لُغزنا اليوم – ما هو الطائر الذي يلد ولا يبيض؟ – من أمتع الأنشطة وأبسطها هي أن نلجأ إلى أجواء الإثارة ومحاولة لإضفاء جوٍ من الاستمتاع وتنشيط العقل. ومن تلك المُتع هي طرح الألغاز التي دائمًا ما تبحث عن العقول النشطة التي تستطيع أن تفك شفرتها، فتصل بالشخص صاحب هذا العقل الفذّ إلى شعوره بالانتصار العقلي لمجرد أنه توصل إلى حل لهذا اللغز.
عجائب الخالق لا تُعد ولا تُحصى، وهذا الكائن الذي نحن بصدد التحدث عنه اليوم أحد هذه العجائب، ذلك المخلوق الغامض الذي على الرغم من امتلاكه للعيون إلا أنه لا يبصر بها، هذا المخلوق المُخيف الذي على الرغم من امتلاكه للأذن إلا أنه لا يسمع بها بل يبصر بها، يبصر بأذنيه؟! نعم، وهـل الأذن للبصر أم للسمع؟!
هل عرفت الآن ما هو هذا الطائر؟ هل تتشوق لمعرفته؟ اليوم سنُكشف عبر موقع مجلتك عن حل هذا اللغز العجيب الذي يتمثل في ذلك الطائر المُرعب المخيف الذي يرتبط اسمه بمصاص الدماء، أماكن تواجده، كيف يتكاثر، ما هو غذائه المفضل، وأنواعه، وما عليك سوى قراءة هذا الموضوع الشيق.
ما هو الطائر الذي يلد ولا يبيض؟
هذا الطائر الذي حيّر العقول بشكله المُخيف لمجرد ذكر اسمه، فهُناك الكثير من الأساطير التي تُروى عنه بأنه عندما يراك يلتصق بعينيك ولا يتركها أبدًا حتى يقضي عليها، والكثير من الخرافات الأخرى، حتى بالأفلام السنيمائية إذا أرادوا صناعة مشهد مُرعب كان هو البطل، وأيضًا هو بطل لغزنا اليوم، ألا وهو “طائر الخفاش”.
ما الذي تعرفه عن طائر الخُفاش؟
طائر الخفاش في حقيقة الأمر ليس بطائر بل يُعد من الحيوانات الثدييات، ولكنه ذو قدرة على الطيران بأجنحة أمامية؛ الأمر الذي يجعله النوع الوحيد من الثدييات التي لها القدرة على القيام برحلات طويلة ومُستدامة، إلا أن طائر الخفاش على نقيض أنواع أخرى من ذوات الثدي مثل “السنجاب الطائر” الذي يمكنه الانزلاق إلى مسافات قصيرة. والخفاش شبيه بالطيور من حيث قوته في الطيران فقط، أما أعضاء الطيران لديه فتختلف عن باقي الطيور.
فجسمه يغطيه الشعر لا الريش، وله أسنانًا حادة بديلًا عن المُنقار، وله يدين تُشبه يد الإنسان؛ حيث أن لدى الخفاش أصابع طويلة وممدودة يربط بينهم غشاء رقيق وهـو الذي يستعمله في الطيران عندما يفردها بالكامل. والصورة التالية للخفاش عندما يفرد أصابعه بالكامل.
أين يعيش طائر الخفاش؟
تتواجد هذه الحيوانات الطائرة في جميع أنحاء العالم ما عدى الأماكن المُتجمدة مثل قارة أنتاركتيكا، وبعض المناطق الباردة بالقُطب الشمالي والصحاري الجرداء، كما أنها تُفضل الحياة بالمناطق الدافئة. وترتبط الخفافيش بالّليل فتكون بقمة نشاطها بعد أن يُحِل الظلام، أو بأوقات الفجر والغسق، كما يمكنها تحديد المواقع والأشياء في الظلام بمُنتهى الكفاءة مُعتمدةً على جهاز التوجيه الصوتيّ الشبيه بالرادار الذي يوجد بأذنها.
وتُهاجر معظم الخفافيش إلى المناطق الدافئة بفصل الشتاء باحثًة عن الدفء والغذاء، وأما البعض الآخر فمن المُمكن أن تقضي فصل الشتاء في سكونٍ تام.
أسراب من الخفافيش تُهاجر في فصل الشتاء إلى الأماكن الدافئة
أنواع الخفافيش
تُصنف أنواع الخفافيش إلى صنفين أساسيين هما:
الخفافيش العملاقة أو الضخمة أو المتوسطة الحجم
وهي تعيش في الغابات المُشجرة، حيث تنام مُتعلقة بأغصان الأشجار نهارًا لتخرج ليلًا بحثًا عن الغذاء الذي يتكون من الحيوانات الصغيرة والأسماك، وثمار الفاكهة، أو رحيق الزهور. وتتميز بقدرتها الشديدة على الرؤية، كما أنها تستطيع الطيران ما لا يقل عن 100كم في الساعة الواحدة للبحث عن الغذاء.
الخفافيش الصغيرة أو القزمة
وهذه الرُتبة من الخفافيش قدرتها على الرؤية ضعيفة جدًا تكاد تكون مُنعدمة، بالرغم من امتلاكها للعيون، فتلجأ إلى تحديد أماكن فرائسها عن طريق الصوت. ويوجد هذا النوع بشكل خاص بالمناطق الاستوائية، وهو صغير الحجم للغاية حيث يزن أقل من 200 جرام، على الرغم من أنه يأكل طعامًا بما يعادل ثلاث أرباع وزنه، ويتغذى على أنواع الفاكهة المختلفة. ويمتلك أجنحة عريضة، وعظام بالذراع ذو قوة ورشاقة تساعده على الطيران. ومعظم أنواع الخفافيش يعيش في شكل تجمعات وأسراب، بداخل بيئة معقدة خاصـة بها.
كيف تتكاثر الخفافيش؟
فترة حمل أنثى الخفاش تعتمد على حجمها؛ فكُلّما كبِر حجمها كلما طالت فترة حملها، ولهذا فإن مدة حمل هذه الحيوانات تتراوح ما بين أربعين يومًا إلى ستة أشهر؛ نظرًا لاختلاف أحجامهم. وتضع أغلب إناث الخفافيش البالغة مولودًا واحدًا في السنة، وبعضهم قد تضع من مولودين إلى أربعـة. وتضع الأنثى مولودها وهي مُتدلية رأسًا (أي مُتعلقة بالمقلوب رأسها تحت ورجلها في الأعلى)، وكلما أوشك صغيرها على السقوط التقطته بجناحيها.
وتقوم أنثى الخفاش برعاية مولودها لمدة شهرين إلى 6 أشهر، يتعلق الصغير بأمه باستخدام مخالبه الطويلة والحادة، وبعد أن يُصبح قادرًا على الطيران يبدأ بعمل الجولات مع أمه ليتعلم الصيد، والبحث عـن غذائه بنفسه.
كيف تتغذى الخفافيش؟
تتغذى الخفافيش فترة الستة أشهر الأولى من عمرها على لبن أمها لكونها من الثدييات، وعندما يبلغ يتطور فك الخفاش الصغير ليصبح قادرًا على تناول مختلف الأطعمة. ويتفاوت عدد الأسنان بفم الخفاش من نوع إلى آخر، ولكنه يـتراوح في المُجمل ما بين 24-37 سنًا.
وهناك أنواع من الخفافيش تتغذى على الدماء ولكنها أنواعًا معدودة، وفي الغالب ما تستهدف الأبقار والمـاشية أو الطـيور، وهي في الحقيقة لا تمتص دماء الفريسة تمامًا ولكنها تصنع في جلد ضحيتها جرحًا صغيرًا ثم تقوم من خلاله بمص الدماء الذي يخرج منه.
أما معظم الأنواع من الخفافيش لها أطعمة مُختلفة، وتختلف رتبة الخفافيش طبقًا لنوع غذائها، التي تتنوع ما بين التغذية على ثمار الفاكهة، وأكل الحشرات، وامتصاص رحيق الزهور، ودماء الكائنات الأخرى. وهي قادرة على اصطياد وافتراس بعض الحيوانات مثل السحالي، والفئران، والأسماك، والطيور، وحتى الخـفافيش من نفس الفصيلة.
وعندما يقوم الخفاش باصطياد فريسة يحملها إلى المكان الذي يعيش به، حيث يأكلها ولا يـترك منهـا سوى العظام، ومنهم من يأكل العظام أيضًا. وأغلب أنواع الخفـافيش يكون اعتمادها الرئيسي على الحشرات كالخنافس والبعوض، والذباب وغيرها كصنف مُفضل لها، وهي تُمثل نسبة السبعين بالمائة من غذائها، وتمتلك بعض أنواع الخفافيش أسنانًا حادة تُمكنها من مضـغ العظـام حيث أنها تأكل الحشرات بعظامها ولا تُبقي منها شيء. وهذه صورة لأسنان الخفاش القوية والحادة.
صورة أخرى لأسنان الخفاش
ما هو السبب وراء تعلق الخفاش بالمقلوب؟
نظرًا لضعف عظام السيقـان الخلفية لدى الخفافيش؛ فهي لا تستطيع أن تتحمل وزنها عند الوقوف عليها، ولهذا يرجع السبب لتعلقها بالمقلوب الذي تشتهر به تلك الحيوانات. وتنام هذه الحيوانات طيلة النهار مُتعلقة بأفرع الشجر، والأسقف المظلمة للكهوف، والأبنية المهجورة، وفي الأنفاق المظلمة، تضم أجنحتها حول جسدها وتتكور حول نفـسها مُتجمعة مع بعضها البعض مُكونة مُستعمراتٍ مهولة.
كيف يرى الخفاش بأذنيه على الرغم من أن له أعين؟
من المعروف أن الخفافيش تعيش بالكهوف المظلمة التي لا يصلها الضوء، وتلك الأنواع منهم لا تبصر بأعينها، وإذا أبصرت فبصرها ضعيف جدًا، وحتى وإن كان بصرها حادًا فبماذا يفدها بداخل هذه الكهوف شديدة الظلام؟ ومع هذا فتعيش هذه الخفافيش في هذا الأجواء المظلمة، وتقوم باصطياد فرائسها من الحشرات بمهارة فائقة فكيف لها القيام بذلك؟
وإذا كانت الفائدة من البصر لدى الحيوان هي مساعدته على أن يُدرك أبعاد كل من حوله، وأن يُحدد موقعه منها، والتعرف على حركة وحجم جميع الأشياء المـحيطة به، وأن يتحرك بطلاقة وحرية في هذا المحيط المليء بالعقبات والعوائق الكثيرة، إذا كانت تلك هي فائدة بصره، فإن جميع هذه الأشياء الخفاش قادرًا على أن يفعلها بكفاءة فائقة ومُتميزة ولكن من خلال أذنيه، لا أعينه.
فالخفاش يتميز بقدرته الفريدة على أن يستكشف بيئته والتعرف عليهـا عن طريق الموجات الصـوتية، فيصدر هذه الموجات الصوتية إلى الأمام، وينتظر حتى تُلامس جسمًا آخر مثل حائط أو شجرة، فترتد عائدةٌ إليه، ونظرًا للوقت الذي تستغرقه هذه الموجات حتى تعود له يستطيع أن يُحدد المسافة بينه وبين تلك الأشياء التي من حوله بالإضافة إلى أحجامها.
كما يقوم الخفاش بالتقاط الموجات المُرتدة عن طريق أذنيه الضخمتين التي يتراوح حجمهما خمسة أضـعاف حجم رأسه ككل. ويستطيع “الخفاش الصياد” استخدام قدرته في التحديد الصـوتي تلك بكفاءة عالية؛ ليتمكن من مُطـاردة الحشرات صغيرة الحجم والإمـساك بهـا في الهـواء، ولكن ليست جـميع أنواع الخفـافيش بحاجة لاستخدام هذه المميزات (نظـام التحديد الصـوتي)؛ لأن منهم من يتغذى على الفاكهة أو رحيق الزهور ولا تحتاج لمطاردة الكـائنات.
صورة لأُذن الخفاش التي حجمها خمسة أضعاف حجم رأسها كلها ولكنها تعمل كأجهزة الرادار
سرعة الخفاش في الطيران
تستطيع الخفافيش الطياران بسرعـة مائة كيلومتر في الساعة بارتفاع حوالي ثلاثة كيلو مترات، كما أن الخفافيش لها قدرة كبيرة على المناورة أثناء طيرانها باستخدام ذيلها للإبطاء من سرعتها. ومن المعروف أن أذن الخفاش طويلة بطـول الخفـاش نفـسه، إلا أن يوجد نوع آخر من الخفافيش يُسمى بخفاش المقابر ويتميز بلحيته السوداء وأذنيه القصيرة، ولونه الأسود.
ووجه الخفاش يختلف من نوعًا إلى آخر، فالخفافيش التي تتغذى على الفاكهة وجهها شبيه بوجه الثعلب أو الكلب، أما الخفافيش التي تتغذى على مص دماء الكائنات الحية فوجهها شبيه بوجه الخنزير.
وفي الختام وبعد كل هذه المعجزات التي قرأناها والتي ميّزَ الله سبحانه وتعالى بها هذا المخلوق العجيب، الذي جعله يرى دون أعين، وجعل أُذنيه للسمع والإبصار معًا، فسبحان الخالق، لا تستطيع إلا أن نقول قول الله عز وجل: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [لقمان:11]، صدق الله العظيم.
