قصة أيوب عليه السلام … والابتلاءات التي ابتلاه الله بها

قال تعالى: “ومن ذريته داوود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون”. رجلًا من الروم من سلالة العيص بن إسحاق. إنه أيوب عليه السلام نبي من أنبياء الله من ذرية إبراهيم عليه السلام. أيوب بن موص بن رازح بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم الخليل …

قال تعالى: ” إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب”.

ما قصة أيوب عليه السلام ومالابتلاءات التي ابتلاه الله بها وكيف تعامل معها؟ قصة صبر لا مثيل لها نتعلم منها دروسًا في الصبر حين يشتد علينا الأمر وتكثر الهموم والمصائب. نسأل الله السلامة …

قصة أيوب عليه السلام

كان أيوب عليه السلام رجلًا كثير الأموال والأولاد والعبيد والأراضي والمزروعات، وقد أكرمه الله أيضًا بزوجة صالحة. لكن في يوم من الأيام سلب الله منه كل هذه النعم وابتلاه بأمراض لم يبق من جسمه عضو سليم سوى لسانه وقلبه يذكر الله عزوجل بهما.

الابتلاءات التي ابتلى الله أيوب بها

ابتلاه الله بالمصائب، لا يذكر بالتاريخ ابتلاء إلا وأيوب فاقه. بدأ بمرض يضعف جسمه ثم خسران أولاده واحد تلو الآخر. فقد كان له أربعة عشر صبي وبنت خسرهم جميعًا. حتى أمواله خسرها كلها فقد احترقت واحدة بعد الأخرى حتى خدمه تركوه.

وهو في ذلك كله ما زال يذكر الله عزوجل ويحمده ويناجيه، صابر محتسب يدعو ربه ليل نهار صباح مساء. كان الناس ينظرون إليه على أنه نبي صالح. ولكن بعد اشتداد المرض وخوف الناس من أن ينقل العدوى إليهم بدؤوا يبتعدون عنه شيئًا فشيئًا حتى أنه طرد من بلده وألقي في مزبلة خارجها.

وانقطع عنه الناس ولم يبق له أحد سوى زوجته الصالحة التي كانت تتردد عليه وتخدمه دون تأفف أو تململ راجية من الله أن يشفيه. كانت ترعى له حقه وتعينه على قضاء حاجته وتقوم على مصالحه إلى أن ضعف حالها وقل مالها.

ما فعلته الزوجة لزوجها

بدأت زوجته تخدم الناس بالأجر لتطعم زوجها رضي الله عنها وأرضاها. تخدم الناس لتشتري طعامًا وتطعمه. هذه الزوجة التي كانت ثرية، أولادها حولها،  والخدم في كل مكان، أصبحت أجيرة عند الناس.

في مرة طلبت منه أن يدعو الله أن يشفيه قال لها أرأيت كم سنة كنت معافى؟ أنعم الله علي بالعافية 70 سنة أفلا أصبر على المرض سبعين سنة أخرى. “إنا وجدناه صابرًا نعم العبد إنه أواب”.

أوتي من الصبر شيئًا عظيمًا. كان مهيأ لأنه نبي وهو يعلم قوله تعالى: “أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون”.

وقال تعالى: “ولنبلونكم بشي من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين، الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون“.

المدة التي صبر أيوب فيها على الابتلاءات

كان عزيزًا ثم فقد كل شيء خسر ثمانية عشر سنة وهو على هذا الحال. ضرب أروع الأمثلة بالصبر كان دائما يذكر الله عزوجل. “نعم العبد إنه أواب” لا يتأفف ولا يجزع. تقطع جسمه وهو على الفراش. هجره الأخوة والأصحاب. لم يبق عنده أحد من الناس. وكان المرض يجعل جسده يتقطع فيتساقط اللحم وتخرج الرائحة. يالله 18 عشر سنة وهو يتحمل ويصبر! زوجته تطرد من البيوت وتصبر على فقد المال والولد وخدمة الزوج المريض …

وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل”. وقال أيضًا: “يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلابة زيد في بلاءه”.

اشتد البلاء على الزوجة أيضًا لأن الناس عندما يعلمون أنها امرأة أيوب يرفضون خدمتها ويخافون أن تنقل العدوى لهم. لكن ماذا تفعل كيف ستطعم زوجها! كان الشعر يباع في زمنهم، فقصت ضفيرتها وباعتها لبنات الأشراف واشترت بهم طعامًا، وأيوب يعلم أن الناس منوعوها من العمل.

فسألها من أين لك الطعام كيف جئت بالطعام والناس لا يقبلونك أن تعملي عندهم؟ قالت خدمت به أناسًا. ثم جاء الغد وباعت الضفيرة الثانية وأتت بالطعام فأنكره وحلف أن لا يأكل حتى تخبره الحقيقة.

دعوة أيوب عليه السلام

كشفت الزوجة عن رأسها خمارها. فلما رأى رأسها محلوقًا! حلف أن يضربها مائة سوط إذا شفي لقصها شعرها. وهنا بلغ الأمر مبلغه. فدعا ربه “وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين”.

أسلوب دعاءه قمة في الأدب لم يكن بأسلوب الشكوى، لم يطلب طلب مباشر. قال فقط أنه مسه الضر. صبر كل السنين لكن لما رأى ما حدث لزوجته دعا ربه. وقيل كان لأيوب أخوان دخلا عليه وهو طريح على فراشه ورائحة الأنتان فائحة. قال أحدهما للآخر لقد علم الله من أيوب ذنب عظيم.

فسمعه أيوب عليه السلام فاشتد عليه ذلك، فتوجه إلى ربه وقال يارب إنك تعلم أنني لم أبت شبعان إلا وأطعمت غيري ولم ألبس إلا وقد ألبست غيري والأخوان يسمعان ما يقول.

وقد روى البزار وغيره عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن نبي الله أيوب عليه السلام لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة، فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين، كانا من أخص إخوانه به، كانا يغدوان إليه ويروحان، فقال: أحدهما لصاحبه: تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنباً ما أذنبه أحد من العالمين. قال له صاحبه: وما ذاك؟ قال: من ثماني عشرة سنة لم يرحمه الله، فيكشف ما به، فلما راحا إليه، لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له. فقال أيوب: لا أدري ما تقول، غير أن الله يعلم أني كنت أمُرُّ على الرجلين يتنازعان، فيذكران الله عز وجل، فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما، كراهية أن يذكرا الله إلا في حق.

ازداد همه … ضاق صدره … ترك الأحباب … أي بلاء وأي هم … يبتلى المرء على قدر دينه.

طريح الفراش 18 سنة وهو يدعو ربه تخيلوا مع طول البلاء وشدة الصبر يقول “وأنت أرحم الراحمين”.

لحظة الفرج

وفي يوم من الأيام بدأت لحظة الفرج قيل يا أيوب “اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب” أوحى الله لأيوب عليه السلام أن يحرك قدميه ويضرب الأرض فيها فإذا بالماء يخرج من بين قدميه وهو في بيته. واغتسل به بأمر من الله فتعافى ثم شرب حتى زال كل ما به من أمراض.

زال المرض الذي دام 18 سنة بلحظات يسيرة “وإذا مرضت فهو يشفين”. سبحان الله!

أرجعه إلى شبابه وبقوته وعند عودة الزوجة خافت وقلقت لأنها لم ترى زوجها. فوجدت شاب وسيم قوي جميل فسألته هل وجدت أيوب فإنك أكثر الناس شبهًا به. فقال: أنا أيوب. قالت: أتهزأ بي؟ فحلف أنه أيوب فبكت وهي فرحة قالت كيف ذلك؟

“وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين”.

حتى زوجته العجوز أرجعها الله إلى شبابها وجمالها. يالله! كافأه الله بعودة كل شيء حتى أنه رزقه أولاد وبنات كأولاده بأوصافهم وأعدادهم حتى البساتين والزروع كلها عادت. ليس هذا فقط بل بدأ الذهب يتساقط من السماء فيجمعه أيوب فيقول له الله يا أيوب أأنت تصنع هذا؟ قال أيوب لا غنى لي عن فضلك يارب … “فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين“.

عن أبي هريرة: بيْنَما أيُّوبُ يغتسِلُ عُريانًا أُمطِرَ عليه جَرادٌ مِن ذهَبٍ فجعَل أيُّوبُ يَحثي في ثوبِه فناداه ربُّه يا أيُّوبُ ألم أُغْنِك عمّا ترى؟ قال: بلى، ولكنْ لا غِنى لي عن رحمتِك

كيف حل قضية النذر؟

بقي النذر الذي نذره أيوب أنه إذا شفي عليه بضرب زوجته 100 عصى لأنها قصت شعرها دون علمه. فأوحى الله لأيوب أن يجمع 100 عصي صغيرة وأن يربطها ويجمعها معًا ويضرب بها زوجته ضربًا خفيفًا مرة واحدة، يكون بذلك قد وفى وعده وحلفانه. وهي رخصة من الله تعالى لسيدنا أيوب عليه السلام. “وخذ بيدك ضغثًا فاضرب به ولا تحنث “.

وهذا من الفرج والمخرج لمن اتقى الله وأطاعه، وخاصة في حق زوجته الصابرة المحتسبة المكابدة الصديقة البارة الراشدة رضي الله عنها. ولهذا عقب الله الرخصة وعللها بقوله “إنا وجدناه صابرًا نعم العبد إنه أواب”.

إنه الفرج الذي قرنه مع الصبر. هذا الصبر وهذه نتيجته … أيوب الذي جعله قرينًا في الصبر. والصبر مفتاح الفرج. عاش أيوب بعدها سبعين سنة على دين الحنيفية بأرض الروم ثم غيروا بعده دين إبراهيم عليه السلام.

وفاته

وقيل أنه توفي وكان له من العمر ثلاثًا وتسعين سنة وقد روى ليث عن مجاهد أن الله يحتج يوم القيامة بسليمان عليه السلام على الأغنياء، ويوسف عليه السلام على الأرقاء، وبأيوب عليه السلام على أهل البلاء.

وقيل أن أيوب عليه السلام أوصى ولده “حومل” وقام بالأمر بعده “بشر” بن أيوب الذي يزعم كثير من الناس أنه “ذو الكفل” النبي الكريم الذي تحدثنا عنه سابقًا، والله أعلم. ومات ابنه وكان نبيًا وكان عمره من السنين خمسًا وسبعين.

العبر المستخلصة من قصة أيوب عليه السلام

  • على العبد أن يدعو ربه ويلجأ إليه في كافة الأحوال في السراء والضراء، وأن يملأ قلبه يقينًا وثقة بالله، ويعلم أن لا أحد سيكشف همه وكربته سوى الله سبحانه وتعالى. فهو بيده كل شيء وهو المعين والمجيب والقريب. وهو الذي بيده مقاليد كل شيء.
  • عندما يكون قريب من ربه ويستشعر بذلك الشيء فسيشعر بالراحة والطمأنينة بأن الفرج قريب، وسيتقبل بما قسمه الله له لأنه على يقين بأن الله لا يكتب له إلا الخير.
  • يتعلم الإنسان دروسًا في الصبر ويتذكر أيوب عليه السلام وما حل به من مصائب وامتحانات، كيف صبر وكيف تعامل معها. قال تعالى: “ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم”. وفي الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: “واعلم أن في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً”.

المصادر

شارك المعلومة؛ فالدال على الخير كفاعله