خمسة أسئلة قبل البحث عن أطلانتس

إنه ذاك المكان ..

المكان البعيد، الغريب، الغامض، المجهول الذي شغل العلم والعلماء والعامة على حد سواء، هناك من أفنى عمره في البحث عن حقيقته، وإيضاح الغموض الذي يكتنفه، وهناك من ركب موجة الشهرة وألّف حوله الأساطير والقصص والأفلام، فعن أي مكان يا ترى أتحدث؟

هناك خمسة أسئلة قبل البحث عن أتلانتس أو أطلانتس أو أطلنتس

إنها أطلنتس أو أطلانتس ..

المكان الساحر الذي خطف الألباب، وصار طموحًا لكل مغامر.

أطلنتس أو أطلانتس أو أطلانطس أو جزيرة أطلس، لا مشكلة أيًا كان الاسم، فالمقصود هي المدينة الضائعة.

المدينة الضائعة في أعماق البحار، مدينة الغموض والأسرار، المدينة التي بلغت شهرتها الآفاق، لما تتمتع به من حضارة ورقي، يوازيه جمال طبيعي، واتساع وازى اتساع ليبيا وآسيا مجتمعتين، وقوة مكنتها من غزو البلاد شرقًا وغربًا.

ولك أن تتخيل مع أفلاطون صورة الجمال المثالي الذي يخطر أو لا يخطر ببال البشر، ففيها من كل أصناف الشجر، فيها كل أنواع الفاكهة والنباتات، والطيور والحيوانات، فيها الجسور، والموانئ والحدائق، فيها المعابد الدائرية، والقصور الفارهة، والتحف المعمارية.

إلا أن البذخ والمادية، طغت على النفوس البشرية، فغاصت في مستنقع الفساد والانحلال الأخلاقي، وفجأة ودون سابق إنذار، اختفت أطلانتس في ظروف غامضة، وضاعت حضارتها وذهبت هباء منثورًا.

من؟ متى؟ أين؟ كيف؟ كلها أسئلة تلف العالم بحثًا عن إجابات لها، وتعود دون أن نحصل على جواب شافٍ حتى الآن.

مهلًا هل ما نتحدث عنه واقع، أم أنه ضرب من الخيال، هل وجوده ممكن أم محال؟ لنعد للبداية ولنبدأ السؤال.

من هم سكان أتلانتس؟

من هم سكان أتلانتس

كثرت الإجابات، وتعددت الفرضيات، فمنهم من قال أن:

  • سكان مدينة أطلانتس عمالقة زرق البشرة (وهذه الصفة ملازمة للملوك والآلهة).
  • وآخرون قالوا سكانها من الفضاء (بدليل الرسوم الموجودة في الكهوف والتي تبين وجود مركبات فضائية وكائنات غريبة).
  • والآثار القديمة تقول أن سكانها أبناء الآلهة (الإله بوسيدون)

وكل صاحب فرضية أسند حججه وبراهينه، فمن نصدق؟ وهل هذا شيء يتقبله العقل والمنطق؟

متى قامت حضارة هذه المدينة؟

سنجد الأقوال تختلف أيضًا، فمنهم من قال قبل أفلاطون بتسعة آلاف سنة، أي قبل إحدى عشرة ألف سنة من الآن، ومنهم من قال قبل عشرة آلاف سنة، وآخرون قالوا: قبل تسعة آلاف سنة، وغيرهم قال: قبل خمسة آلاف سنة.

إلا أنهم اتفقوا على أنها عاصرت الحضارة اليونانية والفرعونية، وبما أن هذا الرأي هو ما اتفق عليه العلماء فسنأخذه بالحسبان، ونقول: طالما أنها عاصرت هاتين الحضارتين، فهذا يعني أنها – إن وجدت – فهي تتمتع بما لدى هاتين الحضارتين من علم وتقدم، وإن زادت فلن نجد الاختلاف الكبير.

أين هي هذه المدينة العظيمة؟

أين هي هذه المدينة العظيمة أطلنتس

وسنجد الجواب مبعثرًا هنا وهناك، فتارة نجدها في البحر المتوسط قد غرقت في الطوفان الذي كان عقابًا من الله عز وجل زمن سيدنا نوح عليه السلام.

وتارة نجدها قبالة السواحل البرتغالية، بدليل اكتشاف أهرامات شبيهة بأهرامات الفراعنة في جزيرة أزور.

وتارة نجد معالمها في بحر البلطيق بالقرب من سواحل (سكونا) الواقعة جنوب السويد.

وأحيانًا نجد ركامها قبالة سواحل جزر (الباهاما) في المحيط الأطلسي.

وهناك من ادعى أنها جزيرة (سبارتل) الغارقة في مضيق جبل طارق.

(روبرت سامارست) قال أنها غارقة قرب قبرص، وأن قبرص هي جزء منها.

(أولف إرلنفسون) رأى أن أيرلندا هي نفسها أطلانتس.

أما قناة (ديسكوفري) فعرضت في تقرير لها أن أطلنتس في بحر إيجة مقابل (سيتزريوني).

وكل فريق يقدم الأدلة والبراهين التي تثبت صدق ما توصل إليه.

أما أفلاطون فقال بوجودها قبالة مضيق جبل طارق، ولكن عندما بحث عنها العلماء لم يجدوها، وبينوا استحالة وجودها في هذا المكان، فماذا يعني ذلك؟؟؟

كيف اختفت هذه القارة بين عشية وضحاها؟

أين هي هذه المدينة العظيمة أطلنتس

وهنا أيضًا نجد اختلاف العلماء والباحثين:

فمنهم من قال بسبب فيضان عارم، أو زلزال مدمر معتمدين على رواية أفلاطون التي تقول بأن إله البحر والزلازل (بوسيدون) غضب على الأطلنطيين بسبب انغماسهم في المعاصي فأهلكهم.

وغيرهم قالوا بسبب تجارب كان يجريها علماء المدينة، فخلفت انفجارًا يوازي في قوته انفجار قنبلة هيدروجينية….

ومنهم من قال أن هذه المدينة في زمن سيدنا نوح عليه السلام، وغرقت بعد أن أمر الله بهلاك كل من لم يؤمن مع سيدنا نوح عليه السلام.

ومنهم من قال بأنها في زمن سيدنا سليمان -عليه السلام- الذي سخر الله -سبحانه وتعالى- له الجن والطير، فكانت حضارة مملكته تفوق كل الحضارات، فجعلوا أطلانتس جزءًا من مملكة سليمان -عليه السلام- مستشهدين بآيات من القرآن الكريم، منها قوله تعالى:

“وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ” (سبأ/12).

ثم ربطوا بين إعراض أهل سبأ، والانحلال الأخلاقي الذي حصل في أطلانتس، وبين وعقاب رب العزة والجلال لأهل سبأ بإغراقها واختفاء أطلانتس، بدليل قوله تعالى:

“أَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ” (سبأ/16).

لماذا هذا الاهتمام بأطلانتس؟

لماذا هذا الاهتمام بأطلانتس

بدأ اهتمام العلم والعلماء بمدينة أطلانتس الخيالية بعد اكتشاف مدينة طروادة التي كانت تعد محض خيال أيضًا، بالإضافة لظهور عدة دلائل أوحت إليهم أن هذه المدينة واقع، وليست بخيال، منها:

  • اكتشاف جمجمة إنسان منحوتة على حجر كريستال الكوارتز في هندوراس بتفاصيل دقيقة جدًا، ولا تحوي أثر خدوش نهائيًا، وهذا دليل على تطور الأدوات التي استخدمت في نحتها.
  • الصور التي التقطتها الأقمار الصناعية، والتي تشبه إلى حد كبير وصف أفلاطون لمدينة أطلانتس.
  • وجود مخطوطة مصرية قديمة في متحف بمدينة (بيترسبيرغ) تبين أن أحد وزراء الفراعنة أمر بإرسال رحلة بحرية للبحث عن المدينة المفقودة.
  • خرائط قديمة تعود للسلطنة العثمانية موجودة في الولايات المتحدة تبين أن هناك جزيرة في البحر الأحمر يعتقد أنها أتلانتس.
  • خرائط كولومبوس التي عثر فيها على جزيرة ضخمة غير موجودة في الخرائط الحديثة.
  • العثور على سور يصل طوله إلى 120 كم في المحيط الأطلسي قبالة السواحل الفنزويلية.
  • تيار الخليج الذي يتفرع في منتصف المحيط الأطلسي، وكأنه يرتطم بشيء ما فيلتف حوله.

نعم كل هذه المصادر العلمية تشير إلى وجود جزيرة أو حضارة أو …. ولكن هل هي أدلة كافية لتحويل خيال أفلاطون إلى واقع، طبعًا لا.

فلنأتي للمنطق، هذه المدينة التي نتحدث عنها والتي شغلت الناس -إن وجدت- فعمرها آلاف السنين، ومن الطبيعي خلال هذا الوقت الطويل أن تتغير تضاريس الكرة الأرضية، بفعل البراكين، والزلازل، والفيضانات، فغيابها يعد ضمن الظواهر الطبيعية وليس بخارقة من الخوارق، هذا أولًا.

ثانيًا: هل يجوز لنا أن نفسر هذه الأمور الطبيعية ونؤولها بناء على تخيلات لأفلاطون، الرجل الوحيد الذي أتى على ذكرها في عصره؟

وبذلك نجد أنه لا ينبغي تفسير اكتشاف أثر أو معلم قديم على أنه اكتشاف لأتلانتس، هذا إن افترضنا جدلًا أن أتلانتس موجودة، وليست من وحي الخيال.

ثالثًا: وبفرض أن هذه المدينة العظيمة موجودة وظهرت، فما الفائدة المرجوة من ظهورها؟ وماذا ننتظر من ظهورها؟

فكرت مليًا… لماذا الاهتمام بمدينة أطلانتس؟ وتمنيت لو أني أجد جوابًا مقنعًا، ولكن الجواب الذي وجدته بين يدي هو الآتي:

  • ميل الإنسان الفطري للبحث عن المجهول، والغوص في عالم الخيال، الذي ربما يجد فيه متنفسًا.
  • الحضارة: فكثير من الفرق العلمية بحثت عن مدينة أطلانتس، وكان همها أن تنسب هذه الحضارة العظيمة المزعومة لبلدانها، فتجعل من بلدانها أصلًا للعلم والمعرفة.
  • الشهرة: فكلما وجد أحد خبراء وعلماء الآثار معلمًا جديدًا حاولوا ربطه بأسطورة أطلانتس، هذه الأسطورة التي يتنازعها الجميع، فيكون هو كريستوف كولومبس العصر الحديث.
  • بلوغ العلم: هناك من يقول لي أجحفت العلماء حقهم، فربما كان البحث عن مدينة مفقودة منذ آلاف السنين للاستفادة من العلم الذي ارتقت إليه بحسب ما قيل، ولكن يبقى السؤال:

لو أننا أغدقنا هذه الأموال التي تبذل من أجل البحث عن قارة أسطورية مفقودة، على العلم، لوصلنا إلى حضارة أعرق من حضارتهم.

ولو أننا قمنا باستغلال هذا الوقت الضائع ببناء الحضارات بدلًا من تدميرها بالحروب وأسلحة الدمار الشامل والأسلحة النووية لبلغنا الآفاق التي لم يبلغها الأطلنطيون.

بحثت عن أسباب تدفعني للغوص في أعماق هذا السر، ولكن وجدت أن الفائدة الأكبر تكمن فيما بين أيدينا، وليس فيما ضاع واندثر، فلنصنع حضارتنا بأنفسنا دون الاعتماد والاتكال على أمجاد الآخرين، ولنستغل الوقت والجهد والمال المبذول بما يتناسب ما حاجاتنا ومتطلباتنا.

فبريق أطلانتس يكمن في غموضها، ولهذا تشد أنظار الجميع، وفي الوقت الذي ستظهر فيه هذه المدينة سينطفئ بريقها، وسنبحث عن شيء آخر يشد انتباهنا ويشغلنا.

شارك المعلومة؛ فالدال على الخير كفاعله