ناقة الله … معجزة الله على الأرض لثمود قوم النبي صالح

معجزات الله سبحانه وتعالى لأنبيائه كثيرة جدًا، وقد ذكرها الله في كتابه العزيز ووردت أيضًا على لسان نبيه محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، وكان آخرها معجزة الله (القرآن الكريم) في نزول آياته إلى نبيه محمد ﷺ.

اخترت لكم من هذه المعجزات، معجزة الله في قوم ثمود (ناقة الله) التي أخرجها لهم من الصخرة، ليتحولوا من الكفر والشرك والعصيان إلى التوحيد وعبادة الله الواحد القهار، فتعالوا معنا لنتعرف على معجزة الله ناقة النبي صالح، والقصة كاملة في دعوة النبي صالح لقومه من ثمود بالإيمان بالواحد الأحد.

نبي الله صالح (عليه الصلاة والسلام)

رسول الله صالح

هناك اختلاف في نسب النبي (صالح) عليه السلام:

  • فهو: صالح بن جابر بن ثمود بن جاثر بن إرم بن سام بن نوح.
  • أو: صالح بن عبيد بن أسف ماشخ بن عبيد بن حاذر.

نبي الله صالح عليه الصلاة والسلام، هو أحد الأنبياء الذين أرسلهم الله سبحانه وتعالى لقوم محددين، فهو نبي عربي أرسله سبحانه وتعالى إلى “ثمود” (ويسمى قومه بأصحاب الحِجر) حيث كان واحدًا منهم ويعيش معهم وقد جاء في الفترة قبل مجيء النبي (شعيب) والنبي (موسى)، إلا أنه لم يؤمن معه إلا القليل من قومه فقد كذبه قومه كما حال الكثير من الأنبياء والرسل.

وقد ذُكرت قصة سيدنا صالح مع قومه في مواضع كثيرة من آيات الله في القرآن الكريم، كما ذكرت قصته وقصة ناقة الله التي ظهرت في عهده كمعجزة من معجزات الله سبحانه وتعالى للناس حتى يزداد إيمانهم به ويُصدقوا الرسول الذي أمرهم بعبادة الله الواحد الأحد.

  • قال الله تعالى في الآية (61) من سورة هود:

“وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61).

  • وفي الآية (45) من سورة النمل بقوله تعالى:

“وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ(45)”.

دعوة النبي صالح لقومه

كان قوم (ثمود) من الأقوام الذين أتوا بعد قوم عاد، وقد أرسل الله سبحانه وتعالى النبي صالح إلى قوم ثمود، وهم من القبائل العربية التي لم يبق منها أحد، وقد سُميت بهذا الاسم نسبة إلى ثمود بن جاثر بن إرم بن سام بن نوح (أحد أجداد هذه القبيلة)، ويُقال أيضًا نسبة إلى ثمود بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح، وقد كانوا يسكنون الحجر الذي بين الحجاز وتبوك.

وقد استخلفهم الله في الأرض، وأورثها لهم، وكانوا من القوة والشدة بحيث يبنون بيوتهم من الصخور القاسية (لذلك سماهم بأصحاب الحِجر)، وكانوا يحوّلون السهول إلى أراضي زراعية خضراء، حيث كانت لديهم حضارة قوية، لكنهم جحدوا بأنعم الله فما كان من النبي صالح إلا أن يُذكرهم بأن الله أورثهم الأرض التي كانت لقوم (عاد) بعد أن أنزل بهم عقابه، ويُذكرهم بالقوة التي لديهم لبناء بيوتهم من الصخور، وهذا كله من رحمة الله وفضله، فيجب عليهم أن يؤمنوا بالواحد الصمد الذي أعطاهم ورزقهم الرزق الكثير.

ناقة الله

ناقة النبي صالح

الناقة التي أرسلت إلى قوم ثمود إنما هي معجزة من معجزات الله التي أرسلها لأنبيائه، فقد أرسلت ليرى قوم صالح معجزة الله سبحانه وتعالى حتى يعودوا عن غفلتهم وكفرهم، لذلك فقد كان لها صفات لا تشبه أنواع النوق التي عرفها البشر في ذلك الوقت وكل وقت، ورغم ذلك فقد استمر قوم النبي صالح في طغيانهم حتى حكم عليهم الله بعذاب واقع عليهم.

ولكن عظمة الله تفوق تفكيرهم ومعتقداتهم فأجابهم الله لطلبهم وانفتق الجبل عن ناقة عشراء عظيمة، تحمل الصفات التي حددوها ووصفوها حتى أنهم ذُهلوا عندما شاهدوها، ودُهشوا مما كان من صفاتها العظيمة التي لا يمكن أن يُوجدها إلا واحد أحد قادر على أن يقهرهم، وتكون برهان ودليل قاطع لهم، فآمن برسالة النبي صالح الكثير من قوم ثمود ولكن الباقي ظلوا على كفرهم وضلالهم ومعاندتهم. 

صفات ناقة الله معجزة النبي صالح ﷺ

ناقة النبي صالح هي ناقة الله، إنها آية من آياته المرسلة إلى العباد، وهي ناقة مباركة، ومعجزة من المعجزات التي أتت في ذلك الزمان، وكانت تحمل صفات لم تحملها أي ناقة من قبل فهي ليست ناقة عادية مما عرفها الناس، والمعجزة في الأمر وسبب طلبهم ناقة بالتحديد وبمواصفات محددة، أنهم أصحاب رعي ويعرفوا كل نوق المنطقة، لذلك وضعوا لها صفات خارقة لا توجد في النوق التي لديهم أبدًا.

هي ناقة عشراء (أي أنها حامل في شهرها العاشر)، طويلة، بيضاء اللون.   

انفجرت الصخرة وخرجت الناقة بعد دعاء النبي صالح لربه بنفس الصفات التي حددوها ووصفوها، وقال لهم نبيهم (هذه ناقة الله) أي أنها ليست ناقته أو ناقة أي أحد من البشر، لكن لها آية وهي:

  • أنها تشرب مياه آبار القوم كلها في يوم، ولا يشرب من هذه الآبار طوال اليوم لا إنسان ولا حيوان، فكان اليوم الذي تشرب منه معجزة الله (ناقة الله) لا يبقى للناس والدواب أي ماء، وفي اليوم التالي يشربوا من المياه، قال تعالى في سورة (الشعراء): “قَالَ هَٰذِهِۦ نَاقَةٞ لَّهَا شِرۡبٞ وَلَكُمۡ شِرۡبُ يَوۡمٖ مَّعۡلُومٖ”.
  • كما طلب مهم أن يتركوها تأكل من أرض الله الواسعة (تروح وتغدوا بحرية) دون أن يمسوها بسوء، وقد قال الله تعالى في سورة (هود): “وَيَا قَوْمِ هَٰذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ”.
  • وفي اليوم الثاني، وبعد أن تشرب من مياه الآبار كلها، ستعطيكم لبنًا (حليب) يشرب منه كل الناس، ويكفي آلاف الرجال والنساء والأطفال، (أي شخص يأتي ويحلب هذه الناقة سيأخذ حصته كاملة رغم أن الناقة العادية لها مقدار معين من اللبن تعطيه في اليوم) لكنها من معجزة الله في عدم انقطاع لبنها لجميع الناس.

قوم سيدنا صالح عليه السلام

قوم ثمود

النبي صالح عليه الصلاة والسلام كان واحدًا من قوم ثمود، إلا أن غالبية قومه كانوا يتصفون بالجحد، ونكران أنعم الله، حيث أن الله سبحانه وتعالى أعطاهم المال الوفير، لكنهم عبدوا الأصنام ونكروا نعم الله عليهم وعصوا أمر ربهم، كما كانوا يتفاخرون بقوتهم التي لا تُهزم ويقومون بعمل السيئات.

قال تعالى في سورة النمل: “وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ (45) قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46) قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47)”.

ومن أجل أن يعودوا عن ضلالهم وكُفرهم أرسل سبحانه وتعالى أخاهم صالح ليُبشرهم بجناته على أن تركوا الكفر والضلال، ويُنذرهم بعذاب الله إن أصروا على الكفر، ويستغفرون الله سبحانه وتعالى، ويبتعدوا عن السيئات.

وكان سيدنا صالح عليه السلام يُكرر عليهم أمر الله ويحثهم على عبادته وحده وترك عبادة الأصنام، فهو الواحد الأحد وما من إله غيره، لكنهم كانوا يجيبونه بأنهم صاروا يتشاءمون منه، وأنه أصابهم النحس (لانقطاع المطر وحلول القحط في بلادهم)، ولم يروا منذ أن جاء صالح ومن آمن معه أي خير، فكان يجيبهم بأن ما حل بهم إنما هو من ذنوبهم وأعمالهم السيئة، مع إصرارهم على الكفر، وحبهم للمعصية دون الطاعة، وأن الله يفتنهم (أي يختبركم، ويمتحنكم) لينظر هل ينتهوا ويتوبوا أم يستمروا في الذنوب وتكذيب نبيهم ومقابلته بالسوء.

وقد قال الله سبحانه وتعالى بالآية (61) من سورة هود: “وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61)”.

فكان نبي الله صالح يدعوهم ليستغفروا الله، والتوبة إليه، وكان يحثهم على ترك آلهتهم التي لا قيمة لها، وكان سيدنا صالح معروفًا في قومه بالحكمة والعقل الراجح، والنقاء والصلاح، وكان مُحترمًا من قبل قومه (قبل أن يُبلغه الله بالدعوة)، فتفاجئ قوم صالح بتغيره تجاههم بعد أن بُلّغ بالرسالة إلا أنهم لم يسمعوا منه، وأصروا على كفرهم وعصيانهم لأمر ربهم، فقالوا له: الآية (62) من سورة “هود”: “قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَٰذَا ۖ أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ”.

بمعنى أنك كنت بيننا سيدًا له مكانة عالية بعلمك وعقلك، ولكنك خيبت رجاءنا بك، وتريد منا أن ننتهي عما كان يعبد آبائنا.

تحدي قوم صالح عليه السلام

استمر النبي صالح بالدعاء لقومه بالابتعاد عن الكفر والسير في طريق الإيمان والحق، لكنهم من شدة طغيانهم طلبوا منه أن يُخرج لهم ناقة من الصخر، فما كان من النبي صالح إلى أن طلب منهم أن يعطوه عهدًا بأنه إذا أجابهم الله في هذه المعجزة أن يؤمنوا بالله ويستغفروه ويتوبوا علن كل ما فعلوه وألا يعودوا للكفر مرة أخرى.

قال تعالى في سورة الشعراء: “فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ(150) وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ(151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ(152) قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ(153) مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (154)”.

وطلبوا منه أن يُخرج لهم ناقة من صخرة أشاروا إليها، وحددوا صفاتها وأوصافها ليُعجزوه ويغلبوه، فآتاهم الله آية من آياته المعجزات وهي (الناقة)، وطلب منهم ألا يؤذوا ناقة الله ويتركوها لشأنها، إلى أنهم أصرّوا على الكبر وعقروا ناقة الله المباركة، مما جلب لهم معاقبة الله سبحانه وتعالى وأرسل عليهم الصاعقة من العذاب.

قوم صالح وناقة الله

عندما رأى قوم صالح هذه الناقة تخرج من الصخرة في البداية كانت دهشتهم بها عظيمة، فهي ناقة الله المباركة وآية من آيات الله عزّ وجلّ، ولبنها يكفي ليشرب منه الآلاف من القوم، لذلك تأكدوا بأنها ليست ناقة عادية.

لكن الذين كفروا بآية الله بعد أن طلبوا من نبيهم صالح أن يُظهر لهم صدق رسالته وإيمانه ليصدقوه، إنما فعلوا ذلك ليتحدّوه وليظهر لهم معجزة، وعندما رأوا هذه المعجزة العظيمة وعرفوا عجزهم أمام معجزة الله، أصروا على كفرهم وعنادهم.

طلب سيدنا صالح من قومه بعد ظهور ناقة الله

بعد أن خرجت الناقة من الصخرة طلب النبي صالح من قومه ألا يمسوا ناقة الله بأي سوء، ويتركوها تشرب في اليوم المخصص لها، وتأكل من أرض الله الواسعة وترعى دون أن يقترب منها أحد أو يزعجها.

كما حذرهم بتركها وإلا فإنهم سيصيبهم عذاب قريب يحل عليهم من الله سبحانه وتعالى.

وذكّرهم بما مدّهم الله من نِعَمٍ من القصور المبنية بالصخور، والأراضي الخصبة، والثمار الوفيرة، والرزق الكثير، والقوة في الأجسام.

قال تعالى في سورة الأعراف: “وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74)”.

ماذا فعل قوم صالح بعد نزول ناقة الله؟

لم تكن دعوة سيدنا صالح لقومه (الذين كفروا، وأصروا على عصيانهم لأوامر الله) إلا زيادة في طغيانهم وكفرهم، وما كان منهم إلى أن توجهوا إلى قوم صالح الذين آمنوا بدعوة النبي صالح بقولهم بكل سُخرية واستخفاف، قال تعالى في سورة الأعراف: “قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ ۚ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75)”.

تآمر قوم صالح على ناقة الله

لقد انصرف القوم الكافرين من كراهية النبي صالح ودعوته، إلى كراهية وغضب وسخط على ناقة الله المعجزة.

وبدأوا في حياكة المؤامرة على قتل الناقة، فليس من مصلحة الكافرين أن يتحول الناس من الكفر للتوحيد، ومن أن يخشاهم الناس إلى أن يخافوا ويخشوا الله الواحد الأحد، وهذا تهديد لمصالح الكافرين، فبدأ الكفار ينشرون وينسجون المؤامرة ليتخلصوا من معجزة الله المباركة (ناقة الله).

أشار إليهم أحد الرؤساء من بينهم أن يقتلوا الناقة، رغم أنهم في قناعتهم يعرفون أن النبي صالح قد حذرهم من المساس بناقة الله وهددهم بعذاب قريب.

لذلك ومن كفرهم العميق، وبلوغهم أقصى غايات العصيان، أشار أحدهم إلى أنه يعرف من يتجرأ على قتل ناقة الله، وهو شخص من بينهم يُعتبر من أشقى القوم، ومن الذين يُسرفون بالشراب والسُكر، يُقال بأنه ” قدّار بن سالِف “، وهو الذي يُضرب به المثل في الشؤم، قال تعالى في سور الشمس: “كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا (11) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا (12) فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (13) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14) وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا (15)”.

وبدون أي تردد قام هذا الشخص بسرعة، ومن شدة كفره وجحوده وعقر ناقة الله، عن عمار بن ياسر قال، قال رسول الله ﷺ: “ألا أحدِّثُكم بأشقى الناسِ رَجُلينِ أحيمرِ ثمودَ الَّذي عقرَ الناقةَ والَّذي يضربُك يا عليّ على هذه حتّى يَبُلَّ منها هذه” ويعني بذلك: لحيته. المحدث: السيوطي والمصدر: الجامع الصغير، والحديث صحيح.

وفعلًا في إحدى الليالي قام (قدّار بن سالف) بالترصد للناقة بالاشتراك مع شخص آخر يُقال له (مُصْدَع بن مهرج بن المحيا)، بعد أن زيّن لهم القوم هذا الفعل، وكان قد شرب الخمر حتى الثمالة، فقام (مُصْدَع) برمي سهم على ساق الناقة، وتقدم (قدار بن سالف) وكشف عن عرقوب الناقة وأسقطها على الأرض ثم نحرها، ويُقال بأنها رغت رُغاء شديد (أي صاحت وخرج من فمها رغوة كثيرة).

موقف النبي صالح بعد أن قتل قومه ناقة الله

عندما علم النبي صالح بما فعله قومه بناقة الله سبحانه وتعالى، خرج غاضبًا على قومه، وحدّثهم بأوامر الله وبنهيه عن المساس بالناقة بأي أذى، وبعذاب الله إن فعلوا فيها أي سوء، فما كان من قومه إلى أن أجابوه بأنهم قتلوها فليأت بعذاب الله ويستعجل به، طالما أنه نبي الله ومن المرسلين، فأجابهم النبي صالح بأن يبقوا في ديارهم مدة ثلاثة أيام ووعد الله سيأتي لا محالة، قال تعالى في سورة الأعراف: “فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77)”.

وقال تعالى في سورة (هود): “وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ(64) فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ(65)”.

نهاية وهلاك قوم صالح

  • قال الله سبحانه وتعالى في سورة “فصلت”:

“وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (17) وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (18)”.

  • كما ذكر العذاب الذي حل على قوم ثمود في سورة “الذاريات” بقوله عزّ وجلّ:

“وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (43) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (44) فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ (45)”.

  • قال تعالى في سورة “الأعراف”:

فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79)”.

بعد أن بلّغ نبي الله صالح قومه بأمر الله في هلاكهم لما فعلوه في ناقة الله، تركهم ومضى إلى شأنه، وبعد أن مضت المدة التي حددها النبي صالح لهلاك قومه وهم في غفلة وجحود ونكران، وزيادة في العصيان والكفر، والاستهزاء من العذاب، وجاء اليوم الرابع حيث انشقت السماء بصيحة جبارة مدوية واحدة، جعلت الجبال تتهاوى، وتتساقط وكأنها قطن يطير في الهواء، وهلك قوم ثمود جميعهم، ولم يبقى أي شيء حي من بين الكفار، ودون أن يُدركوا ما يحدث حولهم، وذلك دفعة واحدة دون تأخير لعذاب الله، وذهب كل أثر لهم مع الريح.

ولكن الذين آمنوا بالنبي صالح وبالتوحيد، غادروا المكان ولم يمسهم أي عذاب أو أي أذى ونجوا مع النبي صالح جميعًا.

  • قال تعالى في سورة “هود”:

“فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ(66) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ(67) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ(68)”.

هلاك قوم ثمود كما جاء به الطبري

قال الطبري في تفسير الآيات (66 – 67 – 68) من سورة هود:

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن أبي بكر بن عبد الله، عن شهر بن حوشب، عن عمرو بن خارجة قال: قلنا له: حدّثنا حديثَ ثمود. قال: أحدثكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمود، (وهذا الحديث طويل وقد أخذت منه ما يتعلق بعذاب قوم النبي صالح):

“ألا إن أية العذاب أنّ اليوم الأوّل تصبح وجوهكم مصفرّة، واليوم الثاني محمرّة، واليوم الثالث مسودّة! فلما أصبحوا فإذا وجوههم كأنها طُليت بالخَلوق (تغلب عليه الحمرة والصفرة)، صغيرُهم وكبيرُهم، ذكرهم وأنثَاهم. فلما أمسوا صاحوا بأجمعهم: ” ألا قد مضى يوم من الأجل، وحضركم العذاب”، فلما أصبحوا اليوم الثاني إذا وجوههم محمرة كأنها خُضِبت بالدماء، فصاحوا وضجُّوا وبكوا وعرفوا آية العذاب، فلما أمسوا صاحُوا بأجمعهم: ” ألا قد مضى يومان من الأجل وحضركم العذاب”، فلما أصبحوا اليوم الثالث فإذا وجوههم مسودّة كأنها طُليت بالقار، ومعنى القار (هو خليط من السوائل العضوية فيها لزوجة عالية وباللون الأسود)، فصاحوا جميعًا: ” ألا قد حضركم العذاب”، فتكفَّنُوا وتحنَّطوا، وكان حنوطهم الصَّبر والمقر (وهو شجرٌ مُر)، وكانت أكفانهم الأنطاع (بساطٌ من جلد يُفرش تحت المحكوم عليه بالقتل)، ثم ألقوا أنفسهم إلى الأرض، فجعلوا يقلبون أبصارهم، فينظرون إلى السماء مرة وإلى الأرض مرة، فلا يَدْرون من حيث يأتيهم العذاب من فوقهم من السماء، أو من تحت أرجلهم من الأرض، خَشَعًا وفَرَقًا (حب الحياة مع الفزع من العذاب والموت)، فلما أصبحوا اليومَ الرابع أتتهم صيحةٌ من السماء فيها صوتُ كالصاعقة، وصوت كلّ شيء له صوتٌ في الأرض، فتقطعت قلوبهم في صدُورهم، فأصبحوا في دارهم جاثمين”.

الآيات التي ذُكرت فيها ناقة الله

لقد ذكر الله سبحانه وتعالى قصة النبي صالح وناقة الله التي ظهرت لقوم ثمود في الكثير من الآيات في سور القرآن الكريم ومن هذه الآيات:

  • ذكرت الناقة في الآية (73) من سورة “الأعراف” بقوله تعالى:

“وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73)”

  • كما ذكرت ناقة النبي صالح (عليه السلام) في الآية (77) و(78) من سورة “الأعراف” أيضًا بقوله عزّ وجلّ: 

“فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78)”.

  • الآية رقم (64) و (65) من سورة “هود” بقوله تعالى:

“ويَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ (64) فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65)”.

  • وذكرت ايضًا في الآية (59) من سورة “الإسراء” بقوله تعالى:

“وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً”.

  • وفي الآيات (155) و (156) و (157) و (158) من سورة “الشعراء” بقوله تعالى:

“قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (155) وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (156) فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ (157) فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (158)”.

  • وفي الآيات (27) و(28) و (29) من سورة “القمر” بقوله عز وجل:

“إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (27) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (28) فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (29)”.

  • وفي سورة “الشمس” في الآيات حيث أخبرنا الله بها:

“كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا (11) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا (12) فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (13) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14) وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا (15)”.

المصادر:

شارك المعلومة؛ فالدال على الخير كفاعله