حوار إبراهيم مع أبيه وقومه – الجزء الثاني (ماذا فعل بالأصنام)

قال تعالى: “واتل عليهم نبأ إبراهيم. إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون. قالوا نعبد أصنامًا فنظل لها عاكفين”. حوار دار بين إبراهيم عليه السلام مع أبيه وقومه. ماذا حدث ؟ ولماذا كانوا يعبدون الأصنام وماذا فعل إبراهيم عليه السلام بالأصنام وما هي المعجزة الإلهية عندما ألقي في النار؟ …

أحداث كثيرة وهامة تؤكد على العقيدة والوحدانية الخالصة لله، نستنبطها من خلال حوار إبراهيم مع أبيه وقومه. والتي تتحدث عن جرأة وشجاعة إبراهيم عليه السلام – خليل الرحمن – وطريقة حواره التي من خلالها نتعلم منها الكثير …

قصة إبراهيم عليه السلام مع أبيه وقومه

كان أهل بابل يعبدون الأصنام ومن بينهم أبو إبراهيم عليه السلام آزر، الذي كان يصنع الأصنام ويبيعها ويعبدها أيضًا. نشأ سيدنا إبراهيم عليه السلام بينهم. لكن منذ صغره كان فطنًا لا يعبد الأصنام قال تعالى: “ولقد آتيناه رشده من قبل وكنا به عالمين”.

يقال أن أباه كان يعطي إبراهيم منذ أن كان صغيرًا الأصنام ويجبره على بيعها كما كان يفعل مع إخوته. فما كان من إبراهيم إلا أن ينادي من يشتري ما يضره ولا ينفعه. فالناس لا يشترون فيضربه أبوه لما كان يتكلم عن الأصنام بسوء. وبدأ يكبر وينكر على قومه عبادة الأصنام إلى أن بدأ يحاور أباه وقومه كما سرده القرآن العظيم لنا.

قال تعالى: “إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون”.  لماذا تتقربون إليها! “قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين” بدأ إبراهيم بخطة لإسقاط الأصنام من أعينهم. وإعمال عقولهم بأن الحجارة لا تضر ولا تنفع.

كان عندهم يوم بالسنة يحتفلون ويضعون طعامهم عند أقدام الأصنام ليباركونها لهم ثم يأكلونها عندما يعودون من الحفل. وعرضوا على إبراهيم أن يخرج معهم. إلا أنه تظاهر بالمرض كي يستغل الوقت ويدخل على الأصنام في غيابهم. فأجابهم “فقال إني سقيم”.

أي مريض لا يستطيع الذهاب معهم. فراغ إلى آلهتهم كما ذكره النص القرآني: “فقال ألا تأكلون مالكم لا تنطقون فراغ عليهم ضربًا باليمين” وفي آية أخرى “فجعلهم جذاذًا إلا كبيرًا لهم لعلهم إليه يرجعون”. أخذ الفأس وحطمهم إلا واحدًا منهم وعلق الفأس عنده.

ثم ذهب إبراهيم، ومن شجاعته لم يهرب، لأن غايته ليست مجرد تحطيم الأصنام، بل كانت غايته أن يحطمها في قلوبهم، وهو مازال في سن المراهقة، يريد أن يحاججهم أن لو كانت الأصنام آلهة لاستطاعت أن تدافع عن نفسها. يريد أن يوصل لهم هذه الرسالة.

وعندما رجعوا ورأوا ما حل بأصنامهم “قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون”. وهو ينتظر هذه اللحظة ليواجههم!

عندما سألوه “قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم”!؟ سيدنا إبراهيم عليه السلام لا يريد أن يكذب، فأشار بأصبعه الإبهام ،”قال بل فعله كبيرهم هذا فسألوهم إن كانوا ينطقون”. هو يقصد أصبعه الإبهام، لأن القوة تكمن في الإبهام عندما يمسك الفأس ليحطم به الأصنام. ودون الإبهام لا يستطيع تحطيم الأصنام.

وهم فهموا أنه يقصد كبير الأصنام من فعلها. “فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون. ثم نكسوا على رؤوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون”. اعترفوا بالحقيقة التي يريد أن يصل إليها إبراهيم عليه السلام وهو اعترافهم بأن الأصنام لا تتكلم ولا تستطيع أن تدافع عن نفسها.

فأجابهم “قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئًا ولا يضركم. أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون”.

معجزة سيدنا إبراهيم عليه السلام في النار

فلما عجز قومه عن قوة الحجة لجؤوا إلى حجة القوة “قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين” لأن الآلهة لا تستطيع أن تنصر نفسها. جمعوا الحطب الكثير وأشعلوا نار عظيمة لا يستطيعون الاقتراب منها من شدة حرها.

وربطوا إبراهيم وهو ما زال فتى _ وأبوه يراه ولا يكترث له _ ووضعوه في منجنيق ليرموه إلى النار. كل هذا فقط لأنه بين لهم الحقيقة الواضحة، وهي العبودية الخالصة لله تعالى وحده. إلا أنهم أصروا على عنادهم وكفرهم.

والملائكة تترقب ماذا سيصنع ربنا لنصرة إبراهيم? … ملك المطر ينتظر ليطفئ النار. ملك الجبال ينتظر ليدك الجبل على النار. ملك الأرض ينتظر ليخسف الأرض بهذه النار. ملك الموت ينتظر ليقبض أرواحهم. جبريل عليه السلام ينتظر أن يحمل إبراهيم.

 وإذا بالرد الإلهي السريع الذي يأمر النار أن تكون بردًا وسلامًا على إبراهيم.” قلنا يا نار كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم” قال إبراهيم: (حسبي الله ونعم الوكيل)، عندما أرادوا أن يلقوه في النار. أي يكفيني الله نعم المنتصر والقوي الذي لجأت إليه.

وقالها حبينا محمد صلى الله عليه وسلم لما قيل له “إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانًا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل”. ظل إبراهيم عليه السلام في النار إلى أن خمدت، ولم يحترق منه إلا القيود التي كبلوها به. “وأرادوا به كيدًا فجعلناهم الأخسرين”.

الدروس المستفادة من حوار إبراهيم عليه السلام مع أبيه وقومه

  1. إقامة البينة والحجة، لا بد لأي إنسان يدعو إلى رسالة التوحيد بإقامة البرهان والحجة القوية كما فعل سيدنا إبراهيم مع قومه. “قال هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعوكم أو يضرون قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون”.
  2. بعد أن وجد إبراهيم عليه السلام عنادهم وإصرارهم على الكفر رغم الأدلة الواضحة، انتقل إلى مرحلة أخرى ولم ييأس أو يمل “قال أفريتم ماكنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين”.
  3. المرحلة الأخيرة غيّر المنكر بيده وذلك عن طريق تحطيم الأصنام بيده ثم اتهامه لكبير أصنامهم لعلهم يعودوا إلى رشدهم.

عن أبو سعيد الخدري: مَن رأى منْكم منْكرًا فليغيِّرهُ بيدِهِ فإن لم يستطِعْ فبلسانِهِ فإن لَم يستطِعْ فبقلبِهِ وذلِكَ أضعفُ الإيمانِ.

ابن تيمية (ت ٧٢٨)، مجموع الفتاوى ٨‏/٣٦٧  صحيح

لتتعرف على قصة إبراهيم عليه السلام كاملة إليك: قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام … أبو الأنبياء وخليل الرحمن

وللاطلاع على الجزء الأول من الحوار إليك: حوار إبراهيم عليه السلام مع قومه – الجزء الأول (التأمل)

المصادر

المكتبة الوقفية – waqfeya

قصص الأنبياء – لابن كثير

الشيخ العريفي

شارك المعلومة؛ فالدال على الخير كفاعله