هل الفيروس كائن حي؟

تثير الفيروسات التي تم اكتشافها لأول مرة في القرن الماضي التساؤل حول مكانتها. هناك نقاش حول ما إذا كانت الفيروسات جزءًا من شجرة الحياة على الأرض، وكذلك دورها في التطور الخلوي.

الحقيقة هي أن النظريات متناقضة، الفيروسات ليست كائنات حية. فهي لا تتنفس ولا تستطيع التكاثر بمفردها ولا يحدث في جسمها أي استقلاب على الإطلاق. لذا فإن اعتبارها ككائنات حية هو أمر مشكوك فيه. لكن مع اكتشاف المزيد والمزيد من الفيروسات العملاقة، أصبح من الضروري إعادة النظر في دورها ومهمتها في التطور وفي المحيط الحيوي وكذلك تعريفها. كما أن أصلها لا يزال مجهولًا.

كيف تشكلت الفيروسات؟

تقول أكثر النظريات التي يدعمها العلماء أن الفيروسات نشأت قبل تشكل الهياكل البيولوجية الأولى، أي حين تشكل أول حمض نووي ريبي، وقبل ظهور الخلايا.

وفقًا للتعريف الكلاسيكي للكائنات الحية، فإن الفيروس الكامل الذي يعيش خارج الخلية ليس كائنًا حيًا لأنه لا يستطيع التكاثر.

لكن الفيروسات العملاقة وتحليلها الجيني تثير الآن نقاشًا. إذ يُطرح سؤال جديد حول ما إذا كانت الفيروسات قد نشأت قبل أو بعد تشكل الخلايا الحية، قدم الباحث الفرنسي باتريك فورتيري Patrick Forterre من معهد باستور في باريس مفهومًا حاول فيه تصنيف الفيروسات على أنها كائنات حية، خاصة وأن بعض الفيروسات العملاقة لديها مخزون من الجينات أكبر بكثير من بعض الكائنات الخلوية.

اكتشاف الفيروسات العملاقة غير كل شيء

تم بالفعل اكتشاف أول فيروس عملاق في عام 1975، وهو فيروس العاثية G، الذي يصيب بكتيريا العصوية الضارية Bacillus megaterium. كان تسلسل الحمض النووي الخاص بهذه الفيروسات أكبر من تسلسل الحمض النووي للبكتيريا الصغيرة. لم يتم العثور على فيروسات عملاقة أخرى حتى عام 2003. حين قام باحثون من جامعة ايكس مرسيليا بفحص دوائر التبريد في أنظمة تكييف الهواء واكتشفوا بكتيريا موجبة الجرام. وبعد 11 عامًا، أدركوا أن البكتيريا المفترضة التي اكتشفوها هي غلاف فيروس عملاق يبلغ قطره 400 نانومتر.

في عام 2010، تم اكتشاف فيروس الكافتيريا قبالة سواحل ولاية تكساس الأمريكية في خليج المكسيك، يبلغ طول هذا الفيروس العملاق حوالي 4 – 6 ميكرومتر (بدون السياط) ويتغذى على البكتيريا والفيروسات. وبالتالي فهو أكبر فيروس معروف حتى الآن.

يقال إن فيروسات الكافتيريا حصلت على اسمها من مكتشفها كورتيس ساتل من جامعة كولومبيا البريطانية، بعد أن أمضى ساعات في كافيتريا يناقش هذا الاكتشاف مع طلابه.

النتيجة، هل الفيروسات كائنات حية؟

يفترض الكثير من الناس أن فيروس كورونا وفيروسات الإنفلونزا وما شابهها من الفيروسات هي كائنات حية. لكن العلماء لا يصنفونهم ككائنات حية، في الحقيقة، الإجابة على هذا السؤال صعبة للغاية.

الفيروسات تهاجمنا وتجعلنا مرضى، قد يظن المرء أنها تشبه البكتيريا. لكنها تختلف اختلافًا جوهريًا عن البكتيريا، فهي على عكس الخلايا، عبارة عن مادة وراثية فقط معبأة في غلاف بروتيني.

لا تحتوي الفيروسات على عضيات خلوية مثل الميتوكوندريا والسيتوبلازم. لذا فهي تفتقر إلى خاصيتين أساسيتين تملكهما الكائنات الحية، الخاصية الأولى هي حدوث التمثيل الغذائي في أجسامها، والخاصية الثانية هي القدرة على التكاثر من تلقاء نفسها.

لهذا السبب، يتعين على الكائنات الحية الأخرى تولي هذه الوظائف بالنيابة عن الفيروسات. ولجعل هذا ممكنًا، تتطفل الفيروسات على خلايا الكائنات الحية الأخرى، وتستخدم هذه الخلايا لإنتاج مزيد من الفيروسات، والتي تنطلق بعد ذلك في لتهاجم الخلايا الأخرى. وبهذه الطريقة، تسبب الفيروسات أمراضًا مختلفة للإنسان. لكن بعض الفيروسات تصيب البكتيريا المسببة للأمراض، وبالتالي تحمينا منها.

بناءً على ذلك، يمكن اعتبار الفيروسات جزيئات حيوية خامدة. هذا هو السبب في أن معظم علماء الأحياء يستبعدونها من شجرة الكائنات الحية.

لكن بعض العلماء يدعون إلى تصنيف الفيروسات ضمن شجرة الكائنات الحية. حجتهم في ذلك أن هناك مؤشرات على أن الفيروسات تطورت من كائنات حية أخرى. يتضح ذلك من خلال مقارنة جزيئات البروتين في البكتيريا مع تلك الموجودة في الفيروسات. يقترح هؤلاء العلماء أن أسلاف الفيروسات البعيدة كانت خلايا حقيقية. لكنها تحولت إلى كائنات طفيلية تعتمد على خلايا الكائنات الأخرى، فتخلت عن أجزاء جسمها الرئيسية، وفقًا لهذا الافتراض. ستكون الفيروسات كائنات حية تعتمد على طريقة غريبة للتكاثر من خلال تقليل خصائصها.

يبدو أن وجود ما يسمى بالفيروسات العملاقة يدعم هذه الفرضية. فهي على عكس الفيروسات الصغيرة مثل فيروسات كورونا أو فيروسات الإنفلونزا، يمكن أن تنمو بحجم بعض أنواع البكتيريا وتحمل تركيبة وراثية كبيرة للغاية. تُظهر أنماط البروتين في هذه الفيروسات العملاقة أيضًا تشابهًا مذهلًا مع أنماط البروتين الموجودة في البكتيريا. ويفترض العديد من العلماء أن هذه الفيروسات العملاقة هي أسلاف الفيروسات التي كانت خلايا حية وتخلت عن بعض خصائصها ثم تحولت إلى فيروسات.

لا يزال موضوع تصنيف الفيروسات على أنها كائنات حية أم لا هو مسألة رأي، وحتى الأن، لا يوجد إجماع علمي على اعتبارها كائنات حية أم لا، لكن رغم ذلك، من المؤكد أن الفيروسات كان لها تأثير كبير على تطور الحياة، بما في ذلك تطورنا نحن البشر.

شارك المعلومة؛ فالدال على الخير كفاعله