الجامع الأموي في حلب من أهم وأقدم المعالم الإسلامية السورية

الجامع الأموي في حلب، أو الجامع الكبير، يعد من أكبر وأقدم المساجد في مدينة حلب السورية، وُيعرف أيضًا بمسجد زكريا، بسبب احتوائه على ضريح منسوب إلى سيدنا يحيى بن زكريا عليه السلام، والد يوحنا المعمدان، وكلاهما يحظى بالتبجيل في الإسلام والمسيحية.

بدأ بناء الجامع الأموي في حلب، في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك، الذي حكم بين عامي (705- 715) م، أي (86 -96 هـ). والذي أراده على غرار الجامع الأموي الكبير في دمشق، إلا أنه توفي قبل أن الإنتهاء من تشييده، فأكمل بناؤه خليفته وأخوه سليمان بن عبد الملك بين عامي (96-99 هـ)، حيث شيّد في قلب مدينة حلب القديمة في حي الجلوم بالقرب من مدخل سوق المدينة.

موقع بناء الجامع الأموي الكبير في حلب

بُني الجامع الكبير أو الجامع الأموي في وسط مدينة حلب القديمة، في عهد الدولة الأموية، حيث تمت إشادته في موقع المعبد الروماني السابق، والكاتدرائية البيزنطية التي شيدتها القديسة هيلين (أم قسطنطين الكبير).

تأسس المسجد من قبل الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك عام (715 هـ) وأكمله خليفته سليمان. كان المسجد دائمًا مركز ساحة المعركة خلال جميع الغزوات، حيث انخرط الصليبيون، والفاطميون، والأيوبيون، والمغول والمماليك، في هدم المسجد أثناء حروبهم، إلا أنهم عملوا على ترميمه في نهاية المطاف.

وصف الجامع الأموي الكبير في حلب

الجامع الأموي في حلب، يشبه إلى حد بعيد المسجد الأموي الكبير في مدينة دمشق، تم بناؤه في حديقة كنيسة حلين (هيلين)، ويتميز بأنه مستطيل الشكل، طوله 105 أمتار من الشرق إلى الغرب، وعرضه 78 متراً من الجنوب إلى الشمال، تبلغ مساحته نصف مساحة الجامع الأموي الكبير في دمشق.

يضم الجامع أربعة مداخل، بالإضافة إلى فناء رخامي كبير، مع أجنحة ونوافير وأروقة حجرية وبوابات، بالإضافة إلى المآذن والشرفات، والمنبر والمذابح والأقواس، وبركة الوضوء التي تتوسطه.

وصف ابن جبير للجامع الأموي في حلب

وصف ابن جبير الجامع الكبير أثناء زيارته لمدينة حلب سنة (580 هـ -1183م)، قبل أن يتعرض للحريق الكبير، حيث أعجب بعمارته وجماله، فقال:

“إنه من أحسن الجوامع وأجملها في كافة البلاد الإسلامية، قد أطاف بصحنه الواسع بلاط كبير متسع مفتح كله أبواباً قصرية الحسن إلى الصحن، عددها ينيف على الخمسين، والبلاط القبلي الحرم لا مقصورة فيه فجاء ظاهر الاتساع”.

مداخل الجامع الأموي في حلب

يضم الجامع الأموي الكبير في حلب أربع مداخل، إلا أن المدخل الشمالي يعد المدخل الرئيس، ويسمى باب الجركسة، بني بجوار المئذنة والمكان القديم للمسجد. أما بقية المداخل فهي كالتالي:

  • المدخل الجنوبي يعرف باسم باب النحاسين، وهو مصنوع من الخشب، ويؤدي إلى سوق يحمل نفس الاسم.
  • المدخل الشرقي المعروف بباب الطيبة، يفتح بابه على سوق المناديل، حيث يقع بيت الصابون. ويمكن أن توفر البوابة الشرقية أيضًا، إمكانية الوصول المباشر إلى قاعة الصلاة.
  • المدخل الغربي، يسمى المساميرية لأنه يؤدي إلى شارع المسامرية.

فناء مسجد زكريا (الجامع الأموي في حلب)

يضم جامع حلب الكبير أو مسجد زكريا عليه السلام، صحنًا كبيرًا بمساحة 79 مترًا × 47 مترًا، ويتميز بأرضية مغطاة بالحجارة الصفراء والسوداء المتوضعة بأشكال هندسية بديعة، حيث تعود زخارف هذا الفناء إلى الفترة العثمانية، التي حافظت الترميمات الحديثة نمطها الجميل.

تحيط به من الشمال والغرب والشرق أروقة، وفي الجنوب يتوضع حرم المسجد، يتوسطه نافورتي وضوء سداسيتي الشكل مسقوفتين، تعلوهما قبة ذات أعمدة رخامية صفراء.

تم بناء إحدى هاتين النافورتين عام 1302م في مكان البركة القديمة، التي يجاورها من جهة الجنوب مصنع بيرة، يتميز بقبة مخروطية يعود تاريخها إلى عام 1343م بالإضافة إلى المزولة والبئر.

أقواس الفناء في الجامع الأموي في حلب

أقواس الفناء في الجامع الأموي في حلب

يتكون الجانبان الشمالي والجنوبي من الفناء من أقواس، وبالتحديد ستة عشر قوسًا لكلٍّ منهما، أما الجانب الغربي والشرقي، فيحتوي على عشرة أقواس لكلٍّ منها.

تتميز الأقواس بأنها نصف دائرية أما الأعمدة فهي مربعة الزوايا. يوجد في الفناء أيضًا منصة حجرية (مصطبة) طولها 4.9م، وعرضها 3.5م، أما ارتفاعها فيبلغ متر واحد، ليقف عليها المؤذن عندما يجتمع المصلون لأداء الصلاة في الفناء.

أما الخزائن ذات الأبواب الخشبية فتقع على جانب صحن المسجد، حيث يفتح الباب الكبير للصحن في منتصف الجدار الشمالي، مع العديد من الزخارف، أمام المحراب.

حرم المسجد أو قاعة الصلاة الرئيسة

حرم المسجد أو قاعة الصلاة الرئيسة

قاعة الصلاة الرئيسية وتضم ضريح زكريا (والد يوحنا المعمدان)، الذي تم إحاطته بمقصورة مزخرفة بجانب المحراب، و تغطيته برداء فخم مطرز بآيات قرآنية فضية اللون. وتتميز هذه المقصورة بوجود أعمال فنيةرائعة ضمنها، بما في ذلك المصاحف التي كتبها الخطاطين الأتراك، والمصابيح الذهبية القديمة والشمعدانات الجميلة.

تتوضع قاعة الصلاة هذه، إلى الجهة الجنوبية من الفناء، حيث يوجد محراب أصفر، يوجه الزوار إلى طريق الصلاة. وتضم هذه القاعة، منبر منحوت بشكل متقن بالخشب من القرن الخامس عشر، يشير إلى اتجاه مكة المكرمة.

تتكون القاعة من ثلاثة أروقة كبيرة تفصل بينها سلسلة من الأعمدة الموازية لجدار القبلة، تشغل ثلاث قاعات أخرى الجوانب المتبقية من الفناء أو صحن المسجد.

قاعات وأروقة الجامع الأموي

 يحتوي الجامع على ثلاث قاعات تفصل بينها ثلاث أروقة، هي الأروقة الشمالية والشرقية والغربية، تحدها أعمدة حجرية سميكة. تؤدي إحدى فتحات الرواق الشمالي إلى مئذنة المسجد. يحتوي هذا الرواق على نقش كتابي بخط الثلوت مؤرخ في عام 777ه،ـ يشير إلى أنه تم بناؤه بأمر من السلطان أبو سعيد برقوق.

 في الطرف الشمالي الشرقي من هذا الرواق، يوجد باب يفتح على المدرسة أو دار القرآن الأشعرية والتي لم يبق منها سوى القليل الآن.

أما الرواق الغربي فقد تم الانتهاء من بنائه في مكان الرواق القديم عام 1737م أثناء ولاية عثمان باشا لمدينة حلب، حيث تم فتح باب في الجزء الجنوبي منه على صحن الكنيسة.

الرواق الشرقي يتكون من ستة أعمدة وسجادة أعرض من الرواقين الآخرين، زُينّت أقواسه الثلاثة في عدة صفوف، كما تتوزع أقواس أروقة المسجد الأخرى التي تنسب إلى المماليك بنفس الطريقة.

الشبستان

الشبستان

الشبستان، وهي مساحات مغطاة بأعمدة موحدة ومتوازية تؤدي إلى صحن المسجد من جانب واحد. يعد قوس المدخل الرئيس للصحن أكثر بروزًا وأطول من العقود أو الأقواس الأخرى، وتحتوي المنحوتات فوقه على أشكال هندسية. وقد كان الشبستان هو المكان الذي تتشكل فيه حلقات الدراسة ومن ثم يُعرف أيضًا باسم الشافية والحنفية.

بين العمودين التاسع والعاشر وأمام المذبح توجد مساحة خاصة تسمى صديه (بطول 5.75 متر وعرض 4.20 متر)، بسقف خرساني وسياج خشبي بارتفاع 65 سم مبني على السياج القديم وكان محل إقامة المكبر.

مذابح الجامع الأموي في حلب

للمسجد الأموي في حلب ثلاثة مذابح، المذبح الأوسط، هو الأكبر بينها ويتوضع على الجانب الأيسر من غرفة مربعة بها ضريح منسوب إلى حضرة يحيى بن زكريا، الذي قيل إن رأسه نُقل من قلعة حلب إلى هذا المسجد، حيث كان هذا المذبح خشبيًا ومنقوشًا في الماضي.

أما المذبح الحجري الحالي، فقد شيده قرسنقر جوكندر عام 684 على غرار المذبح السابق على شكل نصف دائرة بارتفاع (4.15) متراً وعمق (1.5) متراً.

يوجد على الجانب الغربي من هذا المحراب، محراب عميق ذو قوس جانبي يقال إنه مخصص لأتباع الديانة الحنفية، ويسمى هذا المحراب العلمين أيضا، ويقال أيضًا أن هذا المذبح كان لصوفيا. أما المحراب الشرقي المصنوع من الرخام الأصفر بدون نقوش وزخارف كان للحنابلة.

تم بناء قوس المدخل المغطى بالحجر الأبيض والأسود في القرن العاشر، حيث تم تزيين الأسطح الداخلية للجدران ونقشين حول قوس المدخل بالبلاط.

المنبر

المنبر

المنبر يقع على الجانب الأيمن من المذبح الأوسط، ويتميز بأنه مصنوع من خشب الأبنوس، ومزين بالعاج والنحاس، بالإضافة إلى المنحوتات التي استخدمت زخارف هندسية بديعة.

يبلغ ارتفاع المنبر (3.57) مترًا وعرضه (1.08) مترًا، وله مدخل بباب مزدوج بارتفاع (2.90) متر وكشك يشبه المقصورة فوق منطقة الجلوس.

يعود تاريخ بنائه إلى فترة الملك ناصر محمد مملوك (708-698) هـ، وبحسب كتاباته، فهو من عمل محمد بن علي موصلي. وقد وصفه ابن جبير أثناء رحلته إلى حلب حيث قال:

“ما أرى في بلدٍ من البلاد منبراً على شكله وغرابة صنعته، واتصلت الصنعة الخشبية منه إلى المحراب، فتجللت صفحاته كلها خشباً على تلك الصنعة الغريبة، وارتفع كالتاج العظيم على المحراب، وعلا حتى اتصل بسمك السقف وقد قوّس أعلاه.. وهو مرصع كله بالعاج والأبنوس”

غرفة الخطيب

وهي غرفة خشبية مربعة الشكل تتوصع بجانب المنبر، يبلغ طول ضلعها 1.6 متر، تسمى غرفة الخطيب وهي مخصصة لخطيب المسجد، وقد زينت أسطحها بزخارف نجمية وعليها نقوش بخط الثلث من العصر المملوكي.

المئذنة المربعة أو المينار

المئذنة المربعة أو المينار

المئذنة وتعد العنصر الأبرز في المسجد، كانت مبنية على الجانب الجنوبي من الهيكل، منذ القرن الحادي عشر. أفاد العديد من المؤرخين أن المهندسين اضطروا إلى الحفر بعمق كافٍ للوصول إلى الماء من أجل وضع أسس المئذنة.

تم تقوية الأساسات بأقواس معدنية تدعم الهيكل البالغ ارتفاعه 50 مترًا. أما بالنسبة للزخرفة، فقد غُطيت المئذنة بزخارف خطية من الخط الكوفي والنسخ. يعود تاريخ بناء مئذنة المسجد المربعة إلى العصر السلجوقي، وتعد من أجمل المآذن في سوريا. وهي نتاج حضارة المتوسط.

يبلغ ارتفاع جسم هذه المئذنة 45 مترًا، شُيدت عام 482 هـ، بأمر من قاسم الدولة آق سنغار، على الجانب الشمالي الغربي من المسجد. يبلغ طول كل جانب منها حوالي 4.95 مترًا، ويتكون كل منها من أربعة طوابق مختلفة.

في المسافة بين الأدوار توجد نقوش بالخط الكوفي، كتب عليها اسم المنشئ، وآيات القرآنية، وأدعية. جميع زخارف هذه المئذنة كانت مصنوعة من الحجر، بما في ذلك الأقواس المربعة فوق النوافذ. إلا أن الحرب الأخيرة في سوريا قد دمرتها كليًا.

تاريخ الجامع الأموي في حلب

  • يقال إنه بعد وصول العباسيين إلى السلطة (132-656) م، تم نقل أحجار الرخام وبعض العناصر الزخرفية والتجهيزات الخاصة بهذا المسجد إلى مسجد الأنبار في العراق.
  • أضرم ملك شرق روما، نيكفور، النار في هذا المسجد في هجوم على حلب في عام 351م، ثم أعاد الأمير سيف الدولة الحمداني بناؤه، ثم تابع عمله ابنه أبو المعالي سعد الدولة.
  • تم بناء قبة فوق حوض نافورة البلاط في عام 354م
  • في عهد آغ سنقر زنكي، بدأ حسن بن معاذ السمعاني بإشراف قاضي المدينة ابن خشب، بناء مئذنة جديدة في مكان المئذنة السابقة في عام 482 م، وانتهى منها عام 483 م. حيث كان اسم حسن بن معاذ مكتوب في نقش مينار.
  • أضرم الإسماعيليون النار في هذا المسجد والأسواق المحيطة به في عام 564، وقام السلطان نور الدين بن زنكي بإصلاحه وإضافة جزء من السوق إلى المسجد.
  • وصف ابن جبير مسجد حلب عند زيارته في العام 580هـ، بأنه من أجمل المساجد التي رآها.
  • هاجم المغول حلب في عامي (658 و679) م، وأحرقوا المسجد. وفي عام 684م قام محافظ حلب قرة سنقر جوكندر بإصلاحه، قام بعدها السلاطين وحكام المماليك والولاة العثمانيون، بترميم هذا المبنى عدة مرات.

المصادر

شارك المعلومة؛ فالدال على الخير كفاعله