الأصل في الاستخارة أن تكون بصلاة الاستخارة (ركعتين نافلة بالنية)، ودعاء الاستخارة الصحيح، وأن يكون ذلك في كل أمر يهم الإنسان وفي كل قرار يتخذه، ولكن لا مانع من أن يستخير بدعاء الاستخارة بدون صلاة إذا تعذرت عليه، فدعاء الاستخارة مشروع في كل حين ووقت.
موانع صلاة الاستخارة
الاستخارة سنة نبوية، وعلى الإنسان أن يستخير الله سبحانه وتعالى في أموره كلها، فعن جابر رضي الله عنه قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن يقول: إذَا هَمَّ أحدُكُم بالأَمْرِ فلْيَرْكَعْ ركعَتَينِ من غيرِ الفريضَةِ ثُمَّ ليقُل: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ…”
الاستخارة تكون بصلاة ركعتين نافلة (غير الفرضية) بنية الاستخارة، ومن ثم يتم ذكر دعاء الاستخارة.
ولكن هناك حالات يتعذر فيها على الشخص الصلاة عندها يستخير بدون صلاة وهذه الحالات تتمثل بموانع الصلاة، وهناك حالات أخرى حيث لا تشرع له الاستخارة أصلًا، وهي موانع الاستخارة.
موانع الصلاة
وهي الحالات التي لا تجوز بوجودها الصلاة، مثل: عدم الطهارة، الحيض، النفاس… وعندها يمكن الاستخارة بالدعاء فقط بدون الصلاة (خاصةً في حال كان الأمر الذي تستخير لأجله لا يقبل الانتظار).
كذلك يمكن الانتظار حتى زوال المانع لأداء الاستخارة كما في سنة النبي صلى الله عليه وسلم (وذلك في حال كان الأمر الذي تستخير له يقبل الانتظار).
أما الأوقات غير مستحبة أداء صلاة نافلة فيها: وقت طلوع الشمس، وقت استواء الشمس وسط السماء، وقت ميلان الشمس باتجاه الغروب حتى تغرب. فيجب الانتظار حتى انقضاءها، وإن كان الأمر الذي تستخير فيه لا يقبل الانتظار عندها يمكنك الصلاة فيها.
أما مبطلات الصلاة فهي تتمثل بالقيام بما هو محرم في الصلاة، أو ترك ما يجب فعله في الصلاة، وهي تبطل الصلاة وتوجب إعادتها، مثل: الكلام بغير الصلاة، فعل شيء ليس من الصلاة، الضحك، ترك ركن من الصلاة أو واجب بدون عذر أو سبب…
موانع الاستخارة
موانع الاستخارة وهي الحالات التي لا تجوز فيها الاستخارة، فالاستخارة هي طلب الدلالة من الله سبحانه وتعالى ليدلك إلى الخير في الأمور كلها وخاصة التي لا تعرف مآلها.
وبالتالي الشرط الأساسي هو أن تكون الاستخارة في الأمور المباحة غير المحرمة ولا المكروهة، وأن تكون في الأمور المشروع الاستخارة فيها وليست في أوامر أو نواهي الله عز وجل، وأن تكون في الأمور التي تحتاج إلى الاستخارة وليس في الأمور المثبتة والمفروغ منها.
فلا حاجة للإنسان بالاستخارة في المحرمات، النواهي، المكروهات، الأوامر…. وفي هذه الحالة لا يستخير الشخص لا بصلاة ولا بدعاء الاستخارة بدون صلاة!
حكم دعاء الاستخارة بدون صلاة
كما ذكرنا سابقًا فالاستخارة هي طلب الدلالة والهداية من الله عز وجل إلى الخير، الأصل فيها كما ورد في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، أن تتم من خلال صلاة ركعتين نافلة ومن ثم دعاء الاستخارة.
ولكن تجوز الاستخارة بالدعاء فقط، ففي الحلات التي تتعذر فيها الصلاة سواء بشكل مؤقت أو لفترة طويلة، يمكن للإنسان أن يستخير بالدعاء فقط مع صدق النية، وخاصة في حال كان الأمر الذي يستخير فيه لا يقبل الانتظار حتى يزول مانع الصلاة.
طريقة دعاء الاستخارة بدون صلاة
دعاء الاستخارة بدون صلاة
اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلا أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ.
اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ -هنا تذكر حاجتك- خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ.
اللَّهُمَّ وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ -هنا تذكر حاجتك- شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ ارْضِنِي بِهِ.
خطوات دعاء الاستخارة بدون صلاة
- صدق النية والتوجه التام لله عز وجل.
- البدء بحمد الله تعالى والثناء عليه.
- الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ويفضل أن يكون ذلك بالصيغة الإبراهيمية: “اللّهُمَّ صَلّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحمَّدٍ كمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبراهيم وَعَلَى آلِ إبْرَاهيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحمَّدٍ وعَلَى آلِ مُحمَّدٍ كمَا بَارَكْتَ عَلَى إبْرَاهيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهيمَ في العالمينَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ”
- قراءة دعاء الاستخارة إذا كنت تحفظه، أو يمكنك قراءته من ورقة أو هاتف..
- عندما تصل إلى جزء “هنا تذكر حاجتك” فعليك ذكر الحالة التي تستخير لأجلها.
- يستحب ذكر دعاء الاستخارة الصحيح كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أنه يمكنك الاستخارة بصيغة مناسبة أخرى.
- إنها الدعاء بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ويفضل أن يكون ذلك بالصيغة الإبراهيمية: “اللّهُمَّ صَلّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحمَّدٍ كمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبراهيم وَعَلَى آلِ إبْرَاهيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحمَّدٍ وعَلَى آلِ مُحمَّدٍ كمَا بَارَكْتَ عَلَى إبْرَاهيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهيمَ في العالمينَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ”
دعاء الاستخارة بدون طهارة
الطهارة ليست شرطًا للدعاء أو الذكر، وخاصةً في الحالات التي يتعذر فيها ذلك كالحيض أو النفاس أو المرض… ولكن إذا كان المسلم متوضئًا، فله ثواب ذلك وكان ثوابه أكبر – والله أعلى.
فعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: “كانَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَذْكُرُ اللَّهَ علَى كُلِّ أحْيَانِهِ” [1]
متى يكون دعاء الاستخارة بدون صلاة؟
دعاء الاستخارة جائز في كل وقت حتى بدون صلاة، فهو كغيره من الأدعية، وعلى المؤمن أن يكثر من الدعاء، في كل وقت وفي كل حين، وأن يكون مجتهد في تجنب أسباب منع الاستجابة مثل: الأكل الحرام – الدعاء بقلب غافل…
وعليه أن يكون متيقن بالإجابة في دعائه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ادْعُوا اللهَ وأنتمْ مُوقِنُونَ بالإجابةِ، واعلمُوا أنَّ اللهَ لا يَستجيبُ دُعاءً من قلْبٍ غافِلٍ لَاهٍ” [2]
وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه، عن الرسول صلى الله عليه وسلم: “إنَّ اللَّهَ حيِىٌّ كريمٌ يستحي إذا رفعَ الرَّجلُ إليْهِ يديْهِ أن يردَّهما صفرًا خائبتينِ” [3]
أوقات إجابة الدعاء
في المقابل هناك أوقات تزيد فيها الإجابة، وعلى المؤمن أن يتحراها ويدعو الله سبحانه وتعالى فيها، وهذا ينطبق كذلك على دعاء الاستخارة، ومن هذه الأوقات:
1 – يوم الجمعة
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة، فقال: “فيهِ ساعةُ لا يُوافقها عبدٌ مسلمٌ وهو قائمٌ يصلّي يسألُ الله شيئا إلا أعطاهُ إياهُ وأشارَ بيدهِ يقللها” [4]
وهناك اختلاف في تحديدها، وأقوى الأقوال أنها ساعة:
- من صعود الإمام حتى قضاء الصلاة.
- بعد العصر.
2 – الثلث الأخير من الليل
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: “إنَّ اللَّهَ يُمْهِلُ حتَّى إذا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الأوَّلُ، نَزَلَ إلى السَّماءِ الدُّنْيا، فيَقولُ: هلْ مِن مُسْتَغْفِرٍ؟ هلْ مِن تائِبٍ؟ هلْ مِن سائِلٍ؟ هلْ مِن داعٍ؟ حتَّى يَنْفَجِرَ الفَجْرُ” [5]
3 – بين الأذان والإقامة
عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الدُّعاءُ بين الأذانِ والإقامةِ مُستجابٌ، فادْعوا” [6]
4 – عند نزول المطر وعند البأس
عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: “اثِنتانِ ما تُرَدّانِ: الدُّعاءُ عند النِّداءِ، وتحْتَ المَطَرِ” [7]
5 – في السجود
فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: كَشَفَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ السِّتَارَةَ والنَّاسُ صُفُوفٌ خَلْفَ أبِي بَكْرٍ، فَقالَ: “أيُّها النَّاسُ، ألَا وإنِّي نُهِيتُ أنْ أقْرَأَ القُرْآنَ رَاكِعًا، أوْ سَاجِدًا، فأمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فيه الرَّبَّ عزَّ وجلَّ، وأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا في الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ” ومعنى قمن: جدير وحق وحري. [8]
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله عليه وسلم: “أَقْرَبُ ما يَكونُ العَبْدُ مِن رَبِّهِ، وهو ساجِدٌ، فأكْثِرُوا الدُّعاءَ” [9]
نتيجة دعاء الاستخارة بدون صلاة
نتيجة الاستخارة بالدعاء أو نتيجة دعاء الاستخارة بدون صلاة، هي نفسها نتيجة الاستخارة، فعلى المستخير أن يخلص في نية الاستخارة لله عز وجل، ومن ثم يمضي في حاجته بعد الاستخارة أو يستشير أهل العلم، وتتمثل النتيجة بـ:
- تيسير وسهولة في الأمور والخطوات التي يتخذها، وهذا دليل على أنه هذا الأمر فيه خير وهو ما اختاره الله.
- تعسر في الأمور وصعوبات، وهذا دليل على أن هذا الأمر فيه شر، واختار الله تعالى له ألا يكون فيصرفك عنه ويصرفه عنك.
على الشخص بعد الاستخارة أن يمضي في الأمر أو حاجة، بدون أن ينتظر جواب أو إشارة أو نتيجة أو منام… فليس أي من ذلك من الاستخارة بشيء.
فإذا لاحظت تيسير للأمور فتوكل على الله واستمر، وإذا لاحظت تعسر في الأمور فتوكل على الله واترك الأمر، ويميز هذه الحالة الصرف عن الأمر وصرف الأمر عن الشخص، أي يحدث تعسر وعرقلة ولكن قلبك يكون بعيد كل البعد عن التعلق بهذا الأمر.
أسئلة حول دعاء الاستخارة بدون صلاة
هل يجوز للمرأة الحائض أو النفاس أن تستخير بالدعاء فقط؟
بالنسبة للمرأة الحائض أو النفاس فلا تصح منها الصلاة بما فيها صلاة الاستخارة، ولكن يجوز لها أن تدعو بدعاء الاستخارة بدون صلاة. ولا تحتاج إلى أن تتوضأ أو أن تستقبل القبلة ولا أن ترتدي ثوب يستر كل بدنها… [10]
هل يجب أن يقال دعاء الاستخارة قبل النوم؟
لا يشترط النوم بعد الاستخارة، ولا أن يكون دعاء الاستخارة قبل النوم سواء كان مع صلاة أو بدون صلاة.
فعلى الرغم من أن الرؤيا الصالحة يستأنس بها، إلا أن الرؤية يمكن أن تكون على 3: رؤيا صالحة، حديث النفس، ومن الشيطان. ولا يمكن للإنسان أن يحددها. فعن عوف بن مالك الأشجعي: عن الرسول صلى الله عليه وسلم: “الرؤيا ثلاثةٌ: منها تهاويلٌ منَ الشيطانِ لِيَحْزُنَ ابنَ آدمَ ومنها ما يَهُمُّ بِهِ الرَّجُلُ في يقظتِهِ فِيِراهُ في منامِهِ، ومنها جزءٌ مِنْ ستةٍ وأربعينَ جزءًا مِنَ النبوةِ” [11]
هل يمكن تكرار دعاء الاستخارة دائمًا بدون سبب؟
لا محل للاستخارة إن لم يكن هناك سبب، فالاستخارة تكون إذا أهم الإنسان أمر، أو إذا احتار في شي… وأهمية الاستخارة في الأمور كلها لا تعني أن يكرر الاستخارة بشكل دائم.
ولكن هذا لا يعني أنه من غير الممكن تكرار دعاء الاستخارة إذا كان مصدر للطمأنينة… إلا أنها لا تكون استخارة، والدعاء حينها لا يكون دعاء بنية الاستخارة.
