العلاجات السلوكية لمتلازمة توريت … أنواعها وفعاليّتها

اعتُبرت متلازمة توريت كـ حالة نادرة، نفسية المنشأ، لا زال يساء فهمها إلى زمن قريب جدًا، إلا أن متلازمة توريت هي اضطراب عصبي مزمن يتجلى في تشنجات عصبية، حركية ولفظية، يمكن أن تكون محرجة ومزعجة للغاية.

يتم علاج هذه الحركات اللاإرادية في الغالب بمسكنات الألم ومضادات الذهان، وقد تفشل الأدوية في بعض الأحيان في التحكم بالحركات اللاإرادية ومنع ظهورها المفاجئ، كما أن لها أيضًا آثارًا جانبية مزعجة، لذا يلجأ المرضى إلى العلاجات السلوكية لمتلازمة توريت. حيث أظهرت دراسة نُشرت في عام 2015 أن العلاجات السلوكية، التي تُستخدم لتقليل الأعراض لدى الأشخاص المصابين بمتلازمة توريت، يمكنها أيضًا تغيير طريقة عمل أدمغتهم.

مفهوم العلاج السلوكي لمتلازمة توريت

العلاج السلوكي لمتلازمة توريت هو نوع من العلاج النفسي الذي يعلّم الشخص المصاب أن يصبح على دراية بسلوكه ويسهم في تعليمه طرقًا لتغيير هذا السلوك. تعتمد العلاجات السلوكية لمتلازمة توريت على الاحتياجات والأعراض المحددة لكل شخص، وعادة ما تحدث في عيادة الطبيب المعالج الذي يعمل على مساعدة المريض، الذين يعاني من التشنجات اللاإرادية، على الاستعداد وضبط نفسه تجاه الحركات اللاإرادية التي ستحدث. يُمارس العلاج السلوكي من قبل علماء النفس والمعالجين المهنيين والممرضات المدربين تدريبًا خاصًا وغيرهم من المهنيين الذين خضعوا لتدريب خاص في العلاج السلوكي للتشنجات اللاإرادية.

اقرأ أيضًا: متلازمة توريت (Tourette syndrome) … دليلك الشامل

أنواع العلاجات السلوكية لمتلازمة توريت

تتنوع طرق العلاجات السلوكية لمتلازمة توريت، التي تعد مفيدة لمعظم الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات التشنج اللاإرادي، على الرغم من أن الأدلة تشير إلى أنها فعالة لدى الأطفال الذين تقل أعمارهم عن خمس سنوات والبالغين أيضًا. وحيث يتطلب العلاج الكثير من الصبر يصبح من الضروري أن يكون لدى الفرد المصاب بمتلازمة توريت، والمعرض للتشنجات اللاإرادية، حافزًا كبيرًا للعمل على علاج هذه التشنجات والتحكم بها.

1 – العلاج السلوكي الشامل (CBIT):

استخدم العلماء طريقة التدخل والعلاج السلوكي الشامل (CBIT) لعلاج الحركات والتشنجات اللاإرادية وذلك من خلال تدريب المريض المصاب بمتلازمة توريت على إدراك الحركة اللاإرادية وتعليمه كيف يرد بالمثل كخطوة أولى على طريق العلاج. يتم تقديم العلاج السلوكي المعرفي (CBIT) عادةً من خلال جلسات أسبوعية يتراوح عددها بين (8 إلى 12) جلسة أسبوعية، أو كل أسبوعين، بنفس العدد السابق (على الرغم من أن عددًا أقل قد يكون مناسبًا للتشنجات اللاإرادية الخفيفة)، ولكن هذا يمكن أن يعتمد على كلٍ من الشخص المصاب بالتشنجات اللاإرادية وأيضًا الخبير المعالج.

2 – منع التعرض والاستجابة (ERP):

منع التعرض والاستجابة (ERP)، هو نوع آخر من التدخل السلوكي العلاجي، يركز هذا النوع من العلاج السلوكي أيضًا على التعود على الشعور المتوتر أو غير المريح الذي يسبق التشنجات اللاإرادية والتي تعرف بـ (الحافز الأولي)، والتعامل مع الدافع بمقاومته، أو باستخدام إجراء يساعد على تلاشي الرغبة في التشنجات اللاإرادية. قد يعتقد الشخص المصاب بالتشنجات اللاإرادية أن هذا سيكون غير مريحًا، ولكن مع الممارسة يصبح الأمر أسهل. سيستخدم المعالج أثناء العلاج استراتيجيات لجعل الدافع الأولي قويًا قدر الإمكان وتشجيع الطفل أو البالغ على التعود على الشعور به دون القيام بذلك.

3 – العلاج العكسي للعادة (HRT):

يتضمن العلاج العكسي للعادة مرحلتين أساسيتين، ففي حين تشمل المرحلة الأولى على تحديد التشنجات اللاإرادية الكلية المزعجة للمريض بالتفصيل. ومن ثم يقوم المريض بعدها باختيار عرةً واحدةً معينةً للعمل عليها، وعلى الأرجح يقع الاختيار على العرّات التي تزعجه أكثر. يجب أن يفهم الشخص المصاب بمتلازمة توريت مكان حدوث التشنج اللاإرادي في جسمه والعضلات المشاركة في حدوثه. بعدئذ يعمل المعالج على مساعدة المريض على إدراك وقت حدوث هذه العرة، حيث أن زيادة إدراك الأشخاص، المصابون بمتلازمة توريت، لموعد حدوث التشنجات اللاإرادية (أي الدافع الأولي) سيساعدهم على التحكم فيه.

المرحلة التالية من العلاج العكسي هي إيجاد استجابة منافسة، حيث يتم تدريب المريض بمتلازمة توريت على أداء حركة مقصودة، تمنع التشنج اللاإرادي من الحدوث. إلا أنه لا ينبغي أن يبدو أداء الحركة المقصودة أكثر غرابة من التشنج اللاإرادي نفسه، وألا يتعارض مع أنشطة الشخص المصاب. يجب أن يكون هذا الشخص قادرًا على الاحتفاظ بالاستجابة المنافسة طالما كانت هناك حاجة لتقليل الرغبة، على سبيل المثال، إذا كان لدى شخص ما تشنج حركي يتضمن دفع ذراعه للخارج، فيمكن تعليمه توجيه الدافع الأولي إلى شيء أكثر ملاءمة مثل وضع يده على ساقه والدفع برفق. ثم يتم تطبيق هذا النهج على كل عرة على حدة. يمكن للمرضى المصابون بمتلازمة توريت أن يحسّنوا استجاباتهم التنافسية بمجرد فهمهم لمبادئ كيفية القيام بذلك، الأمر الذي قد يكون مفيدًا في المستقبل عندما تظهر التشنجات اللاإرادية الجديدة في وقت قد ينتهي فيه العلاج.

استراتيجيات مساعدة في العلاجات السلوكية لمتلازمة توريت

تشير الدراسات إلى أن معظم الأفراد الذين لديهم استجابة ناجحة للعلاج السلوكي يختبرون عادةً انخفاضًا بنسبة 30- 40 ٪ في التشنجات اللاإرادية، ولا سيما في حال ترافقت العلاجات السلوكية لمتلازمة توريت مع أدوات إدارة التشنج اللاإرادي الأخرى الموضحة أدناه:

1 – التربية النفسية:

يعد التعرف على اضطرابات العرة ومتلازمة توريت أمرًا ضروريًا، تتضمن عادًة المعلومات، التي تدخل في التثقيف النفسي للمريض المصاب، فهم أسباب متلازمة توريت وأخذ العلم بأنها حالة مرتبطة بالدماغ تحدث بشكل متكرر في سن يتراوح  ين 10- 12 سنة على شكل تشنجات لاإرادية ثم تنخفض تكراريتها في بداية مرحلة البلوغ، بالإضافة إلى معرفة أنواع العرّات المرافقة لهذه المتلازمة، الأمر الذي يمكن أن يساعد المريض على التكيف مع اضطراب التشنج اللاإرادي.

2 – التحليل الوظيفي:

يستخدم التحليل الوظيفي لتحديد الأحداث البيئية التي يمكن أن تجعل التشنجات اللاإرادية أسوأ، أو تحافظ على مستوى قوة وحدّة حدوث التشنجات اللاإرادية للمرضى المصابين بمتلازمة توريت، حيث يعمل المعالج المختص على مساعدة الشخص الذي يعاني من التشنجات اللاإرادية على فهم ما يمكن أن يحدث له قبل حدوث نوبة التشنجات اللاإرادية وبعدها. وتشمل التشنجات اللاإرادية ردود فعل المريض على موقف أو أفكار أو مشاعر في مكان معين، والطريقة التي يستجيب بها الأشخاص المحيطون به عندما يتصرف بهذه الطريقة. سيعمل المعالج بعد ذلك مع الشخص المصاب للتقليل أو التخلص من حالات التشنج اللاإرادي المتزايدة. قد يساعد الاسترخاء، أو تعلم النظر إلى هذا الموقف بطريقة أخرى، في ذلك.

3 – نظام الدعم الاجتماعي والمكافآت:

يعد الحصول على دعم الشخص المصاب من قبل شخص آخر مفيد جدًا في التعرف على كيفية القيام باستجابة المنافسة والتحفيز على الاستمرار في القيام بذلك بمرور الوقت. عادة ما يكون هذا الشخص أحد الوالدين أو مقدم الرعاية للأطفال أوصديق مقرب أو شريك للبالغين. قد يكون من المفيد إعداد نظام حوافز يتلقى فيه الطفل المديح أو النقاط التي يمكن استبدالها بجوائز عندما يبذلون جهدًا كبيرًا للتعرف على كيفية التحكم في التشنجات اللاإرادية.

4 – تدريب الاسترخاء:

يستخدم الاسترخاء لتقليل التوتر الذي يعاني منه الشخص المصاب باضطرابات التشنج اللاإرادي. يتم تضمين هذا في العلاج بسبب فكرة أن التعرض للضغط يجعل الشخص أقل قدرة على التحكم في التشنجات اللاإرادية. يتضمن تدريب الاسترخاء الأكثر شيوعًا التنفس العميق جنبًا إلى جنب مع الشد التدريجي لمجموعات العضلات في الجسم وإرخاءها.

دور الأهل في العلاجات السلوكية لمتلازمة توريت

يركز العلاج السلوكي الشامل، أو التدخلات السلوكية الشاملة، على تطوير وتشكيل المهارات التي تنمي الاعتماد على الذات والاستقلالية وقدرة الطفل على التعايش مع وضعه الصحي لذا يلعب كل من المريض ووالديه دورًا مهمًا في علاج المرض.

يتطلب العلاج السلوكي الشامل (CBIT) أيضًا التواجد المستمر للوالدين ودعمهما المتواصل للمريض. في هذه الحالة، يتم تعليم الآباء أيضًا التحكم في سلوكياتهم وردود أفعالهم تجاه حركات أطفالهم اللاإرادية. كما يجب على الآباء تقدير جهود أطفالهم باستمرار وتشجيعهم على مواصلة ممارسة التمارين، التي يحددها اختصاصيو التوعية، لمنع التشنجات اللاإرادية.

تجارب الباحثين في العلاجات السلوكية لمتلازمة توريت

اختار الباحثون بشكل عشوائي 126 طفلاً في فئات عمرية مختلفة تتراوح أعمارهم بين 9 و 17 عامًا وتم علاجهم بطريقتين من الإسعافات الأولية والتدخلات السلوكية الشاملة. شاركت المجموعتان في ثماني جلسات، من العلاج النفسي والعلاج السلوكي، على مدى عشرة أسابيع واستمرت العملية لمدة ثلاثة أشهر متتالية. في الخطوة الأولى تم فحص وتقييم كل طفل في الأسبوع العاشر وبعد ثلاثة وستة أشهر. كانت النتيجة أن حوالي 52 ٪ من الأطفال الذين خضعوا للعلاجات السلوكية الشاملة قد انخفضت لديهم بشكل ملحوظ أعراض متلازمة توريت. في الخطوة التالية، درب المعالج الأطفال على الانخراط في أنشطة أو ممارسة سلوكيات معاكسة للحركة اللاإرادية الوشيكة. هذه العملية جعلت الأطفال يشعرون بقدر أقل من الحرج وقللت من عدد الحركات اللاإرادية والقفزات العضلية بمرور الوقت.

فوائد العلاجات السلوكية

تتمثل إحدى فوائد العلاجات السلوكية الشاملة الأخرى في أن آثار العلاج تبقى مع الطفل لفترة طويلة. النقطة المهمة في هذا المجال هي أن الأطفال الذين كانوا يتناولون أدوية لمعالجة مرضهم، قبل بدء مرحلة العلاجات السلوكية، كانوا قادرين على تلقي الأدوية والعلاج النفسي في نفس الوقت. أما بالنسبة للطفل الذي يعاني من إعاقة في النطق فقد يخطئ أحيانًا في نطق الكلمات بعبارة صريحة، حيث يحدث خطأ في حركة الشفاه عدة مرات أثناء تحدثه، لذا يعلمه المدرب ضبط تنفسه الإيقاعي حتى يتمكن من نطق الكلمات والعبارات بسهولة أكبر.

في النهاية …

تساعد العلاجات السلوكية لمتلازمة توريت المرضى المصابون بهذه المتلازمة في التخفيف من حدة التشنجات اللاإرادية التي يعانون منها، لذا ينصح الأطباء باللجوء لهذه العلاجات السلوكية بالإضافة إلى العلاج بالأدوية، كونها لا تعيقه.

المصادر:

شارك المعلومة؛ فالدال على الخير كفاعله