يعيش في بيئتنا المحيطة الكثير من الحشرات، ولكن لم يتم تدجين أي منها ما عدا دودة القز التي أثبتت أنها حشرة مفيدة جدًا للإنسان، بسبب خيوط الحرير التي تهبها يرقاتها له، والتي أصبحت تجارة رابحة على مر العصور. حيث استخدمها البشر في صنع الملابس والأقمشة الحريرية الفاخرة.
يعمل مربوا دودة القز المدجنة على إنشاء بيئة مناسبة لتربيتها حيث يعمدوا إلى وضع أوراق شجرة التوت في صندوق من الورق المقوى ثم توضع اليرقات فوقها، مع تأمين كمية وفيرة من هذه الأوراق الطازجة والضرورية لنموها، إذ أنها تأكل ما يكفي لنموها 10.000 مرة أكثر مما كانت عليه عندما تفقس، وقد عرفت باسم الحشرة الإلهية.
أصل وتاريخ دودة القز
دودة القز هي أحد أنواع ديدان الشرنقة، وتعد الشكل اليرقي لفراشة الحرير المدجنة (mori – Bombyx) بومبيكس موري، التي تم تدجينها في موطنها الأصلي في شمال الصين ، منذ حوالي 3500 عام قبل الميلاد من الصنف البري (Bombyx Mandarina) والذي لا يزال يعيش في البراري حتى يومنا هذا. حيث تعمل حشرة الحرير على صنع شرنقة لتتحول إلى فراشة لاحقًا إلا أن مربيّ دودة القز يقومون ببساطة بتفكيك الشرانق، للحصول على الخيوط الحريرة الدقيقة القوية جدًا.
تعد الصين موطن صناعة الحرير بلا شك، حيث اكتشف الصينيون أن كل شرنقة من شرانق دودة القز تنتج ما بين (100- 300 متر) من خيوط الحرير التي يمكن لفها ونسجها، مما جعل تربية دودة القز سمة مهمة للاقتصاد الريفي الصيني. وتحولت حياكة الحرير إلى صناعة رئيسة وأحد أهم صادرات الصين في عهد أسرة هان عبر طريق القوافل المار بآسيا الوسطى، المعروف باسم طريق الحرير، حيث نقل الحرير الصيني إلى سوريا ثم إلى روما. في القرن الرابع قبل الميلاد.
خصائص دودة القز
تشبه ديدان القز حديثة الفقس خطوط قلم رصاص رفيعة على الورق، وبعد 4 إلى 5 أسابيع ستتحول هذه الخطوط الرفيعة إلى ديدان بيضاء بطول 6 إلى 8 سم برأس لامع. تمتلك دودة القز البالغة ثمانية أزواج من الأرجل والعصابات على أجسامها. دودة القز، مثل غيرها من الحشرات، ليس لديها رئة وتتنفس من خلال الثقوب الموجودة في أجسامها.
تخزين دودة القز
يجب تخزين ديدان القز في بيئة جافة وباردة وجيدة التهوية. كما يجب الإحتفاظ بهذه الديدان بعيدًا عن أشعة الشمس المباشرة، كما أنه من الضروري تنظيف مكان تخزينها يوميًا. حيث يؤدي وضع هذه الديدان تحت الأوراق الذابلة والمبللة إلى اختناقها أو إصابتها بعدوى مختلفة. لذا فإن وضع ورقة من الجرائد يجعل عملية التنظيف أسهل بكثير. وينصح بجعل بيئة تربية الديدان جافة قدر الإمكان للحفاظ على صحتها خلال عدة أسابيع من حياتها.
دورة حياة دودة القز
تمر ديدان القز بأربع مراحل من التطور خلال حياتها، والتي تمر بها معظم الحشرات الأخرى:
- بيضة.
- يرقة.
- شرنقة.
- البوبا أو الخادرة.
- الفراشة.
1 – البيضة
في بداية كل صيف تخرج عثة دودة القز من الشرنقة. حيث تضع الأنثى بعد التزاوج 400 بيضة صغيرة. وفي غضون أسبوعين تقريبًا، تفقس الديان الصغيرة من البيوض، حيث يصل طولها إلى 3 ملم، وتعرف هذه الديدان باليرقات.
2 – اليرقة
وهي الدودة الصغيرة التي تفقس من البيضة والتي تنمو بسرعة بعد أن تُعطى أوراق التوت الطازجة التي تأكلها بشراهة. من الضروري بعد ملاحظة أولى علامات الفقس، وضع اليرقات في غرفة مظلمة تمامًا بدرجة حرارة 25 درجة مئوية و رطوبة 80 ٪ ليستمر التفقيس المنتظم لمدة ثمان وأربعين ساعة. يكون لون البيض أزرق فاتح في البداية ثم يتحول للون القاتم قبل اقتراب التفقيس و خروج الديدان من البيضة. حيث تشبه ديدان القز حديثة الفقس خطوط قلم رصاص رفيعة على الورق.
3 – الشرنقة
بعد حوالي الشهر تبدأ كل دودة قز (يرقة) في تدوير شرنقة حول نفسها، ويتم ذلك عن طريق الغدة الإفرازية لها، حيث تفرز خيطًا ناعمًا من الحرير، وبعد ذلك يتم تحضيره بالغراء، وتلتصق خيوط الشرنقة معًا في سطح مستو. يستغرق هذا العمل ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ، ويمكن أن تزن الشرنقة ما بين 1.5 إلى 2.5 غرام. على الرغم من أن الشرنقة لا تستخدم كمنتج رئيس، إلا أنها تستخدم في تحضير الحرير الخام. تتكون الشرنقة من 300 إلى 900 متر من الحرير الأساس، وتتميز هذه الألياف بأنها رقيقة جدًا، وبشكل عام نحتاج من 2000 إلى 3000 شرنقة لإنتاج حوالي 500 غرام من الحرير.
تركيب شرنقة دودة القز:
شرنقة دودة القز عبارة عن جسم بيضاوي صغير يحتوي على حوالي 98 ٪ بروتين والباقي عبارة عن ألياف وكربوهيدرات. يتكون بروتين شرنقة دودة القز من الفبروين والسيريسين. الحرير الفيبروين، هو نوع من البروتين الليفي وبوليمر، أما السيريسين فهو بروتين يحتوي على 18 نوعًا من الأحماض الأمينية، وتبلغ نسبة الأحماض الأمينية من نوع هيدروكسي في السيريسين 2.45 ٪، كما أن 42.3 ٪ من السيريسين عبارة عن حمض أميني قطبي و 12 ٪ من الأحماض الأمينية المتبقية غير قطبية. الكربوهيدرات هي واحدة من البوليمرات الأساسية في الحياة، وهي جزء لا يتجزأ من جسم الإنسان.
4 – الخادرة
تسمى دودة القز، التي أحاطت نفسها بالشرنقة، الخادرة والتي ستتحول إلى فراشة إذا سمح لها المربي بذلك، حيث يتراوح طول خيط الحرير الذي أحاطت نفسها به من 300 إلى 900 متر، ولمنع تحول الخادرة إلى فراشة يتم تعريض الشرنقة لأشعة الشمس لعدة ساعات حتى تموت الخادرة بداخلها، ثم يتم غلي الشرنقة في الماء الساخن للحصول على بداية الخيط الحريري الذي يُغزل لتحويله إلى قماش.
5 – الفراشة
إذا سُمح للشرنقة أن تنمو أكثر، فإن هذه الحشرة ستمزق خيوط الشرنقة إلى قطع وتخرج منها، وبالتالي لن تكون الشرنقة صالحة للاستعمال. لذا في مزرعة دودة القز، يُسمح فقط لعدد محدد من العث البالغ، وحسب الحاجة، بمغادرة الشرنقة. تتميز فراشة دودة القز بأن لها لون أصفر وجسم كثيف الشعر، كما أن عمر الفراشة البالغة قصير جدًا، حيث يبلغ العمر الافتراضي لهذه الديدان حوالي من 20 إلى 35 يومًا، إلا أنه يكفيها لوضع البيوض. كما أن ديدان القز لا تستطيع الطيران لأن أجسامها تزن أكثر من أجنحتها.
تغذية دودة القز

تعتمد دودة القز، من صنف عثة Bombyx mori، التي تنتج أجود وأنقى أنواع الحرير، على أوراق شجرة التوت للتغذية والتي يجب توفيرها فور فقس البيوض. حيث تتوفر أوراق التوت الطازجة عادًة في أوائل الربيع، تتغذى ديدان القز على نظام غذائي يتكون فقط من أوراق التوت المفرومة. يتم إطعام ديدان القز كل نصف ساعة على مدار اليوم. مما يسمح لها بمضاعفة وزنها بمقدار 10000 مرة في الشهر.
عند جمع كمية كبيرة من أغصان شجرة التوت ذات الأوراق الطازجة لاستخدامها لاحقًا كاحتياطي غذائي، يجب وضعها في محلول مطهر لمدة ثلاث دقائق ثم تُغسل هذه الأوراق جيداً تحت الصنبور حتى تمام نظافتها، حتى لا تقتل الديدان، ثم يتم التخلص من الماء الزائد عن طريق هز الأوراق، حيث تُخزن في أكياس بلاستيكية في مكان بارد.
استخدامات شرانق دودة القز
تعد شرانق دودة القز اليوم مصدرًا جيدًا للكثير من الصناعات حول العالم بسبب تركيب شرانقها الرائع، حيث تُعد إحدى الركائز الأساس في صناعة مستحضرات التجميل والأقمشة النفيسة. بالإضافة إلى استخدامها في الصناعات التالية:
1 – في الصناعة العسكرية
صناعة البدلات العسكرية المقاومة للرصاص، حيث يتم تجهيزها من مزيج من شرنقة دودة القز مع راتينج خاص ثم يتم ضغطها هيدروليكيًا، مما يجعلها مقاومة وخفيفة. يتراوح سمك هذه السترات من 14 إلى 20 مم، ويتراوح وزنها من 2.5 إلى 4 كغ، وسعرها ثلث سعر السترات العادية.
2 – صناعة النسيج
يُعد الحرير من الخيوط الأجود والأقوى والأكثر متانة و لمعانًا في العالم. لذا يستخدم في نسج الأقمشة الحريرية الفاخرة التي تسابق إلى اقتنائها الملوك والأمراء قديمًا.
3 – الصناعات الطبية
يستخدم الحرير في الضمادات المتطورة للقضاء على البكتيريا وتقليل خطر حدوث الالتهاب. كما يمكن استخدامه لتقوية العظام مثل البلاتين والمعادن، إلا أن امتصاصها أفضل من قبل الجسم. يعد استخدام هذه الشرانق لإنتاج منتجات جراحية مثل غرسات الدماغ والأدوات البصرية أو داعمات الخلايا والمواد الهلامية اللاصقة أمرًا شائعًا لأنها متوافقة تمامًا مع جسم الإنسان.
4 – صناعات مستحضرات التجميل والنظافة
يحتوي الحرير على مواد مغذية للغاية للبشرة، لذا يستخدم على نطاق واسع في صناعة مستحضرات التجميل، التي تعمل على ترطيب وتفتيح البشرة.
فوائد شرنقة دودة القز التجميلية
- مقشر للجلد، حيث يعمل على تنظيف البشرة من الرؤوس السوداء.
- شد الجلد و إزالة التجاعيد في أقل من ثلاثة أسابيع. بسبب احتوائه على مادة السيريسين، الذي يعد مصدر الكولاجين الممتاز للبشرة.
- تطهير البشرة و إغلاق مسامها.
- التخلص من الانتفاخات تحت العينين.
أسئلة شائعة عن دودة القز
يتبادر إلى الأذهان العديد من الأسئلة حول المخاطر وطرق تربية وتغذية هذه الدودة، من أبرز هذه الأسئلة:
1 – هل تأكل دودة الشرنقة العسل؟
نعم، تتغذى هذه الديدان على شمع العسل وهي قادرة على هضم وتحويل البولي إيثيلين إلى علايكول الإيثيلين.
2 – هل تأكل دودة الشرنقة الأوراق الفاسدة؟
لا … فهذه الديدان تفضل أكثر أوراق التوت الطازجة والنضرة.
3 – ما مدى سرعة إزالة البلاستيك بواسطة دودة الشرنقة؟
يستطيع هذا النوع من الديدان أن يمضغ الأكياس البلاستيكية المصنوعة من البولي إيثيلين في غضون 40 دقيقة.
4 – ما المخلوقات التي تأكل هذه الدودة؟
تعد دودة القز مثل غيرها من الكائنات طعامًا للعديد من الحيوانات. حيث تتغذى الضفادع والعديد من الطيور على هذه الدودة.
حقائق مذهلة عن دودة القز

- تتمتع ديدان الشرنقة (الخادرة) بميزة مدهشة حيث أنها تستطيع مضغ الأكياس البلاستيكية مما يشكل مفتاح حل لمشكلة التلوث الناتجة عن البلاستيك. حيث يمكنها بسهولة تناول كيس بلاستيكي في أقل من ساعة لذا تعد فعالة للغاية في إزالة النفايات البلاستيكية حتى اليوم.
- دودة القز تضاعف وزنها 10000 مرة. بعد حوالي شهر واحد، لديها ما يكفي من الطاقة المخزنة وبدأت في تدوير شرنقتها.
- الشرنقة البيضاء الرقيقة التي تغزلها دودة القز هي خيوط طويلة من الحرير، والتي يتراوح طولها عادة بين 600 و 900 متر أو بطول 1600 ياردة.
- يتم لف أربعة إلى ثمانية من خيوط الحرير معًا للحصول على خيط واحد من خيوط الحرير.
- أجود أنواع الحرير تأتي من ديدان القز التي تنتجها عثة بومبيكس موري. لا تستطيع العثة الطيران ولا تستطيع الرؤية. وظيفتها الوحيدة هي وضع البيض. تضع العثة ما يقرب من 500 بيضة خلال فترة تتراوح من 4 إلى 6 أيام. بعد ذلك بوقت قصير تموت العثة.
- الحرير الذي يتم الحصول عليه من ديدان القز البرية، على الرغم من أنه لا يزال جيدًا، ليس بجودة عالية مثل حرير دودة القز التي يتم تدليلها وتغذيتها بنظام غذائي حصري من أوراق التوت. يتعين على ديدان القز البرية أن تأكل أي طعام متاح، لذا فإن خيوط الشعيرات التي تنسج شرانقها منها ليست بيضاء مثل ديدان القز المرباة الأسيرة، كما أنها ليست ناعمة ومستديرة.
- المادة الطبيعية الموجودة في شرنقة دودة القز تحميها من التهديدات الطبيعية المختلفة ولا تتضرر أثناء عملية تحويل الخيوط إلى نسيج حريري.
المصادر
- الدليل الكامل لتربية دودة القز والحفاظ عليها – موقع namnak
- أنواع الديدان التي تصنع الشرنقة – موقع happypet
- شرنقة وخيط وتطور دودة القز – موقع daneshchi