قصة يونس عليه السلام … ذا النون “صاحب الحوت”

أرسل الله عزوجل يونس عليه السلام إلى قوم كانوا يعيشون في شمال العراق في قرية نينوى القريبة من الموصل، يدعوهم إلى عبادة الله وترك عبادة الأصنام كما فعل الأنبياء من قبله.

لكن مالذي حصل ليونس وما قصته مع الحوت؟ ومالذي ميز قومه عن القوم السابقين؟ قصة من قصص القرآن نتحدث فيها عن قصة يونس عليه السلام نتناول فيها ما جرى معه من أحداث حين ترك قومه، والخطأ الذي ارتكبه، مع إضافة بعض اللمسات من العبر والعظات للدعاة ولكل مؤمن يهمه الدعوة إلى الله عزوجل.

قصة يونس عليه السلام

يونس بن متى الملقب بذي النون _ والنون أي (الحوت) _ أو صاحب الحوت، أرسله الله إلى قوم كان عددهم أكثر من مائة ألف كما ذكرها لنا القرآن الكريم “وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون“.

كانوا يعيشون في قرية كبيرة اسمها نينوى. وما زال هناك أصنام موجودة تدل على كفر السابقين إلى الآن.

أخذ هذا النبي العظيم منهج الأنبياء يدعو قومه إلى عبادة الله وترك عبادة الأصنام، لكن قومه استكبروا وعاندوا أوامره واستهزؤوا به وتحدوه بأن يعجل الله العذاب عليهم. وظل يدعوهم سنوات واستمروا على كفرهم رجالًا ونساءً.

دعاهم وصبر وما ترك أحدًا إلا ودعاهم إلى التوحيد، لكنهم عاندوا واستكبروا فأوحى الله إلى يونس عليه السلام بأن قومه لن يعيشوا بعد ثلاثة أيام إذا لم يؤمنوا. فأخبر يونس قومه بأن الله سيمهلهم ثلاثة أيام، إما أن يؤمنوا بالله أو ينزل الله العذاب عليهم.

 فقالوا لن نؤمن بك ولن نصدقك واستهزؤوا به، فأخبرهم بأن العذاب سينزل عليهم بعد ثلاثة أيام كما حدث بالأمم السابقة. ومن رحمة الله بعباده أن يعطيهم مهلة قبل إنزال العذاب عليهم لعلهم يؤمنون ويرجعون إلى الحق والتوحيد، لكن ذا النون تركهم غاضبًا يائسًا منهم لأنهم لم يؤمنوا فرحل من دون إذن من الله تعالى.

ومن المعروف أن الأنبياء لا تتصرف إلا بأمر من الله “وذا النون إذ ذهب مغاضبًا فظن أن لن نقدر عليه…

وبدأت علامات العذاب على قومه وتغير لون السماء فخافوا وأحسوا بالندم. وخرج الناس يبكون ويستغيثون ربهم حتى لا ينزل العذاب عليهم. “أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء“. ليس لهم إلا الله لم يشعر يونس عليه السلام بذلك لأنه لم يكن معهم.

وذهبوا ليسألوا نبيهم يونس عليه السلام أهي تلك علامات العذاب؟ لكنهم لم يجدوه! فلما أحسوا بأن العذاب قادم لا محالة وأن النبي ليس معهم وهم يعلمون ما فعل الله بالأمم التي قبلهم خافوا وآمنوا.

لم يكن موجودا بينهم نبيهم وهنا الخطأ لأن المهلة التي أعطاهم الله إياها _الثلاثة أيام _ ربما يعودوا إلى رشدهم ويؤمنوا وفعلًا هذا الذي حدث لكن النبي يونس عليه السلام لم يكن موجودًا بينهم في ذلك الوقت.

 لكن أين الرسول ليوضح لهم … من يرشدهم … من يعلمهم … ! “فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين”.

لا يوجد قرية في التاريخ آمنت كلها إلا قوم يونس. سبحان الله! القرية الوحيدة التي آمنت كلها فكشف الله العذاب عنهم وقبل توبتهم ونجّا الله قوم يونس كلهم من العذاب وهذا ما ميز قوم يونس عن غيرهم. فالله أرحم الراحمين.

أين ذهب يونس وماذا حصل معه؟

إذ أبق إلى الفلك المشحون” ذهب يونس عليه السلام غاضبًا حزينًا لأن قومه لم يؤمنوا رغم الفترة الطويلة التي دعاهم إياها، وركب سفينة مملوءة بالسكان والبضائع، ولما حل الظلام بدأت الأمواج تتلاطم وبدأ الناس يصيحون.

فزع الناس وأحسوا أن السفينة ستغرق بهم، وتأتي عاصفة هوجاء تلعب بهم ويرون الموت وظل الموج يأخذهم يمنة ويسرة، فتشاوروا فيما بينهم أن عليهم رمي البضائع والأشخاص واحدًا تلو الآخر كي يخف ثقل السفينة.

فبدؤوا برمي البضائع ثم قرروا أن يرموا شخصًا تلو الآخر، لكن من يتجرأ ويضحي بنفسه إلى الهلاك! فقرروا أن يفعلوا قرعة والذي يظهر اسمه يرموه.

وإذ ظهر اسم يونس بالقرعة فعلم أنه المقصود، فأراد أن يجهز نفسه، لكنهم رفضوا وقالوا نعيد الكرة مرة ثانية، لأنهم رأوه رجل صالح ذو أخلاق رفيعة ومحبوب من الجميع، فأرادوا أن يعيدوا القرعة مرة أخرى وإذ يظهر اسم يونس مرة ثانية.

ثم أعادوا القرعة وإذ يظهر اسم يونس عليه السلام للمرة الثالثة. فعرفوا أنه المقصود فرمى بنفسه في ظلمة الليل في البحر. كل ذلك … لأن يونس ركب في السفينة الخطأ، في الوقت الخطأ، وخرج من قومه في ساعة خاطئة.

وإن يونس لمن المرسلين إذ أبق إلى الفلك المشحون فساهم فكان من المدحضين“.

فأوحى الله في تلك اللحظة أن تسكن الأمواج وتهدأ العاصفة. وأرسل الله حوتًا ليبتلع يونس بأمر من الله عزوجل. فدخل يونس عليه السلام في بطن الحوت، وجاءت الأُوامر إلى الحوت بوحي من الله أن لا تأكل له لحمًا ولا تنهش منه عظمًا. فقط اجعله سجنًا له.

لا أحد يعلم كم يوم لبث في بطن الحوت ولكن تقول بعض الروايات أنه لبث في بطنه ثلاثة أيام، وبعض الروايات تقول سبعة أيام وبعضهم يشير إلى 40 يومًا والله أعلم!

فالتقمه الحوت وهو مليم“. وظن أنه قد مات فلما تحرك جسده سجد لله تعالى وهو في بطن الحوت وقال يا رب اتخذت بطن الحوت مسجدًا لك. لا أحد سجد في هذا المكان غيري يا رب وأخذ يناجيه ويسبحه ويستغفره.

“فنادى في الظلمات” _ وكانت ثلاث ظلمات: ظلمة بطن الحوت، ظلمة الليل، ظلمة البحر _ “أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين”.

سمع عليه السلام أصوات غريبة وهو في قاع البحر، فسأل ربه ما هذا الصوت يا رب؟ قال له: تسبيح الأسماك في البحر “وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم“. في تلك اللحظة قال يونس عليه السلام: “لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين“. 

واعترف يونس بتقصيره لأنه استعجل في حكمه على قومه، ولكنه كان كثير التسبيح كثير الذكر فندم كثيرًا على ما فعل، وإذ تصعد كلمات التسبيح وتخترق السماوات حتى سمعت الملائكة صوته وقالت يا رب إننا نسمع صوتًا نألفه يسبحك من مكان غريب. قال ألا تدرون من هو؟ قالوا لا ندري من هو؟  قال: إنه يونس بن متى.

فاستجاب الله له وعفا عنه، وجاءت الأوامر من الله إلى الحوت أن يلقيه على اليابسة. لكن لا يوجد فيها شيء لا زرع ولا ثمار. “فنبذناه بالعراء وهو سقيم”.

فأمر الله تعالى بأن ينبت هناك شجرة من يقطين “القرع” لأنها تتميز بأوراقها الكبيرة فيستظل بها يونس عليه السلام من حر الشمس ويستطيع أيضًا أن يأكل من ثمارها. وأرسل الله أنثى الوعل لتروي عطشه، فكانت تنزل عليه تسقيه من ضرعها حتى شفي.

ثم بعد ذلك أمره الله أن يرجع إلى قومه فإذا هم مؤمنون وعفا عنه وجعله من الصالحين واختاره وفضله على العالمين. “فاجتباه ربه فجعله من الصالحين“.

عبر رائعة من قصة يونس عليه السلام

قصة يونس عليه السلام إرشاد للنبي محمد صلى الله عليه وسلم أن على الرسول أن يصبر ولا يترك أمته ويذهب عنهم إلا بإذن وأمر من الله. “فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم”.

على الداعي أن يتحلى بالصبر ولا يحكم على الآخرين ولو طالت المدة. فلربما في آخر لحظة يتوبون ويستغفرون الله كما حصل مع قوم يونس.

لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين” نلاحظ أن كلامه لم يكن طلبًا وإنما توحيد … تقديس … اعتراف بالذنب … هذا أعظم دعاء! لأن الله يعرف حالنا ويستجيب لنا برحمة منه وفضل. فهذا الدعاء لكل مؤمن يستطيع أن يدعو به ربه، وهو من الأدعية المستجابة إن شاء الله.  

هكذا أهل الإيمان يذكرون الله في كل وقت وحين، كما فعل يونس عليه السلام، متصل بربه عزوجل دائمًا في السراء والضراء، “فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون“. كان من الذاكرين العابدين الساجدين لولا أنه كان من المسبحين قبل ابتلاع الحوت له وبعد ابتلاعه إياه لظل في بطنه إلى يوم القيامة.

على المؤمن أن يكثر من ذكر الله مهما كانت ظروفه فإنه بذكره لله تعالى يطمئن قلبه “ألا بذكر الله تطمئن القلوب”.

لم كل هذا حصل ليونس؟ أراد الله أن يعلم يونس أمرًا أن ارجع يا يونس إلى قومك، إلى بلدك التي تركتها على الكفر. فلما رجع يونس عليه السلام إلى قومه وجد القرية كلها آمنوا بالله عزوجل. لم تحصل لنبي سوى يونس عليه السلام الذي استعجل على قومه.

لكنه بشر لا يقل أحد أنا خير من يونس أني صبرت، فيونس عليه السلام انتظر طويلًا عليهم ليؤمنوا وحاله كما حال الأنبياء من قبله فهذا آدم عليه السلام أكل من الشجرة وعصى ربه لكن الله غفر له بعد توبته وصدقه.

عن عبدالله بن مسعود: ما يَنْبَغِي لأحَدٍ أنْ يَقُولَ أنا خَيْرٌ مِن يُونُسَ بنِ مَتّى. صحيح البخاري

على المؤمن الداعي أن لا ييئس من الدعوة “ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء“. والله هو الهادي وعلينا التبيلغ والصبر هذا هو منهج الدعوة.

حديث صحيح لابن كثير ورد عن يونس وهو في بطن الحوت

عن أبي هريرة: لما أراد اللهُ حبسَ يونسَ في بطنِ الحوتِ أوحى اللهُ إلى الحوتِ أن خذ ولا تخدِشْ لحمًا ولا تكسِرْ عظمًا فلما انتهى بهِ إلى أسفلِ البحرِ سمع يونسَ حِسًّا فقال في نفسِه ما هذا فأوحى اللهُ إليهِ وهو في بطنِ الحوتِ إنَّ هذا تسبيحُ دوابِّ البحرِ قال فسبَّحَ وهو في بطنِ الحوتِ فسمعتْ الملائكةُ تسبيحَه فقالوا يا ربنا إنا نسمعُ صوتًا بأرضٍ غريبةٍ قال ذلك عبدي يونسَ عصاني فحبستُه في بطنِ الحوتِ في البحرِ قالوا العبدُ الصالحُ الذي كان يصعدُ إليك منهُ في كل يومٍ وليلةٍ عملٌ صالحٌ قال نعم قال فشفعوا لهُ عند ذلك فأمر الحوتَ فقذفَه في الساحلِ كما قال اللهُ وَهُوَ سَقِيمٌ

المصادر

شارك المعلومة؛ فالدال على الخير كفاعله