بكاء أبي بكر رضي الله عنه … أهم المواقف التي بكى فيها

إن تناول سيرة الخليفة الراشدي أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) لأمر مهم جدًا، وإن التعرف على جوانب من حياته لا يعرفها البعض تزيد من محبته ومعرفته معرفة كاملة والتأكد من أنه رجل كبير وعظيم.

بكاء أبي بكر الصديق رضي الله عنه هو جزء مهم من حياة هذا الرجل الذي لازم الرسول محمد ﷺ، وهو إنما يدل على ما في قلبه من رقة وحنان، وحب كبير لنبي الله محمد ﷺ وهذه أكثر المواقف التي بكى فيها الصديق (رضي الله عنه):

أولًا – بكاء أبو بكر عند قراءة القرآن

قال عنه رجل اسمه ابْنُ الدَّغِنَةِ كان قد أجار الصدّيق (رضي الله عنه) عندما خرج مهاجرًا نحو أرض الحبشة، وكان الصدّيق قد بنى مسجدًا في فناء داره يصلي فيه ويقرأ القرآن:

عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت “لَمَّا ابْتُلِيَ الْمُسْلِمُونَ أراد أَبُو بَكْرٍ أن يخَرُجَ مُهَاجِرًا نَحْوَ أَرْضِ الْحَبَشَةِ، فأجاره رجل وجيه اسمه ابْنُ الدَّغِنَةِ. فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَيَنْقَذِفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ، وَهُمْ يَعْجَبُونَ مِنْهُ، وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَكَانَ رَجُلاً بَكَّاءً لاَ يَمْلِكُ عَيْنَيْهِ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ” (رواه البخاري) والبيهقي، في شعب الإيمان.

ثانيًا – بكاء أبو بكر في خطبة الرسول ﷺ

وعن رقة قلب أبو بكر الصدّيق (رضي الله عنه)، وفطنته الكبيرة التي تدل على قلب صادق محب لنبي الله محمد ﷺ:

عن عبد الله بن مسعود أن النَّبِيَّ (صلى الله عليه وسلم) خَطَبَ فَقالَ: “إنَّ اللَّهَ خَيَّرَ عَبْدًا بيْنَ الدُّنْيَا وبيْنَ ما عِنْدَهُ فَاخْتَارَ ما عِنْدَ اللَّهِ”، فَبَكَى أبو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عنْه، فَقُلتُ في نَفْسِي ما يُبْكِي هذا الشَّيْخَ؟ إنْ يَكُنِ اللَّهُ خَيَّرَ عَبْدًا بيْنَ الدُّنْيَا وبيْنَ ما عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ ما عِنْدَ اللَّهِ، فَكانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هو العَبْدَ، وكانَ أبو بَكْرٍ أعْلَمَنَا، قالَ: يا أبَا بَكْرٍ لا تَبْكِ، إنَّ أمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ في صُحْبَتِهِ ومَالِهِ أبو بَكْرٍ، ولو كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا مِن أُمَّتي لَاتَّخَذْتُ أبَا بَكْرٍ، ولَكِنْ أُخُوَّةُ الإسْلَامِ ومَوَدَّتُهُ، لا يَبْقَيَنَّ في المَسْجِدِ بَابٌ إلَّا سُدَّ، إلَّا بَابُ أبِي بَكْرٍ. (رواه البخاري في صحيح البخاري).

وفي رواية معاوية بن أبي سفيان لنفس القصة: “قال إنَّ عبدًا من عبادِ اللهِ خُيِّر بينَ الدُّنيا وبينَ ما عندَ اللهِ فاختار ما عندَ اللهِ فلم يُلَقَّنْها إلَّا أبو بكرٍ فبكى فقال نفديك بآبائِنا وأمَّهاتِنا وأبنائِنا، فقال رسولُ اللهِ (صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم): “على رِسْلِك أفضلُ النَّاسِ عندي في الصُّحبةِ وذاتِ اليدِ ابنُ أبي قُحافةَ انظُروا هذه الأبوابَ الشَّوارِعَ في المسجدِ فسُدُّوها إلَّا ما كان من بابِ أبي بكرٍ فإنِّي رأَيْتُ عليه نورًا ” المحدث: الهيثمي بإسناد حسن.

ثالثًا – بكاء أبو بكر عندما طلب منه رسول الله ﷺ أن يصلي بالناس

وحدثت السيدة عائشة أم المؤمنين (رضي الله عنها) رسول الله بأن أبا بكر (والدها) رجل بَكَّاء، عندما طلب رسول الله ﷺ وهو في مرضه أن يخرج أبا بكر الصدّيق إلى الناس ويصلي بهم:

قال رسول الله ﷺ: “مُروا أبا بَكرٍ فليصلِّ بالنّاسِ” فقالَت عائشَةُ: يا رسولَ اللهِ إنّ أبا بَكرٍ إذا قامَ مقامَكَ لم يُسمِعِ النّاسَ منَ البُكاءِ فأْمُرْ عمرَ فليُصلِّ بالنّاسِ قالَت فقالَ مُروا أبا بَكرٍ فليصلِّ بالنّاسِ، قالت عائشةُ فقلتُ لحفصةَ قولي لَهُ إنّ أبا بَكرٍ إذا قامَ مقامَكَ لم يُسمِعِ النّاسَ منَ البُكاءِ فأْمُر عمرَ فليصلِّ بالنّاسِ، قالَت: فقالَ: مُروا أبا بَكرٍ فليصلِّ بالنّاسِ، قالت عائشةُ: فقلتُ لحفصةَ: قولي لَهُ: إنّ أبا بَكرٍ إذا قامَ مقامَكَ لم يُسمِعِ النّاسَ منَ البُكاءِ، فأْمُر عمرَ فليصلِّ بالنّاسِ، ففَعلَت حَفصةُ فقالَ رسولُ اللهِ ﷺ إنّكنَّ لأنتنَّ صواحبُ يوسفَ مُروا أبا بَكرٍ فليصلِّ بالنّاسِ فقالَتْ حفصةُ لعائشةَ ما كنتُ لأُصيبَ منكِ خَيرًا”. الألباني، صحيح الترمذي.

رابعًا – بكاء أبو بكر خشية الله

إنه موقف أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) ونفسه التي تخشى الله ورسوله ﷺ، فكانت عبراته وبكاؤه قد سبق أي كلام يمكن أن يقوله في هذا الموقف، فكان بكاء أبو بكر الصدّيق (رضي الله عنه)  أمام رسول الله ﷺ في قصته مع رَبِيعَةَ الأَسْلَمِيِّ الذي كان يخدم عند رسول الله ﷺ، وكان عليه الصلاة والسلام قد أعطى ربيعة أرضًا وأعطر أبا بكر أرضًا بجوارها، ويكمل رَبِيعَةَ الأَسْلَمِيِّ حديثه عن هذه القصة: “وَجَاءَتِ الدُّنْيَا، فَاخْتَلَفْنَا فِي عِذْقٍ نَخْلَةٍ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هِي فِي حَدِّ أَرْضِي، وَقُلْتُ أَنَا: هِي فِي حَدِّي، فَقَالَ لِي أَبُو بَكْرٍ كَلِمَةً كَرِهْتُهَا، وَنَدِمَ، فَقَالَ لِي: يَا رَبِيعَةُ رُدَّ عَلَيَّ مِثْلَهَا حَتَّى يَكُونَ قِصَاصًا، قُلْتُ: لا أَفْعَلُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَتَقُولَنَّ أَوْ لأَسْتَعْدِيَنَّ عَلَيْكَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، قُلْتُ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ..

فَانْطَلَقَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَانْطَلَقْتُ أَتْلُوَهُ، فَجَاءَ أُنَاسٌ مِنْ أَسْلَمَ، فَقَالُوا: رَحِمَ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ فِي أَيِّ شَيْءٍ يَسْتَعْدِي عَلَيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَهُوَ الَّذِي قَالَ لَكَ مَا قَالَ؟ فَقُلْتُ: أَتَدْرُونَ مَنْ هَذَا؟ هَذَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وَهُوَ ثَانِي اثْنَيْنِ، هُوَ ذُو شَيْبَةَ الْمُسْلِمِينَ فَإِيَّاكُمْ، يَلْتَفِتُ فَيَرَاكُمٍ تَنْصُرُونِي عَلَيْهِ، فَيَغْضَبُ فَيَأْتِي رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَيَغْضَبُ لِغَضَبِهِ، فَيَغْضَبُ اللَّهُ لِغَضَبِهِمَا، فَيَهْلِكُ رَبِيعَةُ، قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: “ارْجِعُوا” فَانْطَلَقَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَتَبِعْتُهُ وَحْدِي، حَتَّى أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-، فَحَدَّثَهُ الْحَدِيثَ كَمَا كَانَ، فَرَفَعَ إِلَيَّ رَأْسَهُ، فَقَالَ: “يَا رَبِيعَةُ، مَا لَكَ وَلِلصِّدِّيقِ؟” قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لِي كَلِمَةً كَرِهْتُهَا، فَقَالَ لِي: “قُلْ كَمَا قُلْتُ لَكَ حَتَّى يَكُونَ قِصَاصًا” فَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: “أَجَلْ فَلا تُرَدَّ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ قُلْ: غَفَرَ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ”، قَالَ: فَوَلَّى أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ يَبْكِي“. أخرج أحمد (رحمه الله) بسند حسن.

خامسًا – بكاء أبو بكر عندما اختاره الرسول رفيقًا في هجرته

بكى أبو بكر الصديق عندما اختاره الرسول عليه الصلاة والسلام ليكون رفيقه في هجرته من مكة إلى المدينة ليقيم دولة الإسلام، فقالت أم المؤمنين السيدة عائشة (رضي الله عنها): “فو الله ما شعرت قط قبل ذلك أن أحدًا يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ”.

سادسًا – بكاء أبو بكر عند نزول الآية 3 من سورة المائدة

كما بكى أبو بكر الصدّيق عندما نزل على رسول الله ﷺ الوحي بالآية رقم (3) من سورة المائدة بقوله عزّ زجلّ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}

فقالوا لأبو بكر ما يبكيك؟ إنها آية مثل كل آية نزلت علي الرسول ﷺ فقال رضي الله عنه: هذا نعي رسول الله.

سابعًا – بكاء أبو بكر لما مات رسول الله ﷺ

لما مات رسول الله ﷺ، وبعد مضي سنة على رحيله، وقف أبو بكر الصدّيق على منبر رسول الله ﷺ ليخطب الناس: فذكر أحمد بن حنبل هذا الموقف بقوله:

فقال أبو بكر الصدّيق (رضي الله عنه): سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) يَقُولُ، فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ حِينَ ذَكَرَ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) يَقُولُ فِي هَذَا الْقَيْظِ عَامَ الْأَوَّلِ: “سَلُوا اللهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ، وَالْيَقِينَ فِي الْآخِرَةِ وَالْأُولَى”، (رواه أحمد، وإسناده حسن).

ثامنًا – بكاء أبو بكر عندما زار أم أيمن بعد وفاة الرسول

بكى أبو بكر الصدّيق (رضي الله عنه) عندما زار أم أيمن بعد وفاة الرسول، وكان معه عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): وفي حديث عن أنس بن مالك حيث قال: قال أبو بكر لعمر (رضي الله تعالى عنهما) بعد وفاة رسول الله ﷺ: انطلق بنا إلى أم أيمن (رضي الله عنها) نزورها كما كان رسول الله ﷺ، فلما انتهيا إليها، بكت، فقالا لها: مَا يُبْكِيكِ؟ أما تعلمين أن مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ؟ فَقَالَتْ: “مَا أَبْكِي أَنْ لاَ أَكُونَ أَعْلَمُ أَنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ، وَلَكِنْ أَبْكِي أَنَّ الْوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ مِنَ السَّمَاءِ. فَهَيَّجَتْهُمَا عَلَى الْبُكَاءِ، فَجَعَلاَ يَبْكِيَانِ مَعَهَا” (أخرجه مسلم وابن ماجه)، كما جاء أيضًا في كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أم أيمن (رضي الله عنها).

المصادر:

شارك المعلومة؛ فالدال على الخير كفاعله