قصة نجاح جاك ما رئيس شركة علي بابا ومؤسسها

النجاح الهائل لشركة علي بابا في مجال التجارة الإلكترونية أذهل الكثير من المحللين والخبراء، فهذه الصينية التي أسسها جاك ما في عام 1999، أصبحت واحدة من أكبر الشركات في العالم وجعلت مؤسسها أغنى رجل في الصين لفترة طويلة.

جاك ما هو أحد أبرز قصص النجاح في العصر الحديث، لد تمكن من بناء إمبراطورية عملاقة ومواقع تعمل في كل أنحاء العالم، وحتى الآن، لا يمكن التكهن بنجاح شركة علي بابا إلا من خلال أرقامها المذهلة. ففي شهر أيلول/سبتمبر من عام 2014، بلغت قيمتها السوقية 231 مليار دولار.

لإعطائك فكرة عن قوة هذه الشركة، فقط فكر في يوم العزاب، وهو يوم استهلاكي شهير في أسيا يشابه الجمعة السوداء في الولايات المتحدة، تم تسجيل مبيعات بقيمة 18 مليار دولار، منها 5 مليارات دولار في ساعة واحدة فقط. ومنها 1 مليار دولار في أول 5 دقائق فقط بعد منتصف الليل.

عملاء هذه الشركة ومستخدموها ليسوا صينيين فقط، حيث يشتري عن طريها اليابانيون والكوريون والأستراليون وحتى الأوروبيون. باختصار، تعتبر شركة على بابا منافسًا قويًا في مجال التجارة الإلكترونية، لكنها ما تزال في الأسواق خارج الصين أضعف من شركتي أمازون وإيباي الأمريكيتين.

جاك ما - رئيس شركة على بابا

جاك ما – براغماتي وعنيد

ترتبط قصة نجاح علي بابا، كما يحدث مع معظم شركات التكنولوجيا الأخرى، ارتباطًا وثيقًا بقصة نجاح مؤسسها جاك ما.

إنها ليست قصة قصيرة، فهي تبدأ بطفل فقير كان يأخذ السياح الأمريكيين مجانًا إلى قرى هانغتشو، وتنتهي بنفس الشخص الذي أصبح أغنى شخص في الصين.

جاك ما هو شخص طموح وعنيد، كان لديه أفكار مختلفة عن الأخرين، وقد سعى لتحدي الشركات الأمريكية العملاقة، وتمكن في بعض الأحيان من تحقيق مبيعات أعلى من إجمالي المبيعات التي سجلتها مواقع أمازون وإيباي.

ولد جاك ما عام 1964 في مقاطعة تشجيانغ أثناء الثورة الثقافية الصينية. ونشأ في فترة أصبحت فيها الصين الشيوعية معزولة عن الغرب أكثر من أي وقت مضى، مثل جميع أقرانه، نشأ جاك معتقدًا أن الصين هي أغنى دولة في العالم وأكثرها سعادة.

ومع ذلك، في تلك الجنة، كانت عائلته فقيرة إلى حد ما، تمامًا مثل معظم سكان الصين.

في سن الثانية عشرة، أصبح مهتمًا باللغة الإنجليزية، ولكن لم تتوفر طريقة لتعلمها، لذلك بدأ في تقديم نفسه كدليل مجاني للسياح في هانغتشو، والتي أصبحت الوجهة السياحية الأكثر شعبية بين الأمريكيين بعد زيارة الرئيس الأمريكي نيكسون، وخلال فترة عمله كدليل سياحي، أدرك جاك ما أن الصين والعالم كله كانا مختلفين تمامًا عما صوره أساتذته.

بعد رسوبه في امتحانات القبول بالجامعة عدة مرات، تمكن من دخول الجامعة، التي تخرج منها في مجال اللغة الإنجليزية عام 1988، وبعد عشرات الفرص التي تقدم لها وتم رفضه، تمكن من العثور على وظيفة كأستاذ.

جاءت نقطة التحول في حياته في عام 1995، حين سافر إلى الولايات المتحدة للعمل كمترجم فوري، وأصبح بين يديه جهاز كمبيوتر متصل بالإنترنت.

الشخص الذي سيصبح أحد رواد التجارة عبر الإنترنت في ذلك اليوم وجد نفسه أمام محرك بحث لأول مرة، وكتب الكلمة الأولى في البحث “بيرة”. في تلك اللحظة أدرك جاك أنه من بين النتائج التي ظهرت في البحث، لا توجد بيرة صينية.

سرعان ما أدرك أيضًا أن ذلك ينطبق على أي نوع آخر من المنتجات، فالصين في الواقع منفصلة تمامًا عن العالم.

أي رجل عنيد يتمتع بروح ريادية قوية ومجال غير مستكشف سوف يفكر في الاستفادة من ذلك، وهذا بالضبط ما فعله جاك ما.

الموقع الأول هو CHINA YELLOWPAGES

من تلك التجربة العابرة على محرك البحث في الولايات المتحدة الأمريكية، ولدت فكرته التي تتمحور حول تأسيس شركة إنترنت في الصين، لكنه لم يمتلك المهارات اللازمة للقيام بذلك. فكانت المحاولة الأولى عبارة عن موقع بسيط عن الصين قام بإنشائه بالتعاون مع بعض الأصدقاء، هذه التجربة كانت كافية لجعل جاك ما يفهم إمكانات الشبكة، وفي الوقت نفسه، التجارة الإلكترونية.

أسس جاك وزوجته في البداية موقع China Yellow Pages، وهي وكالة لتطوير مواقع الويب، كانت هذه واحدة من أولى الوكالات في بلد لا يزال الاتصال بالإنترنت يمثل رفاهية.

بعد أربع سنوات، جمع جاك 17 صديقًا في شقته وحاول إقناعهم ببدء عمل تجاري عبر الإنترنت معه، ومن هذا الاجتماع ظهرت فكرة علي بابا.

الخطاب الذي ألقاه جاك أما أصدقاءه متاح على الإنترنت، وهو مصدر إلهام للعديد من رواد الأعمال المتمرسين، يمكننا أن نفهم كيف كان جاك يهدف إلى تحقيق أهداف طموحة وعالية جدًا، فعلى الرغم من أن مشروعه ما يزال في مراحله الأولى، لكنه يهدف بالفعل إلى تجاوز الشركات الكبيرة ووكالات الحكومة.

في ذلك الوقت، لم تكن شبكة الإنترنت وقدراتها مفهومة، لذلك، لم يقم الكثيرون باستغلالها، حتى الشركات الكبيرة لم تفهم هذا بعد، فالتجارة الإلكترونية كما نعرفها الآن وعالم وسائل التواصل الاجتماعي المنتشر كانت مجرد سراب بعيد جدًا.

الخطاب الرائع وراء علي بابا

في غرفة المعيشة تلك، محاطًا برفاقه الذين دعموه في صعوده إلى عالم التجارة الإلكترونية، وضع جاك الأساس لنجاح علي بابا.

وقال: “اليوم نحن هنا لنقرر ماذا سنكون وماذا سنفعل في السنوات الخمس أو العشر القادمة أو ما ستصبح علي بابا في المستقبل”.

لقد كان لدى جاك بالفعل فهم واضح في ذلك الوقت، وعرف أن منافسيه الحقيقيين لم يكونوا في الصين، بل في الولايات المتحدة، وتحديدًا في وادي السيليكون.

مع بعض الثقة التي يمكن أن تلاحظها، يشرح جاك لأصدقائه: “أولًا، يجب أن نجعل علي بابا موقعًا عالميًا، وثانيًا، يجب أن نتعلم روح العمل الجاد النموذجي لوادي السيليكون.

وأضاف قائلًا: “الأمريكيون أقوياء لأنهم يملكون الأنظمة والأجهزة، ولكن في المعلومات والبرمجيات، فإن عقولنا قوية مثل عقولهم. كل عقولنا جيدة مثل عقولهم، ولهذا السبب يمكننا أن نجرؤ على التنافس مع الأمريكيين”.

تتشكل القوة الأولية للمشروع أولًا وقبل كل شيء من خلال وحدة الفريق وروح الابتكار: “إذا كنا فريقًا جيدًا وعرفنا ما نريد القيام به، يمكن لكل واحد منا أن يهزم 10 منهم “.

هذان العنصران يمكن أن يؤديا إلى نجاح علي بابا. يمكن أن تنخفض أسهم شركة ياهو، ويمكن أن تنمو أسهم إيباي، وربما بعد نمو إيباي، ستنمو شركة علي بابا أيضًا. يتصور جاك سنوات من العمل الشاق والمضنِ لمعاونيه.

من ذلك الاجتماع في غرفة المعيشة بشقة جاك ما، بدأ الصعود إلى نجاح علي بابا، تم اختيار هذا الاسم لأنه معروف عالميًا ويسهل نطقه عمليًا بأي لغة.

بين عامي 1999 و 2000، جمع جاك ما ورفاقه 25 مليون دولار من مؤسسات ائتمانية مختلفة، مما أعطى شكلًا ومضمونًا لمشروعهم.

منذ ذلك الحين لم يعد هناك حديث عن موقع واحد، ولكن عن نظام يشمل أكثر من موقع واحد، فظهرت أسماء مثل علي بابا وعلي إكسبرس، والتي تهدف إلى بيع المنتجات الصينية في السوق الدولية، وفي المقام الأول إلى أوروبا.

في عام 2003، أطلقت مجموعة علي بابا موقع تاوباو، التس سرعان ما تحولت إلى منصة المبيعات الأكبر في الصين، والتي وصل عدد مستخدميها في السنوات العشر الأولى 500 مليون مستخدم.

في عام 2004، قامت علي بابا أيضًا بتجهيز نفسها بمنصة دفع عبر الإنترنت، هي منصة علي باي Alipay، والذي يوفر خدمة ضمان قبل الدفع الفعلي للمنتجات المشتراة، حيث يمكن للمستخدمين التحقق من جودة المنتجات، وهو عامل هام جدًا بالنسبة للمنتجات التي يتم شراؤها من الصين.

في عام 2012، كان لدى خدمة على باي للدفع الإلكتروني 700 مليون مستخدم مسجل، في نفس العام، تفاخر موقع باي بال PayPal بـ 117 مليون مستخدم نشط.

الكثير من الشركات الأخرى المرتبطة بعالم التجارة الإلكترونية هي أيضًا جزء من مجموعة Alibabaعلي بابا، مثل Taobao Mall و AutoNavi و Juhuasuan و eTao و Aliyun والعديد من المشاريع الأخرى مثل South China Morning Post و China Yahoo.

أسباب نجاح شركة علي بابا

ما هي العوامل التي أدت إلى أن تصبح مجموعة جاك ما واحدة من أكبر شركات التجارة الإلكترونية في العالم؟ بالتأكيد لا يمكننا تبسيط مشروع جاك ما بالقول إن نجاحه قد تحدد من خلال حقيقة أنه افتتح أول منصة تجارة إلكترونية صينية، فشركة أيباي الأمريكية، ومن خلال EveryNet، اخترقت السوق الصينية قبل علي بابا، وقد نجحت في عام 2003 من تغطية 73٪ من الحصة الصينية.

في ذلك الوقت، كانت علي بابا لا تزال شركة تربط الشركات الصينية الصغيرة والمتوسطة الحجم بالأسواق الغربية، ولكن كما نعلم، كانت هذه مجرد البداية، فقد عملك علي بابا فيما يعد بمجالات عديدة لدرجة أنها أصبحت النسخة الشرقية من أمازون وإيباي وباي بال وجوجل أدسنس وغيرها من الشركات.

لقطة شاشة لموقع تاوباو عام 2019
لقطة شاشة لموقع تاوباو عام 2019

سعت شركة على بابا في البداية إلى التغلب على المنافس الأكبر لها في السوق الصينية، وهو EveryNet، الذي كان يأخذ عمولة من البائعين، لذلك، تم جعل موقع تاوباو مجاني تمامًا ولا يأخذ أي عمولة للبيع، وكانت مكاسبه تأتي فقط من خلال الإعلانات.

أدى ذلك إلى تحول معظم عملاء EveryNet إلى تاوباو، ولتفادي الخسائر، قررت EveryNet تقديم الخدمة المجانية مثل تاوباو، لكن هذا القرار جاء متأخرًا، وفي عام 2007، تم عكس النتائج. فقد تراجعت EveryNet إلى 7٪ فقط من حصة التجارة الإلكترونية الصينية، وكان تاوباو متصدرًا بحصته البالغة 84٪.

تتميز الصين في الواقع بوجود ملايين الشركات الصناعية الصغيرة، والتي لم يكن لديها، في فجر الألفية الجديدة، وسيلة للوصول إلى العملاء في السوق المحلية، وبالتالي، كانت أرباحها تقتصر على الصادرات مع هامش ربح ضئيل للغاية.

استفاد تاوباو من هذا السوق بشكل فعال، وربط الشركات الصغيرة بملايين المتسوقين في جميع أنحاء البلاد.

لكن كانت هناك مشكلة، فالمواطنون الصينيون لم يكونوا واثقين بعمليات الدفع عبر الإنترنت، ومعظم الناس لا يملكون حسابًا بنكيًا. لكن علي بابا أتاحت للبائعين والمشترين نظام أساسي موحد وآمن للدفع هو علي باي AliPay، أتاح هذا النظام تحقيق نمو هائل في المعاملات عبر الإنترنت.

إن نجاح علي بابا كان مضمونًا إلى حد كبير من خلال قدرة المجموعة على فهم احتياجات تجار التجزئة والمستخدمين الصينيين بشكلٍ أفضل من المنافسين الغربيين.

تجدر الإشارة إلى أنه بالإضافة إلى إيباي، حاول عمالقة التجارة الإلكترونية الآخرون مثل أمازون أيضًا اقتحام السوق الصينية، لكن دون تحقيق النجاح المأمول.

وصف جاك ما شركة إيباي الأمريكية بأنها سمكة قرش في المحيط. أما علي بابا فهو تمساح في نهر اليانغتسي. فإذا قاتلنا في المحيط، سوف نخسر بكل تأكيد. لكن إذا قاتلنا في النهر، فسننتصر.

تم طرح مجموعة علي بابا في سوق الأسهم يوم 19 سبتمبر 2014، وقد حطم الطرح المترامي الأطراف عبر الإنترنت جميع الأرقام القياسية، وأصبح أكبر اكتتاب عام في التاريخ، حيث تفوق بالفعل على شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك، أما البنوك التي مولت نجاح علي بابا، مثل بنك جي بي مورجان الأمريكي، فقد احتلت الصدارة وأصبحت أكبر البنوك في العالم.

منذ ذلك اليوم، أصبح تجاهل علي بابا مستحيلًا. فسوق التجارة الإلكترونية الصيني يزداد حجمًا، مما يجعله هدفًا للشركات الأمريكية العملاقة التي ما تزال تحاول المنافسة فيه.

صحيح أن شركة علي بابا لن تكون قادرة على منافسة شركة أمازون الأمريكية والتغلب عليها، لكنها تحاول المنافسة جزئيًا في الاقتصادات الناشئة، وبشكلٍ خاص في دول شرق أسيا.

كل هذا النجاح لم يولد في وادي السيليكون الضخم، بل في غرفة معيشة مجهولة في مدينة هانغتشو.

شارك المعلومة؛ فالدال على الخير كفاعله