى الحمض النووي في نواة الخلية على شكل “جزيئات صغيرة شعرية”. وعندما يكون الانقسام الخلوي على وشك البدء، تقطع سلاسل الحمض النووي وتتكرر حتى يتم تشكيل نسخة واحدة لتنتقل كل نسخة إلى خلية.

سلاسل الحمض النووي المنسوخة تلتف مرة أخرى لتشكيل هياكل تسمى الكروموسومات (الصبغيات). وعلى طول الكروموسومات، يتم تمييز أجزاء تسمى الجينات أو المورثات. ويقوم الجين بالتحكم في إنتاج نوع واحد البروتين الذي يمكن أن يساعد في تحديد بنية الخلية أو يمكن أن يكون إنزيمًا أو عامل نمو أو هرمون أو جزيء آخر ينظم وظائف الخلية نفسها التي تنتجها أو خلايا أخرى.

كل الأنواع الحية لديها عدد معين من الكروموسومات الأساسية، فلدى البشر يوجد 23 شفع (زوج) من الكروموسومات في كل خلية. وتكون الخصائص التي يتمتع بها  كل فرد وتميزه عن غيره مستمدة من الاختلافات الصغيرة في الجينات الموجودة على الكروموسومات وكذلك من حسب تعبيرها عن نفسها أو منع عملها.

في الواقع، وجود الجين في كروموسوم معين لا يعني بالضرورة أنه سيتم إنتاج البروتين الذي ينظمه هذا الجين، هذه النتيجة كانت أحد أهم الاكتشافات في العقود الماضية، في بداية أبحاث الجينات، كان يعتقد أنه بمجرد أن يتم الكشف عن جميع الجينات والشيفرات الوراثية الموجودة على الجينات، فإن معظم مشاكل الجنس البشري قد تم حلها، بما في ذلك علاج الأمراض التي كانت حتى الآن غير قابلة للشفاء. لكن مع ظهور علم التخلق، وهو العلم الذي يدرس التعبير عن الجينات، اكتشف أن الشيفرة الوراثية ليس بالضرورة أن تعطي الصفات أو لا تؤدي إلى حدوث تخليق، ولم يتم توضيح السبب البيولوجي لذلك.

الطفرات وآثارها

من بين التغيرات التي يمكن أن يخضع لها الحمض النووي في مرحلة النسخ، هناك تغييرات في تحدث في تسلسل الجزيئات الأساسية التي يتكون منها، وتغييرات تشمل كسر أجزاء منه وانفصالها.

توجد في الخلية آليات قادرة على إصلاح مثل هذه الأضرار، ولكن يمكن أن يكون الإصلاح أيضًا عرضة للخطأ، على سبيل المثال، يمكن تعويض جزء ما بشكلٍ غير صحيح أو في جزء من أخر من الحمض النووي غير الذي تعرض للخطأ. كل هذه التغيرات الجينية تقع ضمن تعريف الطفرة وقد تشمل:

  • استحالة أو انخفاض القدرة على إنتاج البروتين.
  • إنتاج البروتين خارج المرحلة فيما يتعلق بالاحتياجات.
  • تشكيل بروتينات معدلة وبالتالي لا تعمل مثل البروتينات الأصلية.

من بين جميع الطفرات التي تحدث بشكل شائع أثناء تكاثر الخلايا، يوجد عدد قليل للغاية سببًا في حدوث الأمراض، بما في ذلك السرطان، هذه الأمراض نادرة لأنه في معظم الحالات:

  • يتم إصلاح الطفرة.
  • الجين الطافر لا يعبر عن نفسه.
  • الطفرة تغير بنية أو وظيفة الخلية نحو الأفضل التحسن.
  • آليات الدفاع عن الخلية نفسها أو الكائن الحي تقضي على الخلية الطافرة.

تكون الطفرات في حال لم يتم إصلاحها أو القضاء على الخلية الطافرة لا رجعة فيها، وبالتالي فإنها تنقسم ويتم نسخ الحمض النووي الطافر فيها إلى الخلايا الجديدة، ما لم يخضع لطفرة ثانية مرة أخرى.

ما الذي يسبب الطفرات؟

تحدث معظم الطفرات خلال عملية النسخ، ولكنها يمكن أن تحدث في أوقات أخرى من حياة الخلية بسبب:

بعض الجزيئات الموجودة في الطعام وبعض الفيتامينات تتصدى للآثار السلبية للجذور الحرة، ومن خلال هذا التأثير، تساعد في الوقاية من السرطان. من بين المواد التي نسبت إليها هذه الآثار: الفيتامينات المضادة للأكسدة C و E والبيتا كاروتين، وفيتامين B وحمض الفوليك. ومع ذلك، فإن الدراسات السريرية التي أجريت لتقييم الخصائص المضادة للسرطان التي تتمتع بها الفيتامينات المضادة للأكسدة، لم توفر تأكيد سريري على فعاليتها. لذلك، في الوقت الراهن لا يعتبر أخذ الفيتامينات طريقة للوقاية من السرطان، لكنها طريقة ل تحسين أداء الكائن الحي بشكلٍ عام.

في السنوات الأخيرة، كان هناك جدل كبير حول أطعمة لم يتم توثيق علاقتها بحدوث الطفرات والأورام. وفي هذا الصدد أيضًا، يجب توضيح شروط المشكلة في أن ما يزيد من خطر الإصابة بالسرطان هو التجاوزات والوجبات الغذائية غير المتوازنة، أكثر من تناول أطعمة محددة في سياق نظام غذائي متنوع ومتوازن. لمزيد من المعلومات المتعمقة حول العلاقة بين الغذاء والسرطان، راجع النظام الغذائي ومرض السرطان

التسرطن (تحول الخلية الطبيعية إلى سرطانية)

يجب أن تخضع الخلية الطبيعية لعدة تحولات قبل أن تصبح خلية سرطانية. كل خطوة تتطلب واحدة أو أكثر من طفرات الحمض النووي. الأول، يعدل آليات تكاثر الخلايا ويسبب عدم القدرة على التحكم في هذه الوظيفة، يمكن أن يكون سبب الطفرة المسببة للسرطان عوامل مثل الإشعاع أو التماس مع المواد الكيميائية، أو نتيجة تقطع الحمض النووي، وبالتالي يتم تركيبه عشوائيًا. لا تؤدي خضوع الخلية لهذا التغير الأول إلى تشكل ورم خبيث إلا بعد عدة طفرات أخرى، ويمكن أن يستمر تطور الخلية الطافرة عدة عقود حتى تتحول إلى ورم خبيث. العمليات لذلك، يحدث السرطان نتيجة التعرض المتكرر للعوامل المسببة له، أي عوامل الخطر البيئية المسببة للسرطان.

الاستعداد الوراثي للسرطان

عادة ما تكون الطفرات المسببة للسرطان عشوائية، أي أنها تحدث بشكلٍ عشوائي طوال حياة الشخص وفق الآليات المذكورة أعلاه، ولكن يمكن أن تكون هذه الطفرات موروثة من الآباء في بعض الأحيان. لذا من المهم أن تضع في اعتبارك أنه:

باستثناء حالات نادرة، لا يتم توريث السرطان من خلال الجينات، فالميل إلى الإصابة تكون أكثر أو أقل حسب التعرض للمواد المسرطنة. قد لا يصاب الأشخاص الذين يرثون هذه الجينات الطافرة بالسرطان أبدًا، ولكنهم يكونون أكثر عرضة للإصابة، على سبيل المثال، فإن النساء اللواتي لديهم أم وأخت مصابة بسرطان الثدي يكنّ أكثر عرضة من غيرهن من النساء للإصابة بالسرطان في وقت مبكر، حتى لو لم يرثن الورم.

لنأخذ مثالاً آخر: العديد من أفراد الأسرة الواحدة يصابون بالأورام المعوية عندما يكونون صغارًا لأنهم ورثوا خلية متحولة تحفز نمو خلايا الأمعاء وتشكيل الاورام الحميدة. هذه ليست أورام سرطانية في حد ذاتها، ولكن وجودها بأعداد كبيرة يزيد من خطر حدوث الأورام السرطانية.

يمكن أن يتم توريث الجين الطافر من أحد الوالدين أو كليهما إلى الأطفال إذا كانت الطفرة الموروثة تؤثر على بروتين مهم. على سبيل المثال، قد تؤدي الطفرة التي تسبب زيادة إنتاج هرمون الأستروجين إلى تعزيز تطور ورم في أي نسيج حساس للتركيزات المفرطة للأستروجين. ومن الأمثلة على هذه الحالة، زيادة خطر الإصابة بسرطان البروستات عند الذكور وسرطان الثدي والمبيض عند الإناث.

تجدر الإشارة إلى أنه حتى إذا أصيب عدد كبير من أفراد الأسرة بالسرطان، فإن هذا لا يعني بالضرورة أن الاستعداد لهذا الورم قد تم توريثه. فربما يكون جميع أفراد الأسرة معرضين لعنصر مسرطن نشط تسبب في ذلك.

شارك المعلومة؛ فالدال على الخير كفاعله