من هو سيف الله المسلول … الفارس القوي في الجاهلية والإسلام

إن السؤال عن بعض الشخصيات الهامة التي لها أثر كبير في الحياة الإسلامية أمر لا ينتهي، وهذا لكثرة هذه الشخصيات وأثرها في الإسلام، وخاصة أن الكثير من الأشخاص ربما يجدوا عبارة أو مقولة معينة ترتبط بشخصية مهمة فيرغبوا في التعرف عليها.

ومن ضمن هذه الأسئلة المهمة “من هو سيف الله المسلول“، هذه الشخصية التي لها دور كبير في تاريخ السلطة العسكرية والقتالية سواء قبل إسلامها أو بعده، فلنتعرف معًا على هذا الشخص الذي لُقب بسيف الله المسلول؟ ومن أطلق عليه هذا اللقب؟ والسبب في إطلاق هذا اللقب عليه؟ وبعضًا من جوانب حياته فتعالوا معنا:

من هو سيف الله المسلول؟

إنه الصحابي الجليل خالد بن الوليد (رضي الله عنه)، والذي يُعتبر من أفضل الفرسان وأحسنهم في فنون القتال والفروسية، ومن أفضل القادة العسكريين على مر التاريخ سواء بالجاهلية أو الإسلام.

من هو خالد بن الوليد؟

إنه خالد بن الوليد بن المغيرة بن مخزوم بن كعب القرشي، وكان يلقب بأبي سليمان، حيث تعتبر قبيلة بني مخزوم بطن من بطون قريش الشهيرة التي تحمل أعظم لواء من ألويتها الهامة وهو لواء الجيش وقيادة الفرسان (كانت بيد بني مخزوم السلطة العسكرية والقتالية الخاصة بقريش وتضم أكثر الفرسان شجاعة وقتالًا)، وبني مخزوم كان يُعرف عنهم أيضًا الثراء الشديد، وكانت عائلة سيدنا خالد بن الوليد (رضي الله عنه) ثرية جدًا، وأبوه الوليد بن المغيرة كان سيد بني مخزوم (وقد كان من شدة ثرائه يكسو الكعبة في عام، وقريش كلها تكسو الكعبة في عام آخر لذلك سمّي بـ (ريحانة قريش) أو (الوحيد).

وقد كان أبوه من سادات بني مخزوم برفعة نسبه، ومكانته العالية بين قومه، من أشد أعداء الرسول عليه الصلاة والسلام، أما خالد بن الوليد فقد كان من أعظم من يروض الخيول العربية منذ صغره في الجزيرة العربية، كما كان قوي البنية، شديد التحمل، ولديه مهارة مع خفة في الحركة والكرّ والفرّ، وقد دربه أبوه أيضًا على ركوب الجمال، وفنون القتال والسلاح حتى أصبح أفضل فارس في عصره، وأحسن من يرمي بالسهام وهو على ظهر الفرس المسرع، ولا يمكن أن يغلبه أحد في ذلك.

أسلم قبل فتح مكة، وله من العمر ما يقارب أربعين سنة، حيث كان خلال فترة إسلامه الفارس القوي والقائد المتفتح والنبيه والقادر على قيادة جيشه بالطريقة الأسلم للوصول إلى نصرة النبي وإعلاء كلمة الله ونشر هذا الدين الإسلامي في أرجاء مختلفة من الدنيا.

صفات خالد بن الوليد

كان سيدنا خالد (رضي الله عنه) قوي البنية، وله جسم وهامة عظيمين، طويلًا، مائلًا للبياض، وكث اللحية، وقد شبهه الكثير بسيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) حتى أن بعضهم كان يشتبه عليه من القادم من بعيد سيدنا عمر أو خالد (رضي الله عنهما).

كما كان يُعرف عنه الفصاحة والبلاغة والعلم، إضافة لكرمه وحبه للعطاء والجود.

من الذي لقب خالد بن الوليد بسيف الله المسلول؟

هناك عدة روايات في تسمية خالد بن الوليد بسيف الله المسلول:

الرواية الأولى

كان لمنحه لقب سيف الله المسلول قصة عظيمة، فقد شارك خالد بن الوليد في معركة مؤتة مع قائد الجيش زيد بن حارثة، وأمرهم رسول الله ﷺ إن قُتل فيتولى القيادة جعفر بن أبي طالب (رضي الله عنه)، وإن قتل جعفر فيخلفه عبد الله بن رواحة، وإن قتل فيختار المسلمين قائدًا من بينهم.

كانت المعركة تدور بين المسلمين والغساسنة، لكن عندما وصل المسلمون إلى موقعة مؤتة وجدوا أن الجيش الذي يحاربونه يقارب عددهم على (200) ألف مقاتل، نصفهم من الغساسنة والنصف الآخر من الروم، وبدأ المسلمون القتال قبل أن يأخذوا برأي الرسول (عليه الصلاة والسلام) في أمرهم هذا، وقد واجه المسلمين جيش العدو وقُتل القادة الثلاثة واحدًا تلو الآخر، فاختار المسلمين خالد بن الوليد قائدًا عليهم.

وما كان من خالد وخبرته العسكرية إلا أن قام في الليل ونقل جيش الميمنة للميسرة، وجيش الميسرة للميمنة، والجيش في الخلف للأمام ومقاتلي الأمام للخلف، وطلب من بعض المقاتلين بأن يثيروا الغبار ويكثروا الجلبة بين صفوف الجيش حتى أصبح الصباح، فوجد جيش العدو هذا التغيير في الوجوه، والأعلام المختلفة مع الجلبة والغبار فظنوا أن مددًا قد أتى للمسلمين ليلًا، فأمرهم قائدهم بالانسحاب، ولكن بعد أن حارب المسلمون في هذه الغزوة ببسالة، حتى قيل أن خالد بن الوليد قد كسر في يده بهذه المعركة ما يقارب تسعة من السيوف، وانتصر المسلمين، وعاد خالد بالجيش إلى النبي (عليه الصلاة والسلام) في يثرب، فأثنى الرسول عليه كثيرًا ولقبه بسيف الله المسلول.

الرواية الثانية

كما يقال بأن السبب في تسمية سيدنا خالد بن الوليد بسيف الله المسلول أيضًا، أن الرسول ﷺ كان في المدينة المنورة عندما كانت تجري أحداث معركة مؤتة، وكان عليه الصلاة والسلام يشرح تفاصيل المعركة وأخبارها للمسلمين ممن في المدينة وكأنه بينهم، فلما قُتل قائد جيش المسلمين عبد الله بن رواحة (رضي الله عنه) قال عليه الصلاة والسلام: ” ثمّ أخذ الرَّاية سيفٌ من سيوف الله خالد بن الوليد ففتح الله عليه”.

الرواية الثالثة

وفي رواية أخرى عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال، أن الرسول (صلّى الله عليه وسلم) مدح خالد بن الوليد بقوله عنه: “نِعمَ عبدُ اللهِ خالد بن الوليد سيفٌ من سيوفِ اللهِ”. رواه الألباني في صحيح الترمذي، والحديث صحيح.

وفاة خالد بن الوليد

توفي القائد العظيم خالد بن الوليد (رضي الله عنه) في مدينة حمص، سنة (21) للهجرة في زمن خلافة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه).

ويقال أنه عندما حضرت الوفاة لسيدنا خالد بن الوليد، كان على فراشه مُلقى، فبكى وهو يموت، وقال جملته الشهيرة:

” لقد شهدت مئة زحف أو زُهاءها، وما في بدني موضع شبر، إلا وفيه ضربة بسيف أو رمية بسهم أو طعنة برمح، وها أنا ذا أموت على فراشي حتف أنفي، كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء”.

قصص مع لقبه بسيف الله المسلول

في إحدى الغزوات، تقدم قائد جيش العدو (رستم) قبل بدء المعركة، وطلب أن يكلم قائد جيش المسلمين خالد بن الوليد آنذاك، وقال: ” هل حقًا يا خالد كما سمعنا أن الله أنزل على نبيكن سيفًا من السماء فناوله إياك فلا تدخل في معركة إلا وانتصرت؟”.

فأجابه خالد بن الوليد: ” لا … إنما نحن قوم أطعنا الله وأطعنا الرسول، ونقاتل لأننا أحرص على الموت منكم على الحياة”.

وقد طلب سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) في زمن خلافة سيدنا أبو بكر الصديق أن يعزل خالد بن الوليد، لأمر فعله في إحدى الغزوات، لكن أبو بكر رفض ذلك، وقال: “ما كنت لأشيم سيفًا سلّه الله على الكافرين”، أي لا يُغمد سيفًا سلّه الله على المشركين.

أخيرًا…

  • إن قصة سيدنا خالد بن الوليد (رضي الله عنه) كقائد لجيوش المسلمين تعلمنا كيف تكون عزة النفس، والبطولة والإقدام مع الشجاعة، وأن الثبات على الحق هو الذي يوصل لرضا الله سبحانه وتعالى، إضافة إلى حرص المسلم في حياته كلها وهدفه الأعلى هو رضا الله عزّ وجلّ.
  • لم يُهزم سيدنا خالد بن الوليد (سيف الله المسلول) في أي معركة خاضها، إنه ذلك القائد العسكري القوي الذي عرفه التاريخ، فقد كان رجلًا ذو حنكة وفهم للقيادة العسكرية وقيادة الجيوش، وكانت له تكتيكاته الناجحة في كثير من المعارك التي قادت المسلمين للتقدم والانتصار، إضافة لتقديمه ضربات نفسية لأعدائه مما زعزعت صفوف جيش العدو وجعلتها تضطرب وتخاف من الإقدام.
  • ألف العديد من الكتّاب الكثير من الكتب التي تحكي سيرة خالد بن الوليد (رضي الله عنه)، والتي تتحدث عن شخصيته وبسالته وقيادته كقائد عظيم لجيوش المسلمين، ومن أبرز هذه الكتب كتاب (سيف الله المسلول، خالد بن الوليد، حياته وحملاته) الذي حقق فيه وجاب الكثير من المدن والأماكن التي عاش فيها سيدنا خالد بن الوليد، أو قاد جيش المسلمين فيها (الجنرال الباكستاني أغا إبراهيم إكرام) والذي تعرف على سيرة هذا القائد العظيم وكتب هذا الكتاب عن حياته من وجهة نظر عسكرية من شدة إعجابه بهذا الرجل الذي قاد في يوم من الأيام جيوش المسمين نحو نشر الدعوة الإسلامية وتوسيع دولة الإسلام.
  • كما ألف الكاتب “عباس محمود العقاد” كتاب عن شخصية خالد بن الوليد بتحليل أدبي أسماه “عبقرية خالد”.

المصادر:

شارك المعلومة؛ فالدال على الخير كفاعله