من هو بيتهوفن الملقب بالعازف الأصم؟

إن من أكثر أنواع المعزوفات الموسيقية إبداعًا ومهارة هي السيمفونيات العالمية المشهورة المتميزة والتي ألفها عازفون وملحنون مبدعون، وقد كان بداية انتشار هذا النوع من الموسيقا في القرن الثامن عشر واستمرت حتى القرن الحالي.

فقد كان هناك الكثير من العازفين المبدعين أبرزهم العازف بيتهوفن الذي كان لقبه “العازف الأصم”، حصل على هذا اللقب عندما ألف معزوفة أثناء مرضه بالطرش وكان لها صدى كبير عند جمهور المستمعين بالأوركسترا، من هو بيتهوفن هذا الملقب بالعازف الأصم؟ وماهي قصة حياته وما أبرز ألحانه ومعزوفاته؟

من هو بيتهوفن العازف الأصم؟

ولد العازف بيتهوفن في اليوم السابع عشر من شهر كانون الأول عام 1770، وقد كانت ولادة هذا الطفل الصغير في الليل البارد القارص المصحوب بالثلوج في منزل متواضع موجود في حي بسيط يتبع مدينة بون، تعود ملكية هذا المنزل إلى عائلة بيتهوفن، وقد كانت ماريا ماجدولينا بيتهوفن  والدة هذا الفنان الكبير سعيدة بهذا المولود الجديد، وكان بالنسبة لها تعويضًا عن وليدها التي فقدته قبل عام، أما والده جوهان لم يكن موجودًا أثناء الولادة، فقد كان في قصر الحاكم يمرن جوقة العزف، ولربما كان في أحد الحانات التي اعتاد أن يذهب إليها، أما بيتهوفن الصغير فقد تمت تسميته لودفيك على اسم جده المعروف بأدبه وحكمته.

طفولة بيتهوفن

كانت طفولة بيتهوفن مرتبطة مع جده لودفيك كثيرًا حيث كان يقدم له الألعاب ويأخذه في نزهات لمشاهدة بعض اللوحات، كما كان يجلسه على رجليه أثناء عزف الجد على البيانو، وكان يصحبه في جولاته بالأحياء والشوارع المختلفة والأسواق ويشاهدان القوارب التي تعبر الضفاف، أحب بيتهوفن الحفيد الطبيعة كثيرًا فقد كان يستمتع بسماع صوت العصافير واهتزاز أوراق وأغصان الأشجار بسبب الريح، توقفت طفولة بيتهوفن الحقيقية عندما أصبح جده بالفراش وهو ينتظر الموت، كان هذا عندما بلغ الثالثة من العمر، وعندما مات جده وجد والدته تبكي فبكى معها دون أن يعلم ألم الموت الحقيقي.

موهبة بيتهوفن وقسوة والده عليه

بيتهوفن الطفل

منذ ولادة بيتهوفن كان موقف الأب قاسيًا، وقد استمر ذلك خلال فترة طفولة بيتهوفن فقد كان يخاف والده كثيرًا ويختبئ منه، ولم يتوقف الأب عن عادته في الإكثار من الشرب، كما قام ببيع الكثير من أغراض المنزل بعد وفاة الجد، ولكن والدة بيتهوفن أصرت على بقاء البيانو والكمان لولدها عندما يكبر. الشيء الإيجابي الوحيد للوالد هي ملاحظته موهبة بيتهوفن في سن مبكر ولذلك عمل على إعطاؤه دروس البيانو بطريقة قاسية لا تعرف معنى للرحمة، حيث كان الوالد يريد الاستفادة من موهبة ابنه ماديًا، وكان يطمح لأن يجعل ابنه بيتهوفن نسخة جديدة من موزارت الموسيقي المعروف بأنه تعلم الموسيقى في سن مبكر، وكثيرًا ما عانى بيتهوفن من ضرب والده لأسباب غير هامة،  وأصبح هذا الطفل كل همه وشغله الدائم تعلم دروس الموسيقى، وغالبًا ما كان يوقظ الأب ابنه في منتصف الليل البارد القارس ليعطيه دروس على البيانو ويلطم أنامله الناعمة كلما ارتكب خطأ ولو كان بسيط.

ألحان بيتهوفن الخاصة

لقد كان بيتهوفن يكره عزف الألحان الموسيقية التقليدية التي كان والده يرغمه على عزفها وكانت تجول في مخيلته ألحان أخرى، وكلما كان وحيدًا تجده انتهز الفرصة لكي يعزفها إما على البيانو أو على الكمان، وفي أحيان أخرى كان يتلقى التوبيخ الشديد من والده عندما يسمعها صدفة ويأمره بالالتزام بالموسيقى التقليدية والابتعاد عن التأليف.

تأثر بيتهوفن بحريق الأجراس

لقد انتقلت عائلة بيتهوفن إلى منزل جديد قريب من قصر الحاكم، وكان عندها بيتهوفن قد بلغ من العمر ستة سنوات، لقد كان مسرورًا بالانتقال إلى المنزل الجديد ويستمتع بمشاهدة أفخم العربات وهي تنقل أجمل السيدات، وكان يستيقظ صباحًا ليستمتع بسماع صوت الأجراس، وفي أحد الأيام حدث انفجار في قصر الحاكم تبعه اندلاع حريق كبير في القصر وبعض البيوت القريبة منه، وبينما بتهوفن يمسك بيد والدته ويشاهد الحريق صباحًا وصل الحريق إلى الأجراس التي كان بيتهوفن يستمتع بسماع دقاتها، وقد كان مشهد تصدعها وهبوطها مؤثرًا جدًا عليه، وكان قد ألف موسيقى سعيدة حبًا لدقاتها الرائعة، وبالمقابل ألف موسيقا مأساوية إحياء للحظة احتراقها وهبوطها.

تجربة بيتهوفن الأولى

في أحد الأيام وبعد دخول الأب إلى المنزل وذهاب بيتهوفن إلى فراشه كالعادة سمع صدفة حديثًا يدور بين أبيه وأمه، وكان هذا الحديث حول موهبة بيتهوفن وكيفية الاستفادة منها ماديًا، وبالرغم من أن الأم كانت تجد أن هذا الأمر شاق على طفل صغير إلى أنها كانت مضطرة على الموافقة بسبب الفقر الشديد الذي حل بالعائلة وحاجتهم الماسة إلى مورد رزق جديد وقد كان هذا صادمًا لبيتهوفن، وفي أحد الأيام نادت الأم ولدها وألبسته ثيابًا أنيقة وفاتحته بالموضوع وأعطته بعض النصائح والآداب عن كيفية معاملة الجمهور وإلقاء التحية عليهم، وبعد الخضوع إلى تدريب مكثف ذهب لودفيك مع والده مودعًا والدته.

بيتهوفن أمام الجمهور

بعد ما انتهت الرحلة إلى كولون، وحدثت الترتيبات المناسبة من إعلانات الصحفيين وحضور كبار الأغنياء والارستقراطيين، وبينما بيتهوفن يسير على المسرح وهو يشعر بتحديه الصعب لموهبة موزارت الذي تعلم العزف في سن مثله، كان الجو باردًا ويداه متأثرة من هذا البرد وبالرغم من ذلك كان العرق يسيل منه، ولقد تزامن لعبه على البيانو مع ضحك الجمهور منه لقلقه وقد أزعجه ذلك كثيرًا، وقد زادت وتيرة الضحك عندما حاول مسح عرقه من جبينه مزيح بذلك شعره المستعار، لم يقم الجمهور بالتصفيق له ولم يطلبوا منه متابعة العزف ثانية وبالرغم من ذلك لم يزعجه سوى ضحكهم، كان الوالد مغتاظ من ذلك وبعد انتهاء الحفل قام بتوبيخه لأنه لم يكن مثل موزارت وقام بصفعه على وجهه وقرر العودة إلى المنزل، لم يكن بيتهوفن حزينًا وكان مقتنعًا بعزفه ومعجبًا بألحانه، فهو يرى أنه ليس موزارت وربما يكون أفضل من موزارت يومًا ما.

تطور موهبة بيتهوفن ولقائه بموزارت

بيتهوفن وموزارت

لقد قرر الوالد أن يتلقى بيتهوفن التدريبات على يد عازفين أكثر كفاءة من الوالد نفسه، فجلب له “توبياس بفيفر” الذي كان يعزف على المزمار ويجعل بيتهوفن يرافقه على البيانو، وبعدها جلب له الوالد عازفين آخرين يتلقى التدريبات على يدهم، ولطالما أُعجب بيتهوفن بألحان الأرغن الذي كان يُعزف في الكنائس، وبعد تعرفه على الأب “ويلبارد” في الكنيسة صار بيتهوفن يعزف على الأرغن بالكنيسة كل صباح قبل الفطور، بعد ذلك أصبح بيتهوفن مساعدًا “لنيفي” عازف الأرغن الشهير وقائدًا للأوركسترا الخاصة بهذا العازف في أوقات التمارين، وبعد ذلك أصبحت هذه الأوركسترا تحوي على عازفين بارعين يلتزمون بتعليمات بيتهوفن، كل هذه المسؤوليات واجهها بيتهوفن وهو في الثانية عشر من عمره، بعد ذلك أصبح بيتهوفن العازف الرئيسي للأرغن في جوقة الحاكم وخصص له دخلًا سنويًا كان يعطيه لوالدته.

لقاء العازف الكبير الشهير مع الشاب الموهوب

كان يطمح بيتهوفن دائمًا أن يقابل موزارت العازف الشهير، وقد سمح له الحاكم لمقابلته واعدًا إياه بالاعتناء بأمور عائلته المادية، وبعد الذهاب إلى فيينا لم يتمكن بيتهوفن من لقاء موزارت في بادئ الأمر بسبب مرض والد موزارت، وبعد أسبوعين لقي موزارت وهو ذاهب في إحدى الحفلات فاستقبله وطلب منه أن يعزف أي مقطوعة يريدها، لم يكن عزف بيتهوفن عاديًا وما كان لدى موزارت سوى أن يعجب بعزف بيتهوفن لدرجة نسيان الحفل، قام بعدها موزارت بعزف مقطوعة صعبة وما كان لدى بيتهوفن سوى أن يعيد عزف المقطوعة بإتقان، فقال له موزارت: إنك عبقري وسوف تكون تلميذي المفضل.

سوء حال بيتهوفن بعد وفاة والدته ووفاة موزارت

بيتهوفن الشاب

لم يتمكن بيتهوفن من متابعة التدريب مع موزارت بسبب مرض والدته، وعاد إلى بون ليجد والدته على سرير الموت وهي توصيه بالاعتناء بعائلته، مرض بيتهوفن بعد وفاة والدته مرضًا شديدًا وما إن تعافى حتى قام بنقل العائلة إلى منزل أفضل واستأجر مربية لتعتني بإخوته الصغار، وعندما بلغ الثامنة عشر من عمره أصبح له صيت يذاع في أنحاء البلاد، وعند وفاة موزارت بعد ألم شعر بيتهوفن بالضيق لعدم تمكنه من البقاء في فيننا وتلقي التدريبات على يد موزارت.

الذهاب إلى فيينا وازدياد شهرة بيتهوفن

أعجب بيتهوفن بالعازف الشهير “هايدن” فتثنى له الذهاب إلى فيينا والتعلم على يد هذا العازف المعروف، ولم يكتف بيتهوفن بهايدن فقط بل أصبح يأخذ مشورة عازفين كبار آخرين أيضًا كما أنه تعرف على الأمير ليشنوسكي الغني، فقد كانت فيينا بلاد الموسيقا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، ثم تلقى بيتهوفن خبر وفاة والده لكنه لم يشعر بالحزن. أصبحت شهرة بيتهوفن واسعة وبعد بقاء بيتهوفن ثلاث سنوات في فيينا أصبح صيته ذائعًا في أرجاء أوروبا وأصبح العازف الأنجح والموهوب الأكفأ.

إصابة بيتهوفن بالطرش

اُصيب بيتهوفن بالطرش وكان هذا أقسى أمر يعاني منه موهوب ومُحب للموسيقى مثل بيتهوفن، فحاسة السمع هي أكثر حاسة يحتاجها العازف المبدع، وقد قام بيتهوفن بمراجعة الكثير من الأطباء ولكن دون جدوى، ومنهم من طلب منه معالجة آلام معدته التي لطالما عانى منها أيضًا رابطين بذلك ألم معدته بطرشه ولكن كان كل ذلك دون جدوى، ومنهم من نصحه بالذهاب إلى الطبيعة حيث الهدوء والطمأنينة لعل سمعه يتحسن، ولكن مع الأسف تأكد أمر إصابته بالطرش عندما كان برفقة تلميذه فريتز وشاهدا شخصًا يعزف على القيثارة وفوجئ بيتهوفن من عدم تمكنه من سماع صوت الألحان.

موسيقا عازف أصم

لم يثني الطرش ولا ألم المعدة بيتهوفن عن التأليف والإبداع، حيث ألف معزوفتين شهيرتين هما تيسو سلومنس والسيمفونية التاسعة، وفي السابع من أيار عام 1824 كان بيتهوفن الأصم قائدًا للأوركسترا، كيف سيتمكن من إدارة العازفون وهو على هذا الحال؟ حيث كان يعطيهم التعليمات ويلعبون على الآلات المختلفة لينتج بذلك أجمل الألحان دون أن يسمع شيئًا، وبعد الانتهاء أدار وجهه للجمهور ليُفاجئ بتصفيقهم الحار وإعجابهم الشديد، لقد كان هذا مُؤثرًا جدًا لبيتهوفن لدرجة البكاء.

وفاة بيتهوفن

بعد معاناة بيتهوفن من الطرش والألم في المعدة والمتاعب التي سببها له ابن شقيقه كارل، حيث كان مسؤولًا عنه ولم يكن من السهل ذلك لكثرة عناده، وفي السادس والعشرين من أيار عام 1827 توفي بيتهوفن بعد أن وقع بغيبوبة دامت عدة ساعات، وكانت جنازته فخمة وقد عُزف خلالها أجمل ألحانه.

شارك المعلومة؛ فالدال على الخير كفاعله