أول من جمع الناس لصلاة التراويح

تاريخيًا اعترى صلاة التراويح الكثير من الأمور التي كان البعض يعتبرها من ضمن عبادات الدين، والبعض الآخر اعتبرها من العادات التي تدخل في التدين، على أن هذه الصلاة تأثرت بتاريخ المسلمين حتى أصبحت في وقتنا الحالي هي من أهم شعائر شهر القرآن الكريم (شهر رمضان المبارك).

أول من جمع الناس لصلاة التراويح

صلاة التراويح من الصلوات النافلة، والتي يقوم بأدائها المسلمون في شهر رمضان المبارك، وهي من الشعائر العظيمة التي لم تكن وليدة اليوم، بل إن الناس تناقلوا طريقة أدائها من الرسول ﷺ ومن جيل لآخر عبر الزمان.

إن أول من جمع الناس لصلاة التراويح هو سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، بعد أن ترك الرسول ﷺ جمع الناس على صلاتها في المسجد جماعة في شهر رمضان، خشية أن تُفرض عليهم، لكن في عهد عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) جمع الناس لصلاة التراويح بإمام واحد وبشكل مستمر، حتى تزول علة المنع وقتها (وهي وفاة رسول الله ﷺ)، وأعاد إحياء هذه السنة عن الرسول ﷺ لتصبح هذه الصلاة من الشعائر العظيمة التي تُقام في رمضان جماعة.

والدليل على ذلك ما ورد عن عبد الرحمن بن عبد القاريّ، في صحيح البخاري: “خَرَجْتُ مع عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ “رَضِيَ اللَّهُ عنْه”، لَيْلَةً في رَمَضَانَ إلى المَسْجِدِ، فَإِذَا النَّاسُ أوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ، يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ، ويُصَلِّي الرَّجُلُ فيُصَلِّي بصَلَاتِهِ الرَّهْطُ، فَقَالَ عُمَرُ: إنِّي أرَى لو جَمَعْتُ هَؤُلَاءِ علَى قَارِئٍ واحِدٍ، لَكانَ أمْثَلَ، ثُمَّ عَزَمَ فَجَمعهُمْ علَى أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ، ثُمَّ خَرَجْتُ معهُ لَيْلَةً أُخْرَى، والنَّاسُ يُصَلُّونَ بصَلَاةِ قَارِئِهِمْ، قَالَ عُمَرُ: نِعْمَ البِدْعَةُ هذِه، والَّتي يَنَامُونَ عَنْهَا أفْضَلُ مِنَ الَّتي يَقُومُونَ “يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ وكانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أوَّلَهُ”.

لقد كان سيدنا عمر بن الخطاب من الخلفاء الراشدين الحريصين على إحياء السنن التي كان الرسول ﷺ يقوم بها، والابتعاد عن البدع، إضافة إلى أنه كان يحارب أي أمر يفرق بين المسلمين ويشتت جمعهم لذلك سمي بالفاروق، وكان أول خليفة يُطلق عليه لقب أمير المؤمنين.

هل صلّى النبي ﷺ صلاة التراويح في جماعة؟

لقد رَغَّبَ الرسول ﷺ الناس في صلاة التراويح، وسنّها، حيث كان عليه الصلاة والسلام يُصليها جماعة بين أصحابه ثم ترك هذا العمل حتى لا تُفرض على المسلمين وتكون كالصلوات الخمس فريضة يجب أدائها على الجميع، وقد بقي الأمر على هذا الحال طوال فترة خلافة سيدنا أبو بكر الصديق، وبداية خلافة سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما).

عن عائشة أم المؤمنين أنَّ رسول الله صلّى اللَّه عليه وسلَّم صلَّى في المسجد ذات ليلة، فصلّى بصلاته ناسٌ، ثُمّ صلَّى من القابلةِ، فكثُرَ النَّاس، ثُمَّ اجْتمعوا من اللّيلة الثالثةِ، أَو الرّابعةِ فلمْ يخْرُجْ إليهِم رسولُ الله صلَّى اللَّه عليه وسلَّم، فلمَّا أَصْبحَ، قال: “قد رأَيْتُ الذي صنَعْتُمْ، فَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنَ الخُرُوجِ إلَيْكُمْ إلَّا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ علَيْكُم. قالَ: وَذلكَ في رَمَضَانَ”. المصدر مسلم وصحيح البخاري. والحديث صحيح.

صلاة التراويح مبادرة من عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)

ذكر (ابن المِـبْرد الحنبلي) في كتابه “محض الصواب” وهو علامة ولد في عام 909 هجرية، حيث شرح فيه أن نشأة صلاة التراويح ليست من وضع سيدنا عمر بن الخطاب، لكنه أي عمر: ” عمر .. أول من جمع الناس على قارئ واحد فيها، ‏فإنهم كانوا يصلون لأنفسهم فجمعهم على قارئ واحد…، وسُمِّيت (التراويح بهذا الاسم) لأنهم ‏يستريحون فيها بعد كلّ أربع”.

وقد حدد الإمام الطبري في كتابه (تاريخ الطب) أن تاريخ صدور أمْر سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) بجمع ‏الناس لصلاة التراويح، حيث قال في كتابه: ” إنه كان في سنة 14هـ/636م، وكتب بذلك إلى البلدان وأمرهم به”.

وفي وقتها قام سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) وأمر أن يكون هناك قارئ للصلاة بالرجال، وآخر للصلاة بالنساء.

ومن بين القُرّاء الذين كلفهم عمر (رضي الله عنه) في ذلك الوقت:

  • من قُرّاء الرجال: ‏أبيّ بن كعب الأنصاري وقد كان يصلي بالرجال (20) ركعة ثم يوتر، ويخفف من قراءة الآيات بقدر ما يزيد من الركعات.
  • ومن قُرّاء النساء: تميم بن أوس الداري، وسليمان ابن ‏أبي حَثْمَة القرشي.

وقد ذكر الإمام النووي في كتابه “تهذيب الأسماء واللغات” أن سيدنا علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه) “مرّ على المساجد في رمضان وفيها القناديل تـُزْهِر، فقال: نوّر الله على عمر قبره كما نور علينا ‏مساجدنا”، لأن أول من أمر بتعليق المصابيح في المساجد لتُضاء في رمضان هو سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، وهذا ما ذكره الإمام أبي بكر البيهقي في كتابه “شُعَب الإيمان” حين قال: ” أن أول من فعله عمر بن الخطاب لما جمع الناس في ‏التراويح”.

صلاة التراويح بِدْعَةٌ حسنة

كما ذكرنا في المقدمة لم تكن صلاة التراويح جماعة عندما جمع سيدنا عمر بن الخطاب الناس على صلاتها هي من الأمور المستحدثة، لأنه كما ذكرنا كان رسول الله ﷺ قد صلى بالصحابة ثلاث مرات صلاة التراويح ثم ترك صلاتها جماعة حتى لا تُفرض على المسلمين، فأصل هذه الصلاة موجود بأدائها جماعة، ولكن سيدنا عمر قد أعاد إحياء سنة رسول الله ﷺ بعد زوال العلة وهي وفاة النبي ﷺ.

ومن هنا استقر رأي علماء أهل السنة في حكم صلاة التراويح الفقهي على أنها (سُنّة لا فَرْض) واعتبروها بِدعَةٌ حسنة.

ومع ذلك ظهرت بعض الآراء التي أنكرت شرعية صلاة التراويح جماعة، واعتبرتها (بدعة عُمَرية).

المصدر:

  • الدرر السنية
  • البداية والنهاية لابن كثير
  • السنن الكبرى للبيهقي: (3/495)
شارك المعلومة؛ فالدال على الخير كفاعله