ما أحكام الهدايا عند فسخ الخطوبة ومتى يجب رد هدايا الخطوبة؟

تبادل الهدايا في فترة الخطبة يجعل العلاقة بين الخطيبين قوية، ولكن الأمر يصبح معقدًا في حالة فسخ الخطوبة والبحث عن طريقة للتعامل مع هذه الهدايا، هل يستردها الخطيب أم أنها تصبح من حق المخطوبة؟

غالبية الناس تلجأ إلى الشريعة الإسلامية أو إلى القانون للبحث في هذا الأمر والطريقة الصحيحة للتعامل في هذه المسألة، ونحن بدورنا سنوضح رأي المذاهب الأربعة والقانون السعودي (نظام الأحوال السعودي) حول هذه المسألة:

أحكام الهدايا عند فسخ الخطوبة في نظام الأحوال السعودي

بينت النصوص القانونية في نظام الأحوال السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/73) بتاريخ 1443/8/6هـ أحكام الهدايا التي يُقدمها الخاطب لخطيبته بعد فسخ الخطبة ومنها:

المادة الثالثة من النظام

وضحت المادة الثالثة من هذا النظام إلى أنه:

“جميع ما يقدمه الخاطب أو المخطوبة إلى الآخر خلال فترة الخطبة يعد هدية؛ ما لم يصرح الخاطب بأن ما قدمه يعد مهرًا أو يجر عرف على أنه من المهر”.

تعتبر هذه المادة أن كل ما يقدمه الخطيبين من أشياء لبعضهما البعض في هذه الفترة هو بمثابة هدية، وأن هناك بعض الهدايا التي يقدمها الخاطب لخطيبته يمكن أن تُعتبر من المهر باتفاق الطرفين والتصريح بذلك بينهما (كأن يُقدم لها ثياب، أو مجوهرات) وفي حال تم فسخ الخطوبة يتم استرداد الهدايا بناء على ما هو متعارف عليه من أحكام تتعلق بالمهر، وتعامَلْ الهدايا معاملة المهر (أي أنها مهر).

كما يُمكن ان تعتبر هذه الهدايا في عرف البلد الذي يعيش فيه الخاطبان من المهر المقدم للخطيبة، واستردادها يتم بما يتعلق بأحكام المهر أيضًا.

ملاحظة

بما أن هذه المادة ربطت فيما إذا كانت هذه الهدايا بين الخاطبين تعتبر من المهر بالاتفاق أو بالعرف فإن حكمها كما يلي:

  • إذا كانت الهدايا قد قدمت قبل عقد القران (عقد الزواج) ولم يتزوج الخطيبان نتيجة فسخ الخطوبة فللخطيب أن يستعيد هداياه حسب نوعها وقيمتها.
  • أما إذا قُدمت هذه الهدايا بعد عقد القران، ولم يتزوج الخطيبان بسبب فسخ الخطوبة ففي هذه الحالة لا يحق للخاطب استرداد الهدايا لأنها أصبحت جزء من المهر، والذي يعتبر حق من حقوق المخطوبة حسب الشرع.

المادة الرابعة من النظام

أشارت المادة الرابعة من نفس النظام على أنه:

“إذا عَدَلَ أي من الخاطب أو المخطوبة عن الخطبة بسبب يعود إليه، فليس له الرجوع في الهدية التي قدمها. وللطرف الآخر أن يسترد منه ما قدمه من هدية إن كانت قائمة وإلا بمثلها، أو قيمتها يوم قبضها، ما لم تكن الهدية مما يستهلك بطبيعتها.

وفي جميع الأحوال، إذا انتهت الخطبة بالوفاة، أو بسبب لا يد لأحد الطرفين فيه، فلا يسترد شيء من الهدايا”

وهذه المادة أكدت على حالة مهمة وهي أن يكون العدول عن الخطبة وفسخها من قبل أحد الطرفين (سواء الخاطب أو المخطوبة) وبسبب يعود له ولا يد للطرف الآخر به، حيث تبين هذه المادة بأنه عندما يقوم الخاطب مثلًا بفسخ الخطبة من جهته لأي سبب كان فلا يحق له استرداد هديته، سواء كانت هذه الهدية قد تم استخدامها مثل (العطور، أدوات التجميل، ألبسة، الخ) أو لم يتم استخدامها.

أما الطرف الآخر (المخطوبة) فيحق لها استعادة الهدايا التي قدمتها له، فإذا تم استخدامها وفقدت هذه الهدايا قيمتها فيجب على الخاطب الذي أنهى الخطوبة (فسخ الخطبة من جهته) أن يعيد لها ثمن الهدايا نقدًا. أما إذا لم تُستخدم هذه الهدايا فعندئذٍ يجب إعادة الهدية كما هي.

والمثال السابق يُطبق فيما لو كانت المخطوبة هي السبب في فسخ الخطبة.

ولكن هناك نقطة هامة في هذه المادة وهي نوع الهدية (ما لم تكن الهدية مما يستهلك بطبيعتها) لأن هناك بعض الأشياء المقدمة التي لا تحتمل البقاء ويجب استهلاكها فورًا (مثال على ذلك تقديم الأغذية من طعام أو حلوى) ففي هذه الحالة لا ينطبق عليها أحكام هذه المادة، وبالتالي كل ما يقدمه أحد الخطيبين للآخر من هدايا يمكن أن تُستهلك بطبيعتها فلا يجري عليها استردادها أو استرداد قيمتها أبدًا.

إليكم مثال أوضح على هذه المادة

 إذا قدم أحد الخطيبين قماشًا للطرف الآخر كهدية ثم فسخ الخطبة فحكم هذه الهدية كما يلي:

  • إذا كان هذا القماش كما هو لم يتم تفصيله وخياطته فيجب إعادته للطرف الآخر كما هو.
  • أما إذا تم تفصيله وخياطته ففي هذه الحالة يجب على الطرف الذي فسخ الخطبة واستهلك هذه الهدية أن يُعيد للطرف الآخر قيمتها نقدًا، أو يُقدم بديلًا عنها يتناسب معها (كأن يشتري قماشًا يماثل سعر القماش المقدم، أو قيمة ثمن القماش وقت تقديمه).
  • ولكن إذا كانت الهدية من نوع الهدايا التي يمكن أن تُستهلك (كأن يكون قد قدم أحد الخطيبين للطرف الآخر بعض المواد الغذائية (سمن، زيت، سكر، مثلًا) فهذه لا يمكن أن يجري عليها هذه الأحكام (أي لا تُسترد).

الفقرة الثانية من المادة الرابعة من النظام

بينت الفقرة الثانية من المادة الرابعة من نظام الأحوال السعودي على أنه:

“وفي جميع الأحوال، إذا انتهت الخطبة بالوفاة، أو بسبب لا يَد لأحد الطرفين فيه، فلا يسترد شيء من الهدايا”.

توضح هذه المادة أنه عند انتهاء الخطبة بين الطرفين بسبب وفاة أحدهما، أو كانت بسبب آخر ليس لأحد من الخطيبين تدخل فيه (ظرف قاهر) ففي هذه الحالات لا تسترد الهدايا بين الطرفين.  

رأي المذاهب الأربعة في أحكام الهدايا عند فسخ الخطوبة

رأي الحنفية

ذهب السادة الحنفية إلى اعتبار الهدايا بين المخطوبين لها حُكم الهبة، بحيث يجب إعادتها لصاحبها إلا إذا حصل لهذه الهدية أي مانع يمنع من استردادها ومن هذه الموانع مثلًا:

  • موت أحد الخطيبين (أي موت الواهب “الخطيب” أو الموهوب له “الخطيبة”).
  • تقديم العوض عن الهبة (كأن يقدم الطرف الذي فسخ الخطبة تعويضًا عن هذه الهدية أو بديلًا عنها).
  • إذا هلكت الهدية (مثال على ذلك إذا انكسرت أو انتهت صلاحيتها، أو ضاعت هذه الهدية).
  • إذا صارت الهدية ملكًا لشخص آخر غير المخطوبة يعني كأن تُقدم هذه الهدية لأحد أصدقائها فتصبح الهدية في هذه الحالة قد خرجت من ملكيتها وأصبحت ملكًا لشخص آخر غيرها. 

وقد بين ابن عابدين الحنفي ذلك بقوله:

“وكذا يسترد ما بُعث هدية وهو قائم دون الهالك والمستهلك، لأنه في معنى الهبة”.

معنى (القائم): أي مازالت الهدية موجودة كما هي لم تُستخدم (كتقديم جواهر أو ذهب).

معنى (دون الهالك): أي تكون الهدية قد تصرف بها الطرف الآخر (كتقديم عطر وتم استخدام جزء منه).

أما معنى (المُستهلك): فهو ما يسري عليه حكم الاستخدام (كتقديم ثياب، أو طعام، أو حلوى والتي يمكن استهلاكها فورًا).

رأي المالكية

فَصَل المالكية مسألة حكم الهدايا عند فسخ الخطوبة وذلك بالتمييز بين فسخ الخطبة من طرف الخاطب، أو كان من طرف المخطوبة، فأصحاب هذا المذهب لديهم رأيان في حكم الهدايا عند فسخ الخطوبة:

الرأي الأول: إذا تم العدول عن الخطبة من جهة الخاطب

فليس له حق استرداد الهدايا التي قدمها للمخطوبة مهما كانت هذه الهدايا سواء كانت مازالت على حالها أو أن الخاطبة استهلكتها أو استخدمتها، لأن هذه الهدايا هي بمثابة هبة بشرط إتمام الزواج بينهما، وبما أن فسخ الخطوبة كان السبب في عدم اتمام هذا الزواج فلا يحق له الرجوع بشيء من هداياه.

الرأي الثاني: إذا تم فسخ الخطبة من جهة الخاطبة

فللخاطب الحق في استرداد الهدايا المقدمة للخطيبة وفي هذا أمران: إن كانت الهدية ما تزال كما هي (لم تتغير أو تُستهلك) فإنه يستردها، أما إن استهلكت (أو استخدمت) الخطيبة شيئًا من هذه الهدية (كتقديم العطر واستخدام بعضًا منه) فللخاطب أن يسترد ما بقي منه، أو أن يسترد قيمة هذه الهدية نقدًا. لأنه كما قلنا في الفقرة السابقة أن هذه الهدايا قد قُدمت بنية اتمام الزواج، وإن فسخ المخطوبة للخطبة هو عدم تحقيق هذه النية أو الشرط المتفق عليه بينهما فلا يحق لها الاحتفاظ بهدايا الخاطب.

رأي الشافعية

للشافعية في حكم استرداد الهدايا عند فسخ الخطوبة قولان:

  • القول الأول: للخاطب أن يسترد هداياه عند فسخ الخطوبة (مهما كان نوع هذه الهدايا سواء طعامًا أو ثياب أو حلي (جوهر أو ذهب)، أو حلوى) وسواء كان فسخ الخطوبة من طرف الخاطب أو من طرف المخطوبة، وينطبق الأمر في حال وفاة أحد الخطيبين. ودليلهم في هذا القول هو “أن هذه الهدايا قُدمت من أجل الزواج، وبالتالي له حق استرداد هديته إن كانت ما تزال قائمة كما هي (لم تتغير) وإن أتلفت هذه الهدية أو تغيرت فله أن يسترد قيمتها”.
  • القول الثاني: إن كان فسخ الخطوبة من طرف المخطوبة فللخاطب الحق باسترداد هداياه، لأن هذه الهدايا قُدمت للخطيبة بنية الزواج منها، ولكن هذا الأمر لم يحصل، أما إن كان فسخ الخطوبة من قبل الخاطب فلا يحق له استرداد الهدايا، وهذا القول يلتقي مع ما قاله المالكية.

رأي الحنابلة

يعتبر الحنابلة أن الهدية بين المخطوبين هي هبة، ولكن الهبة لديهم لا يجوز الرجوع فيها أو استردادها (بعكس رأي الحنفية)، إلا إن كان الهدف من تقديم الهدية هو أنه في حال فسخ الخطبة فعلى الطرف الآخر أن يُعوّض عن هذه الهدية أو ما يسمى بتقديم العوض (حيث جُعل ” الخطيب مقدم الهدية” في هذه الحالة صاحب حق، لذلك له الأولوية في استرداد هبته ما لم يصل إليه التعويض من “الخطيبة” يعني تعويض الخاطب في حال فسخ الخطوبة)، إلا أنه في حالة الخطبة فالهدف من تقديم الهدايا هو للتقرب من المخطوبة لاتخاذها زوجة، ففي هذه الحالة يحق للخاطب أن يسترجع الهدايا سواء كان سبب فسخ الخطوبة من قبل الخاطب أو المخطوبة.

ويستدل أصحاب هذا المذهب بحديث رسول الله ﷺ (العائِدُ في هِبَتِهِ كالعائِدِ في قَيْئِهِ) رواه عبد الله بن عباس، والحديث صحيح، حيث يعتبر أصحاب هذا الرأي على أن الهدايا هي هبة كالبيع وكونها بمقابل (أي للزواج الذي لم يتم) فيجوز الرجوع فيها واستردادها.

المصادر:

شارك المعلومة؛ فالدال على الخير كفاعله